التغيرات الاجتماعية في مرحلة المراهقة
لطالما اعتبرت مرحلة المراهقة فترة مضطربة بدءً من التغيرات على المستويات الهرمونية وما يترتب على ذلك من تغييرات جسدية فضلاً عن التغيرات النفسية والاجتماعية والانفعالية التي تؤثر على البنية النفسية للمراهق وعلى شخصيته بشكل أساسي، وفي مقالتنا هذه سنتناول التغيرات الاجتماعية في مرحلة المراهقة ونذكر مظاهرها وخصائصها والعوامل المؤثرة فيها كما سنذكر المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المراهق وكيفية التعامل معها.
تعرف المراهقة بأنها فترة الانتقال النفسي والاجتماعي من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ وتتميز بتغيرات جذرية في مستويات الهرمونات، كما تتميز بالتطور المستمر للقدرات والسلوك الاجتماعي، فالإنسان يتميز بأنه كائن بيولوجي اجتماعي لا يستطيع العيش أو العمل أو تحقيق احتياجاته بدون بيئة اجتماعية تحقق له هذا النضج، حيث أن البيئة الاجتماعية هي من تستخرج قدرات الانسان وتحفزه وتجعله ناجحاً أو فاشل في حياته. [1]
والنمو الاجتماعي يعني نمو النظام الذي يحكم العلاقات الاجتماعية في مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة، والذي يستمر حتى الوصول للنضج الاجتماعي والذي هو قدرة المراهق على تحقيق الاستقلالية سواء من الناحية المادية أو الانفعالية أو الاجتماعية وقدرته على تحقيق تكيف اجتماعي مرضِ وقدرته على تشكيل أسرة.
وتبدأ مرحلة النمو الاجتماعي بشكلها البسيط منذ الولادة حيث يقوم الطفل بالتفاعل مع المحيط والأشخاص المحيطين به وتستمر بالتطور في فترة المراهقة فتأخذ شكلاً أكثر تعقيداً إلى أن تصل إلى مرحلة النضج الاجتماعي.
وهذا التطور بطبيعة الحال يصحبه تغيرات على المستوى الاجتماعي من حيث طبيعة علاقات المراهق مع الوسط المحيط به وحاجاته من هذا الوسط فالأصدقاء لم يعودا مجرد أشخاص يلهو ويلعب معهم بل أًصبح بحاجة لأصدقاء يتفق معهم في الميول والرغبات والأفكار، والجنس الآخر أصبح في مرحلة المراهقة شيء مختلف يلبي الحاجة العاطفية والرغبة بالاهتمام والإعجاب القائم على الاختلاف الجنسي، حتى ضمن الأسرة فلم تعد الأسرة في مرحلة المراهقة مجرد ملجأ للرعاية وإشباع الحاجات الأساسية فالمراهق أصبح يرغب بالشعور أنه فرد مستقل ضمن هذه الأسرة له أراءه وأفكاره ورغابته التي يريد من باقي أفراد أسرته احترامها وعدم التعامل معه على أنه ما زال طفل.
يعتبر التطور الفكري والنمو الجنسي هما البوابة إلى عالم المراهقة وهذا التطور يفرض على المراهق ضرورة تنمية العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، ويأخذ النمو الاجتماعي عدة مظاهر خلال هذه المرحلة، فيقوم المراهق بـ: [2]
- البحث عن الهوية: يعتبر البحث عن الهوية أحد أهم مظاهر النمو الاجتماعي للمراهق حيث يحاول اكتشاف من هو وما هي القيم والهوية الدينية والجنسية والسياسية والفكرية التي سيتبناها.
- الرغبة بمعاملته كشخص ناضج: إن أهم التغيرات الاجتماعية التي تحدث للمراهق خلال هذه الفترة هي رفض التعامل معه على أنه لا يزال طفلاً، بينما يحاول أن يبني شخصيته للشعور بأنه شخص بالغ ويستطيع اتخاذ القرارات بمفرده دون حاجة لتوجيه الملاحظات والنقد له من قبل أبويه.
- التفكير الأخلاقي: خلال مرحلة الطفولة لا يميز الطفل بين الأفعال المعيبة وغير المعيبة بشكل دقيق وكامل ولا يهتم بذلك بينما تبدأ في مرحلة المراهقة مفهوم القيم والأخلاق والتمييز بين التصرفات الخاطئة والصحيحة أهمية لديه ويكون للأبوين والمجتمع دور كبير في تطوير هذه القيم والأخلاق.
- التأثر بالأقران: يلعب الأقران دوراً كبيراً في تطور النمو الاجتماعي للمراهق، فالمراهق يكون أكثر تأثراً بهم خلال هذه الفترة حيث يشعر المراهق بالأمان عندما يكون متوافقاً مع أقرانه وغير شاذ عنهم.
- تكوين صداقات قوية: يعتبر تكوين الصداقات من أهم مظاهر التطور الاجتماعي وهي تختلف عن صداقة الطفولة من حيث الهدف، فغالباً ما تركز مفاهيم الصداقة لدى الأطفال على الأنشطة المشتركة بينما لدى المراهقين تركز على التفاهم والتبادل العاطفي للأفكار والمشاعر.
- البحث عن تجارب ومغامرات جديدة: غالباً ما يحاول المراهقين البحث عن التجارب والمغامرات المحفوفة بالمخاطر وهذا الأمر طبيعي، حيث يحاول المراهق من خلال ذلك استكشاف حدوده وقدراته.
- مقاومة السلطة: أول سلطة يواجها المراهق هي سلطة الأهل والمدرسة والمجتمع حيث يحاول من خلال هذه المقاومة أن يظهر استقلاله عنهم وأن يؤكد ذاته وأنه لم يعد طفلاً يتلقى الأوامر.
- تبني أفكار معينة: يتبنى الفرد خلال فترة المراهقة بعض الأفكار الدينية أو السياسية أو الأخلاقية أو الجنسية أو الثقافية وربما ينخرط في جماعات تتبنى فكراً معيناً وذلك عند محاولته اكتشاف هويته والبحث عن ذاته وبناء شخصيته، من الممكن أن تكون هذه الأفكار متطرفة في بعض الأحيان أو تعارض قيم المجتمع الذي يعيش فيه وغالباً ما تتبدل هذه الأفكار خلال نمو المراهق ونضجه.
- الميل للتواصل مع أشخاص أكبر سناً: يحاول المراهق التواصل والتقرب من الأشخاص الأكبر سناً فذلك يشعره بأنه أصبح شخص بالغاً وخرج من دائرة الطفولة.
- تغير نظرة المراهق تجاه الجنس الآخر: يبدأ المراهق خلال فترة المراهقة في تغيير الطريقة التي ينظر بها للجنس الآخر والتي كانت موجودة في مرحلة الطفولة، حيث تبدأ مرحلة الانجذاب العاطفي والجنسي للجنس الآخر مع بدء مرحلة المراهقة.
- المسؤولية والاعتماد على الذات: تتميز هذه الفترة بمحاولة المراهق الاعتماد على ذاته بدلاً من الاعتماد على الوالدين والشعور بأنه قادر على تحمل المسؤولية ومحاولة إثبات ذلك للوالدين.
للنمو الاجتماعي خلال فترة المراهقة العديد من الخصائص التي تميزها عن مرحلة الطفولة ومن هذه الخصائص: [3]
- تطور النمو والنضج الاجتماعي: يبدأ النمو الاجتماعي في مرحلة الطفولة، ولكن بشكل بسيط من خلال قيام الطفل بالتفاعل مع الأشخاص الذين يلاعبونهم ثم يبدأ بالتطور في سن المراهقة ويأخذ شكلاً أكثر تعقيداً إلى أن يصل لمرحلة النضج الاجتماعي في نهاية هذه المرحلة.
- تختلف مراحل النمو من شخص لآخر: مرحلة النمو الاجتماعي خلال مرحلة المراهقة تختلف من شخص لآخر وذلك حسب العوامل المؤثرة بهذا النمو كما أن المدة التي يحتاجها كل مراهق للوصول للنضج الاجتماعي أيضاً تختلف حسب الظروف والبيئة التي نشأ فيها.
- يتأثر النمو الاجتماعي بعدة عوامل: خلال فترة المرهقة يتأثر السلوك الاجتماعي بسلوك الجماعة التي تحيط به من أهل وأقارب وأصدقاء بالإضافة إلى التأثير القوي لمواقع التواصل الاجتماعي.
- تتميز فترة النمو الاجتماعي بالتمرد على المجتمع: تتميز فترة النمو الاجتماعي بالتمرد على المجتمع والعادات والتقاليد السائدة وأي شيء يمكن أن يملي عليه ماذا يتصرف وكيف يتصرف، حيث يسعى إلى مقاومة سلطة الأسرة والمدرسة والمجتمع، ويحاول العيش بحرية وتحرر والاستقلال من التبعية.
- مرحلة تتميز بالتناقضات: خلال بحث المراهق عن هويته يعيش تناقضات وصراع بين آراء أسرته وبين آراء من هم في سنه وأقرانه، وبين الرغبة بإرضاء الأبوين والرغبة بالتحرر من القيود، بالإضافة إلى تبني أراء وأفكار متناقضة عند محاولة اكتشاف ذاته.
هناك العديد من العوامل التي تؤثر في النمو الاجتماعي للمراهق سلباً أو إيجاباً ومنها: [4]
- البيئة العائلية: تعتبر البيئة الأسرية من أكثر العوامل التي تؤثر على النمو الاجتماعي للمراهق سلباً أو إيجاباً، فكلما كان الجو العائلي هادئ ويسوده التفاهم كلما كان النمو الاجتماعي للمراهق سليم وكلما كان الجو العائلي متوتر كلما زاد ميل المراهق للانعزال.
- التربية: تؤثر التربية في النمو الاجتماعي للمراهق فالتربية المتشددة تؤدي إلى نشوء شخص ذو شخصية ضعيفة غير قادر على التواصل مع أقرانه أما إذا كانت التربية قائمة على ضوابط مع إعطاء حرية بحدود منطقية للمراهق سيؤدي إلى نشوئه كشخصية اجتماعية منضبطة مع قدرة على التعبير عن نفسه والتحدث بطلاقة وتكوين صداقات.
- الأصدقاء والأقران: خلال فترة المراهقة يتأثر المراهق بأقرانه وأصدقائه أكثر من الوالدين حيث يلعبون دوراً في تكيف المراهق مع المجتمع فيصبح أكثر مسايرة لمعاييرهم بسبب شعوره بأنه يعبر عن نفسه أمامهم دون قيود لأنه يتشابه معهم ويفهمونه ويفهمهم فمشكلاتهم في الغالب متشابهة.
- التجارب والخبرات: إن طريقة تعامل الفرد مع المواقف الاجتماعية وتكوين العلاقات الاجتماعية يعتبر مهارة يكتسبها الفرد خلال مرحلة المراهقة، فكلما عاش المراهق تجارب اجتماعية وتعرض لمواقف أكثر كلما كان نموه الاجتماعي أسرع ووصل لمرحلة النضج الاجتماعي بشكل أبكر.
- التغيرات الهرمونية: قد يؤدي عدم التوازن الهرموني خلال فترة المراهقة إلى جعل المراهق أكثر عدوانية وعصبية مما يجعل نموه الاجتماعي غير مستقر ويصعب عليه الاندماج في المجتمع.
- التكنولوجيا: يؤدي الاستخدام المفرط للتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي إلى عرقلة النمو الاجتماعي للمراهق وتأخر نضجه اجتماعياً بسبب العزلة التي يسببها البقاء لفترة طويلة على الهاتف أو الحاسوب.
لا يستطيع الإنسان العيش وتكوين شخصية قوية بدون وجود بيئة اجتماعية ملائمة، لذلك يجب على الأهل أن يختاروا المواقف والبيئة الاجتماعية المناسبة والتي تلائم طبيعية المراهق وأن يوفروا الأنشطة والأشخاص الجيدين الذين يجب أن يتعاموا مع أطفالهم حتى ينجح المراهق في تحقيق هذا النوع من النضج الاجتماعي الذي يعتبر العامود الفقري لنمو المراهقين بشكل أساسي، ومن الأشياء التي تساعد في دعم التطور الاجتماعي لدى المراهق: [5]
- كن قدوة لابنك: حاول أن تكون نموذجاً وقدوة لابنك أو ابنتك المراهقة في تكوين العلاقات الاجتماعية الإيجابية والحفاظ عليها، حيث سيتعلم المراهق منك أنه يوجد احترام وتعاطف وطرق إيجابية لحل المشكلات الاجتماعية التي قد يتعرض لها خلال نموه الاجتماعي.
- تعرف على أصدقاء ابنك المراهق: حاول التعرف على أصدقاء ابنك المراهق واستقبالهم في المنزل والتعامل بلطف معهم، فذلك سيساعدك في البقاء على تواصل مع علاقات ابنك الاجتماعية ويظهر له أيضاً أنك تقدّر هذه العلاقات ويشعره بثقتك به مما ينعكس على سلوكه وحياته الاجتماعية.
- استمع إلى مشاكل المراهق: حاول الاستماع إلى المراهق والتعرف على المشاكل التي تواجهه اجتماعياً وخاصة إذا ما كان يتعرض إلى التنمر، وذلك لمعالجة هذه المشاكل قبل أن تؤثر على النمو الاجتماعي والنفسي للمراهق وتجعل منه شخصاً منعزلاً وغير قادر على التأقلم مع المجتمع.
- شجع ابنك على التعبير عن نفسه: عندما يحاول المراهق التعبير عن مشاعره أو عواطفه فلا تحاول كبته أو مقاطعته أو السخرية منه، بل دعه يتكلم وشجعه، فهذا سيساعده في تكون شخصيته الاجتماعية ويزيد من ثقته بنفسه ويسهل عليه التفاعل مع المجتمع وتكوين صداقات.
- ابعاد الابناء عن أجواء التوتر والشجارات: يجب على الأبوين أن يتجنبوا الشجارات العائلية أمام المراهق فقد يؤدي نشوء المراهق في مثل هذه البيئة المتوترة إلى التأثير في نموه الاجتماعي وعدم الشعور بالأمان والرغبة في البقاء بعيداً عن الأبوين فيميل المراهق للانطوائية والعزلة.
- التعامل بحكمة مع علاقاتهم العاطفية: تعتبر العلاقة العاطفية جزء من التطور الاجتماعي للمراهق لذلك يجب على الأبوين التعامل بحكمة مع المراهق الذي يدخل في علاقة عاطفية وعدم التعامل مع الموضوع على أنه مزحة بالنسبة للشاب المراهق وجريمة بالنسبة للفتاة المراهقة فذلك سيؤثر سلباً على المراهقين ويجعلهم يدخلون في حيرة تناقض المعايير لدى أهلهم والمجتمع بدون فهم الأسباب.