تعريف علم النفس السيبراني وسلوك مستخدمي الإنترنت
وصل عدد مستخدمي الإنترنت عام 2020 إلى حوالي خمسة مليارات مستخدم أكثر من نصفهم في آسيا وحدها، وشهد نفس العام طفرة في استخدام الانترنت بسبب الحجر الصحي وظروف التباعد الاجتماعي التي أجبرت الكثير من مستخدمي الإنترنت غير النشطين على تغيير عاداتهم الرقمية والانخراط أكثر في عالم التكنولوجية الحديثة، فضلاً عن لجوء الكثير من المؤسسات إلى أتمتة المعلومات وتقديم الخدمات إلكترونياً، وهذا التزايد المتوقع في عدد المستخدمين ومجالات الاستخدام هو نقطة انطلاق علم النفس السيبراني.
تعريف علم النفس السيبراني Cyberpsychology هو العلم الذي يبحث في التفاعل بين الإنسان والتكنولوجيا وتحديداً الحاسوب والانترنت، حيث يسعى علم النفس السيبراني لدراسة العقل البشري في تجربته مع التكنولوجيا الحديثة وتفاعله معها، وتأثير استخدام التكنولوجيا ووسائلها على العقل والصحة النفسية والسلوك، ومن أهم المجالات التي يدرسها علم النفس السيبراني إدمان الإنترنت والألعاب الإلكترونية، التفاعلات والعلاقات الاجتماعية عبر الإنترنت، وسلوك المستخدمين، وغيرها من المواضيع الغنية للدراسة.
"يتكون الاسم من جزئين؛ Cyber التي تشير إلى الفضاء الإلكتروني، و psychology التي تعني علم النفس".
ظهر علم النفس السيبراني كنتيجة مباشرة للتطور التكنولوجي الهائل في العقود الماضية، حيث شكّل استخدام الانترنت جزء أساسي من الحياة اليومية للإنسان، لا يقتصر على تبادل المعلومات والبيانات والمراسلات الرسمية، بل يتضمن أيضاً الترفيه والتواصل الاجتماعي والبيع والاستهلاك...إلخ، ومع توسع شبكة الانترنت ظهر تأثير استخدامها على الصحة النفسية والعقلية للمستخدم من جهة، كما برزت ضرورة دراسة سلوك مستخدمي الانترنت في سياق دراسة السلوك الإنساني الذي يتفاعل مع تجربة جديدة ومتسارعة في التطور والنماء من جهة أخرى.
تكمن أهمية علم النفس السيبراني في كونه استجابةً علميةً لتداخل حياة الأفراد مع التكنولوجيا، ودراسة تأثير هذا التداخل المتنامي على الصحة العقلية والنفسية، ما يساهم على الأمد الطويل بجعل العالم الرقمي مكاناً أفضل وأكثر أماناً.
ويعتبر علم النفس السيبراني اليوم جزءاً من دراسة المعالجين النفسيين الذين يقدمون خدماتهم عبر الإنترنت دون تواصل مباشر، حيث يحتاج هؤلاء المعالجون إلى معرفة أعمق بتفاعل الأفراد مع الآلات ومع العالم الافتراضي، وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الأفراد أثناء وبعد استخدامها، ولا يمكن إهمال الجانب التجاري الذي سيستفيد من علم النفس السيبراني واستنتاجاته في تطوير التسويق الإلكتروني ودراسة سلوك المستهلك عبر الإنترنت.
يحاول علم النفس السيبراني الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المعقدة، مثل تأثير الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء على الإنسان في المستقبل، وكيف ستتفاعل نفسية الإنسان مع عالم يعمل بشكل رقمي ويعتمد على الآلات اعتماداً شبه كامل، هذا لن يساعد الأفراد فقط؛ بل سيساعد مطوري الآلة والذكاء الاصطناعي أيضاً في عملهم.
- الهوية والسلوك على الإنترنت: من أهم مجالات علم النفس السيبراني دراسة السلوك المتباين للفرد نفسه بين حياته الواقعية وشخصيته الافتراضية على الانترنت، حيث يميل معظم مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي إلى إظهار أنماط سلوكية مختلفة عن سلوكهم في التعامل المباشر وجهاً لوجه، كما يختلف سلوك الجماعات على الانترنت عن سلوك الجماعات في مجال مادي واقعي.
- دراسات الإدمان: مع ظهور أنماط جديدة من الإدمان على صلة مباشرة بالإنترنت والتكنولوجيا؛ ظهر جدال كبير في علم النفس حول الاعتراف بحالات الإدمان هذه بوصفها اضطراباً نفسياً مميزاً، وبعيداً عن هذا الجدل صنَّفت المنظمة العالمية للصحة اضطرابات ألعاب الانترنت ضمن التصنيف الدولي للأمراض في النسخة الحادية عشرة.
يبحث علم النفس السيبراني في مختلف أنواع إدمان التكنولوجيا وسبل العلاج والتعافي، وتأثير درجات الإدمان المختلفة على الصحة العقلية والنفسية للأفراد وعلى حياتهم العملية، وأبرز أنواع الإدمان التي يبحث فيها علم النفس السيبراني إدمان الهواتف المحمولة ورهاب الانقطاع عن التواصل الاجتماعي والانترنت، وإدمان ألعاب الانترنت. - التنمر الإلكتروني: من أهم أهداف علم النفس السيبراني دراسة تأثير المضايقات والتنمر عبر الانترنت على الضحايا، وسلوك المتنمرين، وقد يساهم ذلك في السيطرة على المضايقات عبر الانترنت وإيجاد طرق جديدة لمكافحة التنمر الإلكتروني.
اقرأ أكثر عن التنمر الإلكتروني والتعامل مع المضايقات على الانترنت من خلال النقر هنا. - الجريمة الالكترونية: بما أن الجريمة الإلكترونية تشكّل هاجساً أمنياً خطيراً في العالم المعاصر، سيهتم علم النفس السيبراني بدراسة أنواع وأنماط الجريمة الإلكترونية ودوافع مجرمي الانترنت، وسيكون ذلك داعماً لجهود علم النفس الجنائي في التحقيقات من جهة، كما يساهم في جعل الانترنت مكاناً أكثر أماناً من جهة أخرى.
- العلاج عبر الإنترنت: شهدت تقنيات العلاج النفسي عبر الانترنت تطوراً كبيراً في السنوات القليلة الماضية، وسيحتاج المعالجون النفسيون إلى دراسات واستنتاجات علم النفس السيبراني لتعزيز فاعلية العلاج عبر الانترنت وتعزيز العلاقة بين المريض والمعالج في غياب التواصل المباشر.
- الواقع الافتراضي: لا تقتصر تقنيات الواقع الافتراضي على تعزيز التجارب الترفيهية! حيث يعتقد أن تقنيات الواقع الافتراضي ستلعب دوراً كبيراً في المستقبل القريب في تقديم الخدمات العلاجية النفسية، وسيكون هذا من المجالات المهمة لعلم النفس السيبراني.
يعتقد البعض أن علم النفس السيبراني ترف وموضة لتحويل كل شيء إلى نخسة تقليدية ونسخة محدّثة، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن علم النفس الحديث قادر على تقديم الكثير من الإجابات بإسقاط نظرياته واستنتاجاته على عالم الانترنت، ما يجعل علم النفس السيبراني ترفاً لا حاجة لنا به، أو على الأقل لا يمكن تصنيفه كعلم مستقل بذاته وقادر على صياغة نظريات جديدة وإيجاد استنتاجات فريدة.
على أرض الواقع ما زال علم النفس السيبراني علماً وليداً، يواجه تحديات كبيرة في مواكبة التطورات السريعة لعالم التكنولوجيا، وغالباً سيكون علم النفس السيبراني من أهم فروع علم النفس في المستقبل القريب، حيث أصبح الخيط الفاصل بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي ضبابياً، ويوماً بعد تزداد الحاجة لفهم مدى التأثير الذي أدخلته التكنولوجيا على حياتنا فعلاً، ووصف علم النفس السيبراني بالترف يذكّرنا بنشأة علم النفس الحديث وعلم الاجتماع.
حتى الآن ما زال علم النفس السيبراني غير متوفرٍ كتخصص مستقل في معظم الجامعات حول العالم، مع استحداث مقرر علم النفس السيبراني ضمن تخصص علم النفس العام في عدد كبيرة من الكليّات، وفتح درجة الماجستير في علم النفس السيبراني في بعض الجامعات الإنجليزية والأوروبية، ويعتقد أن يتحول علم النفس السيبراني لتخصص دقيق من تخصصات علم النفس العام على غرار علم النفس الجنائي وعلم النفس الاجتماعي وغيرها.