مفهوم الضبط الاجتماعي ونظرياته
يعد الضبط الاجتماعي مهماً جداً في المجتمع، فهو يهذب سلوك الأفراد ويساهم في تعزيز السلوك الإيجابي لدى الناس ويحد من السلوكيات السلبية، ما يوفر الأمان ضمن المجتمع الذي يعيشون فيه.. سنتعرف في هذا المقال على مفهوم الضبط الاجتماعي أو الرقابة الاجتماعية ومفهوم الضبط الاجتماعي وتطوره، وأبرز نظريات الضبط الاجتماعي إضافةً لوسائل وتطبيقات الضبط الاجتماعي.
الضبط الاجتماعي Social Controlهو جميع الوسائل والممارسات الرسمية أو غير الرسمية؛ المطبقة داخل مجتمع أو مجموعة اجتماعية، بحيث يتصرف أعضاؤها وفقاً للمعايير السائدة في هذا المجتمع أو المجموعة، بهدف ضمان النظام الاجتماعي واحترام نظام القيم المشتركة، لتحفيز السلوك المقبول والتحذير من السلوك السلبي الذي يضر بمصالح الآخرين والمجتمع والحد منه. [1]
ظهر مفهوم الضبط الاجتماعي للمرة الأولى في عشرينيات القرن الماضي بين علماء الاجتماع في مدرسة شيكاغو لعلم الاجتماع، وكان يتوافق مع مفهوم التنشئة الاجتماعية، التي تعني مجموعة الآليات التي تنتقل من خلالها معظم الأعراف الاجتماعية والعادات والتقاليد من الآباء إلى الأبناء.
في عام 1951، قام عالم الاجتماع الأمريكي تالكوت بارسونز (1902-1979)، بوضع تعريف ومفهوم جديد للضبط الاجتماعي حيث عرفه على الشكل التالي: "العملية التي يتم من خلالها فرض العقوبات وإحباط السلوك المنحرف والتأثير الاجتماعي بغية الحفاظ على الاستقرار.[1]
تطورت نظريات الضبط الاجتماعي بمرور الزمن وظهر العديد من علماء الاجتماع الذين كان لكل منهم وجهة نظره الخاصة بالضبط الاجتماعي وسنتعرف على أبرز نظريات الضبط الاجتماعي فيما يلي: [2]
- نظرية الضبط الاجتماعي عند جاكسون توبي: نشر جاكسون توبي مفهومه عن الضبط الاجتماعي في عام 1957 في مقالة حملت عنوان "الفوضى الاجتماعية"، والتي ناقش فيها سبب ميل المراهقين أو عدم ميلهم للانخراط في الأنشطة المنحرفة والخارجة عن القانون، واعتبر توبي بأن الأفراد المنخرطين في أنشطة مجتمعية سليمة شعروا بأنهم سيخسرون الكثير إذا انضموا إلى جماعات منحرفة بالتالي أصبح لديهم مصلحة في الامتثال للأنظمة والقوانين والأعراف في المجتمع.
بالتالي فإن مفهوم الفرد الذي تشكل من خلال روابطه بمجتمعه، وامتلاكه "مصلحة في التوافق مع هذا المجتمع"، قد أرست الأساس لفكرة المعايير الداخلية التي تعمل كطريقة للرقابة الاجتماعية. - نظرية الضبط الاجتماعي عند أف إيفان ناي: من خلال نظريته التحكم الاجتماعي في كتاب "العلاقات الأسرية والسلوك الجانح" الذي صدر في عام 1958، حيث ركز ناي على وحدة الأسرة كمصدر للسيطرة وحدد ثلاثة أنواع من التحكم:
- التحكم المباشر: أو استخدام العقوبات والمكافآت لتحفيز سلوكيات معينة.
- السيطرة غير المباشرة: أو التأثير في الهوية العاطفية مع الأفراد الذين يلتزمون بالأعراف الاجتماعية.
- الرقابة الداخلية: رقابة الضمير من خلال الشعور بالذنب لتشجيع الامتثال.
ورأى إيفان أنه يمكن السيطرة على الشباب بشكل مباشر من خلال القيود التي يفرضها الوالدان، ومنع أي طريق للانحراف لديهم، أو الحد منه على أقل تقدير من خلال نظام المكافآت والعقوبات الأبوية. ومع ذلك، قد يتم تقييد الشباب عندما يتحررون من السيطرة المباشرة من خلال توقعهم لرفض الوالدين (التحكم غير المباشر)، أو من خلال تنمية الضمير، وهو قيد داخلي على السلوك.
- نظرية الضبط الاجتماعي عند ميشيل فوكو: رأى المنظر الاجتماعي ميشيل فوكو أن الانضباط الاجتماعي علاقة قوة يكون فيها الفاعل متواطئاً. وبدلاً من أن تكون الهيئات المنظمة للدولة فقط، بدأت الدولة في تحقيق التحكم الاجتماعي من خلال تشكيل عقول رعاياها بحيث يتم تعليم الأفراد ليتوافقوا حتى عندما يكونون خارج نطاق النظرة المباشرة للسلطة العقابية.
يتم إعداد وتدريب عقول الأشخاص على نطاق واسع في المجتمع من خلال التنشئة الاجتماعية، ومن خلال العيش في سياق ثقافي معين، يتعلم المرء ويستوعب معايير المجتمع.
الضبط الاجتماعي ليس نوعاً واحداً أو شكلاً واحداً، بل هو نوعين سنتعرف عليهما فيما يلي: [3]
- الضبط الاجتماعي غير الرسمي: يتضمن الضبط الاجتماعي غير الرسمي الامتثال لمعايير وقيم المجتمع بالإضافة إلى تبني نظام معتقد تم تعلمه من خلال عملية التنشئة الاجتماعية. يتم فرض هذا النوع من الضبط الاجتماعي من قبل العائلة والأصدقاء والزملاء وينبع الضبط الاجتماعي في الموافقة أو رفض سلوك معين لدى الفرد.
عندما نكبر، فإن عائلتنا هي التي تعلمنا كيف نفكر وكيف نتصرف بطريقة صحيحة تتناسب مع المجتمع وعاداته وتقاليده، قد تكون هذه السلوكيات والقيم خاصة بالعائلة كالاتيكيت عند طبقة الأثرياء أو يمكن أن تكون خاصة بالمجتمع بشكلٍ عام كالصدق والأمانة، وتساعدنا عائلتنا في فهم الأخلاق واستيعابها بحيث تتجذر في ضميرنا.
هذا هو الجزء من أنفسنا الذي يُظهر الوعي الذاتي، وهو قادر على الشعور بالذنب، وممارسة ضبط النفس، وغير ذلك الكثير. يمكن لأصدقائنا وزملائنا القيام بأشياء مماثلة. يمكنهم أن يعلمونا دروساً مهمة، أو قد يمارسون ضغط الأقران الذي سيجعلنا نتصرف بطرق مختلفة أو ما تأثير رفاق السوء. - الضبط الاجتماعي الرسمي: يتضمن الضبط الاجتماعي الذي تقوم به السلطات المحلية والحكومية والشرطة والجيش، تستخدم الحكومة القوانين والمحاكم لممارسة الرقابة الاجتماعية، فتحاول الحكومة حماية أولئك الذين يتبعون القواعد ومعاقبة من لا يلتزمون بها والقبض على المخالفين.
يتجاوز الضبط الاجتماعي الرسمي الحكومي النظام القانوني كالرعاية الصحية، حيث تحاول الحكومة التشجيع على الذهاب لإجراء فحص طبي سنوي.
في كثير من الحالات، يكفي تواجد الشرطة لتحقيق هذا الشكل من السيطرة أو الضبط الاجتماعي الرسمي. في حالات أخرى، قد تتدخل الشرطة في موقف ينطوي على سلوك غير قانوني أو خطير لوقف سوء السلوك والحفاظ على السيطرة الاجتماعية، وتقوم الهيئات الرسمية مثل القضاء ووزارة العدل بإصدار قانون يحدد العقوبات الواجب فرضها على من ينتهك القوانين.
تشمل وسائل الضبط الاجتماعي العديد من الآليات المجتمعية والسياسية التي تنظم السلوك الفردي والجماعي في محاولة لتحقيق التوافق والامتثال لقواعد مجتمع معين أو دولة أو مجموعة اجتماعية، يحدد علماء الاجتماع شكلين أساسيين للضبط الاجتماعي: [4]
- وسائل الضبط الاجتماعي الرسمية: تشمل وسائل الضبط الاجتماعي الرسمية؛ ما تقوم به الدولة وتسنه من أنظمة وقوانين، حيث يتم فرض العقوبات للخارجين عن القانون لمنع الفوضى أو العنف في المجتمع.
- وسائل الضبط الاجتماعي غير الرسمية: عادةً ما يتضمن الضبط الاجتماعي غير الرسمي التنشئة الاجتماعية للفرد على مجموعة من العادات والقيم والتقاليد التي يوافق عليها المجتمع، فيتشبع بها الفرد وتصبح منهجاً يحدد به مسار حياته، وتشمل وسائل الضبط الاجتماعي غير الرسمية ما يلي:
- المكافآت: عند القيام بعمل جيد مثل المديح والثناء والدرجات الجيدة في المدرسة والترقية الوظيفية في مكان العمل والشعبية الاجتماعية المؤيدة للفرد ولنجاحه.
- العقوبات غير الرسمية الخفيفة: الخزي، والسخرية، والنقد، وعدم الموافقة، مما يدفع الفرد للالتزام بالمعايير الاجتماعية في المجتمع واحترامها.
- العقوبات غير الرسمية القصوى أو المشددة: وتشمل التمييز الاجتماعي والاستبعاد والعنف، الحصول على درجات سيئة في المدرسة، والطرد من العمل، وإنهاء العلاقة معه ومقاطعته.
يمكن تطبيق الضبط الاجتماعي من خلال الأعراف التي اعتاد عليها المجتمع من جهة والقوانين التي تسنها السلطة الحاكمة من جهة أخرى ويشبه الفرق بينهما الفرق بين الوسائل غير الرسمية والوسائل الرسمية للضبط الاجتماعي، وكلاهما الأعراف والقوانين ضروريان لتحقيق الضبط الاجتماعي ويكملان بعضهما البعض، فعلى سبيل المثال السارق يعاقب بالسجن وهذا طبقاً للقانون، وبالوصمة الاجتماعية وفقاً للأعراف.
يُعد الشكل الأكثر فعالية للضبط الاجتماعي الأعراف، وليس القوانين والشرطة والسجون، فعندما يكبر الأطفال يتعلمون عادة ما هو لائق وغير لائق، ما هو صحيح وما هو خطأ، جيد وسيئ، فإذا كان المجتمع قادراً على تعليم جميع أفراده قانونه الأخلاقي واتباعه، لن يحتاج إلى استخدام قوة الشرطة أو غيرها من الوسائل الرسمية للضبط الاجتماعي. [5و6]
تختلف تطبيقات الضبط الاجتماعي بحسب الوسائل المستخدمة في هذا الضبط وسنذكر فيما يلي أمثلة على كل الوسائل غير الرسمية والوسائل الرسمية للضبط الاجتماعي: [4و5]
أمثلة على تطبيقات الضبط الاجتماعي باستخدام الوسائل غير الرسمية
من أبرز الأمثلة التي طبقت عليها الوسائل غير الرسمية للضبط الاجتماعي نذكر:
- التزام الحزن في الجنازات: إذا توفي أحد في القرية أو المنطقة التي تعيش فيها وشاركت في الجنازة فعليك أن تبدي مشاعر الحزن، حتى لو لم تكن تعرف المتوفي أو لم تكن حزيناً في الحقيقة.
- امتناع الطالب عن ممارسة هواياته أثناء شرح الدروس: فعدم الالتزام بذلك يعرض الطالب للتوبيخ من قبل مدرسه أمام أقرانه، إضافةً إلى أنه لن يستفيد من شرح الأستاذ لأنه غير منتبه لما يقوله.
أمثلة على تطبيقات الضبط الاجتماعي الرسمية
من أبرز الأمثلة التي طبقت عليها الوسائل غير الرسمية للضبط الاجتماعي نذكر:
- الضبط الاجتماعي للسرقة: حيث تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون في كل مكان من العالم وتختلف العقوبة باختلاف البلد لكن السجن هو العقوبة المشتركة لهذه الجريمة.
- الضبط الاجتماعي للقتل: يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون وتتراوح العقوبة بين الأشغال الشاقة المؤقتة والإعدام حسب الظروف والدوافع والبلد التي حصلت فيه الجريمة.
الضبط الاجتماعي بمثابة ميزان يضمن من جهة حصول الفرد على حقوقه وفي الجانب الآخر تضمن وفائه بواجباته لاسيما إذا كانت هذه الحقوق والواجبات ذات طابع اجتماعي، وتتنوع وسائل الضبط الاجتماعي بين الرسمي وغير الرسمي وكل ذلك لمصلحة المجتمع واستقراره.