تربية الرضيع في الشهور الأولى
تأتي مشاعر الفرح والحماس التي تستقبل بها الأم طفلها عند الولادة، مصحوبة بمشاعر أخرى أكثر جدية، وهي مشاعر المسؤولية تجاه هذا الطفل، والخوف والقلق عليه من كل ما يمكن أن يمسه أو يؤذيه، والحيرة حول كيفية تربيته ورعايته بالطريقة المثالية دون تقصير أو مبالغة! لذلك تتساءل العديد من الأمهات حول كيفية تربية الطفل في السنة الأولى من عمره؛ "كيف أربي طفلي الرضيع؟"، "طفلي يبكي كثيراً، هل كثرة بكاء الرضيع تؤثر عليه؟"، "هل يفهم الطفل العقاب؟"، "كيف تتعامل مع حديثي الولادة بطريقة صحيحة؟"، "هل حمل الطفل كثيراً مضر؟".... وغيرها من الأسئلة حول كيفية تربية الرضيع في الشهور الأولى، نجيب عليها في هذا المقال.
لا تتجاهلي طفلك الرضيع ومحاولته التواصل معك ومع العالم!
يكون الأطفال حديثو الولادة على استعداد للتواصل مع الأم والأب والآخرين. لا يمكنهم التحدث بالطبع، ولكن يمكنهم إصدار أصوات وتحريك أذرعهم. تتواصل بعض الأمهات مع الجنين في الرحم من خلال الغناء أو القراءة أو التحدث أو ملامسة البطن. في بعض الثقافات القديمة، تكون الأم مسؤولة عن تشكيل روح الطفل من خلال اتصالات كهذه مع الطفل قبل الولادة وبعدها.
وجد برنامج بحوث (Grazyna Kochanska 2002) أن توجه التجاوب المتبادل بين الطفل والوالدين يقود بمرور الوقت إلى النتائج الأكثر إيجابية، مثل الضمير والسلوك الاجتماعي الإيجابي ومهارات الصداقة.
وتعني الاستجابة المتبادلة هنا أن الوالدين والطفل يؤثران على بعضهما البعض، مما يبني علاقة تعاونية. هذا النوع من الرعاية الذي يعتمد على الرفقة يوفر بيئة مثالية للتطور العاطفي والفكري. يطور الوالدان والطفل معاً بشكل مستمر قصصاً وألعاباً مبتكرة خاصة بهم تستمر في التغير بمرور الوقت.
لماذا تعتبر علاقة الرفقة مهمة بشكل خاص للأطفال؟
السنوات الثلاثة الأولى هي الوقت الذي يتطور فيه لدى الطفل الفهم الضمني (غير الواعي) لكيفية عمل العالم الاجتماعي ويتصل بكيفية عمل الدماغ. من خلال الرعاية سريعة الاستجابة، تتعلم أنظمة الدماغ العمل بشكل جيد وبالتالي تحافظ على الشخص صحياً وقادراً على التواصل الاجتماعي. ويقوم الطفل لاحقاً بتطبيق ما تعلمه خلال سنوات حياته المبكرة على العلاقات (ما لم يتم تغييره بالعلاج أو غيره من التجارب الكبيرة المؤثرة على الدماغ).
في حالة الأطفال الذين يولدون مبكراً أو يختبرون تجارب صعبة أو غير مريحة قبل الولادة أو خلالها أو بعدها، فهم يحتاجون إلى معاملة خاصة من قبل الوالدين، حيث تحتاج الأم إلى إلى استمالة الرضيع برفق وبالتدريج باتجاه علاقة تواصل تبادلية؛ وبالتالي، يجب أن تكون الأم حساسة تجاه إشارات الطفل، وأن تحاول تهدئته دائماً وتحفيزه للتجاوب عندما تشعر أنه جاهز لذلك. قد يكون الغناء والملامسة اللطيفة والكلمات الهامسة المهدئة مفيدة للرضع الأقل قدرة على التواصل. ستجدين هنا دليلاً حول كيفية الحديث مع الطفل الرضيع.
بكاء الرضيع هو طريقته للتعبير عن حاجاته، فلا تتجاهليه!
تخيل أنك تتألم وتطلب المساعدة ويتم تجاهلك. كيف سيكون شعورك تجاه عائلتك؟ الغضب؟ الإحباط؟! هذه المشاعر ستكون أصعب بكثير بالنسبة للطفل! فالطفل لديه أنظمة دماغية سريعة النمو تتعلم أنماط حركتها وتوجهاتها بما يخص الحياة الاجتماعية والأداء الفسيولوجي.
عندما يتعرض الأطفال للتوتر والضغط باستمرار، تخضع أجسادهم لتدريب مستمر على القلق وعدم الثقة في أنفسهم والآخرين.
عندما يبكي الأطفال الصغار، فليس لأنهم يعانون من نوبات غضب أو يحاولون إزعاجك، بل لديهم احتياجات أساسية يحاولون التعبير عنها وإبلاغك بها. وبعض الأطفال يواجهون صعوبة في التوقف عن البكاء فور بدئهم بذلك، لذا، حاولي أن تنتبهي لإشارات طفلك غير اللفظية كي تقرئي احتياجاته قبل أن يبدأ بالبكاء؛ مثل فرك العينين بسبب شعوره بالنعاس، أو أكل اليدين لشعوره بالجوع، أو رفع الركبتين باتجاه بطنه عند شعوره بالمغص.
يحتاج الأطفال الصغار إلى الرضاعة الطبيعية بشكل متكرر، لأن حليب الأم الطبيعي غني بوحدات بناء الجسم. أرضعي طفلك وهو ملتصق بجسدك، احرصي أن يلامس جلده جلدك. وعند الانتهاء احتضنيه وربتي عليه وغني له، لكي يبقى هادئاً، ولا يتحرك كثيراً بعد أن حصل على وجبة دسمة وامتلأ بطنه.
يحتاج الأطفال أيضاً إلى الحركة كثيراً، مما يساعدهم على النمو، ويطور مهاراتهم الحركية والذهنية؛ لذا احرصي على توفير مساحة حركة آمنة لهم.
في الأشهر الأربعة الأولى من الحياة، من المرجح أن يكون الأطفال أكثر هياجاً وانزعاجاً، هذه هي أيضاً الفترة الزمنية التي تحدد مستوى التجاوب بين الطفل والأم، والذي يستمر لسنوات بعد ذلك. انتبهي لتعابير وجه طفلك وإيماءاته عند شعوره بالانزعاج، كي تميزيها في المرة القادمة التي يبدأ فيها بالهياج، فتساعديه على الاسترخاء والشعور بالراحة قبل أن يزداد انزعاجه ويبدأ بالبكاء. [1]
تقول خبيرة رعاية الأطفال بينيلوبي ليتش، أن الأطفال المضغوطين الذين يتركون دائماً للبكاء معرضون لخطر الإصابة بمشاكل في وقت لاحق من الحياة. وتضيف بأن أبحاث الدماغ الحديثة تثبت أن الأطفال الذين يتركون للبكاء لفترات طويلة معرضون لخطر الإصابة بأضرار في أدمغتهم النامية، مما يقلل من قدرتهم على التعلم!
لكن بالطبع هذا لا يعني أن الطفل يجب أن لا يبكي أبداً! على الطرف الآخر، تقول أناستاسيا بيكر، مديرة "Night Nannies"، وهي منظمة تساعد في حل مشاكل النوم عند الأطفال، أنه ليس هناك أي ضرر في ترك الطفل يبكي لبضع دقائق. إذا كان الطفل أكبر من ستة أشهر ويتناول الأطعمة الصلبة، تمت تغذيته وليس هناك سبب يجعله يبكي، يمكن تركه لبضع دقائق، ثم العودة للاطمئنان عليه، ثم تركه لبضع دقائق أخرى. لا يوجد أي ضرر في ذلك ويمكن أن تكون هذه طريقة مفيدة حقاً لجعل الطفل يتعلم النوم من تلقاء نفسه. [2]
إياك ومعاقبة الرضيع أو ضربه أو الصراخ عليه
يضرب بعض الأهل أطفالهم الرضع… نعم هذه حقيقة محزنة جداً ولكنها موجودة على أرض الواقع للأسف! قد يكون العقاب الجسدي بمثابة تنفيس فوري للإحباط والضغط عند الأهل، ولكن، مثل معظم الأعمال العدوانية، يكون له آثار سلبية على المدى البعيد!
تربية الطفل لا تعني العقاب، بل تعني تعليمه السلوك الصحيح والانضباط باستخدام استراتيجيات إيجابية مبنية على التحدث مع الطفل والاستماع له وتوجيهه نحو:
- تعلم فهم مشاعره وإدارتها والتعبير عنها.
- معرفة السلوك المناسب.
- تطوير قدرته على إدارة سلوكه، وتنمية مهاراته الحياتية المختلفة.
تتحقق تربية الطفل السليمة عندما تستند على علاقة محبة ودفء بين الطفل ووالديه، خاصة في حالة الطفل الرضيع الذي لا يميز بين الصحيح والخاطئ ولا يفهم عواقب الأمور، وبالتالي فإن العقاب لا يجدي نفعاً معه، بل يفقده الشعور بالأمان ويؤثر على تطوره العقلي والنفسي وربما الجسدي أيضاً!
يحتاج الأطفال إلى الرعاية القائمة على الحب والأمان والاحتواء والدفء، وإلى تطبيق استراتيجيات تعليمية وتربوية متوازنة وسليمة لتعليمهم اتباع السلوك الصحيح وتجنب السلوك الخاطئ. فمثلاً عندما يشد طفلك البالغ من العمر 6 أشهر شعرك، يمكنك قول "لا" وتمرير يده على شعرك بلطف. ستحتاجين إلى القيام بذلك عدة مرات لأن طفلك قد لا يتذكر من وقت إلى آخر، وسيكرر سلوكه حتى يتعلم البديل. [3]
في عمر 6 أشهر تقريباً، يبدأ الطفل في فهم كلمة "لا" من خلال نبرة صوتك؛ فهي كلمة قوية يمكن أن تمنعه من متابعة مساره نحو موقف خطير. مع ذلك، يحذر العديد من الخبراء من أن استخدام كلمة "لا" بشكل متكرر يمكن أن يقلل من قوتها، وممكن أن يثبط الفضول ورغبة الاستكشاف عند الطفل. لذلك فهم يوصون بتوفير الكلمة لأوقات الخطر أو السلوك العنيف مثل الضرب أو العض. يمكنك استخدام استراتيجية توفير البديل، مثل: "نحن لا نلعب بالقمامة لأنها قذرة. فلنبحث عن لعبة يمكنك اللعب بها بدلاً من ذلك".
ولا يوصي الخبراء بأي نوع من العقاب قبل عمر 18 شهراً إلى سنتين، حتى أبسط نوع من العقاب وهو جلوس الطفل ساكناً على كرسي لفترة معينة، لأن الطفل ليس جاهزاً بعد لفهم العقاب من الناحية التنموية. [4]
تذكري عزيزتي الأم أن الأطفال يتعلمون ماهية الحياة من الطريقة التي تتم معاملتهم بها ومما يمارسونه. آثار عقاب الطفل الرضيع كبيرة ومؤذية جداً، وأهمها: [1]
- يفقد الطفل شعور الأمان والراحة حول والدته (أو الشخص الذي يقوم برعايته وعقابه)، وبالتالي تقل ثقته بها.
- تقل ثقة الطفل بنفسه.
- معاقبة الطفل على رغبته بالاستكشاف، ستقضي على أي دافع محفز لديه للتعلم، مما قد يؤثر على أدائه في المدرسة لاحقاً.
- سيتعلم الطفل قمع اهتماماته أمام والدته، وعدم التعبير عنها، مما سيؤثر على جسر التواصل بينهما.
- أثبتت الدراسات أن عقاب الأطفال بالضرب يزيد من سوء سلوكهم.
- من الناحية الفسيولوجية، يعمل العقاب على تفعيل استجابة التوتر، وهو أمر لا ينصح به في فترة الطفولة المبكرة لما له من آثار سلبية على الطفل على المدى القريب والبعيد.
قدمي الرعاية والاهتمام والرفقة لطفلك ولا تتركيه وحيداً خائفاً!
تخيل أن تُترك فجأة وحيداً في أرض غريبة حيث لا يمكنك التحرك أو الاعتناء بنفسك؛ كيف سيكون شعورك؟ سيكون الأمر مخيفاً بالتأكيد، حتى لو فهمت ما يجري. فكيف إذاً سيكون شعور الطفل الذي لم يفهم شيئاً عن العالم بعد؟
يعتمد بناء الأطفال على رفقة الكبار، فهم بحاجة إلى من يوفر لهم احتياجاتهم حتى يصلوا إلى مرحلة يتمكنون فيها من القيام بذلك بأنفسهم. لا يمكنك تعليم الطفل الاستقلالية من خلال عزله وتركه وحيداً؛ هذه نتيجة خيالية! إذا قمت بعزل الطفل، سيحدث العكس تماماً، سيصبح متطلباً متذمراً، أو هادئاً وممزقاً من الداخل، وفي كلتا الحالتين سيكون منشغلاً بنفسه!
الشعور الشخصي بالضيق يقلل من احتمالية تعاطف الإنسان مع الآخرين، كما أنه إحدى السمات المميزة للأشخاص الذين لا يساعدون الآخرين في أوقات الحاجة. وبالتالي لخلق مجتمع من الأفراد المتمحورين حول ذواتهم، ما عليك سوى تنشئة أطفال يملؤهم الضيق والتوتر والقلق بسبب قلة الرعاية والاهتمام! [1]
احملي طفلك كي يشعر بالاسترخاء والحب والأمان والسلام!
خُلق الأطفال كي يتم حملهم ورعايتهم والاهتمام بهم؛ ويبدأ تطبيق هذه القاعدة من لحظة ولادة الطفل الأولى! لماذا؟ لأن الانطباعات الأولى عنك وعن العالم مهمة جداً للمولود الجديد؛ هل يمكنه الاسترخاء في هذا الوجود؟! عندما تحملينه وتحيطينه بالحب والحنان والدفء والأمان، فأنت تمنحينه الاسترخاء العميق والشعور بالسلام اللذين سيحملهما معه إلى المستقبل. إذا لم يكن لدى الطفل تجربة ثابتة ومنتظمة من الاسترخاء في حضن محب دافئ، فقد لا يتعلم أبداً الاسترخاء والتخلي عن المنغصات. هذه القدرة على التخلي والتحرر أساسية لصحة الإنسان.
عندما يكون الرضيع منفصلاً جسدياً عن الأم (ليس بين ذراعيها)، تكون استجابات الألم نشيطة، وهذا يؤثر على وجود هرمونات منوعة وببتيدات عصبية (neuropeptides) خلال عملية إنشاء أنظمة الجسم، مما قد يؤدي إلى حدوث خلل في عدة أنظمة على المدى الطويل. وأثبتت إحدى التجارب أن فصل الرضيع عن أمه 3 ساعات يومياً تسبب في كمية توتر في الحياة المبكرة للطفل، كافية لتحفيز التأثيرات اللاجينية التي رفعت من مستوى تفاعل التوتر، وتسببت في حدوث عجز في وظيفة الذاكرة في مرحلة البلوغ.
إضافة إلى ذلك، فإن اللمسة المحدودة في الحياة المبكرة تؤدي إلى تخلف مستقبلات السيروتونين والأوكسيتوسين وغيرها من المواد الكيميائية المرتبطة بالسعادة.
يجب أن يشعر الأطفال بالترحيب في أذرع البالغين بعيداً عن الأوقات التي يشعرون فيها بالحاجة إلى الاستكشاف (على الرغم من أن الطفل الصغير الخائف قد يحتاج أحياناً إلى التشجيع للاستكشاف). عندما يرغب الأطفال في الاستكشاف، يجب السماح بذلك قدر الإمكان، من خلال منحهم المساحة الحرة الآمنة التي يحتاجونها. [1]
ختاماً، ذكرنا لك عزيزتي الأم في هذا المقال معلومات ونصائح مهمة حول كيفية تربية الرضيع في الشهور الأولى أو في السنة الأولى من عمره، وعن تأثير كثرة البكاء على الطفل، وكذلك العزلة والعقاب والتجاهل وقلة الحمل والتواصل والاهتمام. في حال كان لديك أية أسئلة أو استفسارات، يمكنك طرح سؤالك أو مشكلتك هنا.
شاهدي في هذا الفيديو القصيرة أهم ما يجب معرفته عن أول 1000 يوم في حياة طفلك لتعزيز معناعته الجسدية والنفسية من خلال خمسة محاور أساسية تشرحها الأخصائية النفسية رزان زمزمي، شاهدي الفيديو من خلال النقر على علامة التشغيل أو من خلال الانتقال إلى حِلّوها tv عبر النقر على هذا الرابط.