مبادئ التسامح بين الأديان والتعايش الديني

مبادئ التعايش بين الأديان والتسامح الديني، فوائد وأهمية التعايش بين الأديان، أدلة التسامح الديني في الإسلام؛ آيات وأحاديث عن التسامح بين الأديان
مبادئ التسامح بين الأديان والتعايش الديني
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

أرسل الله عز وجل الرسائل السماوية لتكون هداية للبشر على مر التاريخ، ولعل من أكثر القيم التي أكدت عليها جميع الأديان والشرائع السماوية هي التسامح، والتسامح هو التعايش بين الأديان والابتعاد عن التعصب الديني، فكل الرسائل السماوية أكدت على عبادة الله الواحد وهذا ما يدعو جميع الأديان إلى التكافل والتسامح تحت هذا المسمى، وفي هذا المقال سنوضح بعض الأفكار عن التعايش الديني وأهميته.

لكل شيء في هذه الحياة ضوابط ومبادئ تأطره في شكل صحيح ليجتمع بداخله الناس ولتجنب الفهم المغلوط أو المشاكل التي قد تحصل، وموضوع التعايش بين الأديان موضوع ضخم وشامل يخص عدد كبير من الناس، لذلك من الواجب توضيح المبادئ المشتركة للتعايش الديني:

  1. احترام الأديان الأخرى: الأديان السماوية كلها منزلة من الله عز وجل ويجب علينا احترامها واحترام المبادئ التي تقوم عليها، واحترام رجال الدين ودور العبادة على اختلافها فالاحترام عند التعامل مع الطرف المقابل يرتقي بالعلاقة إلى مراتب سامية.
  2. عدم الإساءة: اختلاف الأديان لا يعني معاملة الطرف الآخر بالإساءة بل يجب أن يتعامل معه بالبر والتقوى بالأخلاق الطيبة، وحتى في النزاعات نهى الله عز وجل عن القتال إلا في الحالات القصوى التي تفرض على المؤمن الدفاع نفسه والجهاد في سبيل الله، وفي مثل هذه الحالات وضعت ضوابط كالنهي عن قتل النساء والشيوخ والأطفال وهذا يدل على وجوب عدم الإساءة للأشخاص مهما كان دينهم، قال الله تعالى: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (المؤمنون:96) أي إذا أساء إليك أحد ما سواء بالقول أو بالفعل فاعمل بأمر الله ولا تقابله بالإساءة.
  3. التعايش بقناعة: وهو التعايش بإيجابية مطلقة حيث ينظر إلى التعددية الدينية على أنها سنة كونية وإرادة ربانية، لذلك يدعو التسامح الديني إلى الابتعاد عن التعصب والتحيز إلى دين واحد ويجب على المؤمن أن يتقبل فكرة وجود أكثر من دين والتعايش مع هذه الفكرة بقناعة ورضا.
  4. التسامح لا يعني التنازل: التسامح هو قيمة إنسانية راقية وسامية، فتسامحك مع الأشخاص من غير دينك لا يعني أنك تنازلت عن مبادئك وشعائرك، بل يعني أنك رسمت صورة صحيحة لهذا الدين، حيث لك حرية التمسك بمعتقداتك مع احترام الغير، فالتسامح سمة كل الأديان لذلك لا يجب استغلال هذا المصطلح في التعدي على الحقوق الإنسانية أو إجبار الغير على التنازل عن مبادئهم.
  5. الإيمان بالأنبياء: الرسل والأنبياء سواسية لا تفاضل بينهم من حيث الرسائل السماوية فكل منهم أتى داعياً لعبادة الله وحده لا شريك له وكلهم صادقون مصدقون لما أنزل عليهم، لذلك من مبادئ التسامح والتعايش بين الأديان الإيمان بالأنبياء كلهم، كما أمرنا الله تعالى بقوله فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ" (النساء:171).
animate

التسامح من الصفات الفضيلة التي تدعو إلى التساهل واللين في التعامل مع الآخرين، وهو من مكارم الأخلاق التي تؤلف القلوب، لذلك التعايش والتسامح بين الأديان يعود بالكثير من المنافع، لأنه يوطد العلاقات ويسمو بها، ومن بعض هذه الفوائد نذكر:

  1. من الناحية الاجتماعية: يعد التسامح دعامة متينة من دعائم المجتمع السليم لأن الشخص المتسامح يفكر في المصلحة العامة وبذلك ينشأ جو من المحبة والألفة الاجتماعية والاحترام المتبادل، كما أنه يطهر القلب من الحقد والغل والانتقام ويقوي العلاقات ويحافظ عليها.
  2. من الناحية الاقتصادية: التعايش بين الأديان يتيح التقدم من النواحي الاقتصادية من خلال تبادل الثروات وتعزيز التجارة والاندماج الاقتصادي وتدفق رؤوس الأموال، وتدارك جميع المخاطر والكوارث وهذا بدوره يؤدي إلى ازدهار الأمة وانفتاحها على العالم الخارجي وتقدمها في ميدان العمل.
  3. تبادل المعارف: التسامح يفسح المجال لتبادل المعارف والمعلومات بين الأديان، فاختلاف الأديان يعني تنوع كبير في الثقافات وتباين في العلوم كافة، وآلية تبادل المعارف صيغة فريدة لتلبية الاحتياجات العلمية ولفتح آفاق كبيرة أمام الناس لتطوير مستواهم المعرفي والثقافي.
  4. سكينة وراحة: التسامح يجلب الراحة إلى النفس ويشعر الإنسان بالرضا لأنه يمحي مشاعر الغيظ من قلبه ويطهره من الأفكار السوداوية والسلبية، فهو طاقة إيجابية وغذاء الروح، وإذا كان جو التسامح سائداً في المجتمع فستنتشر الطمأنينة ويصبح من الصعب التغلب على مجتمع متكامل ومتعاضد يسوده الصفاء.
  5. نيل رضا الله عز وجل: أوصانا الله عز وجل بالتسامح وجعل للمتسامح أجراً وثواباً عنده، حيث قال الله تعالى "فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" (الشورى:40) فمن رضي الله عنه أسعده وأرضاه مهما عصفت به نوائب الدهر.

يترتب على عدم التسامح مشاكل عديدة لا تقتصر على الفرد فقط، بل تمتد لتؤثر على المجتمع المحيط، فعدم المسامحة بين الأديان تؤدي لإحداث شرخ كبير مظلم، يسقط به الناس وتمتلأ قلوبهم بالحقد والسوء وتتراتب المخاطر شيئاً فشيئاً ومن هذه المخاطر:

  1. انتشار الكراهية: عدم تقبل الأديان يدفع الإنسان إلى التعامل بوحشية مع الآخرين لمجرد أنهم من غير دينه، وهذا يغذي مشاعر الكره والحقد لدى الطرفين وتبدأ سلسلة من المضايقات وصولاً إلى الكره الأعمى الموروث، فتتعاقب الأجيال وتنشأ على مشاعر الكره هذه وتنمو في قلبها.
  2. انتشار الفساد: عند رفض التعايش مع الأديان الأخرى ستزول معالم السكينة والطمأنينة في المجتمع، وقد يلجأ بعض الأفراد إلى بعض الممارسات المؤذية لإلحاق الضرر والأذى بالأشخاص من الدين المغاير كالسرقة والنهب وتدمير المساكن وقد تتفاقم الأمور وصولاً إلى الأذى الجسدي، فينتشر الفساد في الأرض وهذا ما حذرنا الله منه فالله لا يحب المفسدين قال تعالى "وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" (القصص:7).
  3. التفرقة والشقاق: التفرقة الدينية هي نتيجة من نتائج عدم التسامح وعدم القدرة على الاندماج مع الأديان الأخرى فيصبح الشخص في موضع حقد وكره لباقي الأشخاص من الأديان الأخرى، وكما ذكرنا ستنتشر الكراهية والفساد وهذا كله سيؤدي إلى نزاعات تفكك المجتمع وتجعله ينهار.
  4. الانغلاق والتحزب الاجتماعي: من الخطأ أن يتعصب المرء إلى دينه بشكل غير عقلاني، بل يجب أن يتقبل فكرة التعدد الديني لأن رفضه لهذه الفكرة سيؤدي إلى تحزب المجتمع وتقسمه إلى فئات تقوم بينها نزاعات وعداوة وكراهية، وكل شخص سينحاز إلى دينه ويتعصب لمبادئه وينبذ أفكار الآخرين.
  5. معارضة مبادئ الأديان: أوصانا الله عز وجل في كتبه السماوية أن نؤمن بكل الرسل والأنبياء وأن نتعايش مع الأديان الأخرى ونتخذ من الرحمة والتسامح شعاراً لنا، ولذلك عدم التسامح يغضب الله تعالى ويزيل الطمأنينة من القلوب.

الآيات القرآنية هي كلام الله المنزل، فإذا أردت أن تكلم الله فعليك بالصلاة وإذا أردت أن يكلمك الله فعليك بالقرآن، لذلك الاقتداء بالآيات هو الاقتداء بكلام الله عز وجل، وهنا نذكر بعض الآيات التي وجهها الله لنا ليوضح أن الأديان جميعها تنص على رسالة واحدة لذلك يجب تقبل الأديان والتعايش معها:

  • التسامح بين كل الناس: أوصانا الإسلام بالتعامل الحسن والتسامح مع الآخرين ولم يخص بالذكر المسلمين فقط بل كل من آمن بالله ولم يبادر بالأذية وذكر ذلك في قوله تعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (الممتحنة:8).
  • الإسلام تعارف وتعاون: خلق الله سبحانه وتعالى الناس سواسية ليعبدوه وليجتمعوا على طاعته وجعل بينهم مودة ومحبة لكي يتعارفوا ويوطدوا العلاقات ولم يخص بالذكر ديناً واحداً بل ذكر الناس أجمعين بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات:13)
  • بيان الحرية الدينية: دين الإسلام لا يفرض على أحد ديناً موحداً، فالدين لن يعز بتكفير الآخرين بل يعز بالتسامح والتعايش مع الآخرين، وهذا ما نصت عليه الآية الكريمة بقوله تعالى "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (البقرة:256)
  • الاختلاف ظاهرة طبيعية: خلق الله سبحانه وتعالى الكون وجعل فيه مختلف المخلوقات ومختلف الأشكال، فقد خلق البشر بمختلف الأعراق والأجناس والأديان ولم يفرق بين دين وآخر، قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ" (الروم:22) لذلك يجب علينا احترام هذا التنوع من خلال تقبل الأديان الأخرى والتسامح والتعايش معها.
  • التقوى ميزان التفاضل: يميز الله سبحانه وتعالى عباده حسب درجة إيمانهم وتقواهم ولم يصنفهم حسب دينهم، لذلك يجب الابتعاد عن التعصب الديني والاقتراب والتعارف مع الأديان الأخرى لأن الله بجلالته جعل التقوى والعبادة ميزان يوم القيامة وتوضح ذلك بقوله تعالى: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات:13)
  • التسامح صفة محمودة: من صفات الله عز وجل أنه عفو غفور، فالله تعالى يحب المؤمن المتسامح الذي يدفع بالتي هي أحسن ويبتعد عن رد الإساءة ولم يخص بالذكر أناساً محددين بل وجه كلامه إلى الناس أجمعين في القرآن الكريم قال تعالى: "فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" (الزخرف:89)

أرسل الله عزل وجل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الأمة نذيراً وشفيعاً لها وداعياً بإذن الله وسراجاً منيراً، ولقد أدى الرسول الكريم رسالته وأمانته إلى الأمة عن طريق أحاديث تناقلها الرواة من عصر إلى عصر ودونت في كتب ومخطوطات، وجزء من هذه الأحاديث يشرح ويوضح أهمية التسامح والتعايش بين الأديان ومن هذه الأحاديث نذكر:

  • العفو صفة من صفات الأنبياء: الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة لكل المسلمين، يتبعوه في أعماله ويتحلوا بصفاته وكان الرسول صلى الله عليه وسلم متسامح يسامح من يؤذيه فقال عقبة بن عامر رضي الله عنه لقيت رسول الله صلى الله عله وسلم فقال لي: (يا عُقبةُ! صِلْ مَن قطعَك، وأعطِ مَن حرمَك، واعفُ عمَّنْ ظلمَكَ) ويبين هذا الحديث رغبة الرسول في أن يتحلى أصحابه بالتسامح والعفو عن الظلم وقد تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العفو عن الظالمين من مختلف الأديان ولم يخصص الظالمين من المسلمين فقط.
  • زيارة المرضى غير المسلمين: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسن معاملة اليهود والنصارى ويزور مرضاهم فعن أنس رضي الله عنه قال: (كانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَمَرِضَ، فأتَاهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقالَ له: أسْلِمْ، فَنَظَرَ إلى أبِيهِ وهو عِنْدَهُ فَقالَ له: أطِعْ أبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأسْلَمَ، فَخَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يقولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ)
  • الرسول والنصارى: في كتاب السيرة النبوية قدم وفد من نجران من النصارى إلى المدينة فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان موعد صلاتهم، فبادروا بالصلاة في المسجد فمنعهم الناس فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (دَعُوهُمْ، فَاسْتَقْبَلُوا الْمَشْرِقَ، فَصَلَّوْا صَلَاتَهُمْ).
  • تسامحه صلى الله عليه وسلم مع جاره اليهودي: كان للرسول صلى الله عليه وسلم جار يهودي يرمي أمام بيته القمامة والأشواك والفضلات كل يوم في المساء وعندما يستيقظ يراها ويعلم أن جاره هو الفاعل، وذات يوم أصاب اليهودي حمى ولم يرم القمامة أمام بيت الرسول فتعجب الرسول لذلك وذهب لزيارته وطرق الباب فقال له اليهودي ادخل فدخل صلى الله عليه وسلم وتمنى الشفاء لليهودي، فقال له ما أدراك يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم عدتك التي انقطعت فبكي اليهودي من طيب أخلاق الرسول.

المراجع