كيف ينظر الرجل للصداقة والصداقة بين الرجل والمرأة
الصداقة هي من أهم الأمور في الحياة الاجتماعية؛ فالصديق هو الشخص الذي نرمي عليه همومنا فينشلنا من طيات ضعفنا وألمنا، ويمدنا بالقوة والثقة لنقوى على مواجهتها، كما يشاركنا أجمل اللحظات، ويخبئ لنا أسرارنا الدفينة، ونطور معاً لغة مشتركة لا أحد يتكلمها معنا إلا هو.
كان هذا مفهوم الصداقة المتعارف عليه بشكل عام، لكن هل هو كذلك تماماً عند الرجل، وكيف يختلف عنه عند المرأة. كل هذا وأكثر ستطالعه في هذا المقال.
يتلخص مفهوم الصداقة عند الرجل ببساطة بوجود شخص أو أكثر يلجأ لهم ويلجؤون له باستمرار ليتشاركوا التسلية والمرح للهروب من مشكلات الحياة وحتى من نفسه ومشكلاته وهمومه من خلال اجتماعه بأصدقائه؛ فيشعر معهم وكأنه طفل قد عاد للعب والمرح دون أن يأبه للحياة وما فيها.
فيحتاج الرجل لقضاء وقت نوعي مع أصدقائه باستمرار للاستمتاع معهم بلعب الشدة أو حضور المباريات أو الشواء معاً أو الخروج في رحلات وأداء النشاطات والمهمات معاً.
بالإضافة إلى أن الرجل قد يكتفي بأنماط أقل عمقاً من الصداقة، لأنه عادة لا يشارك صديقه أسراره وقضاياه العاطفية بسهولة كالمرأة.
أمضى عالم النفس التنموي في جامعة نيويورك نيوب واي أكثر من 30 عامًا في إجراء مقابلات مع الأولاد المراهقين حول الذكورة والصداقة، واستنتج أن الأولاد قبل سن المراهقة لديهم عاطفة تجاه علاقاتهم تماماً كالبنات؛ فيتمتعون بمهارات اجتماعية وعاطفية رائعة، ويستمعون إلى بعضهم البعض ويقرؤون مشاعر بعضهم ويتعاطفون ويتشاركون كل شيء، لكنهم في أواخر المراهقة يبدؤون بإخفاء القضايا العاطفية، وتبدأ الصداقة لديهم تتغير شيئاً فشيئاً لتصبح بالطريقة التي يريدها منهم المجتمع، وكما يرونها هم في عالم الرجال. [1]
يشترك الرجل والمرأة بالمفهوم العام للصداقة، حيث يريد كلاهما من صديقه مشاركته في أوقاته الجميلة والحزينة، وحفظ أسراره ودعم، إلا أن هناك اختلاف كبير بين الصداقة عند الرجل والصداقة عند المرأة، النقاط التالية توضح ذلك:
- عمق الصداقة: تريد المرأة الصداقة بمعناها العميق بينما يكتفي الرجل بمواصفات أقل؛ فلا تعتبر المرأة الأخرى صديقة لها إلا إن كانت معها في أوقات فرحها وفرحت لها من قلبها، وكذلك في أوقات ترحها فتقف إلى جانبها، بينما يعتبر الرجل الآخر صديقاً له عند لقائه أكثر من مرة لأداء نشاطات معاً، فهو لا يبحث حرفياً عادةً عن نمط الصديق الملازم له على مدار يومه.
- عدد الأصدقاء: عادة تجد الرجال في مجموعات بينما تجد المرأة مع صديقة واحدة أو عدد محدود جداً من الصديقات الحقيقيات. هذا لأن النساء يهتممن بالمعنى العميق للصداقة، بينما يعتبر الرجل صداقته مع الرجال في مشاركته النشاطات.
- صداقات الرجل جنباً إلى جنب بينما صداقات المرأة وجهاً لوجه: أي أن الصداقة عند الرجل تكون بمشاركته لأصدقائه في أداء المهمات معاً والنشاطات والمغامرات والرحلات والخروجات كحضور مباراة كرة قدم، بينما تفضل المرأة أن تلتقي بصديقاتها وجهاً لوجه لتقضي معهم وقتاً في الحديث والتواصل ومشاركة الأسرار والضحك والبكاء معاً.
- التعبير عن المشاعر والعواطف: فلا يعبر الرجل كثيراً عن مشاعره والقضايا العاطفية لصديقه بينما هذا أمر رئيسي عند المرأة؛ فعندما يجتمع الأصدقاء من الرجال يتحدثون في أمور كثيرة، لكنهم يستمرون عادة في إخفاء مشاعرهم وتفاصيلها وعواطفهم تجاه الناس والاشياء عن بعضهم. لكن النساء يتحدثن مع صديقاتهن عن مشاعرهن تجاه الرجال وتجاه الناس والأشياء.
فيفضل الرجال التحدث في قضاياه العاطفية مع النساء الموثوقات القريبات منه كأمه وأخته وزوجته وصديقته لأنه ببساطة يعتبر أن الرجل لن يساعده في هذه القضايا، كما يعتبر الكثير من الرجال التحدث في هذه الأمور مع رجل آخر ينقص من رجولته ويجعله يبدو بصورة سيئة أمامه. - الأصدقاء في وقت المشكلات: يهرب الرجل من مشكلاته من خلال تواجده مع أصدقائه، ولا يحب الحديث عنها لأنه يحب أن يأخذ استراحة من هذه المشكلات، بينما تلجأ المرأة فوراً لصديقاتها في حال مواجهتها لأي مشكلة وتطلعها عليها لتتعاطف معها وتساعدها في حلها، فتكون الجلسة متمحورة حول هذه المشكلة، كما لا يتحدث الرجل عادة مع صديقه عن مخاوفه بشأن العمل والعائلة والقضايا المالية.
- مراعاة المشاعر: تراعي المرأة مشاعر صديقاتها أكثر من مراعاة الرجل لمشاعر أصدقائه: فترى المرأة تحسب حساباً أكثر عندما تتفوه بكلمة أو تريد أن تمزح مع صديقتها، لكن الصداقة في عالم الرجال مليئة بالسخرية والمزاح.
- استمرار الصداقة بعد الشجار: تستمر الصداقة أحياناً بعد الشجار في عالم الرجال بينما تنقطع غالباً عند النساء، فقد يتشاجر الرجل مع صديقه أكثر من مرة ويعارضه في الرأي على موضوع معين بشكل مستمر، لكن تستمر صداقتهما بعد الشجار في معظم الأحيان؛ فقد يشجع كل منهما فريق في لعبة كرة القدم ويحضرا المباراة معاً ويتشاجرا. بينما تأخذ المرأة موقفاً من صديقتها بعد الشجار وقد تنقطع صداقتهما أو تتراجع في مستواها.
- التأثر بالمسار المهني والموقع الجغرافي: تتأثر علاقات الصداقة بين الرجال بالمسار المهني والمكان الجغرافي بينما تتأثر عند النساء بالتعاطف والتواصل؛ فالرجل يبحث عن صديق يشاركه خروجاته ونشاطاته؛ وعندما يغير عمله أو مكان سكنه فإنه يتعرف على أشخاص جدد ليكونوا أصدقاء له، أو على الأقل يضمهم لشلة أصدقائه إن استمروا بالخروج معاً. بينما تتأثر علاقات الصداقة عند النساء بنوعية التواصل وإمكانية مشاركة الأسرار والتعاطف؛ فالمرأة تحتفظ بالصديقة التي تجد فيها هذه المواصفات بغض النظر عن بعد المسافة بينهما، وخاصة مع تطور وسائل الاتصال، التي تمكنها من الاتصال بصديقتها بالصوت والصورة من أي مكان في العالم. [2]
- الانشغال عن الصداقة: تنشغل النساء عن الصديقات بالزواج والأطفال والمهنة عكس الرجال؛ فتشير الدراسات أن المرأة تفقد صديقاتها في أواخر العشرينات إلى الثلاثينيات؛ وهذه هي الفترة التي تنشغل فيها النساء بالزواج وتربية الأطفال، وكذلك بالنمو المهني إن كن يعملن، ولكنهن يعدن ليكونّ صديقات جديدة أو قد يعدن لصداقاتهن في سن الأربعين تقريبًا.
قبل تسعينيات القرن الماضي افترض الباحثون أن هذا يرجع إلى أن لديهن المزيد من الوقت للصداقة في الأربعينيات من العمر فأصبح أطفالهن مكتفين ذاتيًا، لكن الباحثين الآن يعتبرون أن هذا التركيز في منتصف العمر على الصداقة هو مرحلة من مراحل الحياة؛ فتخطط النساء للفصل التالي من حياتهن ويلجأن إلى الأصدقاء للحصول على التوجيه والتعاطف، في حين يميل الرجال إلى بناء صداقات حتى سن الثلاثين تقريبًا، ولكن غالبًا ما يكون هناك تراجع بعد ذلك.
من بين الأسباب أن صداقاتهم أكثر عرضة للتأثر بالحركات الجغرافية والاختلافات في المسارات الوظيفية كما ذكرنا، ومع ذلك، وجدت الدراسات الحديثة الآن أن الرجال في أواخر الأربعينيات من العمر يتجهون إلى الأصدقاء القدامى.
نحن لا نقول أن الصداقة عند النساء أفضل من الصداقة عند الرجال، لكن النساء على الأقل يبحن لصديقاتهن عما يجول في بالهن ليرتحن، بينما يعتبر المجتمع ذلك محظور على الرجل، ويوجهه في صداقاته نحو عدم الاستماع وعدم التعاطف وعدم المشاركة. لكن لحسن الحظ أن الرجل يستطيع تطوير مهاراته في الصداقة من خلال: [1]
- لا تلم نفسك: فأنت نتاج مجتمع يفرض أمور على الرجل ويتوقعها منه للأسف، لكن ليس من العيب أن تكسر ثقافة المجتمع وتتجه نحو ما تتطلبه إنسانيتك. فالمشاعر ومشاركتها مع الأشخاص الموثوقين، وكذلك التحدث في القضايا العاطفية، وعن الهموم والمشكلات بكل صراحة ليست حكراً على المرأة، ففكر في عدم الرضوخ للأنظمة والمعتقدات التي تخالف طبيعتك الإنسانية.
- اقترب أكثر من الأطفال في حياتك: فالتعامل مع الأطفال والاستماع لهم يطلق الطفل الذي داخلك ويعيدك لطبيعتك الإنسانية التي فطرت عليها، فستتعلم أنه ليس من العيب أن تشارك همومك ومخاوفك أو أن تبكي أو أن تتعاطف وتستمع.
- كن صريحاً مع نفسك أولاً: هناك الكثير من الرجال يتجنبون التواصل مع أنفسهم، ويرفضون اعترافهم بمخاوفهم وعواطفهم، ويعتبرون أن هذا ضعف ومقتصر على النساء فقط، لذلك عليك أن تتصارح مع نفسك أولاً قبل الانفتاح على الآخرين.
- اختر صديقاً واحداً أو اثنين: فبدلاً من أن تشارك أسرارك والأمور التي تخفيها عن الأصدقاء مع مجموعة من الأشخاص الذين تسميهم "أصدقاء"، اختر واحداً أو اثنين منهم ممن تثق بهم وتعرف أنهم لن يخذلوك ولن يطلقوا عليك الأحكام، وشاركهم هذه الأمور.
- اختر المكان الذي تلقاهم فيه بعناية: فإن كنت محتاجاً للحديث والفضفضة فاطلب من صديقك الموثوق أن تجلسا في مكان هادئ دون ن تتابعا فيه مباراة كرة قدم أو تنشغلا عن الحديث، ليركز معك ويستمع إليك بالفعل. تحدثا ثم افعلا ما تريدان من النشاطات التي تريحكما.
نشر مقال بعنوان "الرجل والمرأة لا يستطيعا أن يكونان "أصدقاء فقط" على موقع Scientific American مفاده أنه بحسب الأبحاث والإحصائيات فليس هناك علاقة صداقة أفلاطونية تماماً بين الرجل والمرأة. أو على الأقل من وجهة نظر الرجل.
فأفاد المقال أن الدراسات تشير إلى أن الرجال والنساء لديهم وجهات نظر مختلفة إلى حد كبير حول معنى أن يكونوا "مجرد أصدقاء" وأن هذه الآراء المختلفة قد تؤدي إلى المشاكل. فعلى الرغم من أن المرأة تبدو صادقة في اعتقادها أن الصداقات من الجنس الآخر أفلاطونية ، إلا أن الرجال يبدون غير قادرين على إيقاف رغباتهم الجنسية.
كما يتفق كلا الجنسين بشكل عام على أن الانجذاب بين الأصدقاء الأفلاطونيين سلبي أكثر منه إيجابي، إلا أن احتمالية تمسك الرجال بهذا المبدأ أقل منه بكثير لدى النساء. [3]
وعلى الرغم من هذا إلا أن هناك علاقات صداقة ناجحة بين الرجل والمرأة، كما يرتاح الرجل بمشاركة صديقته همومه ومشاعره ومخاوفه ويبوح لها عما في خاطره بأريحية أكثر، لأنه يعرف أن هذا الأمر مقبول مجتمعياً في عالم النساء ومرفوض في عالم الرجال. فقد يصرح الرجل لصديقته بحبه لزميلته في العمل ويلجأ لها لتكلمها أو لتساعده باختيار هدية لها، ويطلب نصيحتها عما يمكنه أن يفعل ليتقرب من هذه الزميلة. كما قد يطلعها على مخاوفه بشأن وظيفته أو شوقه لوالده المتوفى دون خجل.