مفهوم الرضا الوظيفي وعوامل مؤثرة بالرضا الوظيفي
الرضا الوظيفي مؤشر غير قابل للقياس Unquantifiable metric لأن مفهوم الرضا الوظيفي مفهوم عاطفي ويعود تقديره للموظف نفسه، مع ذلك تحاول المؤسسات تطوير بعض المقاييس لتتبع الرضا الوظيفي في مكان العمل مثل استطلاعات الرضا الوظيفي، وتحليل بعض الإجراءات وتأثيرها على الإنتاج والرضا، لكن لماذا تتسابق شركات العالم الحديث في تحقيق أعلى معدلات الرضا الوظيفي لديها؟ ما أهمية الرضا الوظيفي وما هي العوامل المؤثرة بالرضا الوظيفي؟ الإجابة في الفقرات القادمة.
تعريف الرضا الوظيفي Job Satisfaction أنه استجابة عاطفية تكشف رضا الموظف عن عمله، ويقوم مفهوم الرضا الوظيفي على تقييم الحالة العاطفية والنفسية المرتبطة بأداء المهام الوظيفية والتواجد في مكان العمل، كما يتم تعريف عدم الرضا الوظيفي أنه استجابة عاطفية غير مريحة بسبب تقييم العمل أنه محبط أو عديم القيمة أو لا يحقق القيّم الوظيفية والشخصية.
يتحكم الرضا الوظيفي بموقف الموظفين من أعمالهم، وهو محصلة لمجموعة كبيرة من العوامل التي تخلق الرضا أو السخط، لكن هذه العوامل مرنة للغاية وتختلف من موظف لآخر ومن بيئة عمل إلى أخرى، لذلك يقترح الخبراء الإداريون أن يكون بناء عوامل الرضا الوظيفي متعدد الأبعاد يراعي الفروق الفردية وخصوصية بيئة العمل. [1,2]
تهتم الإدارة والموارد البشرية بفهم العوامل المؤثرة بالرضا الوظيفي لتصميم الإجراءات الملائمة لدعم رضا الموظفين، ومن أبرز هذه العوامل:
- الاحترام في بيئة العمل: يتصدر الاحترام في مكان العمل رأس قائمة العوامل المؤثرة بالرضا الوظيفي، ويتضمن الاحترام طريقة التعامل مع الموظفين والتواصل معهم وحتى نوعية الرقابة المفروضة عليهم وكيفية إنذارهم ومعاقبتهم.
- الأجور والحوافز المادية: الأجر العادل من العوامل المهمة جداً لتحقيق الرضا الوظيفي، وغالباً ما يقيّم الموظفون موقفهم من المؤسسة والعمل من خلال شعورهم بالكفاية المالية أو العدالة في الأجر والحوافز المادية، وهذا ما يدفع العديد من المؤسسات إلى وضع أنظمة مكافآت وعلاوات مادية مستقرة ومنتظمة.
- الترقيات والتدرج الوظيفي: لا أحد يرغب بوظيفة ثابتة لا مجال فيها للترقية والتطور، وغالباً ما يسجل الموظفون في هذا النوع من الوظائف معدلاً متدنٍ من الرضى الوظيفي، فيما تمثل الترقية والمنافسة حافزاً مهماً للموظفين في الوظائف الواعدة.
- الجدوى من العمل: مفهوم الجدوى من العمل مفهوم واسع ومتشعب، يبدأ من شعور الموظف بجدوى عمله عليه شخصياً وإن كان العمل يمنحه فرص التحدي والتطور، ولا ينتهي بملاحظة الموظف لجدوى عمله على إنتاجية الشركة ونمائها، وفي كثير من الأحيان تكون البيروقراطية والأعمال غير المجدية سبباً كافٍ للسخط وعدم الرضا.
- الثقة المتبادلة: تنعكس ثقة الموظف بطريقة تعاطي الإدارة مع المواقف المختلفة بشكل كبير على الرضا الوظيفي، كذلك يعتبر إشعار الموظف بالثقة والاعتماد عليه من العوامل الحاسمة لتحقيق الرضا.
- الأمان الوظيفي: لا يمكن أن يتحقق الرضا الوظيفي إذا لم يشعر الموظف بالأمان والاستقرار في عمله، فعندما يكون مهدداً بالبطالة أو تخفيض المرتبات أو غيرها من الإجراءات التعسفية لا يمكن أن يمتلك موقفاً إيجابياً من عمله.
- بيئة العمل الصحيّة: على صعيد تأمين معايير السلامة الأساسية للموظفين أو حتى تأمين بيئة العمل الهادئة والمستقرة وتقليل عوامل الضغط والتوتر.
- التواصل وسهولة الوصول: لطالما أشار خبراء الإدارة إلى التواصل في بيئة العمل كأهم عوامل تحقيق الرضا الوظيفي وتحقيق مجموعة كبيرة من الأهداف الإدارية التي لا تقل أهمية، مثل سرعة حل الخلافات والنزعات، واكتشاف الثغرات بشكل مبكر، واكتشاف المواهب والقدرات الكامنة.
- العدالة والمساواة في الوظيفة: حتى عندما لا تصب هذه العدالة بمصلحة الموظف بشكل مباشر؛ فإن العدالة بالترقيات والحوافز والمهمات تعتبر من الأسس الرئيسية لتحقيق الرضا، كما تأثر المساواة بين الجنسين واحترام الاختلافات الثقافية والعرقية على معدلات الرضا بين الموظفين.
- العلاقات الفرعية: المقصود بالعلاقات الفرعية هي العلاقات التي تجمع الموظف مع زملائه أو المديرين خارج أداء المهمات والعمل، سواء من حوارات وتواصل جانبي في أوقات العمل، أو حتى العلاقات الفرعية التي تنشأ خارج مكان العمل، ولهذه العلاقات دور مهم في تعزيز الرضا الوظيفي.
- العوامل الشخصية: العوامل الشخصية التي تؤثر على الرضا الوظيفة كثيرة منها العمر والحالة الاجتماعية والميول الفكرية والتحصيل العلمي وغيرها، وغالباً ما تكون هذه العوامل من العقبات الأساسية أمام الشركة في خطط تحقيق الرضا الوظيفي بسبب التباين الكبير بين الموظفين.
تأتي أهمية الرضا الوظيفي من تأثير موقف الموظف من عمله على الإنتاجية والفعالية والكفاءة، وارتباط الرضا الوظيفي بشكل كبير باستقرار الموظف في العمل وانتماءه للمؤسسة، كما أن الرضا الوظيفي اهتمام مشترك للموظف والمؤسسة، فشعور الموظف تجاه عمله ينعكس على حياته الشخصية وحالته النفسية، وينعكس على فعاليته في عمله واستفادة المؤسسة منه.
ويمكن تلخيص أهمية الرضا الوظيفي في النقاط التالية:
- الرضا الوظيفي يعني رضا العملاء، سواء على مستوى الاتصال المباشر بين الموظف والعميل، أو حتى على مستوى تقليل عيوب التصنيع والمشاكل التي يسببها الموظفون الساخطون في المصانع وتنعكس على العميل.
- يساهم الرضا الوظيفي في تقليل معدلات غياب الموظفين، وتقليل معدلات "إهدار الوقت" أكثر من أي وسيلة رقابية أخرى.
- يساعد الرضا الوظيفي على تقليل الترك والاستقالات الطوعية بين الموظفين، وقد لا تهتم المؤسسات بمعدلات الترك الطوعي في المستويات الدنيا من الوظائف، لكن الحفاظ على موظفين منتمين ومستمرين مهم جداً في المستويات الأعلى.
- هناك رابط مباشر بين إنتاجية الموظف وفاعليته وبين الرضا الوظيفي، ويعتقد الخبراء أن الموظفين الراضين في عملهم أعلى إنتاجية بنسبة 20% من الموظفين الساخطين أو التعساء.
- تقليل التكاليف من الأهداف المهمة للرضا الوظيفي، سواء على مستوى تقليل التكاليف في قسم الموارد البشرية، أو حتى تقليل الهدر والإتلاف لأن الموظفين يعملون بإخلاص واهتمام.
- الموظف الراضي سفير لمنتجات الشركة وخدماتها، حيث تشكل إحالات العملاء من الموظفين نسبة لا يستهان بها، كما يتحمل الموظفون جزءاً كبيراً من مسؤولية سمعة الشركة بين المنافسين والعملاء وفي السوق عموماً، إلى جانب إحالات الموظفين لموظفين جدد.
- يمنح الرضا الوظيفي فرصاً أكبر لاكتشاف المواهب والمبدعين بين الموظفين والاستفادة منهم.
- يسهّل الرضا الوظيفي عمل الفريق، ويقلل من مقاومة التغيير لدى الموظفين، كما يلعب دوراً مهماً في حل النزعات الداخلية في بيئة العمل، ومواجهة الأزمات.
- تحسين نظام الأجور: يعتقد خبراء الإدارة أن أهم عاملين في الرضا الوظيفي الأجور والاحترام، ومنهم من يضيف الترفيه، لكن تبقى الأجور والحوافز المادية من أهم عوامل تحقيق الرضا الوظيفي، والأجور العادلة تقود في معظم الحالات إلى الرضا والانتماء.
- الاحترام في التعامل: المدير الذي يسيء التعامل مع موظفيه لا يدرك غالباً تأثير هذه الإساءة على احترام الموظف لنفسه ثم على مشاعره تجاه العمل، ومن الإجراءات المهمة لتحقيق الرضا الوظيفي أن تكون طريقة التعامل منضبطة ومحترمة حتى عند تقديم الملاحظات أو الانتقادات أو فرض العقوبات.
- تحقيق الأمان الوظيفي: يجب على الشركة أن تثبت للموظفين قدرتها على الاستمرار وأن يشعر الموظف بفرصة العمل المتاحة على الأمد الطويل، فخوف الموظف من التسريح أو توقف العمل من أكثر أعداء الرضا الوظيفي شراسةً.
- الصحة والسلامة: الاهتمام بصحة الموظفين ليس أمراً ثانوياً، حيث يجب أن تقوم المؤسسة بتأمين شروط السلامة في بيئة العمل، والاهتمام بدعم الرعاية الصحية للموظفين على الأمد الطويل.
- ضمان الفرص والقدرة على التطور: يتعلق ذلك بوجود فرص لزيادة الدخل عبر زيادة الأجور والترقية والتدرج في المناصب من جهة، ووجود فرصة مستمرة للموظفين والعمال لتطوير أنفسهم واكتساب المزيد من الخبرات والمهارات التي تؤهلهم لمناصب أعلى وأجور أعلى.
- التقدير والثناء: ليس فقط الجوانب المادية هي المهمة للموظف، بل يجب أن يشعر بتقدير عمله والحصول على حقه في الثناء والمكافآت المعنوية على العمل الجيد.
- تحقيق المساواة والعدالة: وذلك في الأجور والفرص وفض الخلافات، ويجب أن تعمل المؤسسة على تحقيق المساواة بالأجور على العمل المتساوي سواء داخل المؤسسة نفسها أو مقارنة مع المنافسين.
- ساعات العمل والعمل الإضافي: بعض الشركات تضغط على موظفيها لزيادة ساعات العمل دون الأخذ بعين الاعتبار كفاءة ساعة العمل الإضافية خصوصاً إن لم تقترن بحوافز مالية ومعنوية واضحة، ولتحقيق الرضا الوظيفي لا بد أن تكون ساعات العمل الأساسية مناسبة، ولا بد أن يكون العمل الإضافي اختيارياً وبمقابلٍ مجزٍ.
- الراحة والإجازات: الإجازات في معظم دول العالم يتم تحديدها في قانون العمل، لكن على المؤسسة تأمين وقت جيد للراحة ونظام إجازات مناسب حسب طبيعة العمل واحتياجات موظفيها، كما يجب أن تقدر المؤسسة الظروف الخاصة للموظفين في منحهم الإجازات العارضة.
- معالجة التظلمات والمشاكل: فحل النزاعات بسرعة ومعالجة مشاكل الموظفين وتظلماتهم بالوقت المناسب والوسيلة المناسبة يكفل تحقيق معدل أعلى من الرضا والانتماء.
- خطوط التواصل الفعال: الاهتمام بآراء الموظفين واقتراحاتهم وأفكارهم، والاتصال بهم بخط مزدوج يضمن وصول الرسائل واستقبال التغذية الراجعة، إضافةً إلى منح الموظفين قدراً مناسباً من المعرفة والمعلومات عن ظروف العمل في كل وقت.
- المرونة: تفتقر الكثير من الإدارات إلى المرونة في إنشاء الأنظمة الرقابية أو أنظمة التواصل وتصدير الأوامر والقرارات، وكثيراً ما يقود انعدام المرونة في المؤسسة إلى السخط الوظيفي وعدم الرضا.
- تعزيز العمل الجماعي: من وسائل تحقيق الرضا الوظيفي ترك هامش حرية لدى الموظفين ليعملوا معاً على حلّ المشكلات وإدارة المهمات حتى وإن كان التكليف لموظف بعينه.
تتسابق الشركات الحديثة لتحقيق الرضا الوظيفة، ليس فقط لتحسين صورة وسمعة الشركة بين العملاء وفي السوق، وإنما لإدراك الإدارة في الشركات الكبرى أن الرضا الوظيفي ينعكس على إنتاجية الموظف واستقراره في العمل ونوعية الخدمة التي يقدمها.
شركة أمازون Amazon من الشركات الرائدة في تحقيق الرضا الوظيفي، حيث تحتاج طبيعة وحجم العمل في أمازون إلى إنتاجية وكفاءة عالية ومستقرة من الموظفين، خصوصاً وأنها تقوم على تقديم خدمات مباشرة للعملاء، وقد تجاوزت أمازون المعايير الأساسية للرضا الوظيفي ليتم تصنيفها كواحدة من أكثر الشركات نجاحاً في تأمين بيئة عمل مثالية، حتى انتشرت مقولة مفادها أن العمال في أمازون أكثر سعادةً من صاحب العمل نفسه!
لم تصل أمازون إلى هذا التصنيف بسهولة، فقد واجهت العديد من الانتقادات حول تدريب العمال الجدد والأجور المنخفضة والأمان في العمل، وقامت الشركة بمعالجة هذه المشاكل لتصبح من الأمثلة المهمة في تحقيق الرضا الوظيفي، ومن الشركات المشهورة بمعدلات الرضا الوظيفي المرتفعة أيضاً شركتي جوجل وآبل.