تنمية الذكاء العاطفي للكبار بعد تجاوز مرحلة الشباب
قمنا بتخصيص هذا المقال ليجيب على السؤال "كيف أنمي ذكائي العاطفي بعد أن تجاوزت عمر الشباب؟" فإن كنت قد تجاوزت مرحلة الشباب -مع أننا نؤمن بأن الشباب هو شباب الروح- أو إن كان لديك أب أو أم أو أحد يهمك أمره قد تفيده بالمعلومات الموجودة في هذا المقال فهذا المقال سيفيدك حتماً.
الذكاء العاطفي هو أن تعي بذاتك جيداً فتعرف ما يميزها وما يعيبها، وتفهم مشاعرك جيداً وتديرها لصالحك. كما يعني القدرة على تفهم الآخرين باختلافاتهم وفهم مشاعرهم والتواصل معهم بفعالية.
من صفات الشخص الذكي عاطفياً أنه واعٍ بذاته فيعرف نفسه جيداً بما في ذلك نقاط قوته ونقاط ضعفه ومشاعره ليتحكم بها ويفرغها بطرق صحية بدلاً من كتمانها أو اللجوء للصراخ أو الإيذاء لتفريغها. هو شخص منظم داخلياً، يسير على خطة واضحة نحو هدفه الذي يسعى لتحقيقه ليكون راضٍ عن نفسه وفخوراً بها وليس لدوافع خارجية كالبحث عن رضا الناس أو الشهرة أو المال. ومن ناحية علاقاته مع الآخرين... فهو شخص متفهم ومتعاطف واجتماعي ودبلوماسي.
كيف أنمي ذكائي العاطفي بعد أن تجاوزت عمر الشباب؟
لا تختلف طريقة تنمية الذكاء العاطفي للأشخاص الذين تجاوزوا عمر الشباب عن الطرق الاعتيادية لتنمية الذكاء العاطفي، ولعل الطريق قد يكون أسهل – كما سنذكر بالتفصيل فيما بعد في هذا المقال - بحكم تجارب وخبرات الشخص وعلاقاته المتعددة.
هذه أهم الطرق التي يمكنك الاستفادة منها: [1،2]
- لاحظ كيف تتفاعل مع الناس: هل تتسرع في الحكم قبل أن تعرف كل الحقائق؟ هل تتبع الصور النمطية؟ انظر بصدق إلى طريقة تفكيرك وتفاعلك مع الآخرين. حاول أن تضع نفسك مكانهم، وكن أكثر انفتاحًا وتقبلًا لوجهات نظرهم واحتياجاتهم، وخاصة الأجيال الأصغر منك؛ لا تستسخفهم ولا تستخف بهم، وتذكر ماذا كانت اهتماماتك عندما كنت في جيلهم وأعطهم الفرصة ليثبتوا أنفسهم، وضع في اعتبارك اختلاف الأجيال عن بعضهم، فلن يكون ابنك نسخة عنك.
- تقبل النقد: فليس هناك إنسان كامل، وانتقاد الناس لك – حتى لو كانوا أصغر منك سناً- لا يعني عدم احترامهم لك، استمع لهم وتقبل وجهات نظرهم وانفتح عليها بدلاً من تركيزك على أن هذا هز صورتك أمام هذا الشخص أو أمام نفسك، فهذه فرصتك للتطور والتعلم الذي يجب ألا يتوقف عنه الإنسان مهما بلغ من العمر.
- أدر مشاعرك: فلا تبالغ في ردة فعلك لو اشتريت طعاماً من مطعم ما ولم يكن على ذوقك، أو إن لم يفلح أحد أبنائك في دراسته مثلاً، حافظ على هدوئك وتذكر أنك عندما تحتوي المشكلة وتفكر فيها بشكل صحيح ستحل لا محالة، وأن المبالغة في التعبير عن المشاعر تفسد الأمر ولا تصلحه، ولا تنس أن العصبية والسلبية يجلبان لك مشكلات نفسية وجسدية كارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب.
- تعاطف: للأسف... هناك اعتقاد سائد بين الناس وخاصة بين الكبار في السن بأن التفكير الصحيح وأسلوب الحياة الأفضل هو أن تتحرر من مشاعرك وأن تفكر بعقلك فقط، لكن هذا اعتقاد خاطئ تماماً، فتعاطفك مع نفسك ومع الناس مهم جداً، وهذا لا يعيبك بل يزيدك إنسانية. فكيف ستساعد ولدك الذي تخرج منذ سنوات ولم يجد عملاً حتى الآن إن لم تتعاطف معه وتشعر بالألم الذي بداخله وتضع نفسك محله؟! ولعل من أكثر المشاهد عاطفية والتي تطبع في الذاكرة هو مشهد بكاء أب عند خروج ابنته عروساً من بيته.
- تقبل فكرة أن العالم يتغير ويتطور: فبدلاً من أن تشتكي من قلة تواصل من حولك معك بسبب التكنولوجيا التي أخذت كل وقتهم، استغل هذه التكنولوجيا لتجد طريقة للتواصل معهم؛ فلا تعصب على صاحب السوبرماركت المجاور لأنه لم يعد يستقبل الطلبات على الهاتف واعتمد تطبيق الهاتف لهذا الغرض، اطلب من أحد أبنائك أن ينزل لك التطبيق على هاتفك ويعلمك كيف تطلب ما تريد باستخدامه، عليك أن تواكب العالم لتعيش حتى لو لم يعجبك الأمر.
- لا تفقد حماسك: لا تصدق بعض المقولات مثل "بعد ما شاب ودوه الكتاب"، و"فلان على حفة قبره"... حافظ على حماسك كما لو كنت لا تزال شاباً، وجد ما يحببك بالحياة وكن ممتناً وأيجابياً، وتذكر أن أبناءك ومن حولك يستقون الطاقة منك وأنك قدوتهم وأنهم سيرتاحون لو كنت أنت مرتاحاً، وأن لك دور كبير فيما هم عليه الآن، فافتخر بنفسك وبإنجازاتك على الصعيد الشخصي والمهني والعائلي مهما كانت الظروف، فلا تقل أنك لم تستطع تأمين المال لمستقبل أبنائك وتذكر أنك استطعت أن تؤمن لهم الشهادة أو الأخلاق أو أي شيء يساعدهم في حياتهم، فلا تيأس وأحب حياتك واندمج معها ومارس التمرينات الرياضية وكل الأكل الصحي واضحك من قلبك لتحب الحياة.
إن أفضل سن لتنمية الذكاء العاطفي عند الشخص هي سنوات الطفولة الأولى التي يتشرب فيها الطفل من الأهل والمدرسة والشارع ومن كل مكان مهارات أساسية لتنمية ذكائه العاطفي ويشب عليها وتساعده في كل مراحل حياته فيما بعد. ولكن هذا لا يعني أن الشخص إن لم يكتسب ذكاءه العاطفي في سنوات طفولته فإنه لن يكتسبه في حياته! بل على العكس...
فكلما كبر الإنسان وتقدم في السن وازدادت تجاربه يزداد ذكاءه العاطفي بحكم خبراته وتجاربه وعلاقاته المتعددة مع مختلف الأصناف من الناس. فتجد الشخص يصبح أكثر حكمة ويمتلك بعد نظر أكثر بكثير منه عندما كان في مرحلة الشباب، فبالتأكيد أن ردة فعل أب شاب عند سماعه خبر وفاة ولده لا تشبه ردة فعل أب في الخمسينيات من عمره أو قد تجاوز مرحلة الشباب؛ فقد ينهار الأب الشاب بينما يكون تماسك الأب الآخر أكبر.
تم تحليل العلاقة بين الذكاء العاطفي والأداء النفسي والجسدي والعلاقاتي لعينة من الناس تتراوح أعمارهم ما بين 50-90 عاماً، فتبين أن الأشخاص الأذكى عاطفياً يتمتعون بصحة جسدية جيدة لأنهم واعون بأنفسهم ويعرفون كيف يعتنون بأجسادهم وبأهمية هذا؛ فيميلون لاتباع نمط حياة صحي، كما أنهم راضين أكثر عن أنفسهم وعن علاقاتهم وعن حياتهم بشكل عام، ويتفاعلون مع من حولهم بإيجابية، وهم كذلك أكثر هدوءاً من ناحية التعبير عن الانفعالات، وأكثر استقراراً وإيجابية. [3]
فإن طورت من مهارات الذكاء العاطفي لديك ستتحسن علاقتك مع نفسك ورضاك عنها، وسيقل شعورك بالذنب الذي عادة يرافق الكثير من الناس مع مرور الزمن، وستتحسن علاقاتك ومهاراتك في التعامل مع الناس حسب مفاتيحهم، وسيقوى حدسك، وتزداد إيجابيتك، مما يجعل أبناءك وأحفادك والناس الذين تحبهم يحبون التواجد حولك، وتزداد رفاهيتك حتى لو كنت تعتبر نفسك فاشلاً أو أنك لم تكن تملك المال، لأن الرفاهية والسعادة الحقيقية هي بالرضى وليس بالمال.
إن الأشخاص الذين يتحلون بذكاء عاطفي عالٍ يتمتعون بصحة أفضل وعلاقات أكثر متانة، ويكونون راضين أكثر عن حياتهم من الناحية الشخصية والمهنية والعائلية والعلاقاتية على المدى البعيد وبعد تجاوزهم لمرحلة الشباب، من هنا وجب الاهتمام بتطوير هذا الذكاء مهما تقدم الإنسان من العمر.
إن خطر على بالك – قارءنا العزيز- شخص معين أثناء قراءتك لهذا المقال، وتمنيت لو تستطيع مساعدته في تنمية ذكائه العاطفي، فلا تتردد في الحديث معه حول هذا الموضوع؛ وضح له التأثير الإيجابي لتطوير مهارة الذكاء العاطفي على حياته بأكملها بلغة يتقبلها بعيداً عن الانتقاد والتنظير حتى يتقبل منك ويستمع إليك ويستجيب، وخاصة إن كان من هؤلاء الذين يؤمنون بأن الشخص الذي تجاوز مرحلة الشباب لم يعد من عمره شيء ولم يعد عقله مستعد لتعلم أمور جديدة وأن لا شيء سيحسن من صحته الجسدية بعد أن تآكل جسده، والنفسية بعد هذا الكم من الهموم التي أثقتله طوال حياته، ولا العلاقاتية بعد أن انفض الناس من حوله.
هذه بعض الأفكار للمساعدة:
- زد ثقته بنفسه ودعه يعرف أهمية دوره في حياة من حوله وأهمية وجوده معهم، وكمية الطاقة التي يضخها للجميع بإيجابيته وحكمته والدروس التي يعطيها لهم في الحياة، وأنه عندما يكون إيجابياً ستتحسن نفسيته وسيقبل الناس عليه بمحبة ويفضلون قضاء أوقات جميلة ومفيدة معه.
- ساعده على تقبل الحياة بالتغيرات التي طرأت عليها ليعيش حياة أفضل، فعلمه على استخدام منصات التواصل الاجتماعي ونزل له بعض التطبيقات على هاتفه لتجعل حياته أفضل وأسهل.
- شجعه على أن يكون اجتماعياً بدلاً من جلوسه وحيداً، فنظم جمعات في منزله أو في الحديقة المجاورة لأفراد العائلة أو للأصدقاء أو الجيران، ونظم نشاطات تناسب الأشخاص الموجودين وتسليهم جميعاً على اختلاف توجهاتهم، فإن جمعت له أفراداً بعمره وفر لهم لعبة طاولة الزهر أو موسيقى كلاسيكية ترافقهم أثناء تناولهم للطعام. وإن جمعت العائلة من أبناء وأحفاد ضع بين يديه ألبوم صور واجعله بطل الجمعة بأن تطلب منه أن يتحدث عن الصور والذكريات التي تحملها...
- شجعه على القراءة وأحضر له الكتب في الموضوعات التي يحب، وركز على الكتب التي تتحدث عن التعليم الذاتي والإيجابية وتطوير الذات والذكاء العاطفي.
- شجعه على التطوع الذي يساعده على الاختلاط بالناس والتخلص من السلبية.
- شجعه على التعاطف مع الناس وتفهمهم والاستماع لهم –وخاصة الجيل الجديد- وأن يضع نفسه مكانهم.
- عبر له عن حبك وعانقه وقبّله فهو يحتاج لمشاعر دافئة لأن "فاقد الشيء لا يعطيه" أحياناً.
- يمكنك أن تقارن بين اثنين بنفس العمر، أحدهما متفائل ومتعاطف وراضٍ عن حياته وآخر يجلس ويعد أيامه... دعه يختار أي منهما يحب أن يكون.
يجب علينا أن نطور من أنفسنا لما فيه مصلحتنا ومصلحة من حولنا مهما تقدم فينا العمر، فالإنسان لديه قابلية للتعلم طالما أنه على قيد الحياة، ومن الأفضل أن نعيش الحياة ببساطة.