البيدوفيليا في علم النفس ودوافع التحرش الجنسي بالأطفال
بعد انتشار العديد من الفضائح العالمية والمحلية أصبحت كلمة البيدوفيليا والبيدوفيلي تتردد بشكل متكرر على مسامعنا بالتزامن مع استخدام كلماتٍ مثل المتحرش بالأطفال، موضوع البيدوفيليا رغم أنه ما زال يُصنف ضمن التابوهات الاجتماعية، لكنه بدأ يلقى المزيد من الاهتمام وخاصةً من قبل بعض الأشخاص الذين يرغبون بحماية أطفالهم.
رغم أنّ البيدوفيليا ما زالت مرفوضةً حتى اليوم إلا أنّ الموقف من الأشخاص البيدوفيليين اليوم لم يعد تماماً كالسابق، حالياً أصبحنا نجد الكثيرين يُنادون بمساعدتهم بدلاً من إدانتهم. ولكن قبل أن نتطرق لذلك دعونا نعود للبداية ونسأل عن ماهية البيدوفيليا.
كلمة بيدوفيليا Pedophilia مشتقة من الكلمة اليونانية "بيدو" التي تعني طفل وكلمة "فيليا" التي تعني حب، البيدوفيليا أو اضطراب عشق الأطفال Pedophilic Disorder كما تُسمى ضمن الطبعة الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) هي: انحراف جنسي أو خطل جنسي (بارافيليا) تنطوي على دوافع جنسية شديدة متكررة وخيالات جنسية مرتبطة بالأطفال دون سن البلوغ، كما يشترط أن يتصرف الشخص بناءً على هذه الدوافع أو أن تجعله يُعاني من ضيق أو صعوبة في التعامل مع الآخرين.
السمة الأساسية لاضطراب عشق الأطفال البيدوفيليا هي شعور الفرد بالإثارة الجنسية عندما يكون مع الأطفال بشكلٍ مساوٍ أو أكبر من شعوره بها عندما يكون مع أفرادٍ بالغين، بكلماتٍ أخرى، أن يختبر الشخص البالغ إثارةً جنسية بشكل رئيسي أو حصري عند كونه مع أطفالٍ دون سن البلوغ (وسطياً دون الـ13 سنة). كمعيار يجب أن يكون سن الشخص 16 عاماً على الأقل وأكبر من الطفل بـ5 سنوات على الأقل كي يُعتبر شخصاً بيدوفيلياً. [1]
البيدوفيليا وفق علم النفس؛ اليوم يوجد الكثير من الجدل والخلافات المتعلقة بالبيدوفيليا فنجد من يعتبر أنّ البيدوفيليا مرض عقلي أو نفسي، وفي المقابل هناك من يدعم اعتبار البيدوفيليا ميولاً جنسياً يُشابه في وصفه الميول المغاير أو المثلي وما شابهها، ولكن هل يجب حقاً أن نعتبر أنّ البيدوفيليا هي توجه جنسي؟ وهل يجعل تصنيفها كميلٍ جنسي؛ الاعتداء على الأطفال أمراً لا يُعاقب عليه القانون؟!
من أجل التوعية بشأن تصنيف البيدوفيليا كتوجه جنسي، يُنوّه الخبراء بأنّ الفرق الوحيد بين البيدوفيليا وغيرها من التوجهات الجنسية هو أنّ تطبيق الخيالات الجنسية البيدوفيلية سينتهي بكارثة، بالطبع يجب أن نذكر أنّ كلاّ من الباحثين وعلماء النفس لا يبررون الاعتداء الجنسي على الأطفال وهم مثل الكثيرين منا يعتقدون بشكل قاطع أنّها جريمة نكراء ومروعة ويجب أن تبقى مصنفة كذلك وأن يُعاقب عليها القانون.
لكن في المقابل، بدأ الكثير من علماء النفس بالنظر إلى البيدوفيليا على أنّها ميول جنسي وهذا يتضح في تعريف الاضطراب البيدوفيلي المذكور في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، حيث أنّه يشترط "شعور الشخص بالضيق وعدم القدرة على التعامل مع الآخرين بسبب الدوافع الجنسية البيدوفيلية"، ويؤكد العديد من علماء النفس على الفصل بين البيدوفيليا كمجرد انجذاب جنسي للأطفال والتسبب بالأذى للأطفال بناءً على الدوافع البيدوفيلية. [2]
يُجادل المؤيدون للتصنيف كميول جنسي على أنّ البيدوفيليا لا تتحول دوماً إلى اضطراب وأنّ الشخص البيدوفيلي يمكن أن يعيش دون أن يتصرف تحت تأثير البيدوفيليا. ورغم أنّ الإعلام لا يُركز إلا على حالات الاعتداء الجنسي من البيدوفيليين إلا أنّ العديد منهم يعيشون حياتهم دون لمس أي طفل.
علمياً يدعم مؤيدو تصنيف البيدوفيليا كميل جنسي طرحهم بأنّها أمرٌ غير قابل للتغيير من ناحية وبوجود بعض الخصائص المشتركة لدى البيدوفيليين:
- انخفاض متوسط معدلات الذكاء لدى البيدوفيليين بحوالي 10 نقاط.
- وكون معظمهم يساريي اليد وأقصر نسبياً من غيرهم (وهذا لا يعني التعميم بأن كل ر قصير القامة أو يساري شخص بيدوفيلي).
- بالإضافة إلى ذلك بينت الدراسات أنّ دماغ الشخص البيدوفيلي يحوي كميةً أقل من المادة الرمادية في النواة المخططية وهو ما يؤثر بشكل كبير على السلوكيات الإدمانية لديهم.
يوجد حالياً علاجات مستخدمة للتعامل مع البيدوفيليا ولكنّ هذه العلاجات بالطبع لا تستطيع إزالة شعور الانجذاب للأطفال تماماً وقد لا يكون ذلك ممكناً حتى، تُستخدم هذه العلاجات المتوفرة لمساعدة الأشخاص البيدوفيليين على التعامل مع دوافعهم الشديدة ومنعهم من القيام بتصرفات بناءً عليها.
يكون علاج الاضطراب البيدوفيلي ناجحاً وفعالاً فقط في حال كان المريض ملتزماً ومتحمساً للتحكم في سلوكه وهي -أي الالتزام والحماس للعلاج- سماتٌ يصعب على المعالج تقييمها.
ينقسم علاج الاضطراب البيدوفيلي إلى شقين، الأول هو العلاج النفسي والثاني هو العلاج الدوائي، ورغم إمكانية استخدام أحدهما بشكل منفصل تكون النتائج أفضل عندما يُستخدم الاثنان معاً:
- العلاج النفسي للبيدوفيليا:
- اعتاد معظم المعالجين على استخدام تقنيات العلاج السلوكي المعرفي في معالجة البيدوفيليين، بحيث يُركّز على تمكين الفرد من تحديد رغباته الجنسية والتغلب على التبريرات حول سلوكياته، كما قد يخضع لعلاج قائم على التعاطف وتقنيات للتحكم في الاندفاع الجنسي.
- بالنسبة للمعتدين على الأطفال فيعتمد علاجهم الأكثير شيوعاً على منهج يُسمى علاج الوقاية من الانتكاس وهو من علاجات الإدمان، يهدف هذا المنهج إلى مساعدة المريض على توقع المواقف التي تزيد من خطر الاعتداء الجنسي وتجنبها أو الاستجابة لها بشكل أفضل
- العلاج بالتبغيض أو بالنفور هو أحد العلاجات المستخدمة أيضاً مع المصابين بالاضطراب البيدوفيلي، يهدف هذا النوع من العلاج إلى ربط الخيالات الجنسية أو الرغبات في الممارسة الجنسية مع الأطفال مع الإحساسات غير السارة مثل الغثيان أو الصدمات الكهربائية أو الروائح الكريهة.
- بينت الدراسات أنّ هذه الطرق مفيدة للتحكم في الرغبات ويزيد من قدرة البيدوفيلي على التحكم في الانجذاب الجنسي للأطفال على المدى القصير، أما على المدى الطويل فلا يوجد دراسات تُثبت فعاليته.
- العلاج الدوائي للبيدوفيليا: تستخدم الأدوية عادةً بالتزامن مع العلاج النفسي ويتضمن العلاج استخدام الأدوية المثبطة لإنتاج هرمون التستوستيرون بهدف تقليل وتيرة أو شدة الرغبات الجنسية، بالطبع لن يكون التأثير فورياً إذ تستغرق الأدوية المثبطة لهرمون التستوستيرون من 3 إلى 10 أشهر عادةً من أجل قمع الرغبات الجنسية.
قد تستخدم مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRI) أيضاً في الخطة العلاجية والتي يمكن أن تُساعد أيضاً في العلاج، ولكنّها هي الأخرى لا تقضي على مشاعر الانجذاب الجنسي للأطفال بل تساعد في التحكم في الانفعالات فقط. [3]
المشكلة التي تواجه العلماء الذين يدرسون البيدوفيليا هي أنّ معظم الحالات المعروفة للبيدوفيليين تعود للمعتدين على الأطفال الذين قُبض عليهم، ومع النظرة السلبية للشخص البيدوفيلي في المجتمع فمن الطبيعي أن يُبقي الشخص البيدوفيلي حقيقته طي الكتمان لتجنب التهميش من المجتمع.
بالمحصلة مازالت أسباب البيدوفيليا مجهولةً حتى اليوم، ورغم وجود بعض الأدلة عن انتشار البيدوفيليا ضمن بعض العائلات إلا أنّ كون ذلك يعود للجينات أو للسلوك المكتسب غير محدد بعد.
كما يُعد وجود تاريخ من الاعتداء الجنسي على الطفل من العوامل المحتملة في تطور البيدوفيليا لدى البعض، إذ تُشير نماذج التعلم السلوكي إلى أنّ الطفل الذي يكون ضحيةً أو مراقِباً لسلوكياتٍ جنسية غير لائقة يُحتمل أن يُقلّدها.
اليوم.. تدرس النماذج الفيزيولوجية العلاقة المحتملة بين الهرمونات والسلوك وخاصة دور العدائية والهرمونات الذكورية، تُشير البيانات الحالية إلى أنّ البيدوفيليين يكونون عادةً أقصر قامةً وذوي نسب معدل ذكاء أخفض من المتوسط، دماغ البيدوفيلي يحتوي كميةً أقل من المادة البيضاء وقد بينت إحدى الدراسات احتمالية تعرضه إلى إصابة في الرأس أثناء الطفولة. [4]
قد يكون للبيدوفيليا أسباب ولكنّ العلم لم يتمكن حتى الآن من تحديد الأسباب الدقيقة لذلك، لكن يوجد بعض النظريات التي قد تفسر ظهورها لكنها ليست أسباب أو تفسيرات قطعية للبيدوفيليا مثل: [5]
- اختلاف بنية الدماغ: بينت بعض الدراسات تشابه دماغ البيدوفيلي مع دماغ من يعاني من بعض اضطرابات التحكم في الانفعالات كالوسواس القهري، ويمكن أن تكون البيدوفيليا ناتجاً جانبياً لأمراض نفسية أخرى تؤدي لتشوهات دماغية أو نتيجةً لصدمة معينة.
- اختلافات عصبية: تضمنت الأبحاث أيضاً وجود اختلافات عصبية أخرى مثل تشوهات في الفص الصدغي واختلافات في ناهضات السيروتونين.
- الاعتداء الجنسي في الطفولة: وجد انتشار للبيدوفيليا بين الأفراد الذين تعرضوا لاعتداءات جنسية في مرحلة الطفولة وخاصة قبل سن السادسة، كما وجد انتشارها لدى من كانوا في رعاية أمهات مصابات بأمراض نفسية.
- مشاكل في النمو: وجدت بعض الإحصائيات أنّ نسبة 61% من البيدوفيليين رسبوا في أحد الصفوف في المدرسة أو سُجّلوا في مدارس لذوي الاحتياجات الخاصة.
وفقاً للدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات العقلية، فإنّ الأعراض التي تُميز البيدوفيليا تتضمن: [6]
- تخيلات ودوافع جنسية متكررة تتضمن الانجذاب نحو الأطفال دون الثالثة عشر.
- تصرفات ناجمة عن الدوافع والرغبات الجنسية.
- الشعور بالضيق نتيجة الشعور بالدوافع والانجذاب للأطفال.
رغم التكتم الشديد عادةً على الأخبار المتعلقة بالتحرش بالأطفال إلا أنّ قضية تظهر بين الحين الآخر على السطح، قضايا التحرش بالأطفال والقضايا المرتبطة بالاضطراب البيدوفيلي تُثير سخط المجتمع وتهز الرأي العام وخاصةً عندما تنتهي في عددٍ من الحالات بالقتل.
في عام 2020 على سبيل المثال استيقظت المغرب على فاجعة مقتل طفلٍ صغير يُدعى عدنان والتي بينت التحقيقات فيها لاحقاً أنّ الطفل تعرض للاعتداء الجنسي قبل مقتله، هذه الحادثة أشعلت المجتمع ووسائل التواصل الاجتماعي حيث تباينت الآراء وردود الأفعال، بعض الأشخاص اعتبروا أنّ تربية الطفل على عدم الوثوق بالغرباء وعدم التحدث معه أصبح أمراً ضرورياً في هذه الأيام، في المقابل اعتبر آخرون أنّ إشاعة الخوف بشكل مفرط بين الأطفال أمرٌ غير صحي ذاكرين أنّ بعض الجرائم الجنسية للأطفال يمكن أن تحدث ضمن العائلة ذاتها.
قد تكون أحدث القضايا المعروفة حالياً هي قصة "متحرش المعادي" في مصر والتي حاول فيها رجلٌ أربعيني استدراج طفلةٍ لا يتجاوز عمرها السادسة إلى مدخل أحد المباني لمحاولة التحرش بها قبل أن تفضحه إحدى السيدات بعد أن شاهدته على الكاميرات ويهرب بعيداً، لحسن الحظ كانت نهاية هذه القضية جيدةً حيث هربت الطفلة دون أن يتمكن من إيذائها وألقي القبض عليه بسرعة ولكنّ انتشار الفيديو هذا كان كفيلاً بإشعال آراء الشارع المصري والعربي والمطالبة بقوانين لحماية الأطفال من المتحرشين.
بعد معرفة معظم الحقائق بخصوص البيدوفيليا والاضطراب البيدوفيلي يبقى من المهم لنا أن نصل لقوانين أفضل لحماية الأطفال والتشديد على تربية الأطفال بحيث نضمن ألا يتعرضوا للخداع والاستغلال من أحد، أما فيما يخص البيدوفيليين فلا يمكن حالياً سوى أن انتظار أن تقدّم لنا الدراسات المستقبلية علاجاً ناجعاً للبيدوفيليا.