الطلاق العاطفي أسبابه وطرق علاجه
الأصل في العلاقة الزوجية التفاهم والحب، إلا أن العديد من أسرنا باتت تعيش حالة تسمى بـ "الطلاق العاطفي" أو "الانفصال العاطفي"، ومن هنا، سنتناول في هذا المقال تعريف الطلاق العاطفي، ونقف على أسباب الطلاق العاطفي وطرق علاجه، بالإضافة إلى تأثير الطلاق العاطفي على الأبناء.
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الطلاق بشكل كبير في عالمنا العربي، إلا أن هناك ظاهرة أكثر انتشاراً بين الأزواج، ألا وهي الطلاق العاطفي، أو ما يعرف بالانفصال العاطفي.
ويُعرّف الطلاق العاطفي أو الانفصال العاطفي أو الانفصال النفسي أو الطلاق الصامت، بأنه حالة تعتري العلاقة الزوجية، يشعر فيها الزوج والزوجة بغياب المشاعر بينهما وانفصالهما نفسياً، على الرغم من عيشهما تحت سقف بيت واحد، مما يؤثر على كافة العلاقات داخل الأسرة.
والانفصال العاطفي هو المصطلح المضاد لمصطلح التوافق الأسري، والذي يعني أن كلاً من الزوج والزوجة يجدان في العلاقة الزوجية كل ما يشبع حاجاتهما الجسمية والعقلية والعاطفية، مما ينتج الرضا الزوجي.
بطبيعة الحال، لا بد من وجود أسباب وراء الطلاق العاطفي، إذ كيف يمكن للمشاعر التي أسست للزواج أن تبرد فجأة، لتتحول العلاقة إلى علاقة محددة بقوانين روتينية جافة، خالية من المشاعر، ويمكن أن تكون هذه الأسباب على النحو التالي:
- تعد الضغوطات المادية التي يتعرض لها الزوجان في حياتهما أحد أهم أسباب االانفصال العاطفي، بسبب حجم الضغط الذي يتعرضان له، فتجدهما منغمسين في تأمين مستلزمات البيت والأولاد، مبتعدين شيئاً فشيئاً عن كل ما يؤجج العاطفة، دون انتباه منهما.
- أنانية أحد الأطراف، حيث ينظر الزوج أو الزوجة إلى حقوقه ومتطلباته فقط، وينسى الطرف الآخر وحاجاته ومتطلباته، ويؤدي تكرار مثل هذا الموقف إلى الوصول إلى حالة الطلاق أو الانفصال العاطفي.
- الإحساس بالضعف من قبل أحد أطراف العلاقة، وعدم القدرة على التفاهم والتواصل مع الطرف الآخر، لا سيما إذا كان الرجل هو موضع الضعف، على عكس السائد في العلاقة الزوجية.
- إساءة تحديد الأولويات، وذلك بتفضيل الآخرين على شريك الحياة، ويعد هذا من أهم أسباب الطلاق العاطفي، كأن يفضل الزوج عمله وأهله وأقاربه وأصحابه على زوجته، أو أن تفضل الزوجة عملها وأولادها وأهلها وصديقاتها على الزوج، مما يشعر الطرف الآخر بعدم الأهمية.
- العمل الجاد على التقليل من أهمية الآخر، بالقول أو الفعل، سواء أمام الناس أو الأولاد، مما يسبب الإهانة.
- ومن أبرز أسباب الطلاق العاطفي أو الانفصال العاطفي بخل الرجل على زوجته، سواء مادياً أو عاطفياً أو في منحها الوقت الكافي لإرضاء حاجاتها ورغباتها.
- اعتبار أحد الأطراف نفسه الأفضل، فيتعالى على الطرف الآخر، ويشعره بالنقص.
- تمادي أحد أطراف العلاقة بالكذب على الطرف الآخر، ليكتشف أحدهما أنه واقع تحت خديعة الطرف الآخر، وأنه خائن للعشرة وكاذب.
- البرود الجنسي، أو تحول العلاقة الجنسية إلى روتين أو واجب.
- اختلاف الاهتمامات والمعتقدات والأهداف والمستوى الثقافي والاجتماعي بين الزوجين، مما يجعل التواصل بينهما صعباً.
يقدم الدكتور طارق الحبيب وجهة نظر رائعة في ما يخص العاطفة، والتي تعتبر أساس العلاقة الزوجية، فيرى أن العاطفة كالنبتة تماماً، تذبل وقد تموت في بيئة جافة، لا تفهم أبجدياتها النفسية. والعاطفة في بيئة تقدر معنى المودة، تجد طريقها في تحقيق ذات كل الأطراف، وتحقيق الاكتفاء لكل طرف. كما يرى أن العاطفة ثقافة، يحتاج إليها الجميع دون استثناء، حتى من لا يجيد تقديمها، وذلك الذي لا يعترف بها، حيث أن العاطفة منهج يحقق النمو النفسي السليم، والذي ينعكس بشكل أو بآخر على سلوك الإنسان ومزاجه.
أثبتت معظم الدراسات أن للطلاق العاطفي أو الانفصال العاطفي آثار سلبية واضحة على الأبناء، وبشكل أكبر من الطلاق الفعلي. وذلك بسبب الالتفات إلى حاجات الأسرة اليومية والاعتيادية، بعيداً عن الاهتمام بمشاعر الأبناء.
ففي حالة الطلاق العاطفي يعيش الأبناء حالة من القلق لسوء العلاقات بين الزوج والزوجة، والتي قد تصل في مراحل متقدمة إلى سب كل منهما الآخر.
يعاني الأبناء في حالة الطلاق العاطفي من الاكتئاب الشديد، وعدم القدرة على مواجهة الحياة، كما قد يعانون في مرحلة المراهقة من الانحراف، للبحث عن الحنان المفقود داخل الأسرة التي تعد المرجع الأول للأبناء في علاقاتهم المستقبلية، ومن هنا سيطبق الأبناء ما عاشوه في بيتهم على أسرهم في المستقبل.
على الرغم من وقوع الطلاق العاطفي أو الانفصال العاطفي، إلا أن هناك طرق لعلاجه يمكن أن يضطلع بها الزوجان، وسنستعرض هنا بعض النصائح التي قد تكون مجدية في علاج الطلاق العاطفي:
- زيادة الصراحة والوضوح بين الزوجين، ومحاولة فهم الآخر؛ حقوقه، واجباته، مشاعره، احتياجاته، أفكاره، مشاكله، مخاوفه... إلخ. ففهم هذه التفاصيل العميقة يساعد حل مشكة الطلاق العاطفي مع الوقت.
- خلق لغة حوار وتفاهم بين الزوجين، والعمل دائماً على التوصل إلى حل يرضي كافة الأطراف في حالة وقوع المشاكل.
- محاولة الاستمتاع بالعلاقة الحميمة بين الزوجين والتغيير وكسر روتين المعتاد في العلاقة، وتفهم حاجات الآخر والبعد عن الأنانية.
- مشاركة الطرف الآخر اهتماماته وهواياته وشغفه.
- على كل من الزوجين مدح الآخر، وإشعاره بالامتنان وتقدير أعماله وأفعاله مهما كانت بسيطة.
- الاعتراف من قبل كل من الزوجين بأهمية الآخر في حياته، وإعطاؤه الأولوية دائماً.
- استعمال الكلمات الجميلة والرقيقة المحببة لكلا الطرفين بشكل دائم، مما يزيد من المحبة والود بينهما.
- كسر الروتين اليومي، ومحاولة تجربة أمور جديدة في الحياة، حتى لو كانت بسيطة جداً وغير مكلفة.
لا بد من انتباه الزوجين إلى العلاقة الزوجية، في خضم مخاضها الصعب مع ظروف العيش التي تزداد تعقيداً كل يوم، وعليهما أن يتذكرا نبتتهما، العاطفة، ويدأبان على ريّها كلٌّ من طرفه، لتبقى يانعة، سائرة باتجاه الضوء، الذي بدوره سيستجيب وينير بيتهما، لتتمتع العائلة كلها بالاستقرار والعطاء.