تأثير العقوبات الجسدية والنفسية على الأطفال

كيف يؤثر العقاب البدني والعقوبة النفسية على الطفل؟ وما هي العقوبات البديلة والآمنة؟
تأثير العقوبات الجسدية والنفسية على الأطفال
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

يلجأ الكثير من الآباء للعقوبات الجسدية أو النفسية مع أطفالهم، فمنهم من يعتمد هذا كأسلوب للتربية والتأديب، ومنهم من قد يلجأ لهذا الأسلوب لمرات محدودة أو لمرة واحدة. فما تأثير العقوبات الجسدية والنفسية على الأطفال؟ هذا ما سنناقشه في هذا المقال.

تتعددى العقوبات الجسدية التي يستخدمها الآباء مع أطفالهم لتشمل الضرب والدفش والجلد وأحياناً الحرق وغير ذلك من طرق تؤلم الطفل جسدياً، ولكن الألم الجسدي ليس هو الأثر الضار الوحيد للعقوبات الجسدية للأطفال، فهي تشمل: [1]

  1. الأذى الجسدي البالغ: عندما يفقد الآباء السيطرة على أنفسهم فقد يعرضون طفلهم للأذى الجسدي البالغ مثل الكسور والحروق والإصابات الخطيرة في الرأس والجسد، والتي قد تتنتهي بتهديد حياة الطفل.
    حتى على الأمد الطويل تنعكس العقوبات الجسدية والنفسية على صحة الأطفال، حيث أفادت دراسة حديثة في جامعة بوردو أن البالغين الذين كانوا ضحايا للاعتداء العاطفي أو الجسدي كأطفال لديهم مخاطر أكبر للإصابة بالسرطان.
  2. ضعف الشخصية: فقد يحدث العكس فينشأ الطفل ضعيف الشخصية، ومهزوز الثقة بالنفس مما يعرضه للضرب والأذى الجسدي والتنمر بأشكاله المختلفة من قبل زملائه وأقرانه. وهذا قد يستمر معه حتى عندما يكبر، فيقف ذلك في طريق أحلامه وتطوره الشخصي والمهني.
  3. ضرب الأطفال يعلمهم استسهال اللجوء للضرب: فهو يعلمههم الاستقواء على الضعفاء؛ بما أنهم يتعرضون للإيذاء الجسدي من آبائهم الذين هم أكبر وأوعى منهم ويجب أن يحتووهم ولا يستقووا عليهم، فيلجأ هؤلاء الأطفال للاستقواء على من هم أضعف أو أصغر منهم، فترى الابن الكبير يضرب الصغير، كما قد يعتمد الضرب كوسيلة وحيدة وسهلة مع أقرانه الآن وفي المستقبل.
  4. تدهور علاقة الأبناء بالآباء على المدى الطويل: ففي كل مرة يتألم فيها الطفل فإنه يحمل في داخله شيئاً من العناد والمشاعر السلبية نحو آبائه، وهذا يضر بعلاقته بهم، ويجعلهم أبعد عنه؛ فلا يشاركك مشكلاته وحاجاته ورغباته، مما قد يعرضه للخطر.
  5. المشكلات النفسية والعاطفية والعقلية: مثل القلق والاكتئاب ومشاكل تعاطي الممنوعات كالمخدرات، ويعرضهم كذلك لاضطرابات الشخصية ولكثرة النسيان والأعراض الجسدية المرافقة كالصداع المستمر.
animate

لا تقتصر التأثيرات السلبية لعقوبات الأطفال على الضرب والأذية الجسدية فقط، فقد يكون للإهانة أو التهديد أو الصراخ أو التخويف أو التنمر تأثيرً مضاعفاً أحياناً. سنفسر فيما يلي تأثير هذه العقوبات النفسية على الأطفال: [2،3،4]

  1. الخوف من الوالدين: شعور الطفل أنه عرضة للانتهاك والضرب والتعنيف اللفظي يجعله في حالة خوف مستمر من والديه، بالتالي يصبح خائفاً من خوض أي تجاب جديدة أو مختلفة وخائفاً من التعبير عن ذاته، وأيضاً قد يجعله هذا الخوف قادراً على تطوير عالم موازٍ خاص به لا يعرف عنه الأهل شيئاً خصوصاً عندما يصل الطفل لمرحلة المراهقة.
  2. التعامل بعنف وعدوانية مع الآخرين: فيحاول الطفل إسقاط الأذى النفسي والبدني الذي يتعرض له على غيره بنفس الأسلوب الذي يمارسه أبواه معه، مما يعكر علاقته مع أقرانه ويجعله عنيفاً أو متنمراً.
  3. الصفات والألقاب المسيئة تنطبع في العقل الباطن للطفل: فإن نعت الأب طفله مثلاً بأنه غبي، فسيقتنع الطفل بأنه غبي فعلاً وسيتصرف بناء على ذلك، لأن تكرار هذه الصفة على مسامعه يجعل عقله الباطن يصدقه.
  4. تأخر النضج العاطفي مقارنة بالأقران: فهذه الأمور تقف في طريق تطوره العاطفي والنفسي، وتجهله يفتقر للتعاطف مع الآخرين، ولا تؤثر فيه مشاهد العنف ولا تحرك فيه ساكناً.
  5. تغير مفاجئ في السلوك والشخصية: حيث تنعكس العقوبات البدنية على طريقة تعبير الأطفال عن أنفسهم، فقد يتطور لديهم سلوك عدواني أو سمات انطوائية، كما تنعكس العقوبات القاسية على أداء الطفل الدراسي والاجتماعي بشكل واضح.
  6. اضطرابات الصحة النفسية: فلهذا النوع من الإساءة تأثير كبير على الصحة الجسدية والنفسية والعقلية والعاطفية؛ حيث يكون الطفل أكثر عرضة لاضرابات الشخصية واضطرابات الأكل والنوم، وللسمنة والأمراض الناتجة عنها.
  7. الانحراف السلوكي: فالأطفال المعنّفين يمتلكون فرصاً أكبر لتطوير سلوكيات منحرفة مثل اللجوء لإثبات الذات عبر وسائل غير مشروعة والخوض في مغامرات خطيرة وتعاطي الممنوعات.
  8. اعتماد العقاب القاسي مع أبنائهم في المستقبل: فحتى لو لم يكونوا مقتنعين به كأسلوب تربية فإنهم غالباً سيقلدون طريقة آبائهم في التربية ويورثونها لأبنائهم أيضاً، وهكذا نبقى في دائرة مغلقة لا تنتهي من العنف اللفظي والجسدي وغيره.

كما أن للعقوبات الجسدية والنفسية تأثير كبير على الطفل، فإن لها تأثير كبير جداً على الآباء الذين يطبقونها مثل:

  • التسامح مع العقوبات البدنية والنفسية: فقد يستسهل الآباء هذه العقوبات وخصوصاً إن كانوا قد جربوا غيرها ولم تجدِ نفعاً مع الطفل، فتراهم يلجؤون لها فوراً، وقد يتمادون بها في كل مرة.
  • الشعور بالذنب: ففي كثير من الأحياناً عندما يضرب الآباء أطفالهم أو يهينوهم يشعرون هم أنفسهم بالذنب ويندمون على ما فعلوا وخاصة عندما يرون التأثيرات السلبية لهذا بأعينهم وعندما يكرههم أطفالهم ويخافون منهم.
  • خلق مشكلات لم تكن موجودة عند الطفل: كالمشكلات السلوكية بأن يصبح الطفل عنيداً أو أن يتراجع أداءه في المدرسة أو أن يعاني من ضعف الشخصية أو قد يصبح طفلاً متنمراً أو ضحية للتنمر كما قد يصاب بالتأتاأة أثناء الكلام وغيرهم من المشكلات.
  • خسارة الروابط العاطفية: ضعف الروابط بين الأهل وابنهم من الآثار طويلة الأمد للعقوبات البدنية والتي قد لا يلاحظها الأهل بسهولة في البداية، لكن مع تقدم الطفل في العمر وتطور نموه النفسي وشعوره بالاستقلالية، سيجد صعوبة بالحفاظ على الروابط العاطفية معه أبويه.

لا شيء يضاهي حب الآباء لأبنائهم ورغبتهم أن يكونوا الأفضل والأسعد في العالم، ولكن هذا الحب لا يمنعهم عن ضربهم وإيذائهم جسدياً أو نفسياً أو عاطفيا. فلماذا يضرب الآباء أبناءهم؟

  • لأن هذا ما تربوا عليه: فقد يقلد الآباء آباءهم في أسلوب التربية الذي كان يطبق عليهم عندما كانوا أطفالاً بإرادتهم، وقد يقلدون هذا رغماً عنهم لتخزينه في اللاوعي عندهم حتى لو كانوا ضد هذا النوع من العقاب أو التربية.
  • المعتقدات التربوية الخاطئة: معظم الأهل الذين يلجؤون للعقوبات الجسدية يؤمنون أن الطفل الذي لا يتعرض للضرب سيكون طفلاً مدللاً، وهذا غير صحيح؛ فهناك طرق عدة لعقاب وتأديب الطفل والتي لا تسبب له الأضرار مثل هذه الطريقة.
  • لأنهم يعتقدون أنها الطريقة الأفضل في التربية: فقد يكونوا قد جربوا غيرها الكثير من الطرق التي لم تجدِ نفعاً، أو قد يكونوا قد اختاروا هذه الطريقة منذ البداية لأنهم لاحظوا أنها قد أجدت نفعاً مع الطفل.
  • لأنهم يجدون في الإساءة للطفل تنفسياً عن توترهم وإرهاقهم: فعندما يعود الوالدان إلى المنزل منهكين ومستهلكين فإنهم يرتاحون عندما يضربون أطفالهم، مما يجعلهم يستمرون في الضرب أو الإساءة اللفظية أو النفسية أو العاطفية أكثر كأسلوب للتنفيس عما في داخلهم.
  • لأنهم يعانون من اضطرابات نفسية: من أكثر الآباء استخداماً للعقوبات القاسية هم الآباء الذين يعانون من الإرهاق والتوتر المزمن بسبب العمل أو صعوبة ظروف الحياة أو المشكلات المالية أو الأسرية أو الذين يعانون من اضطرابات في الشخصية كالشخصية النرجسية وفقدان السيطرة على الغضب.

قد يعتقد البعض أنه دون العقوبات الجسدية والنفسية المؤذية للطفل فإنه لن يتأدب ولن يتوقف عن السلوكيات غير المرغوبة، إلا أن هذا ليس صحيحاً؛ فهناك العديد من الأساليب التي يمكن للآباء بها معاقبة أطفالهم دون التسبب بإيذائهم جسدياً أو نفسياً، مثل:

  • ارفض سلوك الطفل: أخبر طفلك أنك ترفض سلوكه وأنك غير راضٍ عنه بوضوح مع ذكر أسبابك، سوف يتفهم الطفل ذلك ويتم تعديل سلوكه في كثير من الأحيان. مع التركيز دائماً على رفض السلوك والتعليق على هذا السلوك وليس على شخص الطفل؛ كأن تقول له أنك ترفض تراجعه الدراسي ولا تحب هذا التراجع، وليس لا تحبه هو شخصياً لأنه قد تراجع.
  • الحوار: عندما يحدث خطأ ما فإن الاستجابة الأولى والأفضل للجميع هي الجلوس والتحدث عن ذلك الخطأ وعواقبه؛ فالطفل يحتاج لفهم الموضوع من كل زواياه. وفي كثير من الأحيان يكون التواصل والحوار المفتوح هو كل ما هو مطلوب لتغيير السلوك أو للتأكد من عدم تكراره.
  • التجاهل: ففي كثير من الأحيان يكون تجاهلك للسلوك سبباً في إطفائه، وخاصة إن كان الهدف منه لفت نظرك أو معاندتك. تجاهل السلوك وأكمل النشاط الذي تفعله مع عدم إبداء أي ردة فعل مع الانتباه لحركات الجسد التي قد يلاحظها الطفل، لكن عليك عدم تجاهل السلوكيات المؤذية طبعاً.
  • الفصل والاستبدال: فإن تشاجر أطفالك على لعبة معينة فخذها منهم وأعطهم بدلاً منها لعبة أخرى أقل متعة منها، واشرح لهم سبب ما فعلت، أو خذها ولا تعطهم بدلاً منها شيئاً.
  • التحذير: فحذر الطفل أولاً واذكر له أحياناً نوع العقوبة التي ستتخذها إن كرر سلوكه، فقل له مثلاً أنك ستأخذ منه اللعبة إن تشاجر عليها مع أخيه.
  • الوقت المستقطع: فإن صدر عن طفلك سلوكاً غير مرغوب فخذه واجعله يجلس وحيداً على كرسي بعيداً عن أي مصدر للتسلية لينفرد بنفسه ويفكر بسلوكه لفترة محددة من الزمن تحدد حسب عمر الطفل، ولا تكلمي الطفل في هذا الوقت أبداً واطلبي منه عدم التكلم معك أو مع أحد، ولو تكلم تجاهله تماماً حتى يعتذر منك في النهاية ويعدك بعدم تكرار السلوك. لكن انتبهي أن تختاري مكاناً قريباً منك وتحت عينيك حتى تعيده كلما خرج من الغرفة.

كما ننصح الآباء بالتوسع في موضوع التربية الحديثة وتعديل سلوك الطفل، كما ننصحهم بإيجاد وسائل للتخلص من التوتر، والتوجه للأخصائي الأسري عند مواجهة أي مشكلة.
قد تكون حجة الذين يمارسون العقوبات الجسدية والنفسية مع الأطفال أن استخدامها باعتدال ليس له آثار سلبية، ولكن ليس هناك دليلاً قاطعاً على كلامهم، لذلك فمن الأفضل الابتعاد عن هذه الطريقة في العقاب قطعياً.

المراجع