هل ينسى الطفل التحرش؟ علاج الطفل من ذكريات التحرش
يعتبر التحرش الجنسي حدث مؤلم في حياة من يتعرض له لما يتركه من آثار نفسية خطيرة قد تستغرق وقتاً طويلاً للتخلص منها، ولكن ماذا لو كان الشخص الذي تعرض للتحرش طفلاً، فهل يمكن أن ينسى هذه الحادثة، وهل لها أي تأثير على نفسيته عند الكبر، وكيف يمكن للأهل أن يساعدوا الطفل الذي تعرض لتجربة تحرش بالتخلص من ذكريات هذه الحادثة الأليمة؟ كل هذه التساؤلات سنحاول الإجابة عنها في هذه المقالة.
يتساءل معظم الآباء الذين لديهم طفل تعرض لحادثة تحرش جنسي فيما إذا كان طفلهم سينسى هذه الحادثة أم ستؤثر عليه طوال حياته، وللإجابة على ذلك يحتاج الأمر لفهم عدة عوامل تؤثر على نسيان الطفل للتحرش أو ترسيخ الذكرى السلبية لديه: [1]
- العوامل التي تؤثر على ذاكرة الطفل: يتوقف نسيان الطفل لحادثة التحرش على عدة عوامل منها صلة قرابة الشخص المتحرش بالطفل ومدى وعيه لما يحصل وطبيعة الموقف من حيث التأثير على نفسية الطفل.
- عمر الطفل: عمر الطفل عند التعرض للتحرش يعتبر عامل مؤثر في نسيان الطفل لهذه التجربة أو تذكرها، حيث أنه كلما كان عمر الطفل أصغر عند التعرض لحادثة التحرش كانت احتمالية نسيانها من قبله أسرع.
- تكرار حادثة التحرش: حيث يعتبر تكرار التحرش بالطفل من شخص واحد أو عدة أشخاص من العوامل التي تأثر على ذكريات الطفل عن هذه الحادثة، وكلّما تم إنقاذ الطفل في وقت مبكر ومنع تكرار التحرش، كلما كانت قدرة الطفل على التصالح مع الحادثة أكبر.
- ممارسة العنف مع الطفل عند التحرش: إذا رافق التحرش عنف جسدي على الطفل كان خطر التأثير السلبي على شخصية الطفل أكبر ومن الصعب نسيانه لهذه التجربة بسهولة.
- مرور الطفل بموقف مشابه: قد ينسى الطفل التحرش لفترة طويلة ولكن مروره بموقف مشابه مرة أخرى خلال حياته يمكن أن يؤدي إلى استذكار حادثة التحرش الأولى من جديد.
- طريقة تعامل الأهل مع الموقف: يتوقف مدى قدرة الطفل على نسيان حادثة التحرش على طريقة تعامل الأهل مع الموقف ومع الطفل، وتعتبر محاولة التستر على المتحرش أو عقاب الطفل واتهامه وتعنيفه من الممارسات الخاطئة التي تجعل حادثة التحرش راسخة في ذاكرة الطفل ومرتبطة بحوادث تعنيف أخرى.
قد يؤثر تعرض الطفل لحادثة تحرش أو اعتداء جنسي على شخصيته خلال مراحله العمرية المختلفة وذلك إذا لم يتم علاج المشكلة بالطريقة الصحيحة من قبل الأهل وباستشارة مختص نفسي، حيث يؤثر التحرش الجنسي بالطفل على المدى البعيد ويؤدي إلى: [2]
- الخوف وضعف الشخصية: من الممكن أن يتسبب تعرض الشخص لتجربة تحرش في الطفولة بضعف في شخصيته وعدم الرغبة في الاختلاط بالمجتمع بسبب شعوره بالظلم وعدم الثقة بالأشخاص وخاصة إذا ما وقع التحرش من قبل شخص مقرب.
- النظرة المشوهة للعلاقة الجنسية: قد يتسبب التحرش في الطفولة بحدوث نظرة مشوهة للجنس عند الشخص، مما يتسبب في كره الجنس أو النفور منه وما يرافق ذلك من رفض لفكرة الزواج وخاصة عند الأنثى، كما أنه من الممكن أن يتسبب في انحرافات جنسية لديه وإدمان على المواقع الإباحية والعادة السرية.
- اضطرابات في النوم وكوابيس: يمكن أن يتسبب تعرض الشخص للتحرش في الطفولة بمشاكل في النوم مثل الأرق أو الكوابيس قد تستمر لفترة طويلة من حياته وخاصة إذا كان التحرش قد وقع بصورة متكررة في الصغر.
- العنف والعدوانية: السلوك العدواني من أكثر الآثار التي يتسبب بها التعرض لتجربة تحرش خلال مرحلة الطفولة، وقد يشمل العنف الإيذاء الجسدي تجاه الآخرين أو النفس كذلك العنف الجنسي مع الشريك، أو القيام بالتحرش بالأطفال كرغبة بالانتقام من المجتمع.
- مشاكل في العلاقة الزوجية: يمكن أن يتسبب التعرض لحادثة تحرش في الطفولة إلى مشاكل بعد الزواج لعدم القدرة على ممارسة العلاقة الزوجية والنفور منها بسبب ذكريات التحرش التي تعرض لها أحد الزوجين في طفولته.
يجب على الأبوين الذين تعرض طفلهما لحادثة تحرش أن يتصرفا بطريقة واعية لكي يتخطى طفلهم هذه الحادثة بأقل ضرر وعدم جعلها حدث أليم يرافق حياة الطفل ويعلق في ذاكرته وذلك من خلال: [3]
- تهدئة الطفل: في حال رافق حادثة التحرش خوف وهلع من قبل الطفل ودخوله في حالة صدمة فيجب أولاً تهدئة الطفل وجعله يشعر بأنه في أمان وبأن والديه سيحميانه وأن المتحرش سيعاقب ولن يقترب منه أبداً مرة أخرى.
- إظهار الهدوء والقوة أمام الطفل: حاول أن تكون هادئاً أمام طفلك وتجنب الانهيار وفقدان السيطرة أمام الطفل، فعندما يرى الطفل نوبات بكاء هستيرية أو انهياراً أو غضباً عارماً لن يتمكن من نسيان حادثة التحرش بسهولة، وقد يشعر أنه مصدر للمتاعب والمشاكل أو أن أهله غير قادرين على التعامل مع الموقف وهم أضعف من مواجهة حادثة كهذه، خصوصاً عندما يميل الأهل إلى تحميل الطفل مسؤولية التعرض للتحرش أو التكتم على الحادثة وإجبار الطفل بكتمان الأمر ومتابعة حياته كأن شيئاً لم يكن.
- تجنب إشعاره بالذنب: لوم الطفل على ما حدث معه يخلق داخله صراعاً إضافياً يجعل من حادثة التحرش أكثر تأثيراً، حيث يلجأ الأهل في بعض الحالات إلى اتهام الطفل بعدم سماع التعليمات وتأنيبه على الذهاب إلى مكان معين أو حتى اتهامه بتسهيل التحرش! وجميع هذه السلوكيات الخاطئة تؤدي إلى مضاعفة الضغط النفسي الذي يعاني منه الطفل نتيجة التحرش.
يجب أن يدرك الأهل أن الطفل حتى وإن ذهب مع المتحرش بإرادته فهو ضحية ما دام قاصراً، وهذا ما تنص عليه معظم القوانين في العالم والتي تعتبر الأطفال ضحايا للتحرش الجنسي حتى إن تواجدوا بمكان التحرش بكامل إرادتهم. - احتواء الطفل: يحتاج الطفل بعد التعرض لتجربة التحرش إلى الشعور بالأمان، حاول احتواء طفلك واشعاره بالحب وطمأنته فذلك سوف يساعده في تخطي هذه التجربة ونسيانها لاحقاً.
- توعية الطفل عن التحرش: بعد أن يخرج الطفل من حالة الصدمة الناتجة عن تعرضه للتحرش يجب التحدث معه وتوعيته حول كيفية التصرف في حال التعرض لمواقف مشابهة، وحول المناطق التي يمنع لمسها من قبل أي أحد في جسد الطفل.
- حماية الطفل من احتمال تكرار التحرش: يجب على الأهل تأمين الحماية لطفلهم الذي تعرض للتحرش لتجنب تكرار الحادثة، سواء حمايته من نفس الشخص المتحرش إن كان قريباً من الطفل، أو حمايته من احتمال تكرار الحادثة في أي مكان آخر، مع ذلك يجب أن يحذر الأهل من الحماية المفرطة، وعليهم التفكير بطريقة تجعل الطفل قادراً على مواجهة التحرش من جهة، وبعيداً عن الظروف التي تسهّل وقوعه ضحية للتحرش من جهة أخرى.
- مراقبة سلوك الطفل: يجب مراقبة سلوك الطفل بعد حادثة التحرش به، وذلك لمعرفة فيما إذا كان قد تخطى هذه التجربة السيئة بشكل نهائي أم أنها أثرت عليه نفسياً ويحتاج إلى علاج نفسي.
عدم نسيان الطفل للتحرش الذي تعرض له أمر خطير جداً قد يتسبب بمشاكل كثيرة مثل اضطرابات في النوم والكوابيس ورفض فكرة الزواج والانعزال وضعف الشخصية وعدم الشعور بالأمان، وهنا يأتي دور الأهل لمساعدة الطفل في التخلص من هذه الذكريات قدر الإمكان وعدم تركها تستمر معه في مراحله العمرية اللاحقة، ولمعرفة كيف يمكن أن يساعد الأبوين طفلهم للتخلص من هذه الذكريات نقدم النصائح التالية: [4]
- عقاب المتحرش: يجب أن يسعى الأبوين إلى عقاب المتحرش وجعل الطفل يعلم بذلك العقاب، فهذه خطوة مهمة جداً لعلاج ذكريات التحرش والآثار السلبية الناتجة عنها، حيث سيشعر الطفل بالطمأنينة والأمان وتخطي هذه المرحلة والتعافي منها.
- ملئ فراغ الطفل: حاول ملئ فراغ الطفل وخاصة في الفترة الأولى بعد حادثة التحرش وذلك لمحاولة جعل الطفل ينسى هذه التجربة، يمكن أخذ الطفل في نزهة يومية أو جمعه مع أصدقائه وعدم تركه لوحده خصوصاً خلال هذه الفترة حتى لا يتذكر الحادثة.
- تجنب ذكر حداثة التحرش أمام الطفل: بعد مرور طفلك بتجربة تحرش تجنب ذكر هذه الحادثة أمامه وتذكيره بتفاصيلها فذلك سيعيق نسيان الطفل لهذه التجربة ويرسخها أكثر في ذاكرته.
- إبعاد الطفل عن مكان حادثة التحرش: ينصح بإبعاد الطفل عن المكان الذي حصلت فيه حادثة التحرش، فإذا كان التحرش بالطفل قد حصل في مدرسته مثلاً فينصح بنقل الطفل إلى مدرسة أخرى وذلك لمنع عودة هذه الذكريات من جديد واسترجاع الحادثة.
- تجنب لقاء الطفل بالمتحرش: من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى عودة ذكريات التحرش للطفل هو رؤية المتحرش من جديد، لذلك ينصح بتجنب رؤية الطفل للشخص الذي تحرش فيه خاصة إذا كان من الأقارب فذلك سيساعد في التخلص من هذه الذكريات.
- وضع الطفل في نادي رياضة دفاع عن النفس: يمكن أن يساعد وضع الطفل في نادي لتعلم الفنون القتالية في استعادة ثقته بنفسه والشعور بالقوة والقدرة على الدفاع عن نفسه في حال التعرض لموقف مشابه بالتالي المساعدة في تخطي هذه الذكرى.
- اللجوء إلى اخصائي نفسي: إذا تعرض الطفل للتحرش ورافق هذه الحادثة خوف وهلع من الطفل أو كوابيس أو ذكر الطفل للحادثة كثيراً مع تعابير الخوف والقلق فيجب اللجوء إلى طبيب أو اخصائي نفسي لتخطي ذكرى هذه الحادثة.
في بعض الحالات لا يستطيع الطفل نسيان حادثة التحرش بالرغم من جميع المحاولات التي يقوم بها الأبوين لجعل الطفل يتجاوز تلك الحادثة ويبدأ حياته بشكل طبيعي من جديد، هنا لا بد من استشارة طبيب نفسي مختص لمساعدة الطفل على نسيان هذه التجربة التي مر بها، وهذه أبرز الحالات التي يجب فيها اللجوء لطبيب مختص للمساعدة:
- اضطرابات في النوم: إذا لاحظت أن طفلك يعاني اضطرابات في النوم أو أرق أو كوابيس وذلك حتى بعد مرور وقت على حادثة التحرش، فينصح بعرض الطفل على طبيب نفسي الذي قد يصف له بعض الأدوية المهدئة التي ستساعده في النوم.
- الانحرافات الجنسية: إذا ظهر على طفلك علامات الانحراف الجنسي مثل التحرش بالأطفال الآخرين أو مشاهدة أفلام جنسية وإدمان على العادة السرية، فينصح بعرض الطفل على طبيب نفسي لتقويم الطفل وعلاج سلوكه المنحرف بدلاً من التعامل معه بعنف وزيادة الأمر سوءً.
- تكرار تجربة التحرش: إذا تعرض الطفل لحادثة تحرش جديد فقم مباشرة بعرض الطفل على اخصائي نفسي للتقليل قدر الإمكان من أي آثار نفسية خطيرة يمكن أن يتعرض لها.
- السلوك العدواني: إذا لاحظت تغير في سلوك الطفل وقيامه بتصرفات عدوانية وعنيفة تجاه الأطفال الآخرين أو الأخوة والوالدين وممارسة التنمر عليهم، فغالباً ما يكون الطفل بحاجة إلى علاج نفسي من قبل أخصائي أو طبيب نفسي.
- إيذاء النفس: إذا قام الطفل بمحاولات لإيذاء نفسه مثل القيام بجرح نفسه بآلة حادة أو محاولات انتحار كشرب كمية كبيرة من الأدوية، أو حتى مجرد الإفصاح عن الرغبة بالانتحار، فلا تهمل هذه العلامات واستشر طبيب أو مختص نفسي.