حكم التبرع بالأعضاء في الحياة أو بعد الموت وشروطه
يعد التبرع بالأعضاء نشاط حديث نسبياً، فمع بداية الاكتشافات الطبية تعرف الأطباء على كيفية نقل عضو من جسم لآخر وأن هذه الأعضاء قادرة على أن تمارس مهامها في أجساد أخرى، ولكن هذا الموضوع كان صعب التطبيق بسبب ضعف التقنيات الطبية، ومع تقدم الطب الحديث أصبح هذا الأمر وارداً، وحلوه الكثير من الجدل والخلافات، فما هو التبرع بالأعضاء وما هي شروطه وما هي فوائده وسلبياته؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال التالي.
التبرع بالأعضاء هو عملية يتم فيها أخذ أحد الأعضاء أو الأنسجة جراحياً من شخص يسمى (المتبرع) ووضعه بجسم شخص آخر يسمى (المتلقي)، حيث يكون هذا الشخص قد تضرر نتيجة إصابة معينة أو نتيجة مرض معين ويحتاج هذا العضو من أجل إكمال بقية حياته.
ويمكن أن تشمل الأعضاء القابلة للتبرع:
لا يمنع الدين الإسلامي فكرة التبرع بالأعضاء وإنما يدعمها في بعض الأحيان كونه نشاط إنساني نابع من فكرة عمل الخير؛ حيث أن الفتوى الإسلامية ميزت بين حالتين عند التبرع بالأعضاء: [6]
- حكم التبرع بالأعضاء أثناء الحياة: في هذه الحالة يعتبر التبرع بالأعضاء التي لا تسبب موت المتبرع مثل الكلية أمر مقبول وجائز شرعاً من باب عمل الخبر ومساعدة الآخرين، أما حالة التبرع بعضو يسبب الموت كالقلب والرأس أثناء حياة المريض وصحته التامة يعتبر من أشكال الانتحار وهو أمر محرم شرعاً، بالإضافة لحالة التبرع التي تسبب تشوه أو تعطيل وظيفة في الجسم كالتبرع بأحد اليدين أو القدمين ما يسبب عجز ما لدى المتبرع يعتبر محرم شرعاً أيضاً، كما يجب أن تتم عملية نقل العضو ضمن مركز طبي معترف فيه من قبل الحكومة ودون أي مقابل مادي من الطرفين حتى لا يتحول الأمر إلى تجارة أعضاء.
- حكم التبرع بالأعضاء بعد الوفاة: في هذه الحالة يمكن التبرع عندما يتوفى المتبرع بشكل طبيعي وعدم إيذاء نفسه حتى لا يعتبر انتحار فرب العالمين فقط بيده حياة كل إنسان فهنا التبرع بأي عضو من الأعضاء ممكن باستثناء الأعضاء التي من الممكن أن يحدث بسببها خلط للأنساب عند نقلها كالأعضاء التناسلية، وفي كلا الحالتين يجب أن يكون المتبرع يتبع لأحد الديانات السماوية وإلا يكون كافراً ويفضل أن يكون من الأقرباء حتى الدرجة الرابعة تجنباً لدخول المال في هذه العملية.
التبرع بالأعضاء موضوع جدلي وتثار حوله العديد من التساؤلات على مسامع الشخص الذي يريد التبرع، لذلك سوف نوضح هنا بعض الإجابات على هذه التساؤلات التي تخص التبرع بالأعضاء: [1،2،4]
- هل يرتبط التبرع بالأعضاء بالعمر؟
لا يرتبط التبرع بالأعضاء بالعمر إطلاقاً فيمكن لأي شخص وصل إلى عمر 18 عام للتبرع بالأعضاء ومهما كان المتبرع كبيراً في السن يمكنه التبرع طالما العضو سليم وقادر على القيام بمهامه. - هل يحتاج المتبرع إلى رعاية طبية؟
لا يحتاج المتبرع إلى رعاية طبية بعد العملية، فالأمر يقتصر على الرعاية لعدة أيام بعد العمل الجراحي للتأكد من عدم حدوث مضاعفات. - هل هنالك تكاليف على عائلة المتبرع؟
لا يوجد أي تكاليف على عائلة المتبرع ويتكفل المتلقي بتكاليف العملية وما يتبع العملية من إجراءات يكون بحاجتها المتبرع. - هل التبرع بالأعضاء يشوه الجسم؟
إن عملية نقل الأعضاء تتم بإشراف أطباء مختصين ومدربين بمهارات عالية، لذلك في أغلب الأحيان التبرع بالأعضاء لا يشوه الجسم إلا في حالات التبرع بالأعضاء بعد الوفاة فالتبرع بالعينين وإزالتهما قد يؤدي إلى تشوه في الوجه، لذلك غالباً يطلب من أهل المتوفى عدم فتح التابوت. - التبرع بالأعضاء بعد الموت هل يمنع إقامة الجنازة؟
- لا يمنع التبرع بالأعضاء من إقامة الجنازة على الإطلاق فيطلب عدم فتح التابوت فقط وتتم المراسم حسب التقاليد.
- هل يمكن للمدخنين التبرع بالأعضاء؟
يخضع المدخن لفحوصات كاملة قبل التبرع ففي حال توافقت الأنسجة لا يمنع التدخين حينها من التبرع بالأعضاء. - هل الوشم يمنع من التبرع بالأعضاء؟
لا يمنع وجود وشم على الجسم من التبرع بالأعضاء.
يوجد عدة فوائد إيجابية يمكن تحقيقها من خلال التبرع بالأعضاء للأشخاص المريضين والذين تتوقف حياتهم في بعض الأحيان على نقل عضو معين إليهم، وسوف نوضح هنا بعض من فوائد التبرع بالأعضاء: [3]
- زيادة العمر الافتراضي للمتلقي: علمياً يكون الشخص الذي يعاني من خلل في أحد الأعضاء الرئيسية معرضاً للموت المحتم بفترة قصيرة في حال لم يجد متبرعاً له، أما في حال وجد شخصاً يتبرع له بالعضو المصاب يمكنه أن يعيش لفترة أطول بصحة جيدة، بالإضافة إلى أن عمر العضو لا يتعلق بعمر المريض حيث أنه يمكن لمريض عمره خمسين عاماً أن يتبرع بكليته لشخص آخر ويعيش المتلقي بهذا العضو لفترة طويلة طالما أن الكلية تعمل بالشكل المناسب وبالتالي لا يوجد استثناءات عمرية للتبرع بالأعضاء.
- تخفيف الألم عن المرضى: يمكن من خلال التبرع بالأعضاء تخفيف الألم الكبير عن المرضى فمثلاً عند التبرع بالعظام يمنح المريض حياة خالية تماماً من الألم، وفي حال تم التبرع بالأنسجة او العين يمكن أن يعطى المريض فرصة جديدة ليرى النور مرة أخرى ويستعيد هذه الحاسة بعد معاناة مع الألم والظلمة.
- إنقاذ مرضى سرطان الدم: إن عمليات زرع النخاع العظمي هي الأمل الوحيد للأطفال المصابين بسرطان الدم من أجل الشفاء.
- إنقاذ الأطفال الذين يولدون بعيوب خلقية: عمليات زرع صمام القلب تنقذ الأطفال الذين يولدون بعيوب خلقية وتمنحهم فرصة الحياة الخالية من المرض.
- تخفيف تكاليف العلاج على المرضى: التبرع بالأعضاء يعتبر علاجاً جذرياً، فمثلاً مريض الكلى يحتاج إلى غسيل الكليتين بشكل مستمر وبالتالي مصاريف مستمرة على العلاج وفي حال تم زرع كلية لدى هذا لمريض فإنه لن يحتاج إلى العلاج مرة أخرى وهذا يوفر المال بشكل كبير.
- فوائد اجتماعية وإنسانية: مثل تخفيف الحزن عن عائلات المرضى، فمن الفوائد الاجتماعية المهمة هي السعادة التي تغمر أهل المتبرَع له من خلال إنقاذ حياة ابنهم.
على الرغم من الفوائد العديدة للتبرع بالأعضاء كنشاط إنساني إلا أنه يوجد سلبيات أيضاً تنتج عن هذا الإجراء، سوف نوضح هنا بعض هذه السلبيات التي من الممكن أن تنتج عن التبرع بالأعضاء: [2]
- تحتاج لوقت طويل من أجل إيجاد تطابق: من السلبيات التي تعود إلى التبرع بالأعضاء هي أن هذه العملية تحتاج وقت طويل من أجل إيجاد متبرع متوافق نسيجياً ومتوافق بالزمرة الدموية مع المريض وبالتالي من الممكن أن ينتظر المريض حتى الموت ولا يجد متبرعاً متطابقاً معه.
- الاستغلال التجاري: بعض الأشخاص يحولون الحاجة إلى تجارة، حيث أنهم بحجة أن هنالك مريض يستغلون عواطف الناس ويقومون بالتجارة بالأعضاء مقابل أموال باهظة.
- مخاطر العملية: عملية نقل العضو هي عملية طويلة وخطيرة يمكن أن يتعرض خلالها المريض إلى مضاعفات أو نزف وغيره من المخاطر التي قد تهدد حياته.
- الآثار المتبقية على المتبرع بعد العملية: قد يعاني المتبرع بعد العملية من مضاعفات سلبية منها الندبة التي تبقى على جسمه ويمكن أن يتعطل عن العمل لفترة معينة بعد العملية حتى يستعيد عافيته.
يوجد شروط يجب أخذها بالاعتبار عند الرغبة بالتبرع بأحد الأعضاء، فلا يمكن لأي شخص التبرع بأعضائه دون أن يكون محققاً لشروط معينة، وسوف نوضح هنا بعض الشروط التي تمنع المتبرع من نقل العضو لمريض آخر: [1،2]
- الإصابة بالإيدز: يجب أن يكون المتبرع سليم لا يعاني من فيروس المناعة البشرية (الإيدز) وإلا لا يكون قادر على التبرع بالأعضاء.
- الإصابة بالسرطان: يجب ألا يعاني المتبرع من السرطان النشط وإلا من الممكن أن تتنقل الخلايا السرطانية لجسم المستفيد من التبرع.
- داء السكري: يجب ألا يكون المتبرع مريض بداء السكري، لما لهذا المرض من خطر عليه أثناء علمية التبرع أو خطر نقل المريض إلى الشخص الآخر.
- عدم توافق زمر الدم: يجب أن تتوافق الزمرة الدموية والأنسجة بين المتبرع والمتلقي.
- عدم توافق حجم العضو: يجب أن يتناسب حجم العضو بين المتبرع والمتلقي.
هنالك العديد من الأسباب تجعل البعض يقبلون على خطوة التبرع بالأعضاء قبل وفاتهم عندما يقطعوا الأمل من الحياة، والبعض الآخر يتبرعون حتى وهم بصحة جيدة لأسباب مادية أو إنسانية، ومن الأسباب التي تجعل الأشخاص يتبرعون بأعضائهم نذكر: [5]
- الرغبة بعمل الخير: النقطة الأهم التي تجعل الأشخاص يفكرون بالتبرع بأعضائهم بحال التبرع بجميع الأعضاء عند الوفاة، هي أن هذا الشخص لوحده قادر على إنقاذ عدة أشخاص فأحدهم يحتاج الكبد فقط ليكمل حياته، وآخر يحتاج إلى الكلية، وهكذا أعضاء هذا الشخص سوف تعيش في أجساد متعددة لبقية الحياة، هذه الخطوة يعتبرها البعض بمثابة إرضاء لنفسهم أو بمثابة استغفاراً لذنوبهم أيضاً.
- أسباب تتعلق بالقرابة بين المتبرع والمتلقي: من الأسباب التي تدفع الأشخاص إلى التبرع بأحد أعضائهم هي أن يكون المريض من أحد أفراد العائلة ويريد المتبرع إنقاذ حياته فيكون المتلقي هو والد المتبرع أو أخوه أو أي من الأشخاص القريبين ضمن العائلة، بالإضافة إلى أن فرصة تطابق الأنسجة تكون أعلى في هذه الحالة.
- أسباب مادية: قد تكون الحاجة للمال هي أحد الأسباب التي تدفع شريحة معينة من الناس إلى بيع أعضائهم تحت ظروف قاسية معينة يكونون فيها مجبرين على تأمين مبلغ كبير ولا يجدون مورد آخر لكي يجمعوا المال منه فيقومون ببيع أحد أعضائهم للحصول على المال.
- أسباب علمية: يوجد أشخاص يعملون طوال حياتهم بالتجارب العلمية والتي تحتاج لإنجازها العديد من الأعضاء وهذا أمر صعب تحقيقه نوعاً ما، لذلك بعض من هؤلاء الأشخاص المؤمنين بأهمية التجارب العلمية الطبية يقومون بالتبرع بأعضائهم بعد وفاتهم من أجل هذه التجارب.