دعاء القنوت الصحيح كاملاً وشرح أوقات القنوت وفضله
دعاء القنوت هو من أفضل وأجمل الأدعية التي وردت في السنة النبوية الشريفة، لما فيه من خشوع ورجاء وتذلل لله جلّ جلاله، فما هو القنوت؟ وماهي الصيغ الصحيحة لدعاء القنوت؟ وكيف كان رسول الله ﷺ يدعو القنوت ومتى؟ وما ماهي الأخطاء التي يجب تجنبها في دعاء القنوت؟
ما هو القنوت؟ معنى القنوت الطاعة والخشوع والسكوت، والقنوت يكون في صلاة الصبح أو صلاة الوتر بعد العشاء، وذهب بعض أهل العلم أن القنوت في صلاة غير معلومة من الصلوات الخمس، والقنوت هو المذكور قوله تعالى "وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ" سورة البقرة الآية 238، أي خاشعين خاضعين، فالقنوت جاء أيضًا بمعنى طول القيام في الصلاة مع الدعاء والتذلل والخشوع لله تعالى، ومنه ما جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ" صحيح مسلم.
- دعاء القنوت الصحيح كاملاً "اللَّهُمَّ اهدِني فيمن هديتَ وعافِني فيمن عافيتَ وتولَّني فيمن تولَّيتَ وبارِك لي فيما أعطيتَ وقِني شرَّ ما قضيتَ فإنَّكَ تَقضي ولا يُقضى عليكَ وإنَّهُ لا يذلُّ من واليتَ تباركتَ ربَّنا وتعاليتَ" وهو دعاء قنوت الوتر عن الحسن بن علي بن أبي طالب عن أن الرسول ﷺ علّمه هذه الكلمات يقولهن في قنوت الوتر، أخرجه مسلم والبخاري وفي الصحيحين، وهو الدعاء الأكثر شهرةً في القنوت بصلاة الوتر.
- "اللَّهُمَّ إنِّي أَعوذُ برِضاكَ من سَخَطِكَ، وأَعوذُ بمُعافاتِكَ من عُقوبتِكَ، وأَعوذُ بكَ منكَ، لا أُحْصي ثناءً عليكَ، أنتَ كما أَثنَيْتَ على نفْسِكَ". ذكر الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ ﷺ كان يقولُ في آخِرِ وِتْرِه هذا الدعاء، أخرجه أبو داوود، ولهذه الصيغة من دعاء القنوت الصحيح فضل كبير حيث كان رسول الله ﷺ يردده في قنوته لما فيه من إثبات صفتي الرضا والسخط عند الله تعالى والتعوذ بالرضا من السخط، والتوسل بالرحمة من العقوبة.
- "اللهمَّ إنّا نستعينُكَ ونستغفرُكَ ونُثْنِي عليكَ الخيرَ كلَّهُ ونشكرُكَ ولا نَكْفُرُكَ ونخلَعُ ونترُكُ من يفجرُكَ اللهمَّ إيّاكَ نعبُدُ ولكَ نُصلِّي ونسجُدُ وإليكَ نسعى ونَحْفِدُ نرجو رحمتَكَ ونخشى عذابَكَ إنَّ عذابَكَ بالكفارِ مُلْحِقٌ إلا أنَّ الخُزاعيَّ قال ونُثْنِي عليكَ ولا نَكْفُرُكَ ونَخشى عذابَكَ الجِدَّ". وهو دعاء القنوت المأثور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رواه عنه عبد الرحمن بن أبزى أنه كان يدعوه في قنوت الصلاة، ويحمل هذا الدعاء طلب الفرج والمغفرة معاً من الله عز وجل إضافةً إلى الثناء على الله والإخلاص بالعبادة، لهذا السبب يردد هذا الدعاء في النوازل.
يشمل دعاء القنوت الصحيح المأثور عن رسول الله ﷺ على معاني ومطالب عظيمة من الله في الدين والدنيا والآخرة، ودعاء الله بأحب صفاته، وهو خير دعاء في القنوت:
- اللّهُمَّ اهدني فيمن هديت: والهداية في دعاء القنوت تحمل معانٍ كثيرة، فهي الهداية بمعنى التوفيق وهو خاص بالله تعالى، حيث يطلب العبد من ربه أن يهديه في مصالحه في الدنيا والدين والهداية للصواب وما يحبه الله ويرضاه، لقوله تعالى "لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ " البقرة 272، وهي الهداية بمعنى الدلالة والإرشاد فهي تكون لله وأنبيائه ورسله لقوله تعالى "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" الشورى الآية 52. فالدعاء هنا للهداية جميعاً ما كان من الله تعالى دون غيره وما كان من هدي النبوّة أو تسخير الناصحين والدعاة للإرشاد والنصح.
- وعافيني فيمن عافيت: والعافية هي السلام والصلاح فإذا عفاك الله صلح لك دينك ودنياك معاً، وطلب العافية يشمل عافية الدين وعافية الدنيا، عافية البدن وعافية القلب، وإذا عفا الله عن عبده حسنت آخرته وحسنت دنياه.
- وتولني فيمن توليت: الولاية هو طلب التأييد والنصرة من الله عز وجل ولا يملكها العبد إلا بالإيمان والتقوى، حيث قال سبحانه وتعالى في سورة يونس "أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ" الآيتين 62-63. وفي داء "تولني فيمن توليت" أيضاً توسّلٌ لله تعالى بالدخول في رحمته وولايته المجربة المعهودة، واستنصارٌ بالله على كلّ أمرٍ سبحانه وهو خير نصير.
- وبارك لي فيما أعطيت: والبركة هي الزيادة والخير وتشمل العلم والرزق والزواج الصالح والقرب من الله، فعندما يحب الله عبداً أعطاه نعمة وبارك له فيها، ولهذا السبب يجب على المؤمن أن يسأل الله البركة فيما أعطاه وشكره على نعمه، لقوله تعالى "لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" سورة إبراهيم الآية 7، فكل العطاء من الله تعالى ومنه البركة فيما أعطى.
- وقني شر ما قضيت: يطلب العبد من ربه أن يعينه على تحمل القضاء، وفي هذا الجزء من دعاء القنوت إشارتان، أمّا الأولى أن المؤمن يقرّ بقضاء الله تعالى ويسلّم به تسليماً، ويقرّ أن القضاء خيره وشرّه من عند الله وهو حقٌّ "وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ"، وأما الإشارة الثانية فتوسلٌ لله تعالى للصبر على القضاء، ومن هذا القول دعاء مشهورٌ ليس من السنة لكنه مشهور بين الناس فيقولون "اللّهُمَّ إنّي لا أسألكَ ردّ القضاء، لكن أسألكَ اللطف فيه" وقال بعض أهل الفتوى لا ينبغي الدعاء بهذا، والأولى الدعاء بدعاء القنوت الصحيح عن النبي المصطفى ﷺ.
- إنك تقضي ولا يقضى عليك: وهو الإقرار والاعتراف بقدرة الله الكليّة التي لا توازيها ولا تشبهها قدرة، فالله تعالى القادر على كل شيء والحاكم بما شاء ولا مرداً لحكمه وقضائه إلّا بإذنه.
- وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت: فالله جلّ جلاله إذا نصر عبده كان خير نصير، وإذا عادى العبد ربّه عاد عليه عداؤه ذلاً لا كاشف له إلّا رب العالمين، فالله هو النصير الغني عن عباده.
- تباركت ربنا وتعاليت: وهو تعظيم الله وقدرته على تلبية ما يرجو العبد من خيراته التي تعم الأرض والسماء، وتلبية تليق بعظيم جلاله فهو القادر على كل شيء.
شرح دعاء القنوت المختصر
في دعاء القنوت خمس توسلات ومطالب من العبد لله تعالى، وهي الهداية والعافية وتولي الأمر والبركة واللطف في القضاء، وفي صيغة دعاء القنوت إشارةٌ لا يغفلنَّ عنها المؤمن، وهي الثقة بالله تعالى كلّ الثقة، والطلب منه أن يحسبنا فيمن شملتهم رعايته وحلّت عليهم بركته وتولى أمرهم ولطف بهم وهداهم وعافاهم.
اختلف أهل العلم والفتوى في أوقات دعاء القنوت تبعاً لبعض المذاهب، وأفضل أوقات دعاء القنوت:
- بعد الركعة الثانية من صلاة الفجر: يستحب القنوت في صلاة الفجر عند الشافعية، ولا قنوت إلّا في الصبح وفي النوازل، استناداً لما رواه أنس ابن مالك رضي الله عنه: "فأما في الصبحِ فلم يزلْ يقنتُ حتى فارقَ الدنيا" وكان النبي يدعو على قومٍ من الكافرين في كل قنوت صلاة ثم ترك، وواظب ﷺ على قنوت الصبح.
- قنوت الوتر: وذلك في الركعة الأخيرة من صلاة الوتر، وصلاة الوتر هي نافلة بعد صلاة العشاء حتى صلاة الفجر، ووقت القنوت في الوتر عليه إجماع أهل السُّنَّة، وقال علقمة بن قيس أنَّ ابنَ مسعودٍ وأصحابَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانوا يَقنُتونَ في الوترِ قبلَ الرُّكوعِ.
- عند النوازل في كل صلاة: وهو ما يتفق عليه جمهور العلماء وجوب القنوت في كل صلاة في وقت النوازل، والنوازل هي الشدة التي قد يتعرض لها العبد أو الأمة، وفيها يشرّع القنوت في كل صلاة.
- القنوت قبل الركوع: في المذهب الحنفي والمالكي يتوجب القنت قبل الركوع، لقول علقمة بن قيس أنه رأى الرسول ﷺ وأصحابه يقنطون قبل ركوعهم.
- القنوت بعد الركوع: يقول الشافعية والحنابلة أن القنوت يكون بعد الركوع الأخير من الصلاة، وذلك استناداً لما قال أبي عثمان النهدي عن عمر: "أنه كان يقنت بعد الركوع"، وأن رسول الله ﷺ قنت بعد الركوع، رواه مسلم عن أبي هريرة وأنس.
التضرع والتوسل لله عز وجل: لما ورد في دعاء القنوت من توسل لله تعالى من طلب الهداية والعافية في الدنيا والآخرة.
- يحمي من النوازل: كان دعاء القنوت دعاءَ الرسول ﷺ في النوازل، وهو من الأدعية الواجبة في النوازل التي تنزل بالأمّة جميعها، وكذلك في النوازل الفردية حيث يطلب العبد في قنوته من ربه والعافية ليست فقط من الحالات المرضية وأيضاً من الوقوع في الفواحش والجهل، ولهذا السبب يحمي دعاء القنوت العبد من نوازل الدنيا.
- الاعتراف بقدرة الله عز وجل: يحمل دعاء القنوت الكثير من صفات الله عز وجل الذي يحب أن ندعوه بها، والاعتراف بقدرته العظيمة في صون المسلم وتحصينه.
- التأكيد على أن العبد يُعَزُّ باقترابه من الله تعالى: يقترب العبد من ربه بالدعاء والخشوع ومن يجعل الله نصيره يعز في الدنيا والآخرة وخاصة عباده المؤمنين.
- رفع الكرب والمصائب: حيث يهدف هذا الدعاء إلى طلب الله رفع البلاء عن عبده واستجابة الله خاصة في حال الخشوع والتضرع الخالص لقدرة الله عز وجل.
- رفع الصوت عند الدعاء في القنوت: قال الله تعالى "ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" سورة الأعراف 55، يذهب الصوت المرتفع في الدعاء الخشوع كما يعتبر مخالفة للسنة حيث قال رسول الله ﷺ "ارْبَعُوا على أنفُسِكم؛ إنَّكم لا تَدْعونَ أصمَّ ولا غائبًا، إنَّكُم تدعونَ سميعًا بصيرًا" رواه مسلم. كما أنّ من معاني القنوت السكوت والخشوع.
- التلحين والغناء والابتهال: قد يلجأ البعض عند دعاء القنوت إلى الافراط في التلحين والتنغيم، ما يجعل ذهن الناس يتأثر بالإيقاع أكثر من الدعاء نفسه، وهذا يفقد الدعاء أهم أركانه وهو الخشوع والتضرع.
- ذكر أدعية غير صحيحة: يجب الالتزام بدعاء القنوت الصحيح المنصوص عنه في السنة النبوية الشريفة والابتعاد عن النصوص المشكوك بصحتها عن رسول الله ﷺ، وتجنب اختراع الأدعية عند القنوت مثل تضمين الاستعاذة بالله من عذاب القبر وعذاب يوم القيامة.
- التكلف والمبالغة في الدعاء: من آداب الدعاء عدم التكلف في السجع، والتكلف في الدعاء يقلل من الخشوع في القنوت وهو أمر مكروه في الدعاء، روي عن رسول الله ﷺ أنه كان يدعو الله بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق.
- تجنب الإطالة في الدعاء: قد يتبع بعض الأئمة دعاء القنوت أطول من الصلاة، وهذا على خلاف ما كان عليه رسول الله ﷺ، فمنهم من يجعل الدعاء في القنوت موعظة وترهيب بالإضافة إلى الإطالة بشكل يشق على الكثير من المصلين.