عقدة أوديب عند الأطفال وحل عقدة أوديب
تعتبر مرحلة الطفولة المرحلة التي ترسم ملامح شخصيتنا والطبيعة التي سوف نكون عليها عندما نكبر، وهي من أهم مراحل نمو الإنسان وأكثرها تأثيراً على شخصيته ونفسيته وحياته الاجتماعية، لذلك تحتاج لعناية خاصة من الأبوين، ومن أهم الظواهر التي يتعرض لها الشخص في طفولته والتي قد تؤثر على تطور الطفل هي (عقدة أوديب)، فما هي عقدة أوديب، وهل هي مرحلة صحية لا ضرر منها أم أنها مشكلة سلبية، وهل من الممكن أن تعيق التطور الطبيعي للطفل؟
قبل البدء بتعريف عقدة أوديب نحتاج إلى فهم معنى مصطلح عقدة أولاً، فالعقدة في علم النفس كتعريف هي مصطلح يشير إلى مجموعة من المشاعر والأفكار والصور التي تؤلف بشكل لاواعي شخصية الإنسان، والعقدة النفسية ببساطة هي صراع يدور في اللاوعي بين ميول الإنسان وغرائزه المتناقضة التي تكوّن شخصيته، كالصراع بين مشاعر الحب والكراهية.
عقدة أوديب مفهوم قدمه عالم النفس سيغموند فرويد مؤسس مدرسة التحليل النفسي، حيث استوحى مصطلح عقدة أوديب من أحد الأساطير الاغريقية القديمة عندما كان يحضر مسرحية أوديب الملك، والتي تحكي قصة ملك يقتل والده ويتزوج من أمه عن طريق الخطأ.
قام فرويد بدراسة قصة عقدة أوديب وتحليلها وتفسيرها وانتهى إلى أن كل ذكر في مرحلة من مراحل الطفولة هو أوديب وأن كل طفل يشعر في طفولته بما شعر به أوديب، أي أنه يحب والدته ويتعلق بها لدرجة يبدأ فيها بالغيرة والنفور بنفس الوقت من المنافس على حبها وهو الأب، واعتبر فرويد أن هذا الوضع طبيعي جداً وأن هذه المشاعر المتناقضة هي أمر شائع ومشترك لدى جميع الأطفال ما بين عمري الثلاث سنوات إلى ستة أو تسع سنوات أحياناً.
عقدة أوديب هي عقدة نفسية تصف حالة الطفل الذكر الذي يتعلق بأمه ويغير عليها من والده، غالباً ما يتغلب الطفل على هذه العقدة بنفسه حيث أن عقله الواعي يبدأ بالتسليم بعجزه وإحساسه بعدم قدرته على منافسة والده فينتقل هذا الطفل من حالة النفور من الأب إلى تقليده ومحاكاة شخصيته، وبالتالي امتصاصه لقوانين الوالد وعاداته وأفكاره وتصرفاته وبذلك يتشكل القالب الفكري الأساسي للطفل ومفهومه عن جنسه ودوره الاجتماعي، بمعنى أن هذه الفترة سيكون لها أثر كبير في رسم السمات الأساسية لشخصية الطفل وطبعاً هنا للأهل وبالأخص الوالد دور مهم جداً في إيصال هذا الشعر وهذا العجز إلى الطفل خلال تعاطيه معه.
حدد فرويد أن عقدة أوديب تظهر وتتكون عادة في السنوات الأولى من طفولة الذكر بين عمر الثلاث إلى ستة سنوات، ويرى أن هذه المرحلة تتميز برغبة لا شعورية بدافع جنسي غير واعي للاستئثار بحب الأم واهتمامها، ويمكن ملاحظة هذه الأمور من خلال بعض سلوكيات الطفل مثل:
- التعرف على أعضائه: يبدأ الطفل الذكر بهذه المرحلة بالتعرف على أعضائه التناسلية ويكون لديه رغبة كبيرة في إظهارها بنوع من التباهي والفخر، وهذا ما يفسر رغبة الطفل الكبيرة في أن يسير عارياً في البيت.
- التعرف على نفسية الأبوين وعلاقتهما: تكون هذه المرحلة أيضاً بداية لتعرف الصبي على نفسية والديه وعلى علاقة والديه به، والأهم علاقتهما ببعضهما ونتيجة كل ذلك يصطدم الطفل بواقع منافسة أبيه له على حب أمه مما يجعله يشعر بالخوف على كيانه ومكانته لدى الأم، فيلجأ بالتالي للتقرب منها أكثر في محاولة لتقليل اهتمامها في المنافس المباشر وهو الأب.
- التصرفات العدوانية تجاه الأب: قد يعمد الطفل الذكر للقيام بضرب والده أو البكاء عند محاولة الأب الاقتراب من والدته ويحاول منعه من أي تصرف عاطفي تجاه الأم كاحتضانها مثلاً.
- الالتصاق بالأم وعدم الابتعاد عنها: في هذه المرحلة يبقى الطفل الذكر قريباً من أمه ويرفض الابتعاد عنها ويقوم بردود فعل قوية كالبكاء بشكل هستيري في حال ابتعدت عنه، بالإضافة لرفضه النوم بغرفته واصراره على النوم قرب أمه وبالتحديد بين والديه كي يمنع والده من أن يكون قريباً منها.
- التصريح بالرغبة بالزواج من أمه عندما يكبر: قد يقوم الطفل بكل براءة وعفوية بالتصريح برغبته بالزواج بأمه عندما يكبر، وذلك لكي يحل محل والده ويستأثر بأمه لوحده دون أن يشاركه في حبها أحد.
- محاولة استكشاف جسد الأم: يلاحظ الطفل الذكر أن جسمه يختلف عن جسم والدته فيلجأ لمحاولة استكشاف هذه الأعضاء المختلفة عن طريق تحسس جسد أمه أو مراقبتها أثناء تبديل ملابسها أو في الحمام، وقد يلجأ في بعض الحالات لتقليد سلوك والده وتصرفاته مع أمه، ويجب على الوالدين الحذر من هذه المسألة.
- النكوص والعودة لمراحل سابقة: وهي من الآليات الدفاعية اللاشعورية التي قد يستخدمها الطفل عندما يجبر على الابتعاد عن أمه أو يقل اهتمامها به، فيقوم بتصرفات لا تناسب عمره لجذب الانتباه إليه مثل التبول في ملابسه أو مص أصابعه أو البكاء الشديد.
قد يظن البعض أن عقدة أوديب هي مرض نفسي يحدث للطفل ويحتاج لعلاج نفسي، ولكن هذا المعتقد خاطئ حيث اعتبر فرويد أن عقدة أوديب هي مرحلة طبيعية فطرية يمر بها كل طفل وغالباً ما تمر بسلام دون الإحساس بها من قبل الأهل، فهي مرحلة تنتهي غالباً قبل أن يتم الطفل عامه التاسع ولا تحتاج لعلاج نفسي، ولا داعي للخوف والقلق بشأنها، وإنما يكفي اتباع بعض النصائح التي يمكن أن تساعد الطفل في الاستفادة من هذه المرحلة في بناء شخصية سليمة، ومن هذه النصائح:
- عدم استفزاز الطفل: بمعنى لا يجب القيام بالتصرفات المقصودة التي تثير غيرة الطفل وتستفزه وتجعله يكره والده وينفر منه، مثلاً اقتراب الأب من الأم وضمها أمامه، بقصد رؤية ردة فعله، أو إخبار الطفل أن الأم تحب والده أكثر منه.
- مشاركة الأب للطفل في اللعب: مشاركة الأب لابنه في اللعب سيساعد الطفل على نسيان مشاعره السلبية مثل الكره والغيرة تجاهه، ويبني علاقة ودية بينهما تجعل الطفل يعيد النظر في مشاعره السلبية تجاه والده.
- نوم الطفل في غرفة مستقلة: فنوم الطفل بعد عمر السنة في غرفة والديه سيعزز من عقدة أوديب ويجعلها تستمر لفترة أطول من حدها الطبيعي لما قد يراه من المشاهد التي قد تحدث بين الوالدين في إطار علاقتهما الزوجية بشكل غير مقصود، مما قد يجعله يعاني من مشاكل نفسية أخرى عند الكبر.
- التعبير عن حبهما له بشكل دائم: يجب على الأم أن تظهر حبها للطفل بشكل دائم حتى يدرك أن والدته لن تتخلى أو تبتعد عنه، كما يجب على الأب أن يهتم بطفله وأن يعبر له عن حبه لكي يتخلص من مشاعر الغيرة تجاهه.
- الانتباه لتصرفات الوالدين أمام الطفل: الطفل دقيق الملاحظة ويلفت نظره أي تصرف أو سلوك يصدر عن والديه، وهذه السلوكيات التي تحدث بين الزوجين وخاصة التي تتضمن إيحاءات جنسية أو غرامية، سوف تستفز غيرة الطفل وتعمق المشكلة أو تؤدي لتقليد الطفل لهذه السلوكيات سواء مع أمه أو أخته أو أي أنثى حوله.
- مساعدة الطفل لإدراك هويته الجنسية وطبيعة علاقته مع أمه: وهذه المسألة تحدث في مرحلة الطفولة المتأخرة، فوظيفة عقدة أوديب حسب فرويد هي فهم الطفل وتحديده لجنسه وإدراكه للفرق بينه وبين الجنس الآخر، ويجب ترسيخ هذه الوظيفة عن طريق تفاعل الأم بشكل صحيح مع طفلها ليفهم طبيعة العلاقة بينه وبينها وأنها من المحارم بالنسبة له، وشرح الطبيعة الجنسية للطفل بطريقة تناسب سنه بأسلوب تحديد الصحيح والخاطئ دون القسوة على الطفل، وتحسين علاقاته الاجتماعية مع أقرانه.
المرور بشكل سليم من المرحلة الأوديبية يساعد في وضع حدود للعلاقات الجنسية السليمة والتأسيس لروابط عائلية صحية داخل الأسرة وداخل المجتمع، كما أنها تساعد الشاب على تكوين شخصية اجتماعية متزنة، ولكن بحال حدوث مشاكل ولم تمر هذه المرحلة بشكل طبيعي لدى الطفل فإنها قد تؤدي لشخصية مرضية قد تتحول لعائق في حياة الشخص، ومن مضاعفات عقدة أوديب في الحالات المرضية:
- حالة التثبيت: والتي تنتج عن الطريقة خاطئة بالتعامل مع الطفل، كأن يقوم الأب بإثارة غيرة الطفل على أمه مما يؤدي لبقاء الطفل متشبثاً بوالدته لفترة طويلة واستمرار غيرته من والده وكرهه له ورغبته في أخذ مكانه والقيام بأي شيء حتى يستأثر بحب والدته واهتمامها، هذا ما يدعى بتثبيت حالة عقدة أوديب وتحولها من حالة مؤقت إلى حالة دائمة.
- رغبة الاقتران بامرأة تكبره بالعمر: تؤدي عقدة أوديب في حال استفحالها وعدم حلها لرغبة الشخص عندما يكبر بالارتباط بشريكة تشبه والدته بالشكل والطباع، مما قد يؤدي لميله لنساء أكبر منه سناً وخاصة السيدات اللواتي في عمر والدته ويتمتعن بنفس صفاتها.
- قلق الانفصال: على عكس حالة التثبيت التي تحدث بسبب حالة غيرة الطفل من أبيه فإن قلق الانفصال لا يتعلق بعقدة أوديب بل هي اضطراب نفسي يصيب بعض الأطفال والذي يتجلى بخوف الطفل من الابتعاد عن أمه وتعلقه الشديد بها وخوفه عليها لدرجة مرضية، وبحال لم تمر مرحلة عقدة أوديب بشكل سليم وتطورت لاضطراب نفسي فمن المحتل أنها قد تسبب قلق الانفصال.
- الرهاب الاجتماعي: غالباً ما ينتج عن التطور المرضي لعقدة أوديب معاناة الطفل عندما يكبر من الرهاب الاجتماعي بمعنى الخوف وعدم الرغبة بالتواصل مع المحيط والمجتمع، مما يؤدي للفشل في إقامة صداقات طبيعية مع الآخرين على اعتبار أنه طوال الوقت ملاصق لوالدته ويعتمد عليها كلياً وغير قادر على الانفصال والاستقلال عنها.
- الشذوذ الجنسي: يؤدي استمرار الطفل بالتعلق بوالدته لمشاكل في شخصيته تتمثل بضعف الأنا أمام رغبات ونزوات الهو، بمعنى أبسط تجعل الشخص لا يكترث ولا يحترم القوانين والأعراف مما ينتج عقد نفسية عند الكبر وكبت وشذوذ تجاه الأم أو العائلة أو حتى الغير كما قد يؤدي إلى المثلية بسبب ضياع الهوية الجنسية.
بشكل عام وجهت العديد من الانتقادات لفرويد ومدرسة التحليل النفسي ومعظم نظرياته كونها تعتمد في أغلب فرضياتها وتصوراتها على إعادة معظم مظاهر السلوك البشري للغرائز الإنسانية المتعلقة بالجنس والعدوان، ولم تعطِ أهمية كبيرة للعوامل الوراثية والبيئية والاجتماعية. ومن الانتقادات التي وجهت لنظرية عقدة أوديب:
- التركيز على العامل الجنسي: قام فرويد ببناء نظرية عقدة أوديب على مراحل تطور الجنسي للطفل، مما أدى لتوجيه الانتقادات له بسبب تركيزه على العامل الجنسي وتجاهله الظروف الاجتماعية التي تتعلق بالبيئة المحيطة والتربية في تحليلاته لسلوكيات الطفل، بالإضافة إلى تأثير علاقة الأب والأم به.
- عدم الخضوع للمنهج التجريبي: من ضمن الانتقادات التي وجهت لنظريات فرويد بما فيها عقدة أوديب هو اعتماد فرويد عند وضعه للنظرية على منهج دراسة الحالة بعكس الاعتماد السائد في ذلك الوقت على المنهج التجريبي ويرجع ذلك لصعوبة إخضاع نظرية فرويد للمنهج التجريبي كونها تنطبق على الأطفال.
- رفض مؤيدي المثلية الجنسية لنظرية فرويد: يرفض مثليو الجنس نظرية عقدة أوديب بشكل كلي بسبب رؤية فرويد أن الشذوذ الجنسي يعود لاضطرابات الهوية الجنسية في مرحلة الطفولة الناتجة عن مضاعفات عقدة أوديب والتي يعتبرها شذوذ جنسي، بينما ينظر المثليين الجنسيين إلى ميولهم الجنسية على أنها ميول طبيعية وليست ناتجة عن عقد أو أمراض نفسية.