أسباب عزلة المراهقين والتعامل مع المراهق الانطوائي
عند أخذ الطبيعة الاجتماعية للبشر وأهميتها سيكون من الضروري أن نتساءل؛ ما الذي يجعل بعض المراهقين يميلون للعزلة، وهل العزلة الاجتماعية عند المراهق هي أمرٌ يجب أن تقلق بشأنه كوالد؟ وأخيراً كيف يمكن التعامل مع المراهق الانطوائي وكيفية علاج المراهق الانطوائي، تابع القراءة لتعرف أكثر
قد تكون مرحلة المراهقة من أهم المراحل خلال نمو الشخص، هناك العديد من المصاعب المرافقة لها ولكن بين التقلبات المزاجية الناتجة عن التغيرات الهرمونية ومحاولة التمرد على السلطة واكتساب المزيد من الاستقلالية سيبقى المراهق راغباً في أن يشعر بالقبول والانتماء، سواء كان ذلك بين أفراد العائلة أو بين أوساط أصدقائه فالمراهق يرغب بأن يكون موجوداً بين مجموعةٍ تؤمن له الراحة النفسية.
إذاً عندما يبدأ المراهق بالجنوح نحو العزلة والابتعاد عن الآخرين، ويفضل قضاء وقته وحيداً على أن يكون بين الناس فهذا قد يكون دليلاً على وجود خطبٍ ما، من أجل معرفة المشكلة من الضروري أن تبحث في أسباب العزلة الاجتماعية عند المراهق. عادةً ما تكون أهم هذه الأسباب: [1،2]
- التنمر والإقصاء: قد تكون الرغبة بالقبول والاندماج واحدةً من أعظم الرغبات الداخلية للمراهقين، ولكن العديد من المراهقين يمكن أن يُعانوا من بعض التمييز ضدهم لأسبابٍ مختلفة يمكن أن تتضمن الشكل الخارجي واللون أو شكل الملابس التي يرتدونها أو بسبب الأداء الأكاديمي في المدرسة أو بسبب بعض التصرفات المميزة، التعرض للتنمر والإقصاء من الآخرين يمكن أن يقود إلى إبعاد المراهقين عن العديد من المجموعات الاجتماعية ويجعلهم يفضلون البقاء لوحدهم.
- الاكتئاب والقلق: الاكتئاب والقلق يمكن أن يكونا معضلتين كبيرتين للمراهقين، ويجعل الاكتئاب الشخص يميل للانعزال والابتعاد عن الآخرين ويتجنب الأنشطة التي كان يجد فيها المتعة سابقاً، هناك أسباب متعددة للاكتئاب وخاصة في مرحلة المراهقة ولكنّ أحد الأسباب البارزة لاكتئاب المراهقين هي عدم تقبل الأقران للشخص.
- الإدمان على التكنولوجيا: في هذه الأيام أصبح الكثير من المراهقين يقضون جزءاً كبيراً من أوقاتهم أمام الأجهزة الالكترونية الحديثة، سواء كان المراهق يملأ أوقاته بمشاهدة التلفاز أو تصفح الانترنت أو على شبكات التواصل الاجتماعي أو حتى بممارسة الألعاب الالكترونية فهو يقضي وقته في عالمٍ افتراضي، وجوده في هذه العوالم الافتراضية يجعله تدريجيا يبتعد عن الآخرين ويقلل من التفاعل معهم دون أن يكون هناك أداة الكترونية تُشكل وسيطاً بينهم.
- نقل مكان السكن: يمكن أن يؤدي انتقال العائلة من مكانٍ لآخر في فترة مراهقة الابن إلى معاناة الابن من صعوبات كثيرة، تغيير المدرسة والدخول إلى بيئةٍ جديدة يمكن أن يكون صعباً عليه عندما يكون بعيداً عن أصدقائه القدامى.
- مشاكل مرتبطة بالعلاقات: العزلة الاجتماعية عند المراهق قد تجعل من الصعب عليه أن يتقن بعض المهارات الاجتماعية الضرورية، يمكن أن يجعله ذلك يتصرف بغرابة أمام الآخرين أو يفتقر للقدرة على حل النزاعات مع أقرانه وقد يكون لديه بعض المشاكل في إدارة الغضب مما يجعل أقرانه يخافون منه ويتجنبونه.
- مشاكل مرتبطة بالشكل الجسدي: يمكن أن يُعاني بعض المراهقين من العزلة نتيجة المعاناة من عيوبٍ جسدية معينة، وحتى في حال لم يعاني المراهق من عيوب جسدية حقيقية فقد يشعر بالقلق بسبب نقد غير عقلاني لشكله أو لكونه يمتلك نظرة مبالغ فيها لعيوبه، هذا الأمر يجعله يُعاني من القلق بشأن مظهره الخارجي ويدفعه للابتعاد عن الآخرين.
الوحدة والابتعاد عن الآخرين قد تكون جيدةً لبعض الوقت وفي حالاتٍ محددة، ولكن بعض أشكال العزلة يمكن أن تترك أضراراً فادحة لدى المراهقين، آثار العزلة الاجتماعية لدى المراهقين يمكن أن تنقسم إلى نوعين:
النوع الأول هو الآثار المباشرة والتي تظهر بشكل سريع ويمكن ملاحظتها على الشخص، والنوع الثاني هو الآثار بعيدة المدة والتي تظهر لاحقاً بعد عدة سنوات.
أثار العزلة الاجتماعية عند المراهق على المدى القريب
وفقاً للدراسات فهناك العديد من التأثيرات السلبية والتي تنجم عن الانعزال الاجتماعي، يكون التأثير مباشراً على الصحة وتتضمن أبرز الآثار: [3]
- زيادة القلق ومستويات هرمونات الكورتيزول في الجسم
- يُصبح النوم قلقاً وأقل استقراراً ولا يحصل على الراحة الكافية من النوم
- تزداد مخاطر تفكير الشخص بالانتحار
- يمكن أن يتجه لشرب الكحول أو تعاطي المواد المخدرة
- تزيد من احتمال الإصابة بالاكتئاب أو القلق
- قد تؤدي لسوء العناية الشخصية وإهمال أمور مثل الاستحمام وقص الشعر والتغذية الجيدة
- قد تؤدي لانخفاض النظرة الإيجابية بشكل عام
أثار العزلة الاجتماعية عند المراهق على المدى البعيد
تعرض المراهق للعزلة على المدى الطويل يزيد من تعرضه لمستويات عالية من القلق ويزيد هرمونات الكورتيزول في الدم وبالتالي يُعاني من عددٍ من المخاطر الصحية.
إضافة لذلك فالعزلة الاجتماعية المطولة يمكن أن تؤثر بشكل واضح على نمو وتطور الدماغ لدى المراهق وقد تؤثر بالتالي على المستوى الدراسي للمراهق وتدفعه للانخراط في سلوكيات خطيرة.
على المستوى العائلي؛ تؤثر العزلة الاجتماعية للمراهق على طبيعة العلاقة بينه وبين عائلته كما أنّها تؤثر على علاقاته الاجتماعية في المستقبل فتجعله غير مهتمٍ بالحصول على أصدقاء مثلاً. [4]
الخطوة الأساسية والأهم في تعامل الأهل مع المراهق الانطوائي هي بناء علاقة صحية مع المراهق، العلاقة الصحية بين الأهل والمراهقين تلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على صحة الابن وسعادته وتعزز من قدرتك على مساعدته بشكل كبير.
لكن من الضروري على الوالدين أن يُدركوا أنّ عليهم تحديد جذور المشكلة قبل العمل على إنشاء خطة لمساعدة المراهق الانطوائي على الخروج من عزلته، من أجل تحديد أساس المشكلة يمكن الاستعانة بالمدرسين والاستفسار منهم عن الابن، كما يمكن أن تلعب المدرسة دوراً حيوياً في مساعدة الأهل على التعامل مع المراهق المنطوي. بعض الخطوات التي يمكن أن تُساعدك على التعامل مع المراهق الانطوائي تتضمن [4]:
- تفعيل التواصل والحوار الأسري ومحاولة فهم مشاعر المراهق وأسباب عزلته، ومشاركته في إيجاد الحلول.
- تجنب وسمه بالانطوائي أو الانعزالي، فقد يكون جزء من عزلة المراهق هو إصرار الأهل على وصفه بالانطوائية، والكثير من الصفات السلبية التي يكتسبها المراهق تتكون بسبب إصرار المحيطين به على تحويلها إلى سمة من خلال التركيز اللفظي عليها.
- تشجيعه على الانخراط في النوادي والأنشطة اللاصفية فهذا قد يُساعده على الدخول في أنشطة تثير اهتمامه.
- التخطيط للأنشطة العائلية بحيث تضمن تأمين أنشطة تثير اهتمامه وتحفزه على المشاركة.
- عدم إجبار المراهق على فعل أي شيء فهذا قد يؤدي إلى نتائج عكسية ويقود لتفاقم الوضع.
- تحدث معه واطرح الأسئلة وأظهر اهتمامك بما يدور في حياته، من الضروري أيضاً أن تشجعه وتبرز له دعمك.
علاج المراهق الانطوائي قد لا يتضمن بالضرورة الاستعانة بشخصٍ مختص وخاصةً عندما يتم العلاج في المراحل الأولية قبل أن تتفاقم آثار العزلة على المراهق، يوجد العديد من الطرق والاستراتيجيات التي يمكن أن تُساعد الأهل على علاج المراهق الانطوائي ومساعدته على الانخراط في المزيد من النشاطات والابتعاد عن حالة العزلة، ومن أهم هذه الطرق: [3]
- اصطحابهم لخارج المنزل: الخروج من المنزل وقضاء بعض الوقت في الطبيعة يمكن أن يحمل العديد من الآثار المفيدة على الحالة المزاجية والصحة النفسية، الخروج للطبيعة يقلل من مستويات هرمون الكورتيزول ويُساعد المراهق على الشعور بالراحة.
- تشجيعهم على العمل التطوعي: بينت العديد من الدراسات أنّ مساعدة الآخرين تُحسن من الصحة العقلية بشكل كبير، في هذا العمر الصغير يمكن أن يجد المراهقون الكثير من فرص التطوع ومساعدة الآخرين وفقاً لتفضيلاتهم الشخصية، يمكن أن يعمل المراهق في مساعدة الحيوانات أو مع الأطفال الصغار أو حتى ضمن المراكز الاجتماعية.
- حثهم على ممارسة الرياضة: لممارسة الرياضة أثر كبير على الصحة العقلية والنفسية فهي تحفز إفراز الإندورفينات، ممارسة بعض أنواع الرياضات والتدريب في النوادي الرياضية يمكن أن يكون فرصة مثالية للمراهقين للتعرف على أشخاصٍ جدد وإنشاء صداقات وخاصة في الرياضات التي تتطلب العمل في فريق.
- حمايتهم من التنمر: من أهم الإجراءات التي يجب التفكير بها هي حماية المراهقين من التنمر في المنزل أو في المدرسة أو في أي مكان آخر، وذلك ليس فقط من خلال التدخل المباشر في مواجهة المتنمرين، بل أيضاً من خلال منح المراهق الأدوات اللازمة لمواجهة التنمر وتدريبه على التعامل مع الأشخاص المتنمرين في حياته والتصالح مع المواضيع التي قد تكون سبباً لتعرضه للتنمر.
- فصلهم عن العالم الافتراضي قليلاً: رغم أهمية الالكترونيات في العصر الحالي إلا أنها لا يجب أن تفصلهم عن الواقع، لذلك من المهم أن تجد طريقة لإبعاد المراهقين عن العالم الافتراضي قليلاً، من الممكن مثلاً أن تُحدد وقتاً يمنع خلاله استعمال الانترنت أو أن يكون هناك أوقات معينة يسمح فيها بممارسة الألعاب الالكترونية.
- استشارة متخصص: في بعض الحالات قد تكون الانطوائية عرضاً خطيراً لاضطرابات الشخصية والمشاكل النفسية، وعلى الأهل طلب الاستشارة من المتخصصين لتحليل المشكلة ولإجادة التعامل مع المراهق الانطوائي بالشكل المناسب.
التعامل مع المراهقين المنطوين والمنعزلين يمكن أن يكون صعباً وحساساً، وعند التعامل مع المراهق المنعزل يجب الحرص على اكتساب ثقته والتركيز على الاستماع له ومعرفة ما يدور بباله بدلاً من إلقاء المحاضرات عليه. إضافة لذلك عليك ألا تنسى أنّ هناك احتمالاً بأنّ يكون الوضع قد تفاقم وتطور إلى اكتئاب المراهق، في مثل هذه الحالات الاستعانة بشخصٍ مختص يمكن أن تكون بالغة الأهمية وتُساعد على تحسين صحة المراهق بسرعة.