التعصب الرياضي والتعصب الكروي
التعصب الكروي أو التعصب الرياضي وهناك من يُطلق عليه الشغب الكروي، هو مصطلح ظهر مع انتشار الرياضة في العالم وتحديداً كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في العالم، والتعصب الرياضي هو المسبب الأول للشغب في الملاعب والقاعات الرياضية والذي يؤدي عادة لأضرار جسدية ومادية لا يستهان بها.
ولأهمية الموضوع تطلب المدارس والجامعات دائماً من الطلاب والتلاميذ موضوع تعبير عن التعصب الكروي أو تعبير عن التعصب الرياضي عموماً كنوع من التثقيف حول خطورة التعصب الرياضي والمساهمة في حل مشكلة التعصب الرياضي.
التعصب الرياضي موجود لدى جميع الشعوب
التعصب الرياضي ليس حكراً على البلاد العربية فقط بل ينتشر في مختلف بلاد العالم وإن كان بمستويات ودرجات مختلفة وحتى شكل مختلف، فهناك تعصب المشجعين لأنديتهم في إنجلترا وفرنسا والتي تعتبر من الدول المتقدمة.
وقد يصل التعصب إلى مستوى شغب ملاعب ويتخلل هذا الشغب مستويات خطيرة مثل الاعتداء الجسدي والتحرش والتكسير والإضرار بالمحال التجارية حتى أن بعض البلاد سجلت عمليات خطف وقتل لمشجعين ولاعبين على خلفية تعصب رياضي.
المرة الأولى التي ظهر فيها العنف في الرياضة أو كرة القدم غير معروف بدقة ، ولكن يمكن تتبع الظاهرة بالعودة إلى التاريخ القديم الروماني مع ألعاب الأولمبياد.
ونعرف جميعنا أن التعصب الرياضي عند العرب أدى لاشتعال حرب داحس والغبراء قبل البعثة النبوية حين اشتعلت الحرب بين القبيلتين بسبب سباق وقع بين فرسيْن وقد سبق أحدهما الآخر ما أدى لسلسلة معارك طاحنة أودت بحياة الكثيرين باستمرارها مدة أربعين عاماً، إن كان السبب الحقيقي لوقوع الحرب ه أنَّ الفرس الذي سيسبق سيحظى بحماية القوافل.
وفي إنجلترا في القرن الرابع عشر وتحديداً في عام 1314، حظر إدوارد الثاني لعبة شبيهة بكرة القدم حيث كانت تحدث اضطرابات بعد المباريات تؤدي لأعمال عنف.
وقد يحدث الصراع قبل أو أثناء أو بعد المباريات، وغالبًا ما يختار المشاركون المواقع بعيدًا عن الملاعب لتجنب الاعتقال من قبل الشرطة، ولكن يمكن أن يتفجر الصراع أيضًا بشكل عفوي داخل الملعب أو في الشوارع المحيطة، كما أن المشاغبين الذين يدعمون الفريق الوطني قد يستخدمون اسمًا جماعيًا يشير إلى ولائهم.
يأخذ التعصب الرياضي أشكالاً متعددة كما ذكرنا في بداية المقال، أشهرها يحدث في النقاشات والجدالات الرياضية بين الشباب بعد المباريات مثل مدى أحقية فريقهم بالفوز ومن هو الأفضل والجدل حول التحكيم.
وتنطوي خطورة هذه النقاشات الكروية حول تغييب دور العقل والمنطق والحكم بالعواطف مما يشحن الإنسان بطاقة سلبية كبرى دون أن يدري وينعكس ذلك على حياته المجتمعية وعلاقاته مع الآخرين، فيبدأ بالتحول مرة تلو الأخرى لإنسان متعصّب حتى لو لم يكن كذلك في بداية الأمر.
ولكن يحدث العكس في كثير من الأحيان بمعنى أن المشجّع الكروي المتعصب نفسه إنسان متعصّب في كل شيء سواء لمذهبه أو معتقداته أو آرائه أو مواقفه ويكون تعصّبه الكروي ما هو إلا تحصيل حاصل، أي أن طبيعته النفسية متعصبة وتعصبه الرياضي انعكاس لشخصيته.
كل ذلك يبقى تحت نطاق السيطرة فالخوف الأكبر هو تأثير التعصب الرياضي على المجتمع من خلال ترجمته إلى أعمال شغب وعنف في المدينة تؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين فضلاً عن تطوره إلى تعصب مناطقي أو مذهبي أو تعصب وطني إن جاز التعبير، كما حصل في مباريات مصر والجزائر حيث انتقل الخلاف من خلاف كروي إلى خلاف بين شعبين.
وهناك من يتساءل كيف لطبيب أو مهندس أو إنسان متزن أخلاقياً ومثقف ومتعلم أن يشارك في أعمال شغب كروي وينخرط في جماعات الشغب الكروي، وهذا التساؤل يجيب عنه غوستاف لوبون الطبيب والمؤرخ الفرنسي في كتاب سيكولوجية الجماهير بأن الفرد حين ينخرط في الجماعة يستبدل عقله الفردي بالعقل الجمعي، فيفكر بعقلهم ويذوب معهم مثل المركب الكيميائي الذي له صفات معينة كمنفرد لكن يختلف الأمر إذا اندمج مع مركبات أخرى.
فالشخص المنفرد إذا خرج من ملعب مباراة كرة قدم لا يفعل شئ لوحده، لكن وسط جماعة ربما يلجأ لشغب وتحرش ومعاكسات وتصرفات سيئة حتى لو كان بينهم أشخاص جيدين، وينبع ذلك بسبب تغييب العقل والشعور بغياب العقاب والشعور بالانتماء من خلال مشاركة الآخرين تصرفاتهم مهما كانت.
وجد الباحثان بول غاو وجويل روكوود في جامعة ليفربول هوب بدراسة رياضية عام 2008 أن الانخراط في العنف الكروي والتعصب الرياضي يعود إلى عدد من العوامل المتعلقة بالتفاعل العاطفي والهوية والانتماء.
كما أوضحت الدراسة أن العنف في كرة القدم يعكس تعبيرات عن روابط عاطفية قوية لفريق كرة القدم، مما قد يساعد في تعزيز إحساس المؤيدين بالهوية.
ومن الأمور المُسببة للتعصب الكروي هو طبيعة وثقافة المجتمع عموماً، فالتعصب الرياضي انعكاس ومرآة لشخصية المجتمع، فحين استشهدنا بمعركة داحس والغبراء عند العرب قبل أكثر من 1500 عام لم تكن المشكلة الجوهرية والعميقة هي أن خيلاً سبقت خيلاً بل هي طريقة تفكير المجتمع نفسه ونظرته للأمور، فسباق داحس والغبراء أخفى وراءه سباقاً على السلطة بين فرعين من قبيلة واحدة، والسباق في كأس العالم يخفي خلفه أيضاً سباقاً على السمعة ودخول التاريخ بما أن الحصول على كأس العالم يعتبر من الأمور التي تدخل التاريخ الوطني للدول.
ينطوي علاج مشكلة التعصب الرياضي على عدد من العوامل التي تقع على عاتق المجتمع والأسرة ومؤسسات المجتمع مثل المسجد والمدرسة بل وحتى أندية كرة القدم نفسها التي لديها تأثير كبير على مشجعيها وربما هي الأهم من بين كل هؤلاء:
التعامل مع جذور التعصب
محاربة ثقافة التعصب للرأي منذ الطفولة وهي مسئولية بالبداية تقع على عاتق الوالديْن من خلال أسلوب نقاش حضاري وهادئ بعيداً عن الصراخ والشتم والتوبيخ المبالغ فيه، فليس من المنطق أن أصرخ على طفلي بصوتٍ عالٍ ألا يرفع صوته، لأن هذا الأسلوب يُعزز لديه سلوك رفع الصوت دون قصد.
كما يجب نشر ثقافة تقبّل الرأي الآخر في المجتمع واتخاذ الرياضة نموذج لتحقيق ذلك واستغلال ما يحدث بين اللاعبين فوق أرضية الميدان من مصافحة وروح رياضية وأجواء أخلاقية وأن المشجعين يجب أن يقتدوا بهؤلاء اللاعبين الذين يتصافحون بعد كل مباراة.
النظرة الموضوعية إلى الرياضة
يجب أن يتحلى الشخص بالهدوء ويقتنع في نهاية الأمر أنها مجرد لعبة رياضية لن تُسمن ولن تغني من جوع وأن الهدف الأساس من الرياضة هو تهذيب النفس وإراحتها وإبعادها عن الضغوط العصبية والنفسية واعتبار أن الهزيمة والفوز جزء من تقاليد وطقوس الرياضة.
الإعلام السيء يعزز التعصب الرياضي
يجب أن يتحلى الإعلام بالمسئولية الأخلاقية والإنسانية بعدم شحن الأجواء والجماهير وتجييش العواطف قبل وبعد أي مواجهة رياضية، فكثير من هذا الشحن كلّف ضحايا وإصابات وأضرار جسيمة في مختلف دول العالم من بينها البلاد العربية.
نبذ المتعصبين الرياضيين
من طرق السيطرة على التعصب الرياضي أن تتعامل الأندية مع المشجعين المتعصبين والمشاغبين على أنهم أشخاص منبوذون ما لم يتحلوا بالروح الرياضية والأخلاقية بل وفرض عقوبات عليهم مثل منعهم من حضور المباريات وحرمانهم من الامتيازات التي تمنح للجماهير.
وبما أنَّ للأندية تأثير كبير على جمهورها، فيجب استغلال هذا الأمر وإقامة دعوات وحملات يقودها لاعبو الفريق ونجومه الذين لديهم شعبية وتأثير كبيريْن على المشجعين.
أخيراً... التعصب الرياضي لا يقل عمقاً وخطورةً عن التعصب الديني أو التعصب الفكري، وأنواع التعصب والمغالاة في مختلف المجالات دائماً ما جلبت الويلات على الجماعات والشعوب والدول، فلنستمتع بالرياضة التي نحب ولنترك للآخرين حرية اختيار فريقهم أو لاعبهم المفضل، وليكن الخلاف من النوع الذي لا يفسد للود قضية