كيف أتصالح مع نفسي؟ إليك خطوات التصالح مع الذات
يعيش معظمنا صراعاً داخلياً طاحناً ومزمناً ينعكس على نظرته للحياة وتعريفه للنجاح والسعادة وعلاقته مع المجتمع والمحيطين به، بل أن معظم الصراعات التي نعيشها مع المجتمع وفي علاقاتنا الشخصية تستند في الأصل إلى صراعٍ مع الذات، وهنا تبدو أهمية التصالح مع النفس كوسيلةٍ لعيش الحياة بطريقة أفضل، وإعادة بناء جسور العلاقة مع أنفسنا والآخرين.
كيف أكون متصالحاً مع نفسي وما هي خطوات التصالح مع الذات؟ في هذا المقال نحاول أن نجيب عن هذه الأسئلة وغيرها لتحقيق التصالح مع النفس وقبول الذات وصولاً للسلام الداخلي.
ما معنى التصالح مع النفس؟ يمكن تعريف التصالح مع الذات أنه قبول الذات بما فيها من نقاط القوة ونقاط الضعف، والنظر إلى العيوب كجزء طبيعي من الشخصية يمكن إصلاحه أو التعايش معه إن لم يكن قابلاً للإصلاح، والأهم من ذلك إيجاد الطريق للسيطرة على الأفكار السلبية التي تنشأ من الصراع الداخلي، وتحقيق التوافق بين الأفكار والمشاعر، بين الدوافع والسلوك، وبين الرغبات والقيود.
العمود الفقري للتصالح مع النفس هو التوقف عن الإساءة للذات بمختلف أشكالها، ويتضمن التصالح مع الذات الكثير من الجوانب، منها التصالح مع المظهر والشكل الخارجي، والتصالح مع البيئة الاجتماعية التي نحيا بها، كذلك تقبل أخطاء الماضي وتجاربه المؤلمة والتصالح معها، إضافة إلى التصالح مع دوافعنا الغامضة من خلال فهمها وتفسيرها وتعديل تأثيرها على السلوك.
جرب الآن اختبار التصالح مع الذات على موقع حِلّوها من خلال النقر على هذا الرابط.
7 خطوات للتصالح مع النفس ستغير نظرتك لذاتك!
- تصالح مع الماضي: الخطوة الأولى في التصالح مع الذات هي التواصل مع الماضي، فالسخط وعدم الرضا عن الذات أو كره النفس غالباً ما يرتبط بالأحداث والتجارب التي عشناها في الماضي، سواءً الطفولة أو الماضي القريب، لذلك يبدأ التصالح مع النفس من تغيير نظرتنا إلى الماضي والتعامل معه بطريقة مختلفة.
- حدّد حدود سيطرتك: الخطوة الثانية للتصالح مع نفسك أن تحدّد الأمور الواقعة في مجال سيطرتك وتلك الخارجة عن سيطرتك، فتجارب الماضي على سبيل المثال أصبحت خارج السيطرة ولا يمكن العودة بالزمن لإصلاحها أو تغييرها، لذلك يجب أن تتقبلها وتتصالح معها وتستفيد منها.
كذلك مظهرك الخارجي الذي قد يسبب صراعاً داخلياً مريراً؛ يجب أن تحدد ما يمكنك فعله لتحسين مظهرك، وأن ترضى بالسمات التي لا يمكنك التحكّم بها، بل وأن تحبها، وعلى صعيد العلاقات الاجتماعية آمن أنك قادرٌ على الإخلاص، لكنك لا تستطيع جعل كل الناس مخلصين... - توقف عن التذمر: التذمر واحدة من أسوأ الممارسات التي تعزز كره الذات، وعادةً ما يكون التذمر إدماناً ذهنياً يحتاج إلى الجهد للتخلص منه، فعندما تتذمر باستمرار يصبح التذمر جزءاً من طريقتك في التعامل مع الحياة ومع ذاتك ومحيطك، وحتى الأشياء الجميلة تتحول إلى أشياء سيئة ومزعجة بسبب التذمر.
كلّما بدأت بالتذمر ذكّر نفسك بالتوقف، وحوّل نظرك إلى الأمور الإيجابية في حياتك التي ستجدها كثيرة إن بحثت عنها، توقف عن التذمر الآن لتتصالح مع ذاتك. - سامح نفسك: جميعنا نرتكب أخطاء في حياتنا، لا تجلد نفسك كثيراً، فعلى الرغم أن جلد الذات هو صوت الضمير الذي يمنعنا عن التمادي بالخطأ؛ لكن المبالغة والقسوة بجلد الذات تقود إلى ما هو أسوأ، وربما كان جلد الذات باستمرار طريقة خبيثة لترتكب أخطاءً أكثر وأخطر.
سامح نفسك على أخطاء الماضي واهتم أكثر بالحاضر والمستقبل، لا تتحمّل مسؤولية أمور لم تكن بإرادتك، ولا تتحمّل أخطاء الآخرين، ابدأ الآن صفحة جديدة مع نفسك. - تسامح مع الآخرين: لا يمكن أن تتصالح مع ذاتك وأنت تكره أو تحقد أو تحسد، كذلك لا يمكن أن تتسامح مع الآخرين وتتعايش معهم وأنت تكره ذاتك، فالتصالح مع النفس من أهم خطوات الاندماج الاجتماعي، كذلك التسامح مع الآخرين وتقبّلهم خطوة مهمة للتصالح مع الذات.
- تصالح مع جسدك: عيوب المظهر واحدة من أبرز مشاكل كره الذات، وقد يصل عدم الرضا عن الشكل الخارجي إلى مرض نفسي يسمى اضطراب تشوّه الجسد، حيث لا يكتفي الفرد بانتقاد العيوب الحقيقية بجسده بل يخلق عيوباً وهمية تجعله في صراع دائم مع ذاته.
لتتصالح مع جسدك عليك أولاً أن تتحكم بما تستطيع التحكّم به والسيطرة عليه، فإن كنت تعاني من زيادة الوزن يجب أن تفكر بإنقاص وزنك ليس لأن شكلك قبيح بل حفاظاً على صحتك، أما طول قامتك أو لون بشرتك فهي سمات يجب أن تتقبلها وترضى عنها تمام الرضا، فهي ليست فقط خارج إرادتك، وإنما هي سمات أوجدتها إرادة تفوق كل إرادة. - استمع إلى عقلك الباطن: نظرتك لذاتك ليست سوى انعكاساً لما يدور في عقلك الباطن، جميع الأفكار السلبية والإيجابية تنشأ من العقل الباطن وتتغذى منه، لذلك رحلة التصالح مع الذات لا بد أن تمر من العقل الباطن، من خلال فهم آلية عمل اللاوعي وظلك اللاواعي، والعمل على تعديل برنامج عقلك الباطن ليساعدك على قبول ذاتك والتصالح مع نفسك.
اقرأ على حِلّوها مقالنا عن إعادة برمجة العقل الباطن من خلال النقر على هذا الرابط.
- ابدأ بالرضا والامتنان أولاً: اجعل الرضا عن الذات والامتنان ممارسة يومية، فكر كل يوم عندما تستيقظ بالنعمة التي لديك، وتذكر كلّ ما منحتك إياه الحياة، كن ممتناً لما أنت عليه لتصل إلى ما ترغب أن تكون عليه.
- لا تسعى للكمال: السعي للكمال يستند إلى اعتقادٍ راسخ أنك لست جيداً بما يكفي وكل ما لديك لا يكفيك، بالتالي السعي للكمال لن ينتهي أبداً ولن تصل إلى نقطة الرضا في حياتك، يجب أن تصدّق أنك جيد بما يكفي، وأنّ الكمال من المحال، عندما تتوقف عن السعي للكمال ستجد أهدافاً واقعية وحقيقية تساعدك بالرضا وتجعلك متصالحاً مع ذاتك.
- عبّر عن مشاعرك بصدق: ليس بالضرورة أن تعبّر للآخرين ولكن لنفسك على الأقل، كن صادقاً بمشاعرك ومباشراً، لا تحاول أن تخدع نفسك وتقول أنا لا أخاف من شيء أو لا أندم على شيء، أخبر نفسك بصدق ما الذي يخيفك، ما الذي يجعلك نادماً، ما الذي يجعلك عاجزاً وضعيفاً، هكذا تكون متصالحاً مع نفسك.
- سيطر على صوتك الداخلي: يستمد الصوت الداخلي طاقته من عقلك الباطن، فعندما تمتلك أفكاراً سلبية راسخة في العقل الباطن ستعاني من النقد الذاتي والصوت الداخلي الشرير الذي يجلدك دائماً ويسلبك السعادة والراحة حتى في أكثر أوقات حياتك إنجازاً ونجاحاً، لذلك يجب أن تتحكم بصوتك الداخلي وتواجهه بقوة وحسم، فصراعك مع ذاتك لا يمكن إنهاؤه إلّا إن تحول صوتك الداخلي لقوّةٍ إيجابية تعطيك تحفيزاً إضافياً.
- استخدم التأكيدات الإيجابية: التأكيدات الإيجابية واحدة من أنجح وسائل السيطرة على الصوت الداخلي لتعزيز الرضا عن الذات والتصالح مع النفس، وتقوم التأكيدات الإيجابية على تعديل الخطاب الذاتي والطريقة التي تخاطب بها نفسك من خلال مجموعة من العبارات التحفيزية المتكررة التي تدخل في برنامج عقلك الباطن وتحل محلّ العبارات السلبية.
اقرأ أكثر على حِلّوها عن التأكيدات الإيجابية من خلال النقر على هذا الرابط. - عالج الطفل الذي بداخلك: إن كان الصراع مع الذات نتيجة مباشرة في معظم الأحيان لتجارب وذكريات راسخة لديك؛ فأفضل ما يمكن فعله لتكون متصالحاً مع نفسك أن تستعيد الطفل الذي بداخلك وتعالج جروحه، وقد تناولنا مفهوم الطفل الداخلي وطريقة علاج الطفل الداخلي بالتفصيل في مقالٍ سابق يمكنك مراجعته من خلال النقر هنا.
- ضع نفسك حيث تستحق: لا تقلل من شأن نفسك، ولا تخالط أشخاصاً يقللون من شأنك أو يحاولون إحباطك وتضخيم عيوبك وتجاهل إيجابياتك، كن دائماً مع الأشخاص المناسبين، وصادق الراضين عن أنفسهم لتتعلم منهم الرضا، ابتعد عن المنافقين لأنك تستحق المحبة الحقيقية، واترك السلبيين لأنك تستحق الإيجابية.
- كن مخلصاً وأحب ما تفعل: حتى إن لم تكن راضٍ عن عملك بشكلٍ كامل، يجب أن تكون مخلصاً دائماً، فإخلاصك بكل ما تقوم به سيقودك إلى الرضا عن ذاتك، أحب ما أنت فيه الآن مهما كان سيئاً واسعى لتحقيق ما تحبه أكثر.
- كافئ نفسك: أنت تستحق المكافأة، عندما ترسم أهدافك الشخصية تأكد أن تتضمن مكافآت على إنجازاتك حتى الصغيرة منها.
- لا تطلق أحكاماً مطلقة: لتكون متصالحاً مع نفسك يجب أن تطور نظرتك للأمور من حولك، توقف عن إطلاق الأحكام المسبقة والمطلقة، وعزّز الحيادية والفكر الناقد لديك، حاول أن تتخلى عن نظرتك المسبقة للأشياء والأشخاص، واستبدلها بالمعرفة والتجربة، حتى على مستوى الأشياء الثانوية والبسيطة، مثل تجربة نوع طعام لم تجربه في حياتك لكنك تعتقد أنه سيئ!
- اهتم بصحتك وجسدك: الاهتمام بصحة الجسد جزء جوهري من الرضا عن الذات والتصالح مع النفس، اترك العادات التي تدمر صحتك واستمع لما يقوله جسدك، حافظ على تغذية صحيّة ومارس الرياضة بانتظام، واعتنِ بنفسك لأنها تستحق العناية!
التصالح مع الذات هو الطريقة الأكثر فاعلية لتحقيق السلام الداخلي، حيث يقوم مفهوم السلام الداخلي على إيقاف الصراع مع الذات وتحويله إلى تواصل فعّال، ولا يمكن أن يتحقق السلام الداخلي دون التصالح مع النفس وتقبّلها، والذي يقود إلى فهمٍ أعمق للذات، وبالتالي قدرة أكبر على علاج جروح الذات وترميم نقاط الضعف وتعزيز نقاط القوة.
لكن لماذا نسعى لتحقيق السلام الداخلي؟ فعلياً جميع الصراعات التي نعيشها في حياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية والعاطفية ما هي إلا انعكاس للعلاقة مع الذات، وكلّما كانت العلاقة مع الذات مضطربةً ومتوترة؛ كلّما كانت العلاقة مع الآخرين متوترة ومضطربة بالضرورة، والعكس بالعكس، لذلك يعتبر تحقيق السلام الداخلي الخطوة الأهم في تحسين نوعية الحياة التي نعيشها.
يشبه السلام الداخلي علاقة الطبيب بالمريض، فعندما تكون علاقة المريض بطبيبه مضطربة ومتوترة لن يلتزم بتعليماته وربما أخفى عنه بعض المعلومات التي تلحق الضرر بالمريض بالدرجة الأولى وبسمعة الطبيب أيضاً عندما يفشل بعلاج مريضه، لكن إذا وثق المريض بطبيبه وآمن به؛ سيكون أكثر دقّة في منحه المعلومات، وأكثر حرصاً على التعاون في تطبيق العلاج، وصولاً إلى الشفاء.
النظر إلى التصالح مع الذات بوصفه قبولاً للواقع مهما كان يتنافى نظرياً مع تطوير الذات، لذلك ليس من الحكمة القول أن التصالح مع الذات هو قبول الذات كما هي، وإنما يبدأ التصالح مع النفس من فهم حدود سيطرتنا على ذاتنا، وتحديد الجوانب التي نستطيع تغييرها فعلاً من خلال تطوير الذات، وتلك الجوانب التي يجب أن نتقبلها ونتعايش معها ونحبها كما هي دون تغيير.
ولا شكّ أن التصالح مع النفس وقبول الذات هو الخطوة الأهم في تطوير الذات وتحسين نوعية الحياة، فعندما تنطلق من الرضا عن ذاتك باتجاه تحسينها ستحافظ على استمرارية تطور الذات والنماء الذاتي، لكن عندما تنطلق في تطوير الذات من كره نفسك ستظل عالقاً في البحث عن العيوب، وستكون دوافعك لتطوير ذاتك أقل قوة.
في مقالنا عن الجانب المظلم من تطوير الذات -يمكنك مراجعته من خلال النقر هنا- ذكرنا أن التركيز على العيوب الشخصية في إعلانات دورات التنمية البشرية وتطوير الذات يعتبر من أكبر عيوبها، حيث يتحول تطوير الذات إلى مرآة لا تعكس إلّا السلبيات والعيوب لتحفيز الزبائن على شراء الدورة أو الكتاب، فيما ينطلق تطوير الذات حقيقةً من فهم تلك العيوب وتحليلها والتصالح مع وجودها والتأقلم مع بعضها وصيانة بعضها الآخر.
الخلاصة؛ الشعور بأنك لست جيداً بما يكفي؛ دوامة لا تنتهي، يجب أن تكون راضياً عن نفسك أولاً وتعرف أنك جيد بما يكفي لتثبت ذاتك وتحقق ما تريد، وأنّك جدير بالاحترام وتستحق الأفضل، هذه الدوافع الحقيقية التي تساعدك على التطور الفعّال من نافذة التصالح مع الذات.
- توقف عن الإساءة لذاتك، استخدم كلمات تعبّر عن الاحترام والمحبة عندما تخاطب ذاتك، على الأقل لا تستخدم كلمات وصفات التحقير.
- خاطب نفسك كلّ يوم بشكل مستمر، تحدث إلى نفسك كما تتحدث إلى صديقٍ هو الأقرب إليك، وهي فعلاً كذلك.
- استخدم ورقة وقلم وعبّر عمّا يدور داخلك، اكتب مشاعرك، أهدافك، أفكارك، واحتفظ بها.
- تواصل مع نفسك بالتأمل والاسترخاء وتمارين التنفس العميق.
- مارس الأنشطة الروحية من خلال العبادات والتأمل.
- تواصل مع نفسك من خلال الآخرين، اسمح لهم أن يكونوا عيناً ترى ما لا تراه، لكن اختر الأشخاص الذين تثق بهم فقط.
- تعلم شيئاً جديداً، فالمعرفة من أقصر الطرق لمعرفة الذات والتواصل مع النفس.
- مارس هواياتك بانتظام، واجعل من الهوايات مكاناً تتواصل فيه مع ذاتك باستمرار.