أسباب صراخ وعصبية الرضيع وعلاج بكاء الرضيع الشديد
تشير الأبحاث أن نبرة صراخ الرضيع العالية والبكاء الشديد وغير الطبيعي من أهم الدلائل على إصابات ما حول الولادة والمشاكل العصبية عند الرضع أو العدوى والمرض غير المكتشف، ويعتبر الكشف المبكر عن سبب "الصراخ اليائس للرضيع" والبكاء الشديد أمراً بالغ الأهمية، لذلك ينصحكِ الأطباء باتباع حدسكِ لتمييز البكاء غير الطبيعي وعدم التردد بمراجعة الطبيب.
الصراخ عند الرضيع طريقة طبيعية من طرق تعبير الطفل عن نفسه وعن مشاعره أو أحاسيسه الجسدية، حيث تعتبر نوبات البكاء والزعيق من المظاهر الطبيعية لتطور نمو الطفل، وتبدو واضحة بشكل خاص خلال السنوات الثلاثة الأولى، حيث يبدأ الطفل باكتساب قدرة أكبر في السيطرة على الصراخ والغضب مع تقدمه في العمر. [1]
كما أن حدة الصراخ والبكاء عند الأطفال تختلف من طفل لآخر، حيث يعاني بعض الآباء من نوبات الصراخ الكثيفة والمتتالية والنزق والزعيق دون أسباب خطيرة أو واضحة، فيما يُظهِر أطفال آخرون قدراً أقل من العصبية والصراخ، وفي الحالتين يعتبر الصراخ والزعيق والبكاء والأنين من الطرق الطبيعية التي يستخدمها الرضيع للتعبير عن الغضب والإحباط وحتى في طلب الحاجات الأساسية من أهله، وفي مرحلة لاحقة مع تطور المهارات الحركية تتطور هذه الطرق إلى الركل والضرب وحبس النفس والاستلقاء على الأرض... إلخ.
هذا لا يعني أن يهمل الأهل صراخ الرضيع أو يستخفوا به، لكن لا يجب أن يبالغ الأهل بالقلق من صراخ الطفل الرضيع، وعليهم محاولة فهم ما يريده الرضيع أو يحتاج إليه أو يشعر به ويعبّر عنه بالصراخ والبكاء والعصبية، ثم عليهم أن يعرفوا العلامات التي تتزامن مع البكاء الشديد وتدل على وجود مشكلة خطيرة.
يبكي الطفل الرضيع بمعدل ساعة إلى ثلاث ساعات يومياً، وذروة بكاء الطفل الرضيع تبدأ بين الأسبوع السادس والثامن من عمره حيث يكون الطفل أكثر هدوءً قبل ذلك، وعادةً ما يبدأ معظم الأطفال بالهدوء بين الشهر الثالث والرابع، حيث يقل عدد مرات بكاء الرضيع ويتناقص طول نوبة البكاء أو الصراخ بسبب تطور حواس الطفل وإدراكه وتطور قدرته على ضبط النفس، ويقل البكاء والصراخ بشكل كبير بعد الشهر الثامن من حياة الطفل. [2]
لكن حتى في هذا العمر -حيث يعتبر البكاء والصراخ طبيعياً- يجب أن تكون تهدئة الرضيع ممكنة، وعندما يدخل الطفل في نوبة بكاء وصراخ دون القدرة على تهدئته أو مواساته فقد يدل ذلك على البكاء من الألم، ما يستوجب مراجعة الطبيب لمعرفة سبب نوبات البكاء والصراخ الطويلة والمستعصية.
من جهة أخرى لا يتوقف الرضيع عن البكاء والصراخ بعد تجاوز الشهر الثامن، لكن معدل المرات وطول النوبة الواحدة يختلف بشكل جذري، كما يلاحظ الأهل بدايات استخدام الرضيع للبكاء كوسيلة للاعتراض أو لفت الانتباه، والمعيار الأساسي هو إمكانية تهدئة الطفل ما يعني أن نوبة البكاء أو الصراخ في حدود الطبيعة.
يتم تحديد أسباب صراخ وبكاء الرضيع بين أسباب طبيعية وأسباب غير طبيعية على الشكل التالي:
- الجوع أو الشبع المفرط: تأكدي أن طفلك يحصل على كمية مناسبة من الطعام ولا تجبريه على الرضاعة عندما يشعر بالشبع.
- الحفاض المبلل والمتسخ: تأكدي من نظافة الحفاض عندما يبدأ طفلك بالصراخ والبكاء، وتأكدي أيضاً من عدم وجود تسلخات أو مشاكل في منطقة الحفاظ، افحصي كيس الصفن عند الذكور وما حول الفخذ.
- مغص الرضيع ومشاكل الهضم: المغص شائع لدى الرضع خاصة في الشهور الأولى، وعادةً ما تظهر أعراض المغص ببكاء محموم وحني الظهر ونوبات متكررة وطويلة نسبياً.
- الحساسية عند الرضيع: سواء حساسية الحليب أو الحساسية تجاه بعض المكونات التي تنتقل إلى الطفل من حليب الأم، أو الحساسية تجاه الضوء والضجيج نتيجة تأخر نمو الجهاز العصبي.
- الكافيين الذي تتناوله الأم: الكافيين الذي يصل إلى الرضيع من حليب الأم قد يكون سبباً للعصبية والبكاء، حاولي تقليل شرب القهوة والمنبهات خلال فترة الرضاعة.
- النعاس والتعب: أحياناً يكون النعاس سبباً مباشراً لدخول الرضيع في نوبة البكاء الشديد والعصبية، وقد لا يستطيع الرضيع النوم بسهولة على الرغم من التعب بسبب الجوع أو الألم أو حتى دون سبب واضح، احملي طفلك ودندني له أغنية بعد التأكد أنه شبعان وحفاضه نظيف.
- الملل ولفت الانتباه: البكاء من الأساليب المبكرة التي يتبعها الأطفال في لفت الانتباه أو التعبير عن الضجر والملل، حتى إن لم يصل طفلك إلى عمر التفاعل معكِ حاول أن تسليه وتتواصلي معه.
- الثياب الزائدة أو الضيقة: الحر الشديد أو البرودة من الأسباب الشائعة لعصبية الرضيع، تأكدي أن طفلك يلبس ثياباً بمقاس مناسب وعدد طبقات منطقي.
- الألم والمرض: سيكون بكاء وصراخ الألم مميزاً، عندما تشعرين أن طفلك يعاني من ألم شديد لا تترددي في طلب المساعدة من الطبيب المتخصص، كما يجب عليك إجراء فحص سريع من خلال لمس جسد الطفل والانتباه إن كان هناك مكان في جسده يسبب ألماً أكثر، افحصي منطقة الحفاض، وتأكدي من عدم وجود شعر ملتف على إصبعه، وافحصي جلده للتأكد من عدم وجود انتفاخ أو طفح أو تغير في اللون.
- مشاكل النمو العصبي: الأطفال الذين يولدون مبكراً أو يعانون من مشاكل مزمنة أو مؤقتة في نمو الجهاز العصبي؛ أكثر بكاءً وصراخاً من الأطفال الطبيعيين، ناقشي طبيب الأطفال حول سلامة الجهاز العصبي لطفلك، وغالباً ما يمكن اكتشاف هذا النوع من المشاكل مبكراً من خلال ملاحظة حساسية الطفل الزائدة للضوء أو الصوت. [3,4]
إذا كانت نوبات البكاء والصراخ عند الرضيع مرتبطةً بوقت الرضاعة فيجب على الأم أن تنظر ببعض العوامل التي تثير غضب الرضيع أو انزعاجه عند الرضاعة، منها وجود روائح مزعجة أو طعم مزعج، أو عدم تقبل حليب الأم والحساسية من مكوناته، إضافة إلى مشاكل البلع عند الرضيع الناتجة عن القلاع أو التهاب الحلق أو مشاكل أخرى، أو انسداد أنف الرضيع...إلخ.
هذه الأسباب وغيرها تسبب غضب وعصبية الرضيع والبكاء الشديد أثناء الرضاعة، وقد تصبح فترة الرضاعة متعبة جداً للأم والطفل بسبب البكاء والصراخ والتشنج، اقرأي أكثر عن أسباب بكاء الرضيع عند الرضاعة الطبيعية والصناعية وحلولها من خلال النقر على هذا الرابط.
هناك بعض العلامات الأساسية التي تدل على نوبة بكاء وصراخ غير طبيعية عند الرضع، أبرز هذه العلامات:
- البكاء أكثر من ثلاث ساعات في اليوم وبشكل يومي مع عدم القدرة على تهدئة الرضيع.
- البكاء الشديد المفاجئ وتغير نمط بكاء الرضيع، حيث يدرك الأهل نمط ومعنى بكاء الطفل الرضيع إن كان من الجوع أو العطش أو الملل، لكن عندما لا يكون البكاء طبيعياً سيلاحظ الأهل تغيّراً في نمط وطريقة الصراخ والبكاء.
- البكاء الشديد لفترة طويلة، فإذا كان سبب بكاء الرضيع من الأسباب الطبيعية لا يفترض أن يستمر بالصراخ والبكاء بعد تلبية حاجته، لكن عند عدم القدرة على إسكات الرضيع وتهدئته فهناك ما يجب البحث عنه وفهمه.
- ظهور أعراض أخرى مع البكاء مثل تغير اللون أو صعوبة التنفس أو الانقباضات والتشنجات الواضحة في جسم الرضيع أو تصلب البطن وضم الساقين، أو ارتفاع حرارة الجسم وانخفاض حرارة الأطراف.
- تزامن البكاء والصراخ مع نشاط معين، مثل البكاء عند التبول أو البكاء عند الرضاعة أو الصراخ عند لمس جزء معين من جسم الرضيع.
- رصد البكاء الشديد والصراخ مع حالات تحسسية، أبرزها الحساسية للضوء والضجيج وحساسية الطعام والحليب.
- وجود مشاكل في الانتباه والتواصل البصري والسمعي والتطور العام تزامناً مع نوبات البكاء والصراخ الطويلة لدى الأطفال أكبر من 3 أشهر.
- أنين الطفل وانخفاض نشاطه وعدم قدرته على الحركة بشكل طبيعي.
- تشعرين أن طفلك ضعيف ولا يرضع كالعادة، ويعاني من اضطرابات الشهية والنوم.
- فهم سبب بكاء الرضيع الشديد: عدما تظهر العصبية على الرضيع ويبدأ نوبة البكاء عليكِ محاولة فهم سبب البكاء أو الصراخ، وعادةً ما تستطيعين إدراك نبرة صوت بكاء طفلك وصراخه بعد فترة وتعرفين إن كان يبكي من الجوع أم من الألم، مع ذلك قومي دائماً بفحص طفلك وتأكدي من حرارته وظهور أي أعراض أخرى تزامناً مع الصراخ غير الطبيعي.
- الحمل والعناق: حمل الطفل وعناقه من أهم طرق تهدئته، وفي كثير من الحالات يكفي حمل الطفل لإيقاف نوبة البكاء بينما تبدئين بتغيير حفاضه أو عرض الرضاعة عليه.
- الحركة المتواترة: مثل هزِّ الطفل بلطف أو بالكرسي الهزاز، والمشي بالطفل أو وضعه بالعربة والمشي بها، هذا النمط من الحركة الروتينية يساعد على تهدئة الطفل.
- تأمين جو مناسب: خاصة بالنسبة للأطفال الذين يعانون من مشاكل نمو الجهاز العصبي وتكون لديهم حساسية عالية من الضوء، حاولي أن تقللي الإضاءة والضجيج حول الطفل عند نوبة البكاء والصراخ، إن هدأ بهذه الطريقة قد يكون سبب بكائه هو الضوء الساطع.
- تمارين الاسترخاء والتدليك: والتي تساعد على تهدئة الطفل من خلال التواصل باللمس، كما تساعد على إخراج الغازات وتخفيف آلام البطن ومغص الرضيع.
- استخدام أدوية المغص والارتجاع: يعاني الكثير من الأطفال من مشاكل الهضم في الشهور الأولى مثل القيئ والارتجاع الحمضي وتقلصات المعدة والأمعاء، وهناك مجموعة من الأدوية الآمنة لعلاج هذه المشاكل يمكنها المساعدة بعد استشارة الطبيب المختص، منها مثلاً قطرة بيبي ريست.
- مهدئات الأطفال: لا تستخدمي مهدئات الأطفال دون استشارة الطبيب، تعمل هذه المهدئات مع الأطفال الرضع الذين يعانون من مشاكل عصبية مؤقتة أو مزمنة وتعطي فعالية كبيرة في السيطرة على نوبات البكاء الشديد والصراخ، استشيري طبيب الأطفال أولاً.
- اتركيه يبكي قليلاً: هناك جدل كبير حول إهمال بكاء الطفل الرضيع، حيث تميل بعض المدارس التربوية المدعومة بآراء علمية أن ترك الرضيع يبكي قليلاً قبل حمله أو محاولة تهدئته قد يكون مفيداً له أكثر من محاولة إسكاته فوراً، لكن هذا لا يعني إهمال الرضيع تماماً عندما يبكي، والأهم أن يكون بكاؤه طبيعياً لا يعبّر عن ألم، وسنتحدث أكثر عن هذه النقطة في الفقرة الأخيرة.
- الصبر والهدوء: في بعض الحالات قد تستمر نوبات صراخ الرضيع وبكائه لفترة طويلة فتكون مرهقة للأم، لكن مع استبعاد الأسباب المرضية يجب أن تكوني صبورة وهادئة فهذا يساعد طفلك أيضاً على الهدوء. [5,6,7]
مراجعة الطبيب بسبب بكاء الرضيع المستمر
عند مراجعة الطبيب بسبب البكاء الشديد والصراخ المستمر للرضيع عليكِ أن تنتبهي إلى بعض الأمور وتخبري بها الطبيب، أهمها:
- إن كان بكاء الرضيع يرتبط بعوامل محددة مثل الرضاعة أو التبول والتبرز.
- إن كان هناك وقت ثابت لبكاء الطفل صباحاً أم مساءاً.
- تأكدي أيضاً أن تخبري الطبيب بالإجراءات الفعالة وغير الفاعلة في نوبة البكاء الشديد.
- سيكون من الجيد أن تسجلي مدّة نوبة الصراخ والبكاء وكم مرة تتكرر في اليوم.
هذه المعلومات ستساعد الطبيب المختص على تشخيص حالة الرضيع وتقديم العلاج والنصائح الأنسب.
في كتابه "أسعد طفل في الحي" حدّد الدكتور هارفي كارب خمسة إجراءات أساسية تساعد في تهدئة الطفل الرضيع عند البكاء والصراخ "Five S’s for soothing a crying baby" وتعمل هذه الإجراءات على محاكاة الرحم وتنشيط ردود فهل مهدئة لدى الطفل، وهي فعالة بشكل خاص في الشهور الثلاثة الأولى:
- القماط ولف الطفل Swaddling ما يشعره بالأمان والراحة، لكن احذري من المبالغة بشد القماط واختاري قماش مناسب للطقس.
- الوضع الجانبي أو على البطن Side or stomach position وتعتبر هذه الأوضاع من الطرق التي تساعد على تقليل المغص وإخراج الغازات وتهدئة الرضيع.
- الهدوء Shushing من خلال تقليل الضجيج حول الرضيع، ويمكن استخدام الضوضاء البيضاء مع الحذر من أضرارها المحتملة.
- الهز والأرجحة Swinging لكن يجب تجنب الهز العنيف للرضيع.
- المص Sucking من خلال إعطاء الطفل اللهاية.
البكاء بحد ذاته لا يشكل خطراً على الرضيع، حتى الصراخ والزعيق لا يمكن أن يشكل خطراً على الطفل إذا كان في الحدود الطبيعية، لكن ما يمكن أن يكون خطيراً هو البكاء المفرط وترك الطفل يبكي دون تقديم المساعدة له وتهدئته، حيث تشير الأبحاث أن البكاء المفرط عند الرضع يساهم في تطور مشاكل عصبية وعقلية قد تقود لاضطرابات خطيرة مثل اضطراب فرط النشاط والحركة.
يعود ذلك إلى التغيرات التي تحصل في البنية العصبية عند الرضيع عندما يتم تركه يبكي وحيداً لفترة طويلة، وقد أشار باحثون في جامعة ييل وكلية الطب في جامعة هارفارد أن الإجهاد الشديد الذي يتعرض له الطفل الرضيع نتيجة البكاء المفرط والإهمال الأبوي قد يسبب تغيراً في أنظمة الناقل العصبي للدماغ وتغيرات هيكلية ووظيفية في مناطق الدماغ مشابهة لتلك التي تظهر عند البالغين المصابين بالاكتئاب. [8]
كما أن البكاء المفرط عند الرضيع قد يكون مسؤولاً عن تغيرات مزمنة في السلوك والشخصية نتيجة فرط الأدرينالين، وقد يصبح الطفل عدوانياً واندفاعياً وغير قادرٍ على ضبط نفسه في المستقبل.