تعزيز العطاء والمشاركة في سلوك الطفل
يمنح العطاء المزيد من السعادة أكثر من الأخذ إلا أن ما لا نعرفه وربما يفاجئنا؛ إن قدرة الأطفال على المشاركة تبعث فيهم شعوراً بالسعادة أيضاً، كما ترتبط المشاركة لدى الطفل باللعب ويبدأ حس السخاء لديه في عمر السنة؛ جرب أن تطلب من طفلك إعطاء جزء من طعامه لك أو للعبته حتى، سيستجيب مع ردّ فعل يتسم بالمرح لديه..
إلا أن بعض الأطفال لا يتقنون المشاركة حتى لو كانوا في عمر يسمح لهم بمعرفة أهمية العطاء، حيث يبدو الكرم والسخاء ومشاركة طعامهم أو ألعابهم مفهوماً غريباً عنهم، وهذا ليس مستغرباً وطبيعي لدى معظم الأطفال الصغار، لذلك نقدم لك مجموعة من النصائح التي تساعدك على تنمية حس المشاركة لدى طفلك.. مع نصائح الخبراء وأهم نتائج الدراسات حول هذا الموضوع.
تعليم المشاركة مع النمو الاجتماعي والعاطفي والمعرفي للأطفال
أولاً.. عليك أن تعرف لماذا تريد تنمية حسّ المشاركة والعطاء لدى طفلك، فهل يحرجك مع آباء الأطفال الآخرين؟ أم يسبب لك الإزعاج إذا أراد أن يستحوذ على لعبة أو شيء لنفسه فقط، دون أن يسمح لأخوته بالتشارك معه؟.. حاول أن تعي كل الأسباب التي تدفعك للتركيز على تعليم الطفل تحمل المسؤولية في أن يكون سخياً معطاءً في علاقته مع أقرانه وأشقائه، لذلك حاول تنمية حس المشاركة لدى الطفل بواحدة أو أكثر من الإجراءات التالية؛ وفقاً لما تراه مناسباً لطريقتك في التربية وشخصية طفلك:
1- ابدأ بتعليم الطفل قيم المشاركة في عمر مبكر: منذ اللحظة التي يبدأ فيها الطفل بإدراك وفهم الأشياء؛ علّمه أهمية المشاركة من خلال تمرير الأشياء بينك وبينه مع تكرار قول: "دورك.. الآن دوري" وهكذا، إذ أن تعلم أخذ الأدوار هو الخطوة الأولى في المشاركة.
2- كن القدوة والمثل الأعلى لطفلك: مارس المشاركة في المنزل بشكل ممتع، مثلاً اجلس معه على الأريكة لمشاهدة التلفاز، أو تحدث معه عن أهمية تناوله دوائه أثناء مشاركتكما الطعام الذي يحبه كالآيس كريم (المثلجات).
3- استخدم الألعاب التي لا تقرر الفائز بشخص واحد: لا سيما قبل سن دخول المدرسة للطفل، إن مشاركتك له في ممارسة هذه الألعاب غير التنافسية تنمي لديه روح العمل الجماعي بالتالي المشاركة، مثل: لعبة البحث عن الكنز (حاول أن تخفي هدايا واستخدم الألغاز البسيطة وساعده مع أخوته أو أصدقائه على حلّها للعثور على كنوزهم)، طبعاً هذا لا يعني أن الألعاب التنافسية سيئة، لكن يوصي الخبراء بممارستها وتنميتها بعد سن السادسة ودخول الطفل إلى المدرسة (سنتناول موضوع التنافسية لدى الطفل بشكل موسع في مادة قادمة).
4- يمكنك استخدام المؤقت: بمعنى أن على الطفل إعطاء اللعبة لشريكه في اللعب؛ مجرد أن يدق المنبه وفقاً للوقت الذي حددته أنت، بهذا يجري تبادل الألعاب بينهما مع كل تنبيه من المؤقت، مما ينمّي لدى الأطفال أهمية الالتزام بالمشاركة.
5- المديح الوصفي للطفل عندما يتقن فعلاً تشاركياً: فلا تكتفِ بقول "أنت طفل بطل أو أنتِ طفلة جميلة.... الخ".. يمكنك بدلاً من ذلك أن تقول: "هل رأيت الابتسامة على وجه أخيك عندما أعطيتَه اللعبة؟ كم جعلتَه سعيداً.. هل رأيت؟"... إن هذه العبارات تلفت نظر الطفل إلى الأثر الإيجابي الملموس الذي تركه لدى الآخر.
هل استعداد الطفل للمشاركة سلوك انتقائي؟
متى تلاحظ قدرة طفلك على مشاركة أطفال آخرين في اللعب؟ وهل هو مستعد بشكل دائم لعطاء طعامه أو ألعابه لأقرانه وأشقائه؟ راقب سلوكه وحاول تنمية استعداده وكرمه اتجاه الآخر وفق ظروف اللعب واهتمامات الطفل.. هذا وبحث علماء فيما إذا كان استعداد الطفل للمشاركة؛ انتقائي ويتأثر بمستوى ارتباطهم بمتلقي مشاركتهم، فوجدوا أن الاهتمامات المشتركة تؤثر على الأطفال في عمر بين 4- 6 سنوات، وأن الأطفال أقل عطاء للمشاركين الذين لا يتقاسمون معهم الاهتمامات ذاتها، بالتالي لم تؤدي إلى زيادة المشاركة عن المستوى العادي، كذلك يتشارك الأطفال ضمن المجموعة الواحدة أكثر مما يتشاركون خارج المجموع، حيث سلطت نتائج هذا البحث الضوء على التأثير الواسع للانتماء وتفضيلات الصداقة والعضوية في مجموعة؛ على سلوك مشاركة الأطفال الصغار.
تساهم التشاركية في تنمية روح العمل الجماعي لدى الطفل
يؤدي التعاون لأن يقلل الأطفال من عدم المساواة ويسعون لتحقيق العدالة بينهم من خلال المشاركة، هذا ما وجده باحثون في دراسة لتأثير المشاركة على المساواة بعد التعاون بين الأطفال في الأعمار ما بين 4- 13 سنة، ووجدوا أن التعاون يمكن أن يحفز الرغبة على التضحية بحقوق الملكية بهدف تحقيق العدالة.
تنمية السيطرة السلوكية تعزز السلوك الإيثاري عند الطفل
تحدث باحثون عن أهمية السيطرة السلوكية في السلوك الاجتماعي الإيجابي لدى الطفل وبالتحديد المشاركة؛ خلال مرحلة الطفولة المتوسطة من عمر 6- 9 سنوات.. إذ نادراً ما يشارك الأطفال رغم معرفتهم بأهمية الإنصاف، لذلك وجد الباحثون في هذا الدراسة أن فشل الطفل بالتحكم بسلوكه يفسر ولو بشكل جزئي؛ لماذا تقل قدرة الطفل على المشاركة بسخاء أكبر.
المشاركة تعزز العواطف الإيجابية لدى الطفل وعلى رأسها السعادة
في دراسة حول كيفية تطور الفوائد العاطفية جرّاء مشاركة الأطفال الصغار وما إذا كانت المشاركة تحت الضغط تعزز السعادة أيضاً؛ وجد الباحثون أن العطاء الإيجابي المكلِّف (الملزِم) قد أفاد الأطفال ذوي المزاج الإيجابي، مع ذلك لم يحصل أطفال أخرون على السعادة عند مشاركتهم مع المتلقي بشكل إلزامي، كما تثبت نتائج هذه الدراسة أن فوائد الأطفال العاطفية تعتمد على الدافع الكامن وراء سلوكهم الإيجابي (هل هناك مكافأة لمشاركة اللعبة مع طفل آخر مثلاً)، كما كان جميع الأطفال أكثر سعادة في مرحلة ما بعد المشاركة مقارنة بمرحلة ما قبل المشاركة.
قبل دخوله المدرسة.. يتعلم الطفل الفوائد العاطفية للمشاركة فيزداد سخاءً
في دراسة حول الميل الطبيعي لانخراط الطفل في السلوك الاجتماعي الإيجابي، أثبت الباحثون أن الأطفال قبل سن المدرسة يدركون العلاقة بين الكرم والسعادة... كما أظهرت النتائج أن معدلات انفعال الأطفال تنبئ بسلوكهم اللاحق للمشاركة، إذ توفر هذه النتيجة دليلاً على أن السلوك الاجتماعي الإيجابي قد يكون مرتبطاً بتوقع المشاعر الإيجابية، بالتالي قد تفسر هذه الآلية حالات السخاء المبكر لدى الأطفال قبل سن دخول المدرسة (مما يعني أن طفلك منذ عمر السنة يكون كريماً، لأنه يفهم ردّ فعلك الإيجابي وسعادتك لقبوله مشاركة طعامه معك).
مشاركة الطفل هي شكل من أشكال صنع القرار لديه
عندما تربي لدى الطفل حس المشاركة فأنت تصنع أرضية متينة لقدرة الطفل على صناعة القرار مستقبلاً، لأن الطفل عندما يشارك فهو يعبر عن رأيه ويفرض شخصيته ويتعاون مع أقرانه كما ذكرنا أعلاه، هذا وتحدثت ورقة بحث لتصورات العاملين في رعاية الأطفال؛ حول موضوع المشاركة لدى الطفل واعتبارها جزءً من سماع رأيه، ومدى تأثير هذه النتائج على دراسات مستقبلية، التي نتمنى أن تتم يوماً ما في عالمنا العربي أيضاً، نظراً لأهمية موضوع البحث في بناء شخصية الطفل.
الخلاصة.. تنمية حس البحث وفضول المعرفة لدى الطفل من خلال العطاء والمشاركة ودفعه للتعلم من أقرانه منذ الصغر؛ يعني شحذ قدرته على المحاكمة والقدرة على اتخاذ القرار عند تحمله المسؤولية أمام ما يمتلك بالتالي مشاركته مقابل شعور الطفل بالسعادة وتمتعه بالأثر الإيجابي الذي يتركه لدى الآخر، لا بد أن نذكر أن المشاركة لا تعني أبداً الإيثار في أقصى درجاته أي أن يعتاد الطفل على العطاء دون حدود أو مقابل (ولا نقصد المقابل المادي فقط)، بالتالي قد يفضل بعض الأهالي أن يكون الطفل أنانياً ومحباً للسيطرة لِئلا يتعرض مستقبلا لمواقف حزينة بسبب سخائه، أبداً فالموضوع أبسط من هذه المقارنة لأن المشاركة كما تابعنا معاً؛ تنطوي على تنمية أفضل السلوكيات الإيجابية لدى الطفل.. شاركنا رأيك من خلال التعليقات.. هل تفرض على طفلك وقتاً للمشاركة في اللعب خلال اليوم؟ وهل يكون طفلك سعيداً بالمشاركة دوماً؟