دعاء الرسول في الطائف مع الشرح
قد واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال رحلته إلى الطائف مكر وأذى من أهلها مما جعله يلجأ إلى ربه بالدعاء لنصرته عليهم، سنتعرف في هذا المقال إلى دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما اشتد الكرب عليه في الطائف، قصة هذا الدعاء وهل يصحّ حديث ودعاء "اللَّهُمَّ إليك أشكو ضَعْفَ قوَّتي"؟.
"اللَّهُمَّ إليك أشكو ضَعْفَ قوَّتي وقلةَ حيلتي وهواني على الناسِ، يا أرحَمَ الراحمِينَ، أنت رَبُّ المستضعَفِينَ، وأنت ربِّي، إلى مَن تَكِلُني! إلى بعيدٍ يَتجهَّمُني أو إلى عدوٍّ ملَّكْتَهُ أمري، إن لم يكُنْ بك غضَبٌ عليَّ فلا أُبالي، غيرَ أن عافيتَك هي أوسَعُ لي، أعُوذُ بنورِ وجهِك الذي أشرَقتْ له الظُّلماتُ، وصلَح عليه أمرُ الدُّنيا والآخرةِ، أن يَحِلَّ عليَّ غضَبُك، أو أن يَنزِلَ بي سخَطُك، لك العُتْبى حتى ترضى، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بك".
رواه عبد الله بن جعفر ورواه محمد بن كعب القرظي وأورده الطبري وضعّفه الألباني. [1]
ترتبط قصة دعاء الطائف (اللَّهُمَّ إليك أشكو ضَعْفَ قوَّتي وقلةَ حيلتي وهواني على الناسِ) بانتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة بعد وفاة عمّه أبو طالب إلى الطائف، حيث تعرّض صلى الله عليه وسلم للأذى من أهل الطائف، فتوجّه إلى بستانٍ ودعا بهذا الدعاء بعد ما تلقاه من أذى أهل الطائف هو وصاحبه زيد بن حارثة رضي الله عنه، وكان هذا في شهر شوال من السنة العاشرة للبعثة.
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل الطائف عشرة أيام، وكان معه زيد بن حارثة رضي الله عنه، فتعرّض للتكذيب والاستهزاء وتحريض الناس عليه، وعندما حاول رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج من المدينة بصحبة زيد بن حارثة أوقف سادة المدينة الصبيان في صفّين وبدأوا برجم الرسول الكريم بالحجارة حتى أصابوه في رأسه، وما كان يمشي إلّا على الحجارة التي يرمون حتّى نزفت قدماه، وأصيب رفيقه زيد بن حارثة إذ حاول الصدّ عنه.
فلجأ النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى بستانٍ وجلس فيه وراح يدعو الله بهذا الدعاء، مستذكراً عذابات أهله وأصحابه في مكّة أيضاً. [2]
- اللَّهُمَّ إليكَ أشكو: لمن يشكو النبي صلى الله عليه وسلّم إلّا لله الواحد الأحد، وقد علّمنا صلى الله عليه وسلم أن العبد مهما علا شأنه يلجأ إلى ربه في وقت ضعفه وضيقه شاكياً عجزه وقلّة حيلته، فلا شكوى لأحد غير الله.
- ضعفَ قوَّتي وقلَّة حيلتي وهَواني على النَّاسِ: يناجي الرسول صلّى الله عليه وسلّم ربه ويشكو إليه ما يلقاه من العذاب والتنكيل من الكفّار، فقد ضعفت قوّة بدنه وليس له قوّة إلّا بالله، وقد هان على الناس في الطائف، فاستعان بالله الذي هو القوّي العزيز المُعزِّ.
- يا أرحمَ الرَّاحمين: وهو رجاء الله بأحد أسمائه الحسنة بأن يشمله في رحمته التي وسعت كل شيء.
- أنتَ ربُّ المستضعفين وأنتَ ربّي: أنك أنت ربي الذي وكّلته أمري في وقت ضعفي فيسّر لي وقوِّني بقوّتك فلا ملجأ لي سواك، وأنت خير نصيرٍ للضعفاء والمظلومين.
- إلى من تكلني إلى بعيدٍ يتجهمني أم إلى عدو وكلته أمري: وهذا ليس عتاباً من النبي صلى الله عليه وسلم حاشا لله، وإنّما تذللٌ وطلبٌ للنصرة والمدد، واستغناء بالله تعالى عن الناس كلّهم.
- إنْ لم يكن لكَ عليَّ غضبٌ فلا أبالي: وفسّر بعض أهل العلم هذا القول أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يخاف تنكيل الناس به بل يخشى أن يكون ما يتعرض له من غضب الله عليه فيقول في دعائه: "إن لم يكن ذلك من غضبك فلا أبالي به"، وقال آخرون بل يجدد الرسول الكريم العهد مع الله تعالى ويطلب رضاه مستخفّاً بكل ما يتعرض له من عذاب فيقول: "إن كنتَ يا ربّي راضٍ عني فلا أبالي".
- غيرَ أن عافيتَك هي أوسَعُ لي: يدعو الرسول صلّى الله عليه وسلّم الله تعالى أن يحفظه من الابتلاء ويعافه من الأسقام ويوسّع عليه أمره ويفكّ كربه.
- أعُوذُ بنورِ وجهِك الذي أشرَقتْ له الظُّلماتُ، وصلَح عليه أمرُ الدُّنيا والآخرةِ، أن يَحِلَّ عليَّ غضَبُك، أو أن يَنزِلَ بي سخَطُك: وهنا يستعيذ النبي صلّى الله عليه وسلّم بالله تعالى من غضبه، ويستعيذ بنوره من الظلم والظلام، وهو ما يكمل قوله: إنْ لم يكن لكَ عليَّ غضبٌ فلا أبالي.
- لك العُتْبى حتى ترضى ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بك: يقول صلّى الله عليه وسلّم جئت طالباً رضاك حتى ترضى، أنت رب الناس العظيم وأنت المستعان فلا قوة لي من دونك.
هل يصح دعاء (اللَّهُمَّ إليك أشكو ضَعْفَ قوَّتي وقلةَ حيلتي) عن النبي صلّى الله عليه وسلّم؟
يعتبر دعاء (اللَّهُمَّ إليك أشكو ضَعْفَ قوَّتي وقلةَ حيلتي) والمعروف بدعاء النبي في الطائف من الأحاديث الضعيفة، ولم يثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا القول، ضعّفه أهل العلم من جهة إسناده بسبب تدليس محمّد ابن إسحاق، ورواه الطبراني وابن عساكر وغيرهم، واستشهد به ابن تيمية وابن القيّم وسابقون عليهم من العلماء لأن ضعف إسناده يسير.
وقد أجاز أهل العلم الدعاء بدعاء الطائف (اللَّهُمَّ إليك أشكو ضَعْفَ قوَّتي وقلةَ حيلتي) والاستئناس به والاستشهاد به، دون أن يصح إسناده أو يثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. [3]
- الاعتراف بعجز الإنسان مهما علا شأنه: لهذا الدعاء فضل عظيم لما فيه من اعتراف العبد بضعفه وحاجته الى الله سبحانه وتعالى مهما كانت مكانته، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو خير الناس يلجأ إلّا الله في كربه وضعفه.
- الاعتراف بقدرة الله تعالى وحاجة العبد إليه: من فضل دعاء النبيّ بالطائف أنه يعلّمنا أن الله وحده القادر على دفع الأذى وظلم الناس وفكّ الكرب، فإذا هان المرء في أهله وقومه، واشتدّ عليه أمره، لا ملجأ له إلّا الدعاء لله تعالى.
- الإيمان بنصرة الله للضعفاء: حيث أن في دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله "يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين" استعاذة من شرّ وأذى وتحكّم الناس، وإيمانٌ بأن الله ينصر عباده الضعفاء ويجبر انكسارهم.
- الخوف من الله وحده وطلب رضاه: يعلّمنا النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذا الدعاء أن الخشية لا تكون إلّا من الله وحده، ومهما اشتدّ الكرب على الإنسان فإن أقصى ما يجب أن يخافه أن يكون كربه غضباً من الله، وأولى ما يفعله أن يطلب الرحمة ويستجير بالله من غضب الله جلّ جلاله.
- الاستغناء بالله عن سواه: ففي هذا الدعاء "لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك" يطلب العبد من ربه ألا يترك أمره بيد أحد من عباده، ويستغني بنصرة الله عمّن سواه، وهو خير نصير.
- عند للكرب الشديد: يمكن للمسلم الدعاء بهذا الدعاء عندما يشتد عليه الكرب طالباً من الله عز وجل أن يهون عليه ويعطيه من رحمته ما يقويه على الصبر.
- عند تحكم الأقوياء: ففي هذا الدعاء رجاء لله تعالى بتخليصه من ظلم الأشخاص الذين لا يقوى على مواجهتهم وعدم حاجته لغيره من العباد الذين تحت سيطرته.
- عند استعصاء الأمر على العبد: قد تواجه المسلم الكثير من العقبات التي تجعله يقف عاجزاً فيلجأ إلى ربه مناجياً إياه وطالباً منه المغفرة والقوة لتيسير هذه العقبات.
- الشعور بالحزن والضيق: عندما يشعر العبد بضيق وحزن ليس له غير الله وفي هذا الدعاء فضل كبير لرفع الحزن عن العبد لما فيه من اعتراف بقوة الله عز وجل وقدرته على رحمة عباده المستضعفين.
- شعور العبد بحاجته إلى قوة لمواجهة أمر ما: فإن ضعف العبد أمام ربه ووقوفه بين يده مناجياً إياه يجعل العبد ذو منزلة عند الله فيكون هو من ينصره على من عاداه ويعزه في الدنيا والآخرة.