ما هي الكارما؟ وكيف تتخلص من الكارما السلبية
اليوم أصبح من الشائع أن نجد الكثيرين يُرددون عبارة "لقد حصل لي هذا بسبب الكارما" سواء كان ما حصل له هو أمرٌ جيد أو سيء وقد يترافق ذلك مع جملة "احذر فما تفعله اليوم سيرتد عليك"، لكن هل الكارما هي مجرد ارتداد الأفعال علينا؟ أم أنّ للكارما مفهوم أعمق من ذلك؟
إنّ الكارما هي مفهوم موجودٌ في العديد من الديانات الشرقية القديمة وهو رغم اختلاف معانيه بين تلك الأديان يُوضّح العلاقة بين أفعال الماضي وحاضرنا وبين أفعالنا في الحاضر والمستقبل، وفي البوذية يُستخدم المثال الزراعي القائل بأنّ "زراعة فعل جيد أو سيء سيؤدي لنمو فاكهة جيدة أو سيئة". [1]
كلمة الكارما Karma هي كلمة سنسكريتية تعني "التصرف" أو "العمل" أو "الفعل" لذلك كمفهوم يمكن أن تُشير الكارما إلى كافة الأفعال التي يقوم بها الشخص أو قام بها، هذا يتضمن بالطبع الأفعال التي أداها بجسده أوفي ذهنه فجميعها تؤدي إلى الكارما، ويمكن أن تُشير الكارما أيضاً إلى الفكرة الروحية للسبب والنتائج، حيث يتحدد مستقبل الفرد عبر أفعاله التي يقوم بها في حياته.
وفقاً للكارما فلا يمكن أن تقوم بأي فعل دون أن تتعرض للعواقب والنتائج المترتبة عليه فلا يمكن التملص من أفعالنا ويجب أن نُدرك عواقب ما نقوم به، وفي بعض المدارس الفلسفية فإنّ الكارما ترتبط أيضاً بمفهوم التناسخ حيث يُعتقد أنّ الكارما تنتقل مع الروح من حياةٍ لأخرى وبذلك تكون شخصية الفرد مرتبطةً بالكارما الخاصة منه من أفعالٍ قام بها في حياةٍ مضت.
كما أنّ النوايا هنا لا تلعب دوراً في تغيير الكارما فلا يُهم إن فعلت شيئاً ما بقصد أو دون قصد لأنّك ستتلقى العواقب في كلا الحالتين. [2]
رغم أنّ الكارما ترتبط بما نقوم به من أفعال إلا أنّ هناك أنواع مختلفة من الكارما والتي تختلف في خصائصها بعض الشيء عن بعضها، لتسهيل الأمر فكر بالكارما من جديد على أنّها بذرة زرعتها وتذكر أنّ البذور المختلفة تحتاج لأوقاتٍ مختلفة كي تنمو وتنضج. يمكننا تصنيف الكارما وفق 4 أنواع رئيسية كالتالي: [3]
- برارابها كارما (Prarabdha Karma): وهي الكارما الناضحة والتي حان وقت عودتها إليك، هذه الكارما نتجت عن أمورٍ سبق لك القيام بها ونضجت مع مرور الوقت كثمرةٍ سبق لك أن زرعتها، هذه الكارما غير قابلة للتجنب فلا يمكنك إبقاء الثمار على الغصن للأبد فإما أن تسقط أو أن تقطفها.
- سانشيتا كارما (Sanchita Karma): سانشيتا كارما هي الكارما التي يُخزنها لك الكون في انتظار نضجها وعودة عواقبها عليك، وعادةً ما تتمثل هذه الكارما في معاناة البعض من فتراتٍ من الحظ السيء وفتراتٍ أخرى من الحظ الجيد وهو ما يعتمد على طبيعة الأعمال التي أدت لظهور هذه الكارما. ما يُميز سانشيتا كارما أنّك تستطيع التأثير عليها عبر تغيير أعمالك وأفكارك بشكلٍ يسمح لك بالتخلص من الحظ السيء.
- آجمي كارما (Agami Karma): آجمي كارما هي الكارما المستقبلية وهي كارما حتمية لا مفر منها لأنّها نتيجة أمرٍ فعلته سلفاً، تكمن أهمية هذه الكارما في كونها تُحدد شكل مستقبلك بناءً على أعمالك لذلك من الضروري أن نهتم بأعمالنا في الوقت الحاضر لتحسين الكارما المستقبلية.
- فارتامانا كارما (Vartamana Karma): وهي كارما الحاضر وهي تتضمن الجهد الذي تبذله من أجل التغيير، كارما الحاضر تتطلب الكثير من الجهد فهي أشبه باقتلاع الشجرة والتخلص من الأخشاب والأوراق الناتجة عن القطع لزرع نباتات جديدة ولكنّ هذا الجهد مؤقت وضروري لأجل الحصول على مستقبلٍ جديدٍ مختلفٍ عما كان لديك.
بما أنّ كافة أفعالنا ومشاعرنا وأفكارنا تؤدي لتولد الكارما فمن الضروري أن نتعامل بحذرٍ مع أي شيء، ولكي نتجنب العواقب السيئة يجب أن نُدرك أولاً قوانين الكارما، لتسهيل الأمر عليك يمكنك أن تعتبر قوانين الكارما كمجموعة إرشادات عامة تُساعدك على غرس بذور الكارما الجيدة: [4،5]
- القانون العظيم: يُسمى أيضاً في بعض الأحيان بقانون السبب والتأثير، ويخبرنا هذا القانون أنّنا بحاجةٍ لتجسيد الأشياء التي نرغب بالحصول عليها سواء كان هذا الشيء سلبياً أو إيجابياً. بكلماتٍ أخرى .. إن رغبت بالحصول على الحب يجب أن تكون محباً للآخرين وإن كنت ترغب بوفرة المال عليك أن تكون كريماً معطاءً.
- قانون الخلق: وفقاً لهذا القانون فمن الضروري أن نعمل بنشاط للحصول على ما نرغب به فمن غير الممكن لك أن تجلس في مكانك منتظراً أن تحصل لك الأشياء التي ترغب بها دون أن تقوم بأي شيء، لهذا يجب أن يكون هدفك دوماً أن تُحيط نفسك بالأشياء التي ترغب بها وتبحث حولك عن أدلةٍ للأشياء التي تحتاجها.
- قانون التواضع: يُركز قانون التواضع على أهمية قبولك لنفسك كما أنت ومعرفتك لقدراتك، ويُؤكد أيضاً على أنّ قبول حقيقة الشيء هو الأساس الذي تُبنى عليه قدرتك على تغييره. بناءً على ذلك لا يجب عليك أن تلوم الآخرين على أفعالك ولا يمكنك النظر لأي شخصٍ يختلف عنك على أنّه شخصٌ شرير.
- قانون التنمية: هل سبق لك أن سمعت بالمثل القائل: "أينما ذهبت ستجد نفسك هناك"؟ هذا المثل يُعبر بعض الشيء عن قانون التنمية. الفكرة التي يُقدمها هذا القانون هي أنّ عليك أن تُغير نفسك أولاً قبل أن تتوقع من العالم أن يتغير فتغيير العالم يبدأ من تغير نفسك. يُخبرك هذا القانون أنّ عليك أن تُركز على تطوير الذات أولاً لأنك عندما تقوم بتطوير ذاتك تنمو من الداخل وتتغير وهذا التغيير سينتقل للآخرين.
- قانون المسؤولية: يُركز قانون المسؤولية على أنك أنت المسؤول عما يحدث في حياتك بشقيه السيء والجيد فما يحدث حولك هو انعكاس لما في داخلك، أنت المسؤول عن كيفية ظهورك في العالم وعن تصرفاتك وعن طريقة سماحك للآخرين بمعاملتك فتحمل عواقب الأمور.
- قانون الاتصال: يُشير قانون الاتصال على أنّ كل شيء وكل شخصٍ في حياتك بما يتضمن ماضيك وحاضرك ومستقبلك مرتبطون معاً بطريقةٍ ما، الشخص الذي أنت عليه اليوم هو نتيجة ما قمت به في الماضي والشخص الذي ستكونه غداً هو نتيجة ما تقوم به اليوم، يركز القانون أيضاً على أنّ تأثير بعض الخطوات الصغيرة في حياتك قد يكون أكبر بكثير مما تتوقع.
- قانون التركيز: وفقاً لقانون التركيز فإنّ أداءك في الحياة سيكون أفضل بكثير عندما تتبع مساراً فكرياً محدداً مع استبعاد المسارات الأخرى فعقولنا لن تعمل بذات الكفاءة عندما تُشتت تركيزك في عدة مجالات، لذلك إن كنت تمتلك عدة أهدافٍ مهمة عليك أن تُحاول ترتيبها وفق أهميتها لديك بشكل خطي بدلاً من منحٍ كلٍ منها القليل من طاقتك. أحد الدروس الهامة المرتبطة بهذا القانون أيضاً هي أنّ تركيزك على القيم العليا سيجعلك أقل قدرةً على التعبير عن مشاعرك الدنيا كالأفكار الناجمة عن الغضب أو الاستياء.
- قانون الضيافة أو قانون الكرم: ترتبط الكارما في الهندوسية بشكل كبير مع الكرم والعطاء وقانون الكرم أو الضيافة ينص على أن الحياة ستطلب منك إظهار التزامك بما تؤمن به ويؤكد على أهمية إظهار أفعالٍ تعكس معتقداتك. يُخبرك هذا القانون أيضاً أنّ الكون يختبرك ويمنحك فرصاً لتطبيق الدروس التي تعلمتها.
- قانون هنا والآن (قانون اللحظة الراهنة): ذكرنا أنّ أفكار البوذية ترتبط بشكل كبير بقبول الواقع والعيش في الحاضر، إن كنت متشبثاً للغاية بمشاعر الماضي وتجاربه ومعتقداته ستظل عالقاً هناك وإن كنت شديد القلق بشأن المستقبل وتصرفت بجشع ستكون محبطاً في المستقبل. قانون هنا والآن هو تذكيرٍ لك بأنّك تمتلك لحظات الحاضر وأنّ عليك الاستمتاع بها قدر الإمكان.
- قانون التغيير: يجب أن تعلم أنّ الكون يمنحنا دوماً ما نحتاجه ولهذا ستلاحظ أنّ التاريخ دوماً ما يُكرر نفسه حتى تُظهر له أنّك تعلمت الدرس المطلوب للوصول لمستقبلٍ بديل، إن لاحظت أنك تعيش في حلقةٍ متكررة فهذا يعني أنّك بحاجة لتغيير جذري في حياتك وفي المقابل عندما تجد أنّ حياتك تعرضت لتغييرات مفاجئة هذا قد يعني أنّك بدأت بالنمو والتطور.
- قانون الصبر والمكافأة: ينص هذا القانون على أنّ كافة النجاحات العظيمة تتطلب عملاً شاقاً مستمراً وأنك بحاجة للتحلي بالصبر لترى ظهور النتائج، عندما تتوقع ظهور نتائج عملك بسرعة فستصاب بخيبة أمل.
- قانون الأهمية والإلهام: يؤكد هذا القانون على أنّ أي مساهمة إبداعية تقوم بها ستؤثر على الجميع من حولك مهما كانت تلك المساهمة بسيطة، عندما تقدم أعمالاً مهمةً فإنك تُلهم الأشخاص من حولك ليقوموا بأعمال إيجابية وهو ما سيجلب المزيد من الإيجابية لحياتك.
تتضمن الكارما المتراكمة للروح كافة الجرائم والأفعال السيئة والخطايا والأفكار السلبية والالتزامات غير المنتهية والوعود التي لم تفِ بها وغيرها من أفعالٍ سلبية، هذه الكارما ستجعل الأشخاص يُعانون ويشعرون بالألم بشكلٍ مستمر لهذا من الضروري أن تعمل على إزالة هذه الكارما السلبية.
إزالة الكارما السلبية تحتاج إلى تنقية الفكر والندم على آثار الماضي مع بذل أقصى الجهد للتوقف عن التسبب بالأذى لنفسك وللآخرين، موقف التوبة هذا يُساعد على إضعاف بذور الكارما السلبية وتُنضج الكارما الجيدة.
لاحظ أنّ عليك التوقف عن إيذاء نفسك والآخرين لأنّ الحب والتعاطف يجب أن يشمل ذاتك أيضاً. [6]
في الحقيقة يوجد بعض الجدل بشأن الكارما في الإسلام فهناك من يعتقد أنّ الكارما هي مفهوم وثني خبيث لا يجب اعتناقه لأنّه يرتبط بأديان شرقية كالهندوسية، لكن في المقابل يوجد من يعتقد أنّ فكرة الكارما موجودة في الإسلام، بالطبع تعاليم الإسلام لا تتضمن أي شيء عن تناسخ الأرواح فهذا الجزء من الكارما غير موجود ولكنّه في المقابل يتبنى الجزء الآخر المرتبط بالعلاقة بين الفعل والعقاب.
يوضح لنا القرآن بشكل واضح أننا جميعاً سنُحاسب على ما قمنا به في الحياة بحيث سنتلقى المكافآت على أفعالنا الصالحة وسنعاقب على خطايانا وذنوبنا، وقد ذُكر أنّ العقاب والمكافأة يمكن أن تكون في الدنيا أو في الآخرة. قال تعالى في سورة الإسراء: "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا".
من ناحيةٍ أخرى يؤكد القرآن على أنّ المسلمين لا يسعون للمعاناة كأحد أشكال التأديب الروحي للتخلص من الخطايا؛ "وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ" سورة غافر.
وأخيراً يمكن القول بأنّه لايوجد موقف إسلامي واضح بخصوص الكارما لأنّ بعض المسلمين يقولون بأنّه لا حرج من أخذ النواحي المتوافقة مع الدين الإسلامي في فكر الكارما، في حين أنّ القسم المقابل يُعارض ويقول أنّ هذا غير مبرر وأننا لسنا بحاجة لفكر الكارما أساساً ويكفينا اتباع تعاليم الإسلام فنحن لسنا بحاجة لتعاليم إضافية. [7]
في النهاية... سواء كنت مؤمناً بها أم لا؛ يمكن لاتباع قوانين الكارما أن تُساعدك على تحسين حياتك وتطوير نفسك مع تعديل طريقة تعاملك مع الآخرين، أما في يتعلق بالعلاقة بين الكارما والأديان فمع عدم وجود أي موقف حاسم يبقى الأمر متروكاً لك لتقرر ما تراه صحيحاً.