العصمة في الزواج وصيغة العصمة في يد المرأة
العصمة الزوجية أو حق الطلاق مسألة أصبحت مسار جدل كبير لدى العديد من الناس من ناحية حكم الشرع والقانون، خاصة من حيث إمكانية وجواز أن تصبح هذه العصمة بيد المرأة وشروط ذلك ومبرراته، ففي الشريعة الإسلامية والقوانين الشرعية المستمدة منها جرت العادة أن تكون العصمة بيد الرجل وحق له، ولكن نظراً للمتغيرات الاجتماعية وظروف الحياة المختلفة أصبحت كثير من السيدات تطالب أن يكون لها الحق بهذه العصمة على غرار الرجل، وأثيرت الكثير من التساؤلات حول هذا الموضوع، وهنا سوف نحاول الإجابة عن بعض هذه التساؤلات.
كلمة العصمة معنى واسع وشامل حسب الإطار الذي تستخدم به، أما العصمة الزوجية هي أحقية اتخاذ قرار انهاء العلاقة الزوجية بالطلاق، والعصمة في الإسلام من حقوق الرجل الزوج ولا يشترط قبول الزوجة الطلاق ولا يحق لها الاعتراض عليه، من منطلق أن الرجل هو من يملك عقدة النكاح وبالتالي فهو من له الحق في حل هذه العقدة، لأن الرجل قوّام على زوجته حسب ما جاء في الآية الكريمة "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ" سورة النساء الآية 34، ويوجد في الدين الإسلامي مبررات لجعل العصمة بيد الرجل وشروط عليه لاتخاذ قرار الطلاق.
يشير مصطلح العصمة بيد الزوجة إلى وجود شرط في عقد الزواج يمنح الزوجة الحقّ بتطليق نفسها حتى إن لم يكن الزوج موافقاً على الطلاق، وتقول الزوجة لفظ "طلقت نفسي" ولا تتوجه باللفظ لزوجها "أنت طالق"، والعصمة بيد الزوجة هي بمثابة تفويض من الزوج نفسه لزوجته أن تطلق نفسها منه، وذهب الكثير من العلماء إلى أن للزوج الحق بالرجوع عن وضع العصمة بيد زوجته لأنه هو صاحب العصمة الأصلي.
هناك اختلاف في الآراء الشرعية بين المذاهب التي أباحت وضع العصمة في يد الزوجة والمذاهب التي اعتبرت ذلك باطلاً وأن العصمة لا يجوز تفويضها للزوجة، لكن الاتفاق أن وضع العصمة بيد الزوجة خيار الزوج وحده لأنه صاحب العصمة وهو من يعود إليه تفويض هذا الحق للزوجة، ويحق له الرجوع عن التفويض وإبطاله.
من جهة أخرى فإن القوانين الوضعية المستمدة من الشريعة الإسلامية في الدول العربية هي التي تحدد إن كان من حق الزوجة اشتراط أن تكون العصمة بيدها أم لا، وإن كان من حقها تطليق نفسها أم لا، فإذا لم يعترف المشرّع بحق الزوجة بتطليق نفسها اعتبر شرط العصمة بيد الزوجة باطلاً حتى وإن كان مكتوباً بالعقد.
إذاً العصمة الزوجية هي حق شرعي للرجل ويعود سبب انفراد الرجل بالعصمة الزوجية حسب العديد من التفسيرات، أن الرجل أكثر قدرة على ضبط النفس والعواطف من المرأة ولا يتخذ هذا القرار إلا عند الضرورة وتتسم قرارته بالعقلانية أكثر، وهذا من وجهة النظر الدينية ليس انتقاصاً من المرأة وإنما مراعاةً لطبيعتها النفسية التي تجعل قرارتها أكثر عاطفية ولحظية وإمكانية أن تندم على هذا القرار أكبر، بالإضافة لأن الرجل وحسب العادات الإسلامية هو غالباً من يتحمل أعباء الزواج المادية من مصاريف ونفقات ومهر وغيرها وهذا يجعله يفكر بعقلانية أكثر في لحظات الغضب قبل أن يتخذ قرار تطليق زوجته.
ولكن أن تكون العصمة في يد الرجل لا يعني أن قرار انهاء العلاقة الزوجية مباح له متى شاء ودون سبب يستدعي ذلك، فيجب أن يكون لهذا الطلاق مبرراته وشروطه وواجبات من قبل الرجل تجاه طليقته، وقد أول علماء الإسلام عدة أحكام يكون فيها طلاق الرجل لزوجته: حرام، واجب، مكروه، مستحب، مباح، وذلك تبعاً لسبب هذا الطلاق ومبرره والنتائج التي يعود بها سواء على الزوجين أو على الأطفال ثمرات هذا الزواج.
أما من الناحية القانونية فحسب قوانين المحاكم الشرعية التي تستند للشرعية الإسلامية في أحكامها بما يخص الطلاق والزواج، فكما أن العصمة هي حق شرعي وقانوني للرجل فهي أيضاً تفرض عليه واجبات ومتطلبات قانونية مثل، دفع الصداق المعجل والمؤخر للزوجة، دفع نفقات للزوجة والأطفال، تأمين مسكن للزوجة والأطفال، ويوجد حالات قانونية تبيح للزوجة طلب الطلاق أو فسخ عقد الزواج أو الخلع أو رفع دعوى التفريق.
مسألة أن تكون العصمة الزوجية بيد الزوجة هي أساس وموضوع الجدل والخلاف والتساؤلات التي تدور حول هذا الموضوع، فحياة اليوم اختلفت كثيراً عن طبيعة الحياة في الماضي من جهة، والظروف المختلفة والتي قد تكون صعبة التي تعشيها بعض السيدات في مناطق وبلدان معنية من جهة أخرى، فرضت واقعاً جديداً يتضمن حالات فردية ومشاكل زوجية جديدة أصبحت بحاجة لحل شرعي وقانوني يعالجها، وهذا ما يدفع الكثير من السيدات للمطالبة بهذا الحق.
ومن الأسباب تبرر هذه مطالفة وضع العصمة بيد الزوجة من وجهة نظرهن:
- الفقدان والهجران: بعض الرجال ولأسباب ترتبط بظروف العمل أو ظروف اجتماعية مثل حالات وجود ثأر أو خطر عليه أو ملاحقة قانونية، بالإضافة لحالات الخيانة الزوجية والتهرب من المسؤوليات، قد يلجأ الزوج في مثل هذه الحالات لهجران زوجته والابتعاد عنها وهنا تصبح الزوجة في موقف صعب حيث لا تملك حريتها في الزواج من رجل آخر والشروط القانونية والشرعية التي تبيح لها ذلك تأخذ فترة طويلة من الزمن قد تضيع عليها الكثير من الفرص، لذا تشترط بعض الزوجات أن تكون العصمة بيدها عند صياغة عقد الزواج تلافياً لهذه المواقف.
- الاستغلال الزوجي: يمكن في بعض حالات الخلافات الزوجية أن يكون الرجل سيء الأخلاق ولا يمكن احتمال طباعه وأخلاقه من قبل الزوجة ويمكن لهذا الزوج في هذه الحالات استغلال أحقيته في العصمة الزوجية في الامتناع عن تطليق زوجته إلا بشروط قد تكون مجحفة بحقها بحيث يعوقها عن الاستمرار بحياتها إذا لم ترضخ لشروطه، ودعاوى التفريق التي يحق للزوجة في مثل هذه الحالات رفعها قد لا تنصف الزوجة وقد تأخذ فترات طويلة ليست في صالحها، وهنا أيضاً يعد وجود العصمة بيد الزوجة منفذاً لها حتى لا تقع في هذه المواقف.
- الكوارث الإنسانية: في حالات المآسي والكوارث الإنسانية مثل الحروب أو الحوادث الطبيعية التي تتسبب بالفوضى الاجتماعية قد تضطر الزوجين للابتعاد عن بعضها وربما فقدان أخبار كل منهما للآخر مثل حالات الموت مجهول الهوية والخطف والاعتقال أو اللجوء لبلدان مختلفة وبعيدة وحالات أخرى، وبعد فترة قد يفقد الزوجين الأمل في اللقاء مرة أخرى، وبهذه الحالات يمكن للزوج الاستمرار بحياته وبدأ حياة جديدة بينما تعتبر هذه المسألة أصعب بالنسبة للزوجة بسبب عدم امتلاكها لأمر نفسها ما دامت على عصمة رجل.
- مطلب استقلال المرأة وحقوقها ومساواتها بالرجل: أيضاً تعد مسألة مطلب مساواة المرأة بالرجل من الأسباب التي تدفع بعض السيدات لطلب حق العصمة الزوجية على اعتبار أن نمط الحياة الحديثة يلغي الفوارق الاجتماعية بين الزوجين، كما أن الرجل يعمل وينفق على الأسرة أصبحت الكثير من السيدات تشارك في هذه الناحية، وكما يمكن للرجل أن يستمر ويبدأ حياة جديدة بعد الطلاق فالمرأة أيضاً يمكنها ذلك، ومن هنا لا داعي لانفراد الرجل بالعصمة الزوجية وأحقية اتخاذ قرار الطلاق.
يمكن القول أن الفهم الخاطئ لمعنى أن تكون العصمة الزوجية بيد المرأة هو جوهر الخلاف وسببه الرئيسي حول هذا الموضوع، وكأن العصمة الزوجية هي شيء ملموس ومادي وأن يكون بيد أحد الزوجين يعني أنه يلغي حق الآخر به، وهذا ما يسبب تمسك بعض الرجال بهذا الحق من جهة والإلحاح في المطالبة به من قبل بعض السيدات من جهة أخرى، وهنا بعض النقاط التي نوضح من خلالها معنى أن تكون العصمة بيد المرأة:
- كيف يضع الزوج العصمة بيد زوجته: العصمة الزوجة حق أصيل للرجل ويجوز له تطليق زوجته بنفسه أو توكيل أحد بتطليقها عنه أو تفويضها بتطليق نفسها، وتتم هذه المسألة بالاتفاق بين الزوجين وتثبيتها في عقد الزواج أو كتابتها لاحقاً على شكل تفويض من قبل الزوج لزوجته بتطليق نفسها على ورقة خارجية يمكن أن تثبتها الزوجة في المحاكم الشرعية ومحاكم الأحوال الشخصية شريطة حضور الزوج وموافقته بأن يضع أمرها بيدها.
- صيغة طلاق الزوجة لزوجها: أن تكون العصمة الزوجية بيد الزوجة لا يعني أنه يمكن لها تطليق زوجها، وإنما هي تطلق نفسها من زوجها، حيث لا تقول (أنت طالق) وإنما تقول (طلقت نفسي منك أو أنا طالق منك) ويوجد عدة حالات أو صلاحيات لتفويض الزوجة بتطليق نفسها من زوجها حسب ما تم الاتفاق عليه في عقد الزواج كأن يكون هذا التفويض لمرة واحدة (طلاق واحد) أو في حالات معينة أو بشكل دائم، ولا يمكن للزوج التراجع عن هذا التفويض عند تثبيته على عقد الزواج أو بورقة خارجية بحضور الشهود.
- حق الزوجة بالعصمة لا يلغي أحقية الزوج بها: يعتقد البعض أن وضع العصمة بيد الزوجة هي عملية تنازل للزوجة عن العصمة الزوجية وهذا فهم خاطئ حيث لا يلغى في هذه الحالة حق الزوج في تطليق زوجته أو تسقطه لأن العصمة حق أصيل للرجل في الشرع، وإنما هو يفوضها لتطليق نفسها منه وفق الشروط المتفق عليها في عقد الزواج.
- تفويض الزوجة بتطليق نفسها: يجوز للمرأة اشتراط أن تكون عصمة طلاقها في يدها عند كتابة عقد القران شرعياً وقانوناً ووضع العصمة بيد الزوجة هي حالة تفويض تتم في عقد الزواج أو التعديل عليه بعد الزواج ويشترط وجود الشهود وتثبيت هذا التفويض على العقد وله عدة حالات كأن يكون لها طلقة واحدة رجعية (يحق للزوج العودة لها خلال فترة العدة) بأن يقول لها (اختاري نفسك) أو يجعل أمرها بيدها وهنا يكون لها ثلاثة طلقات بأن تكون كل طلقة على حدة أي الطلاق المصحوب بعدد أو بشكل متكرر بنفس الموقف والزمان يعتبر طلقة واحدة فقط، ويوجد بعض الاختلافات في المذاهب الإسلامية في هذا الشأن.
- متى يلغى التفويض بالعصمة: لا يمكن للزوج التراجع عن تفويض العصمة في عقد الزواج إلا في حالة فسخ عقد الزواج وكتابته من جديد أو استنفاذ الزوجة للتفويض فإذا كان التفويض بطلقة واحدة وطلقت الزوجة نفسها هذه المرة تعود العصمة للرجل.
الطلاق هو أبغض الحلال وليس أمراً مستحباً في الإسلام، ولكنه من جهة أخرى وجه من أوجه رحمة الله سبحانه وتعالى علينا ورأفته بنا، فالعديد من الظروف قد يستحيل معها استمرار الزواج وقد تتحول الحياة الزوجية إلى مصدر قلق وضغط نفسي لحد لا يحتمل ما قد يسبب خلافات كبيرة قد تصل لحد الخيانة الزوجية أو الاستغلال لذا يعتبر الطلاق حل في مثل هذه الحالات، وعندما تكون العصمة بيد الرجل يصبح هو صاحب القرار بهذا الطلاق بشكل منفرد.
بالإضافة لأن بعض الظروف الخاصة قد تجبر الزوجة على طلاق نفسها من زوجها كأن يكون غائب ويصعب الوصول إليه لسبب ما، وظروف عديدة مشابهة، وهنا تبحث بعض السيدات عن سبل قانونية وشرعية لمثل هذه الحالات تمكنها من تطليق نفسها من زوجها، وهنا نذكر بعض الإجراءات في هذا الإطار:
- الخلع: ويتم الخلع في حالات عدة تتدرج في مشروعيتها بين المباح والمكروه والمحرم حسب سبب طلب الخلع، وهو طلب الزوجة خلع زوجها بمقابل عوض مادي يترتب عليها تجاه زوجها، وتفصل المحاكم الشرعية في مشروعية طلب الزوجة الخلع وقانونيته ونختلف المذاهب في اعتبار الخلع ضمن عدد الطلقات.
- فسخ عقد الزواج: وهذه الطريقة ينظر بها القضاء المختص ويعطي حكمه بناء على وجود خلل في شروط عقد الزواج فيصبح العقد فاسد مثل غياب الشهود، وعند فسخ العقد يمكن للزوجة أن تطالب بالعصمة الزوجية عند كتابة العقد الجديد.
- التفريق: وهي من الأشكال التي تبيح للزوجة الطلاق من زوجها دون اشتراط موافقته، فالقضاء بهذه الحالة هو من يقرر أحقية دعوى التفريق، وتقام هذه الدعوى في حالة وقوع الضرر على الزوجة أو الأطفال من هذه العلاقة أو سوء المعاملة من قبل الزوج، ويقدر القضاء المختص قراره في التفريق بالنظر لطبيعة الضرر الواقع والذي له أنواع مثل الضرر غير المقصود (السفر الدائم بطبيعة العمل، الحالة المادية المزرية وتعثر النفقة، السجن، الغياب غير المبرر) وحالة الضرر المقصود أو سوء المعاملة بالفعل أو القول (الضرب، الشتم، الإهانة، عدم الإنفاق، الهجران، التقصير بالوجبات الزوجية والأسرية دون مبرر).
- المطالبة بالعصمة في عقد الزواج: وهي الحالة موضوع المقالة وعند حصول الزوجة على موافقة الزوج بتفويضها أمر نفسيها يصبح بإمكانها شرعاً وقانوناً تطليق نفسها منه حسب ما جاء بالاتفاق في عقد الزواج.