الغيرة عند الطفل وأساليب التعامل معها
تعتبر الغيرة من أبرز الأحاسيس الداخلية المعقدة التي تنتاب الطفل، فقد تؤدي بالطفل إلى اقتراف أي نوع من السلوكات الخطيرة في حق أخيه أو زميله دون إدراكه التام بمعنى بمخلفاتها، إذ يحاول في تلك الفترة التخلص من تلك الأحاسيس التي تنتابه وتسيطر عليه ليحقق الراحة الداخلية، الأمر الذي يقف أمامه الوالدين عاجزين على التحكم في سلوك أطفالهم وإكسابهم مهارات ايجابية بدلا من الآثار السلبية التي خلفتها هذه الأحاسيس، إضافة إلى عدم إدراكهما أن لهما الدور الأساسي في نشوء مشاعر الغيرة لدى طفلهما، هذا ما سنتطرق إليه في هذا المقال.
يحتوى مفهوم الغيرة على مصطلحات جد معقدة نتيجة إلى الميزة التي تميز الطفل الغيور حيث تحمل العديد من المشاعر المتناقضة التي لا يستطيع التحكم فيها أو التصريح بها، فقد عرفها حمزة الجبالي (2006) على أنها: "حالة انفعالية يشعر بها الفرد، ولها مظاهر خارجية يمكن الاستدلال منها أحيانا على الشعور الداخلي".
ويصفها فهيم كلير (1993) على أنها إحدى المشاعر طبيعية التي عند الإنسان كالحب والألم، ويجب على الأسرة تقبلها كصفة واقعية من جهة وعدم السماح لها بنموها، إذ أن التقليل منها يفيد الطفل ويحفزه على التفوق، وكثرتها تسبب أضرار على مستوى الشخصية.
وفي نفس السياق يشير كل من كاملة شعبان، وعبد الجبار تيم (1999) أن الغيرة تعبر عن استجابة انفعالية وهي مزيج من الغضب والخوف معا، وهي مزيج غريب من الانفعالات المختلفة يرفض الفرد الاعتراف بها ويحاول إخفاءها لأنها تزيد من شعوره بالمهانة والتقصير.
لا يمكن تحديد سن معين لظهور الغيرة أو مظهر معين نتيجة للاختلافات في الاستجابة لكل طفل الأمر الذي أكد عليه حمزة الجبالي (2006) أنه لا يمكن لنا تحديد مظاهر محددة للغيرة نتيجة إلى تعقد هذا السلوك فمنها ما يتميز بالضرب أو السب أو الهجاء، أو التشهير أو النقد أو المضايقة أو الثورة أو العصيان ومنها ما يظهر على شكل الميل إلى الصمت أو التهجم أو الابتعاد أو الانزواء أو الإضراب عن الطعام أو فقد الشهية أو الإحساس بالخجل وشدة الحساسية، ويضيف على ذلك المظاهر الجسمانية كنقص الوزن والصداع والشعور بالتعب وقد تظهر أيضا على شكل تبول اللاإرادي .
تتعدد وتنوع الأسباب التي تؤدي إلى الغيرة عند الطفل ولعل أهمها:
- فقدان الثقة بالنفس والشعور بالنقص: إن ضعف الثقة بين الطفل والأولياء يشكل أحد أهم العوامل التي تسهم في نشوء الغيرة، الأمر الذي أكد عليه حاتم محمد آدم (2003) حيث يرى أن إحساس الطفل بالنقص وعدم إمكانية التغلب عليه يعتبر من أشد أنواع الغيرة.
- التفريق في المعاملة بين البناء: إن تفريق في المعاملة بين الإخوة وتفضيل واحد عن الثاني يولد الحقد والكراهية بينهم، كما وقد يشعر الطفل من الغيرة حتى من الأب نتيجة لاعتناء الأم الزائد بالأب وإعطائه الأفضلية في بعض الأمور.
- فقدان المكان الذي شغله الطفل: فقدان ما كان يحصل عليه الطفل ليحصل عليه آخر كولادة طفل جديد
تظهر الغيرة عند الطفل في السنوات الخمس الأولى وعن طريق التنشيط المقصود من الكبار المهيمنين عليهم، هذا ما ركز عليه حمزة الجبالي (2006) الذي صرح أن الغيرة لدى الطفل تظهر عند الاستثارة من طرف الغير.
فمثلا عند ولادة الأم لمولود جديد تبدأ الأم بالاعتناء بالطفل الصغيرة والاهتمام به بعدما كان جل اهتمامها على طفلها الأكبر فقد لا تلاحظ الأم ذلك نتيجة إلى انهماكها في تربية والاعتناء بالطفل الصغيرة نتيجة إلى حاجاته للأكل وغيرها ولكن الطفل لا يعي ذلك ويبدأ بالإحساس بالغيرة نتيجة لإحساسه أن مكانته اهتزت بعد الولادة وأن الطفل الصغير قد أخذ مكانته.
ويضيف عبد الباري داود (2004) أنها تنشأ نتيجة لفقدان ما كان يحصل عليه الطفل أو جزء منه ليحصل عليه آخر، أو عدم المساواة في المعاملة من قبل الوالدين، أو إعطاء الامتيازات على الطفل العليل فيغير الأصحاء، أو إحداث فوارق في طريقة التعامل بين الإناث والذكور فيفضلون الذكر عن الأنثى الأمر الذي يسهم في نشوء الغيرة من أخيها .
من بين أنواع الغيرة عند الطفل نذكر:
- الغيرة من المولود: وتكون الغيرة في هذه الحالة منحصرة على الطفل الصغير الذي يعد السبب المباشر لإحساسه بالغيرة، حيث يرى أن الطفل الصغير يحض بالاهتمام والرعاية الزائدة التي كان يحض بها وفقدها بعد قدومه.
- الغيرة بسبب المقارنة أو الموازنة: يظهر هذا النوع من الغيرة عند مقارنة بعض نواحي الشخصية التي يتمتع بالطفل مع شخص آخر كالأخ أو الصديق كالفروق في الذكاء أو النواحي المزاجية، فقد يلجأ الوالدين لمثل هذه المقارنات ضنا منهم أنها الطريقة المناسبة من أجل تحفيز الطفل على التقدم أو تعديل بعض السلوكات، متجاهلين أنها تؤدي بطريقة مباشرة غلى نشوب الغيرة لديه.
- الغيرة عند الطفل الوحيد: إن الطفل الوحيد في الأسرة يحضى بمعاملة خاصة تشعره بالأنانية وحب امتلاك أي شيء يرغب في الحصول عليه والوحدة التي يعيشها قد تؤدي إلى إحساسه بالغيرة خصوصا إذا كان لديه أصدقاء لديهم إخوة يلعبون معه، لتجده دائما يقول لأمه : "لماذا لا يوجد لدي أخ فصديقي فلان عند أخوه يلعب معه ؟.
للحد من الغيرة عند الطفل يجب على الوالدين الاعتماد على النقاط التالية:
- التمهيد بقدوم طفل جديد : وذلك لجعل الطفل ينتظر هذا المولود بسرور وسعادة خصوصا عندما تبني الأم تصورات ايجابية عن المولود كأن تقول سأنجب لك أخا يشاركك اللعب ويساعدك على انجاز مهام والذهاب معك إلى المدرسة ... إلخ
- عدم تغيير طرية التعامل مع ولادة الطفل: على الأم الحرص على عدم تغيير طريقة تعاملها مع الطفل بعد الولادة لأن الطفل يلاحظ ذلك ويتأثر نفسيا.
- إفهام الطفل بدون استهزاء لمشاعره وعدم تعنيفه: فعند شعور الطفل بالغيرة على الوالدين غمر الطفل واحتوائه ومساعدته على إدراك العلاقات من أجل التخفيف من حدة الغيرة لديه
- عدم جعل الأطفال ينامون مع الأولياء: فهذا يعد من أبرز أسباب الغيرة من أحد الوالدين فبعد بلوغ الطفل سن الثانية من العمر يجب على الأم تخصيص له غرفة للنوم بعيدا عنها حتى يتعود على ذلك تفادياً لنشوب الغيرة من أحد الوالدين.
- العدل بين الإخوة في التعامل وتبرير تقديم بعض الامتيازات
تشير سناء سليمان (2012) إلى القواعد التالية من أجل علاج الغيرة لدى الطفل:
- تجنب الاهتمام الزائد بالذكور على حساب الإناث: أي عدم إعطاء امتيازات للذكور عن الإناث لأن ذلك يثير الغيرة في نفس البنت فتشعر أنها قليلة الحظ مقارنة بأخيها.
- تجنب المقارنة بين الأبناء: إن المقارنة بين الأبناء ومدح أحدهم على حساب الآخر يسبب شعورهم بالغيرة نتيجة للاختلافات في الهيئة الخلقية أو التفوق المدرسي .... الخ
- عدم المبالغة في توجيه الرعاية للمولود الجديد: إن عدم انتباه الوالدين للطفل الأكبر والاهتمام فقط بالمولود الجديد قد يؤذي إلى إحساسه بالغيرة لدى من الضروري أخد الموضوع بعين الاعتبار وإعطاء كل طفل حقه من الرعاية والاهتمام يؤدي إلى شعوره بالاستقرار والتوازن الداخلي لدى من الضروري غرس فيهم حب الآخرين والتعاون ضمن نطاق الأسرة .
- مراعاة مبدأ الفروق الفردية بين الأبناء: على الوالدين إدراك أن لكل طفل وقدراته
- إشعار الطفل بالثقة بالنفس
- إتاحة الفرصة للطفل على إقامة علاقات مع غيره من الأطفال على أساس الحب والتعاون والاحترام وتقبل الطرف الآخر.
- التأكيد على إن اهتمام الوالدين لا يزال مستمرا بعد الولادة
بعد الولادة تنشغل تزداد انشغالات الأم خصوصاً مع الطفل الصغير، فكيف يمكن لها أن توزع اهتمامها على جميع أطفالها؟ ففي هذا الصدد تشير (سناء سليمان، 2012) أن توزيع الاهتمام يكون بالاعتماد على:
- إشعار الطفل بأنه كبير: عند انشغال الأم بترضيع الطفل يمكن لنا أن تتحدث مباشرة إلى الطفل الكبير كأن تقول له "أتمنى أن يكون أخوك أكبر مثلك حتى لا يتعبني بالرضاعة، وهل يمكنك مساعدتي عند بكائه كان تقف أمامه وتداعبه في حال انشغالي ؟؟ هذه العبارات تسهم في بعث الثقة في الابن الأكبر وتجعله يدرك أن للطفل الصغير حاجات يجب إشباعها ويمكن له هو أيضا المساعدة على ذلك.
- لا تقولي له لا تفعل: لكي لا تسهم الأم في نشوء الغيرة لدى طفلها يستحسن أن لا تقول له لا تبكي مثل أخيك الأصغر، أو لا تجلس في حضني مثل الصغار وما شابه ذلك من سلوكات تسهم في تمنيه لو كان صغيرا لكي يتمتع بتلك الامتيازات.
- إعطاؤه جملة من الامتيازات: من الضروري إشعار الطفل بجملة من الامتيازات التي لا يتمتع بها أخوه الصغير وتبرير سبب اهتمامك الزائد بالأخ الصغير بحكم عجزه وعدم إمكانية الطفل الصغير القيام بالأمور التي يمكن هو القيام بها.
- رفض إيذائه وقبول مشاعره: إذا تعامل الطفل مع أخيه بأسلوب غير لائق كأن يحمل يده إلى الأعلى أو ما شابه من سلوكات تضره فعليك أن لا تثوري وتغضبي وتعاملي مع الموقف بحكمة وحاولي أن تفهميه أنه صغير وعلينا رعايته والاهتمام به لكي يصبح مثلك كبيرا ويلعب معك.
وأخيراً.. يمكن القول أن الغيرة سلوك سلبي نتيجة لإحساس الطفل بالدونية وعدم الثقة بالنفس أو عدم قدرته على الحصول على أمر معين أو إحساسه بأن مكانته اهتزت مع قدوم طفل جديد للأسرة، فكل هذه الأمور راجعة إلى الأسرة التي لم تتخذ الإجراءات والتدابير الوقائية التي تجعلها تتفادى الآثار السلبية الناتجة عن إحساس الطفل بالغيرة لدى يجب أخذ كل هذه الأمور بعين الاعتبار للمحافظة على التوازن النفسي الداخلي للطفل.