العنصرية ضد المحجبات والدول التي تمنع الحجاب
شهدت العقود الأخيرة ظهور العديد من الجماعات المتطرفة دينياً والتي تسببت بتشويه صورة الدين الإسلامي عن طريق استخدام الإسلام كوسيلة سياسية لتحقيق أهداف بعيدة عن الدين، بالإضافة إلى سعي بعض الجماعات للتآمر على الدين الإسلامي، حيث أدى ذلك إلى تشويه صورة الإسلام وجعله يظهر بشكل مخيف وخاصة في الدول الأجنبية مما جعل البعض يبغض الدين الإسلامي بكل مظاهره بما فيها الحجاب جاعلاً النساء المسلمات وخاصة المحجبات ضحايا الإسلاموفوبيا أو رهاب الإسلام.
تتعدد أسباب العنصرية والكره للحجاب والمحجبات ولكنها تتقاطع جميعها في سلب المرأة حريتها في اختيار طريقة لباسها وممارسة شعائرها الدينية لأسباب مختلفة من بلد لآخر ومن ثقافة لأخرى، ومن أكثر أسباب العنصرية شيوعا ضد المحجبات ما يلي: [1]
- الأفكار الملوثة: بعض الجماعات التي تحارب باسم الإسلام تؤدي لظهور أفكار ملوثة عنه تساهم وبشكل كبير بنشوء كره لكل مظاهر الإسلام ومنها الحجاب.
- التطرف الديني: صعود التيارات المتطرفة في المجتمعات الغير إسلامية غالباً ما تنعكس بصورة سلبية على التعامل مع المسلمين والمظاهر الطقسية المرتبطة بالإسلام كالحجاب، حيث تنعكس في رفض التعامل مع الأقليات الإسلامية والقيام بالتنمر على المسلمين بشكل عام وعلى المحجبات بشكل خاص.
- ضمان وتأكيد على الأسس العلمانية: بعض الدول ترى الحجاب عبارة عن رمز ديني وليس بفرض كما هو في الواقع، لذلك بسبب سياسات تطبيق العلمانية المتشددة تدعو هذه الدول إلى محاربة المظاهر والرموز الدينية من أجل الحفاظ على نسيج اجتماعي أكثر تماسك، وهذا ما يؤدي إلى محاربة الحجاب بشكل خاص.
- التعصب العرقي: التعصب العرقي يدخل ضمن صراع الحضارات منذ القدم وهو يقوم على اعتبار مواطني الدولة متفوقين على غيرهم من الشعوب، لذلك تمارس بعض الدول الأجنبية العنصرية والاضطهاد ضد المحجبات وخاصة النساء العربيات منهم وذلك ليس لاختلاف الدين وإنما لاختلاف العرق.
- صراع اجتماعي: يوجد مجموعة من الأشخاص المتطرفين والذين ينتمون إلى تيارات يسارية تناهض الدين بشكل عام مثل بعض المتطرفين الملحدين حيث يؤمنون بأفكار تعارض الدين بشكل عام وبما أن الحجاب مدلول ديني واضح للمرأة فهذا سبب كافي لديهم لممارسة العنصرية ضد هؤلاء النساء.
- أسباب طبقية: في كثير من الاحيان يكون الحجاب أكثر انتشاراً بين الطبقات الفقيرة من الطبقات الغنية فهنا يكون التمييز العنصري ضد المحجبات قائم بشكل رئيسي على الفروق الطبقية.
تتعرض أغلب النساء المسلمات وخاصة المحجبات للعنصرية والتحيز والتمييز في دول تتذرع برفض وتجريم أي تمييز قائم على الأساس الديني لتغدو هذه القوانين على أرض الواقع مجرد شعارات تتغنى بها وتخفي عنصريتها خلف شكلها الديمقراطي مستغلة مبدأ الحياد ومبدأ العلمانية لممارسة جميع أنواع العنصرية ضد النساء المحجبات مما يؤثر بشكل غير عادل على مجالات حياتهم المختلفة بالشكل التالي: [2]
- صعوبة إيجاد عمل: غالباً ما تواجه النساء المحجبات العديد من الحواجز والعقبات عند البحث عن فرص عمل بعد التخرج من الجامعة فتصطدم بتركيز المدراء على الحجاب أكثر من المؤهلات والقدرات والسيرة الذاتية وكثيراً ما يتم رفضها على الرغم من امتلاكها الخبرات والمؤهلات والشهادات المناسبة.
- الشعور بالنبذ الاجتماعي: تعاني النساء المحجبات في الدول الأجنبية التي يوجد فيها أقليات مسلمة من الشعور بالنبذ الاجتماعي وذلك بسبب عدم القدرة على تكوين صداقات وعلاقات مع مواطني هذه الدولة مما يسبب الشعور بالوحدة والاكتئاب.
- عدم القدرة على التعلم: تحرم العديد من النساء المحجبات من التعلم في البلدان التي تمنع دخول المحجبات إلى المدارس والجامعات، حيث تجد الفتاة نفسها بين خيارين إما خلع الحجاب أو ترك التعليم وغالباً ما تتمسك الفتاة بالحجاب إما بسبب قناعاتها الدينية أو بسبب الضغط من الوالدين والعائلة.
- الشعور بالإحباط: نتيجة الضغوطات التي قد تتعرض لها المرأة المحجبة وعدم القدرة على استغلال قدراتها ومواهبها والتعرض الدائم للتنمر والعنصرية سيؤدي بالنهاية إلى شعورها بالإحباط وعدم الثقة بالنفس.
- الشعور بعدم الأمان: غالباً ما تتعرض النساء المحجبات وخاصة في الدول التي يشكل فيها المسلمين أقليات للعنف أو ما يسمى بجرائم الكراهية من اعتداء لفظي أو جسدي من قبل بعض الأشخاص المتطرفين والمتعصبين.
اتجهت العديد من الدول وخاصة الأوروبية منها إلى إصدار قوانين تحظر ارتداء الحجاب سواء بشكل عام أو بشكل جزئي مقتصر على بعض أقاليم ومناطق الدولة، ومن هذه الدول التي منعت ارتداء الحجاب نذكر:[3]
- بلجيكا: حظرت بلجيكا ارتداء الحجاب في الأماكن العامة مع فرض عقوبات تصل إلى السجن لمدة أسبوع على المخالفين معتبرة الحجاب تهديد لطبيعة المجتمع العلمانية.
- فرنسا: منعت فرنسا ارتداء أي رموز دينية في المدارس ومنها الحجاب ووصلت عقوبة المخالفين للحبس أو الغرامة كما يعاقب أي شخص يجبر الفتاة على ارتداء الحجاب.
- إيطاليا: حظرت إيطاليا ارتداء الحجاب في الأماكن العامة كما منعت بعض المناطق فيها ارتداء الحجاب في المكاتب والإدارات العامة كذلك تم حظره في المستشفيات.
- روسيا: نتيجة توتر العلاقات بين المسلمين والروس في بعض المناطق مثل القوقاز أدى ذلك إلى منع الحكومة الروسية لارتداء الحجاب بشكل نهائي في هذه المناطق.
- هولندا: منعت هولندا ارتداء الحجاب في الأماكن العامة والمواصلات والمشافي.
- الصين: حصلت العديد من المشاكل والتوترات في بعض أقاليم الصين التي تحتوي على غالبية مسلمة مما دفع الحكومة الصينية إلى منع الحجاب فيها منعاً من تصعيد الخلافات.
- ألمانيا: حظرت ألمانيا ارتداء الحجاب واقتصر المنع على المدارس فقط.
- النمسا: منعت النمسا ارتداء الفتيات للحجاب في المدارس واقتصر الحظر على المدارس الثانوية فقط.
- إسبانيا: منعت بعض المناطق في إسبانيا وخاصة برشلونة الحجاب في الأماكن العامة.
منذ قيام الثورة الفرنسية عام 1789 بدأ معها ظهور تيار يدعو إلى فصل الدين عن السياسة بشكل كامل وظهور مفهوم حرية التعبير واعتباره من المقدسات الرئيسية لدى المواطنين الفرنسين، ومنذ ذلك الوقت يظهر في فرنسا تيارات تحارب جميع المقدسات لجميع الأديان بما فيها المسيحية والإسلام، وبدأت أزمة الحجاب في فرنسا في 2004 ونذكر أهم التفاصيل المتعلقة بهذه الأزمة: [4]
- بدأت أزمة الحجاب في فرنسا عندما قامت الحكومة الفرنسية بمناقشة مشروع قانون يهدف لمنع ارتداء أي نوع من أنواع الرموز الدينية في المدارس مثل الحجاب أو الصليب أو القلنسوة التي يرتديها اليهود.
- قامت فرنسا في عام 2011 بحظر ارتداء النقاب بشكل تام على أراضيها مما أدى إلى انقسام الفرنسيين بين مؤيد ومعارض كما أدى إلى إثارة حفيظة المسلمين الذين يعتبرون أن الحجاب فرض ديني وليس من حق الدولة حرمانهم من ممارسة شعائرهم الدينية.
- كما أن فرنسا قامت بتحديد السن القانوني لارتداء الحجاب ب 18 عام وحظرت ارتدائه في الدولة لمن هم دون هذا السن وذلك بدأ منذ أحداث 11 أيلول في عام 2001 وأنها بذلك تحارب التطرف الإسلامي ومتذرعة أيضاً بأن موقفها جاء لحماية حقوق المرأة وحريتها فقد اعتبرت أن النساء المحجبات مضطهدات وتم ارغامهن على ارتداء الحجاب وأن الحجاب ينتهك حقوق المرأة وكرامتها.
- تعتبر فرنسا أول دولة أصدرت قانون يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة كما حظرت في عام 2016 لبس البوركيني في السواحل والشواطئ الفرنسية وهو عبارة عن لباس للسباحة يغطي الجسم.
- ومن أهم الانتقادات التي وجهت لهذا لمشروع أن هذا القانون في حال تم تنفيذه فيكون التناقض بأن السن القانوني للاستقلال وإقامة العلاقات الجنسية هو 15 والسن القانوني لارتداء الحجاب هو 18 وهو ما يعتبر أمراً غير منطقي، كما أن هذا القانون يتعارض مع شعارات فرنسا التي تنادي بالحرية والمساواة والاخوة.
عانت العديد من النساء التونسيات المحجبات من الاضطهاد وخاصة في فترة الثمانينات خلال عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة المعروف بمواقفه السلبية تجاه الإسلام والمسلمين والحجاب، حيث أصدر المنشور الوزاري رقم 108 عام 1981 الذي يمنع ارتداء الحجاب من قبل الطالبات والموظفات والأساتذة والمعلمات في القطاع العمومي.
كما وصف هذا المنشور الوزاري الحجاب باللباس الطائفي واعتبره نوعاً من الشذوذ والتطرف وينافي التطور والتقدم وروح العصر، لذلك تم ملاحقة المحجبات واضطهادهن ومنعهن من الدخول لقاعات الامتحان إذا لم يقمن بخلع الحجاب، كما تم اعتقال بعض النساء المحجبات واجبارهن على كتابة تعهد يلتزمن فيه بخلع الحجاب، بالإضافة إلى معاناتهن من المضايقات المستمرة من القوات الأمنية فعانت الكثير من المحجبات من عقبات في التعليم والعمل ومشاكل في التنقل والتنمر الاجتماعي.
ورغم كل المضايقات والممارسات العنيفة والقمعية تجاه المحجبات والظلم الذي تعرضت له لعقود تشبثت المرأة التونسية بحقها وحريتها في ارتداء الحجاب وصمدت في وجه هذه الممارسات الظالمة ورفضت الانصياع للأوامر الجائرة والتي تحد من حريتها الدينية.
واستمر الاضطهاد والعنصرية ضد المحجبات في تونس خلال عهد زين العابدين بن علي إلى حين اندلاع الثورة التونسية مما جعل النساء التونسيات المحجبات تسترد حريتها في اللباس وارتداء الحجاب دون منع أو فرض. [5]