تأثير المخدرات على الاقتصاد وأضرار المخدرات الاقتصادية

ما هي أضرار المخدرات على الاقتصاد وكيف تؤثر تجارة وتعاطي المخدرات من الناحية الاقتصادية؟ وما هي الخسائر التي تتكبدها الدول نتيجة الاتجار بالمخدرات وتهريبها؟
تأثير المخدرات على الاقتصاد وأضرار المخدرات الاقتصادية
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

يجد الكثيرون أن مواجهة اضطراب تعاطي المخدرات تجربة شخصية، نظراً للآثار المدمرة للمخدرات على الشخص المتعاطي، بدءاً من فقدانه للتركيز وقلة الانتباه إلى فقدانه للقيم الدينية والأخلاقية ومهاراته العقلية وقد ينتهي في أسوأ الأحوال بالوفاة، ومهما كانت آثار الإدمان قصيرة أو طويلة الأمد، فإن تأثير المخدرات لا يتوقف على عقل الشخص المتعاطي وجسده بل قد تهدم بيوتاً واقتصادات دول.
في مقالنا هذا نتطرق إلى الأضرار المالية للمخدرات على المجتمع عامةً والأسرة خاصةً، وكيف يؤثر التعاطي على الاقتصاد بشكل عام وكيفية مواجهة أضرار المخدرات الاقتصادية.

إن الأسرة هي الحلقة المركزية في تكوين مجتمع سوي، فتكوين أسرة مثالية قائمة على الأخلاق الحميدة والمبادئ الجيدة، يؤدي إلى بناء مجتمع متقدم ومتحاب ويسود التعاون بين أفراده، ولكن كما نعلم أن الإدمان أو تعاطي المخدرات هي من أخطر الآفات التي تؤدي إلى انهيار الفرد ومن ثم الأسرة وبالتالي المجتمع بأكمله، وإلى جانب الأضرار الاجتماعية والصحية للمخدرات فإن الآثار المالية للإدمان تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم بأشكال قد تكون مروّعة، ومن أهم الأضرار المالية التي قد تصيب الأسرة والمجتمع: [1]

  • نفقات الرعاية الصحية والطبية: تعود التكلفة العالية للوقاية والعلاج من الإدمان إلى ثمن الأدوية الباهظ وفواتير المستشفيات، وهذا لا يقتصر على المدمن المُعالج وإنما يتعدى إلى المجتمع المحيط به إذ بارتفاع معدل الأفراد المتعاطيين في المجتمع يخلق حاجة كبيرة لتأمين مراكز لعلاج الإدمان وهذا بالطبع يعني المزيد من النفقات.
  • تردي المدخول المادي للأسرة: فإذا كان الفرد المتعاطي هو المعيل للأسرة، فإن فقدان التركيز والانتباه الذي يسببه تعاطيه يؤدي إلى انخفاض جودة ومردود عمله فيكون عرضةً للطرد، بالتالي عدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأسرية ويدخل في دوامة الاستدانة.
  • إنخفاض كفاءة الأداء في العمل والحياة: يؤثر الانغماس في عالم الإدمان على القوى العقلية والصحة النفسية والمهارات الاجتماعية للفرد المدمن، مما يخلق فجوة بينه وبين الآخرين فيميل إلى الانعزال وتتناقص قدرته على القيام بأعماله بالكفاءة والجودة المطلوبة، مما يؤدي إلى انحدار مستوى الانتاج ومع الاستمرار في التعاطي قد تنخفض إنتاجيته إلى الصفر، بالتالي لا يستطيع تأمين احتياجاته الشخصية أي يصبح عالة على أسرته والمجتمع بأكمله.
  • تفشي الأخلاقيات السيئة التي تؤثر سلباً على الثروة الأسرية: بسبب الحاجة للمال نتيجة الرغبة الشديدة للمتعاطي للحصول على المخدر الذي يتعاطاه؛ قد يقوم بسرقة مقتنيات أفراد الأسرة من أموال وممتلكات ثمينة بهدف الحصول على المال.
  • ارتفاع نفقات رعاية الأطفال: إلى جانب ارتفاع النفقات العلاجية للمدمن نفسه، فإن التأثيرات السلبية الناتجة عن سلوكيات المتعاطي غير المتزنة تدفعه أيضاً إلى إيذاء الآخرين، وخاصة فيما يتعلق بالأطفال، فوجود فرد متعاطي في أسرة تضمّ أطفالاً يحفز هؤلاء الأطفال والمراهقين للاقتداء بأحد أبويهم (الفرد المتعاطي) بالتالي المزيد من النفقات التي ستترتب على الأسرة في سبيل الوقاية والعلاج في الوقت ذاته.
animate

فعلى العكس من التصور السائد في أن الدخل المتولد من صناعة والاتجار بالمخدرات يساعد تلقائياً على التنمية الاقتصادية، فإن تهريب المخدرات يؤدي إلى زعزعة في الاستقرار الاقتصادي، وذلك حسب دراسات ومؤشرات: [2]

  • انكماش الاقتصاد: الارتفاع في معدل زراعة شجيرات الكوكا في كولومبيا لم يفضِ إلى زيادة في النمو الاقتصادي بل على العكس تسارعت وتيرة النمو الاقتصادي في البلدان التي هبط فيها زراعة وإنتاج هذا المخدر كبوليفيا والبيرو في التسعينات، بينما انخفض النمو الاقتصادي في كولومبيا على الرغم من زيادة إنتاج المواد المخدرة بسبب تكدس رؤوس الأموال في يد تجار ومهربي المخدرات، الذين يحتاجون لحالة من عدم الاستقرار في البلاد ليكملوا تجارتهم.
  • المكاسب قصيرة الأمد: الاتجار بالمخدرات قد توفر مكاسب قصيرة المدى لقلة من الناس ولكنها تشكل عبئاً على الكثيرين على المدى الطويل.
  • زيادة مشاكل الدول النامية: وطأة التأثير الاقتصادي لتجارة المخدرات على البلدان النامية أكثر من تأثيرها على الدول المتقدمة، وذلك بسبب تنامي البطالة وارتفاع قيمة العملات النقدية عن قيمتها الأصلية، بالإضافة إلى تفشي الأمراض ونقص التوعية.
    فعلى سبيل المثال ازدياد معدل الجريمة والعنف في كولومبيا المتصدرة عالمياً في انتاج الكوكايين وأفغانستان المتصدرة في انتاج الأفيون والدول التي تشكل ممراً لعبور هذه المواد المخدرة كالمكسيك وغينيا وبيساو، فغالباً ما يخلف الاتجار بالمخدرات أضراراً صحية واجتماعية واقتصادية في البلدان المصدرة والمستقبلة وهذا ما يفسر الوضع الاقتصادي المتردي في تلك البلدان.

وفي ظل التغيير السريع والمتزايد في العالم تزداد الحاجة إلى التعاون الدولي لاتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة ومواجهة المشاكل المشتركة والتي يسفر عنها إلحاق الضرر بالأفراد والمجتمعات، ومن أكثر الأعباء التي تشكل تحدياً للمجتمع الدولي هي المخدرات والحد منها، ففي بعض الدول يكون للاتجار بالمواد غير المشروعة كالمخدرات؛ تأثير كبير على الاستقرار الاقتصادي إلى جانب الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

إن جودة إنتاجية الفرد هي النواة الأساسية للنهوض باقتصاد المجتمع، وبما أن للمخدرات أضرار بالغة على القدرة العقلية والمهارات والإمكانيات العملية والعلمية والإنتاجية، ستنتج تداعيات اقتصادية ومسؤوليات مالية منها: [1]

  • الإنفاق الحكومي على مكافحة المخدرات: حيث يتم تخصيص نفقات كبيرة من أموال الدولة من أجل مكافحة المخدرات بالإضافة إلى بناء مراكز لعلاج الإدمان
  • انخفاض الانتاجية والطاقة العاملة: زيادة عدد المدمنين في الدولة يؤدي إلى انخفاض الانتاجية وذلك بسبب انتشار البطالة بين الأشخاص المتعاطين للمخدرات لعدم قدرة هؤلاء الأفراد على القيام بأعمالهم وبالتالي نقص الدخل العام.
  • العاملون تحت تأثير المخدرات: العمل تحت تأثير المخدرات يعرض الشخص المتعاطي لخطر الإصابة أثناء العمل مما يسبب زيادة في التكاليف، فضلاً عن الخسائر البشرية والمادية التي يمكن أن يتسبب بها المدمن إن كان يعمل في الخدمة العامة مثل سائقي القطارات.
  • انخفاض مستويات الانتاج بشكل كبير: إذ يمكن أن تكلف الأخطاء المتكررة والشرود والتغيب عن العمل خفض الإنتاج والتأثير بشكل سلبي على محيط مدمن المخدرات.
  • زيادة الجريمة ونفقات الأمن: مع اشتداد رغبة المتعاطي الملحة للحصول على المخدرات فقد يلجأ للقيام بأنشطة غير قانونية تعرضه للإدانة وبالتالي السجن، مما يكلف النظام الإصلاحي للدولة المزيد من النفقات، فإن انتشار الإدمان بشكل متزايد يخلق حاجة ماسة إلى زيادة عدد العاملين في مجال مكافحة المخدرات وذلك لأنه كلما زاد نشاط حركة بيع المخدرات وشرائها وتعاطيها زادت حاجة الدولة إلى تخصيص المزيد من الموارد البشرية والاقتصادية لمواجهة هذه الآفة الخطيرة.
  • انتشار ظاهرة غسيل الأموال: وذلك بسبب الأرباح غير المشروعة الناتجة عن تجارة المخدرات والتهرب الضريبي، مما يؤثر سلباً على التعاملات المالية المشروعة.

أظهر تقريرٌ أصدره مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في عام 2016 عن المخدرات على مستوى العالم أن: [3]

  • الأوضاع السياسية والأحداث الأخيرة في العديد من دول المنطقة العربية؛ أوجد حالة من الانهيار الأمني وعدم السيطرة على المنافذ الحدودية مما فتح المجال لشبكات الاتجار غير المشروع وتهريب المخدرات لزيادة نشاطها في هذه الدول.
  • أدت الأزمة الاقتصادية في العديد من الدول العربية إلى زيادة لانجراف إلى النشاط غير القانوني مما أدى إلى زيادة عدد الأفراد المتعاطيين للمخدرات.
  • وأكدت دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر حول (البحث عن تأثير المخدرات على الاقتصاد المصري): "أن الاقتصاد القومي يواجه مشكلة بالغة الأهمية نتيجة للتأثير السلبي للمخدرات الذي يستهلك موارد المجتمع، بالإضافة إلى تفشي الإدمان بين مختلف طبقات المجتمع بشكل متزايد ومروّع بغض النظر عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية للأفراد المدمنين".
  • فضلاً عن حجم الإنفاق في صناعة المخدرات وبيعها والإنفاق على تبعات الإدمان في الدول المتضررة من المخدرات، ففي مصر بلغ عام 2008/2009 حوالي 27 مليار جنيه مصري مقارنة مع الاستثمارات في القطاعات الأخرى كتوفير المياه والذي يقدر حوالي 10 مليار جنيه والكهرباء حوالي 12 مليار جنيه وأيضاً الزراعة والري حوالي 7 مليار جنيه. وهذا الفرق الشاسع للإنفاق بين مختلف القطاعات يبين لنا حجم الخسارة والضرر الاقتصادي الناجمة عن الإدمان وتبعاته، إلى جانب نفقات الرعاية الصحية والوقاية والعلاج والمكافحة.[4]
  • إضافة إلى ذلك فإن تعامل تجار هذه المواد المخدرة بالدولار يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة المحلية، وبالتالي يكون سبباً في الأزمات الاقتصادية والتضخم.

لا تستطيع الدول عادة منع إلا ما نسبته 15 % من المخدرات التي تدخل إليها لذا فإن الحل الأمثل يبدأ بالفرد مما يؤكد على الأهمية البالغة لعلاج إدمان المخدرات كأولوية في مكافحة الآفة، لذا من أهم التدابير التي أثبتت جدواها والتي يمكن القيام بها لخفض التكلفة الاقتصادية لتعاطي المخدرات: [5]

  • تفعيل الدور الأمني في مكافحة تجار المخدرات: حيث تتهاون بعض الحكومات مع تجار المخدرات لأسباب كثيرة ومعقدة، في كلومبيا مثلاً استطاع بابلو اسكوبار إنشاء دولة داخل الدولة، احتاج إلى جهود دولية للقضاء عليها، حيث تعتبر مكافحة زراعة وتصنيع وترويج المخدرات هي الأولوية بالنسبة للحكومات للحد من أضرار المخدارات على الاقتصاد الوطني.
  • الغرامات المالية: فرض غرامة مالية بحق الأشخاص المتعاطيين باعتبارها جريمة يحاسب عليها القانون، وهكذا فإن الخوف من عدم القدرة على السداد وبالتالي دخول السجن يشكل حافزاً على التوجه للعلاج فوراً.
  • توفير برامج الوقاية من تعاطي المخدرات: لبناء مجتمعات وأسر متماسكة، فهذه البرامج تعمل على تزويد الشباب بالمهارات اللازمة لاتخاذ القرارات السليمة، لذا على الدولة أخذ هذا المنحى بشكل جدي.
  • التدخل السريع للعلاج: هناك أشخاص ما زالوا في المرحلة الأولية من التعاطي أي ما زالوا معتمدين وليسوا مرتهنين، فإن التدخل السريع مع إجراءات بسيطة يجنب الكثير من النفقات التي قد تترتب فيما إذا تطورت الحالة إلى الإدمان، وذلك من خلال المساهمة في نشر مخاطر هذه المخدرات عن طريق حملات التوعية والاستخدام الأمثل للإعلام الذي له التأثير الأكبر على المجتمع، بالإضافة إلى نشر التوعية الدينية والمبادئ الاخلاقية بين الفئة الأكثر تعرضاً لخطر التعاطي.
  • توفير الرعاية اللاحقة: من خلال برامج إعادة التأهيل والاندماج في المجتمع للذين لديهم حالات إدمان على المخدرات، ولا يحدث ذلك إلا بالدعم الأسري ودعم المجتمع لهؤلاء الأشخاص لأن الفرد المتعاطي لن يستطيع التخلي عن إدمانه لوحده، إضافة إلى تحديد برامج التدريب المهني للشباب المعرضين لخطر التعاطي أو التحول إلى بائعي مخدرات، بالإضافة إلى إنقاذ الأشخاص المعرضين للتشرد والبطالة والحرمان من فرص التعليم وذلك بتأمين مشاريع تطوعية ومنح دراسية مجانية لهم.

ختاماً.. لا يسعنا إلا القول بأن تفشي تعاطي المخدرات في مجتمعاتنا العربية، ينعكس سلباً على المستوى المعيشي الأسري وانهياراً في البنية التحتية للمجتمع، كما أنه يشكل عاملاً مهماً في تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلدان العربية

المراجع