تطوير مهارات التواصل مع الآخرين وكسب ثقة الناس
منذ الأزل كان البشر يُعتبرون كائناتٍ اجتماعية يعيشون معاً في قبائل وقرى ويتعاونون مع غيرهم لإنجاز أعمالهم وتسيير أمورهم اليومية، تطورت الوسائل خلال العصور مثل اللغات والرسوم التعبيرية من أسهل تسهيل التواصل بين الأفراد، ولكن هنا نجد أنفسنا نسأل: لماذا كان التواصل الاجتماعي مهماً لنا؟ وهل علينا العمل على تطوير مهاراتنا للتواصل مع الآخرين؟ وكيف يجب أن تطور هذه المهارات؟
بالنسبة لنا كبشر التواصل مع الآخرين ليس مجرد رفاهية فلن تجد من يرغب حقاً بالعيش لوحده بعيداً عن الجميع في عزلةٍ تامة، التواصل مع الآخرين هو جزء ضروري من حياتنا وتبرز أهمية التواصل مع الآخرين في الفوائد العظيمة التي نجنيها منه والتي تتضمن: [1]
- تحسين نوعية الحياة: بينت بعض الدراسات ارتباط أشكال تواصلنا الاجتماعي مع الآخرين مع الصحة الجسدية بشكل وثيق، وهذا الارتباط أكبر من ارتباط الصحة بعوامل مثل التدخين والسمنة وارتفاع ضغط الدم حتى، ويمكن ملاحظة هذا التأثير بشكل أكبر عندما ينتقل الشخص من مكان حياته الاجتماعية لمكانٍ آخر.
- تحسين الصحة النفسية: امتلاك الأصدقاء والاختلاط بهم يمنحك العديد من الفوائد الصحية والنفسية فوجودك معهم يعزز من شعورك بالانتماء ويزيد من مستويات السعادة ويقلل من شعورك بالتوتر كما أنّه يزيد من تقديرك للذات ويجعلك تشعر بالثقة بنفسك بشكل أكبر.
- تحسين العلاقات الاجتماعية: العلاقات الاجتماعية المتنوعة قائمة على التواصل، حيث يعتبر التواصل الفعال والصحي من أساسيات الرضا في مكان العمل أو الرضا الزوجي وكذلك الراحة والرضا في العلاقات العادية مثل علاقتك مع الجيران أو حتى العلاقات السريعة مثل علاقتك مع بائع قد لا تراه مرة أخرى.
- تساعدك على تحقيق أهدافك: فقدان القدرة على التواصل مع الآخرين بشكل جيد وفعال من الأمور التي تعرقل تحقيق الخطط والأهداف، ولذلك ستلاحظ أن اكتساب مهارات التواصل الفعال سينعكس على فعالية عملك وسعيك نحو تحقيق هدف ما.
- تُساعدك على العيش لفترةٍ أطول: تأثير التواصل مع الآخرين على الصحة الجسدية ينعكس بوضوح على المدة المتوقعة للحياة ولذلك فلن يكون من الغريب أن تظهر دراسةٌ تبين أنّ الأشخاص الذين يمتلكون علاقاتٍ قوية يمتلكون فرصاً أكبر بالحياة بنسبة 50% مقارنةً بغيرهم بغض النظر عن الفئة العمرية أو الجندرية (النوع الاجتماعي) للأشخاص.
- تُقلل من احتمال الرغبة في الانتحار: من العوامل التي تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضةً للانتحار أو التفكير بالانتحار من غيرهم ومنها الترابط (Connectedness) والتي تعني مقدار ارتباط الشخص بمجموعاتٍ اجتماعية أخرى ودرجة قوة علاقاتهم. التواصل البشري والعلاقات البشرية يمكن أن تحمي الفرد من الانتحار وتقلل من ظهور الأفكار الانتحارية بشكل ملحوظ.
تعتبر الثقة بين الأشخاص الأساس الأقوى الذي تُبنى عليه العلاقات البشرية والتواصل مع الآخرين، لا يمكنك بناء أي علاقة صحية دون أن يكون هناك ثقة سواء كانت هذه العلاقة عاطفيةً أو علاقة صداقة أو حتى ضمن العمل، هذا الأمر يستوجب التفكير في السؤال القائل كيف يمكنك أن تكسب ثقة الناس؟
اكتساب ثقة الناس ليس تعويذة سحرية يمكن الحصول عليها بشكل فوري بل هو عملية طويلة تتطلب الكثير من العمل، فمن أجل أن تكون شخصاً يمكن للآخرين أن يثقوا به يجب أن: [2]
- أن تكون صادقاً بكلماتك وأفعالك: إنّ الهدف الأساسي من بناء الثقة ببينك وبين الآخرين هو دفعهم لتصديقك، هذا الأمر لا يتطلب منك أن تفي بالوعود التي تقطعها بل يستوجب منك أيضاً ألا تقدم أية وعود لا يمكنك الوفاء بها. الصدق والالتزام بكلمتك مع الآخرين يدفعهم لمعاملتك باحترام ويجعلهم يثقون بك بشكل تدريجي.
- تتعلم كيفية التواصل مع الآخرين: إنّ عدم الفهم أو التواصل السيء قد يكون من العوامل الأساسية التي تمنع تأسيس علاقةٍ صحية مبنية على الثقة، فمنطقياً لا يمكن لك أن تثق بشخصٍ لا يمكنك أن تفهمه أو أن تتواصل معه بشكل واضح وهذا بالطبع يتضمن القدرة على إيصال الرسالة المطلوبة للآخر دون إساءة الفهم.
- تتذكر بأنّ اكتساب الثقة يتطلب الوقت: كما سبق أن ذكرنا فالعملية لا تحدث بين ليلةٍ وضحاها بل تتطلب وقتاً وعملاً جاداً ولهذا من الضروري أن تتذكر أنّ اكتساب الثقة هو عملية طويلة تتطلب الصبر.
- تفكر جيداً فبل اتخاذ القرارات: إنّ التصرف السريع غير المبني على تفكيرٍ عميق يمكن أن يكون ضاراً لك فعليك أن تفكر جيداً قبل أن تقرر قبول أي التزام وأن تتحلى بالشجاعة لرفض القيام بالالتزامات التي لا تناسبك، عليك أن تكون واضحاً أمام الآخرين وأن تكون منظماً تتبع التزاماتك دون إهمال.
- تقدّر قيمة العلاقات التي تمتلكها: إنّ اعتبار العلاقات الاجتماعية التي تمتلكها كالصداقة والعلاقات العاطفية أمراً مسلماً به يُعتبر من الأخطاء القاتلة، العلاقات الحقيقة تنمو وتستمر بناءً على التماسك والثبات فنحن نميل للبقاء مع أولئك الذين يقفون بجانبنا في أوقات الحاجة وهم من يحصلون على ثقتنا.
- ساعد الآخرين على التطور: عندما تُساعد الآخرين وتعينهم على التقدم والتطور فأنت تُظهر استعداداً للثقة وهو فعلٌ من شأنه دفع الشخص المقابل على الثقة بك، يمكنك القيام بذلك عبر تقديم النصائح والمقترحات بشكلٍ محترم وإثبات رغبتك بأن تكون جزءاً من المجموعة.
- ألا تُخفي مشاعرك: هذه النقطة أساسية بشكل خاص في العلاقات العاطفية حيث يكون من الضروري أن تُظهر مشاعرك، في العلاقات الأخرى تكون هذه النقطة مهمة عن طريق إظهار الحماس والاهتمام فهذا يجعل الآخرين يثقون بك أكثر.
- أن تعترف بأخطائك: جميعنا نرتكب الأخطاء بين الحين والآخر والتصرف الأفضل هو أن تعترف بأخطائك وتحاول وتحمل المسؤولية، عندما تقوم بذلك ستظهر للآخرين أنك أمين وصادق ومسؤول وهذا يساعدهم على اعتبارك أهلاً للثقة.
- لا تحاول سرقة الجهود: عندما تكون ضمن مجموعةٍ تعمل معاً سيكون من المهم أن تقدّر الأعمال التي يقوم بها الآخرون وأن تتلافى محاولة سرقة الفضل منهم، التعبير عن تقديرك لعمل الآخرين الجيد أمرٌ ضروري لاكتساب الثقة.
التواصل الفعال ليس مجرد تبادلٍ للمعلومات بينك وبين طرفٍ آخر بل هو أمرٌ أعمق يتضمن اكتساب القدرة على فهم المشاعر والنوايا لدى الطرف المقابل والقدرة أيضاً على إيصال الفكرة الصحيحة للشخص الثاني.
رغم أنّ مهارات التواصل الفعال قد تأتي بشكل غريزي للبعض إلا أنّ البعض قد يفتقدها وهذا بالتالي يؤدي إلى انحرافات في التواصل ويخلق بعض المشاكل في محيطك.
في الواقع هناك العديد من الأسباب التي قد تدفعك لفقدان مهارات التواصل الفعال مثل كونك تحت الضغط النفسي وعدم التركيز وعدم الانتباه للغة الجسد أو إرسال رسائل خاطئة عبر حركات جسدك، لهذا وإن أردت أن يكون تواصلك مع الآخرين أكثر وضوحاً عليك أن تعمل على تحسين مهارات التواصل الفعال لديك بشكل أفضل وذلك من خلال: [3]
- أن تكون مستمعاً متفاعلاً: يركز الكثيرون عند الحديث مع شخصٍ ما على ما يجب أن يقولوه بشكل أساسي ولكن التواصل الفعال يقوم أكثر على الاستماع والفهم، ذلك لا يعني أن تستمع للكلمات وحسب بل عليك أن تنصت لما يُقال وتستمع لنبرات الحديث وتفهم كيف يشعر هذا الشخص بخصوص الموضوع الذي يتحدث عنه، باختصار يجب أن تستمع لكلماته وعواطفه وتجعله يشعر بأنك فهمت عليه تماماً لأنّ ذلك سيقوي طبيعة العلاقة بينكما. كي تكون مستمعاً أفضل يمكنك أن:
- تركز على الحديث بشكل أكبر
- تتجنب مقاطعته أثناء كلامه أو أن تُحاول مثلاً توجيه الحديث للنقاط التي تشغلك
- تُظهر الاهتمام فيما يقوله الآخر
- تتجنب إظهار أحكامٍ مسبقة
- تُحاول إبداء رأيك بشأن الموضوع
- أن تنتبه بشكلٍ أكبر للإشارات غير اللفظية: الحديث والتواصل لا يتضمن ما يقال بالكلمات وحسب بل يشمل حركات ولغة الجسد أيضاً وتعابير الوجه ونظرات العيون ونبرة الصوت وحتى توتر العضلات، ومن المهارات الضرورية أن تعمل على فهم هذه الإشارات واستخدامها بشكل صحيح لإيصال الفكرة المطلوبة للآخرين. لتحسين قراءتك لهذه الإشارات وإيصال الإشارات للآخرين:
- عليك أن تنتبه للاختلافات الفردية بين الأشخاص ومعاني الإشارات بناءً على الاختلافات الحضارية والثقافية ومراعاة العمر والثقافة والدين.
- عليك أن تنتبه للإشارات ككل لا أن تدقق في كل إشارةٍ على حدا لأن بعض الإشارات قد تكون غير مقصودة مثلاً
- تعلم الفرق بين إشارات الجسد والعمل على إرسال إشارات متطابقة مع كلامك لتجعل الآخر يشعر بصدقك.
- تعديل لغة الجسد لتناسب الشخص المقابل لك فكلامك مع طفل لا يجب أن يكون بذات نبرة كلامك مع شخصٍ بالغٍ مثلاً.
- تجنب إشارات الجسد السلبية والتي تدل على عدم الثقة والتوتر.
- أن تعمل على تهدئة توترك: من الشائع أن تشعر ببعض التوتر في خضم خلافٍ مع الشريك أو الأطفال أو حتى أحد أصدقائك وقد يجعلك التوتر تتفوه بكلماتٍ تندم عليها لاحقاً، قدرتك على تخفيف هذا التوتر بشكل سريع والعودة للنقاش بشكل هادئ سيكون أفضل لك وللطرف الآخر. من الطرق التي يمكن أن تُساعد على التهدئة:
- استخدام أساليب المماطلة وكسب الوقت كأن تطلب إعادة السؤال أو توضيح نقطة معينة لكسب الوقت
- الصمت والتوقف عن الحديث للتفكير
- الحديث بكلماتٍ واضحة
من الخطوات الهامة في تحسين قدراتك على التواصل مع الآخرين هي أن تُدرك أهمية مهارات لغة الجسد في التواصل مع الناس، لغة الجسد هي العامل الذي يمكن أن يُساعدك على النجاح أو يقف في طريق تقدمك لأنّه يمكن أن يُعزز من الفكرة التي تطرحها أو يضعك في محلّ الشك. إتقان مهارات لغة الجسد يتضمن معرفة كيفية مزامنة كلماتك مع كلمات جسدك بشكل صحيح ومن الطرق الممكنة لفعل ذلك: [4]
- التواصل البصري الصحيح: من المهم أن تحرص على النظر في عيني الشخص المقابل بشكل متكرر أثناء الحديث وأن تحافظ على التواصل البصري عندما يتحدث إليك لأنّ ذلك يوصل شعوراً بالتقدير.
- زيادة القرب عند التواصل: من الممكن أن تقوم بإزالة العوائق والحواجز التي تفصلك عن الشخص أثناء الحديث كأن تنتقل للجانب الثاني من المكتب إذا كنت مديراً مثلاً، فهذا يمكن أن يعزز من الشعور بالاتصال ويوحي بقدرٍ أكبر من الاحترام.
- الانتباه لوضعية وقوفك أو جلوسك: الوضعية التي تتخذها تلعب دوراً هاماً في التواصل فمن الضروري أن تحرص على عدم عقد ذراعيك وأن تتجنب الانحناء للخلف أثناء الاستماع (هذا يوحي بعدم الاكتراث بالحديث) وأن تقوم بدلاً عن ذلك بالانحناء نحو الأمام.
- الانتباه لتعابير وجهك: يمكنك أن تتدرب على تعابير وجهك عبر التدريب على الحديث أمام المرآة، التعابير يجب أن تختلف بناءً على الموقف فتعابير الوجه في مقابلة عمل لا يجب أن تكون نفسها المستخدمة في لقاءٍ مع صديق.
قد لا يمتلك الجميع تقنيات تواصل اجتماعية بشكل فطري وهنا يكون من الضروري العمل على تطويرها وتحسينها من أجل التواصل مع المحيط بشكلٍ أفضل، ومن التقنيات التي يمكن أن تُساعدك على تطوير مهاراتك: [5،6]
أن تسأل أسئلة ذات نهايات مفتوحة
يمكن أن تُساعد الأسئلة ذات النهايات المفتوحة على تعزيز التواصل بشكل كبير لأنّها تفتح المجال لحديث أطول وتخرجك من الإطار البسيط للأسئلة التي يمكن الرد عليها بكلمة، عندما تطرح سؤالاً مفتوحاً يمكن أن تتمكن من اختبار عواطف الفرد الموجود أمامك وقد تقوي العلاقة بينكما لأنك تظهر الاهتمام بمعرفة المزيد وتسمح له بالتعبير عما يدور في ذهنه.
أن تنخرط في محادثات مع الآخرين
المحادثات يمكن أن تكون قصيرةً وتنتهي خلال ثوانٍ معدودة ويمكن أن تستمر لساعات دون أن تشعر بذلك، رغم أنّ الكثيرين يرغبون في خوض محادثاتٍ طويلة إلا أنّهم قد لا يعلمون كيف يقومون بذلك ويجدون أنفسهم عاجزين عن فتح حديث، إذا كيف تبدأ محادثةً فعالةً مع شخصٍ ما؟
- لتبدأ محادثةً فعالة يجب أن تخرج أولاً من قوقعة أفكارك وتنتقل إلى العالم الحقيقي وتركز على ما يُحيط بك والتفاصيل الموجودة حول.
- بعد ذلك من الضروري أن تحاول معرفة الأشياء التي تُثير اهتمام الطرف الآخر لأنّ محادثةً تخص موضوعاً مثيراً للطرف الآخر ستجعله يبدي اهتماماً أكبر.
- ولا يجب أن تنسى أنّ عليك اختيار التوقيت المناسب فأنت لا تريد أن تبدأ محادثةً تستمر لساعات عندما لا تمتلك أنت أو الطرف الآخر وقتاً لإكمالها.
في الختام.. ورغم أنّ تطوير مهارات التواصل لديك قد يبدو في البداية عملاً متعباً فلا يجب أن تتوقف لأنّ ذلك سينعكس بشكل إيجابي على حياتك الاجتماعية ويجعلك شخصاً اجتماعياً أكثر، إضافةً لذلك ستشعر بتحسنٍ كبير في علاقاتك مع أصدقائك وعائلتك وفي صحتك النفسية ولهذا تذكر دوماً أنّ هذا الجهد سيأتي ثماره بعد الصبر والتعب.