كيف يعرف الطفل أخطاءه دون عقاب؟

تعرف على أسباب تدفعك لوقف معاقبة أطفالك.. وما هي طرق مساعدتهم على التصرف بشكل أفضل؟ وكيف يعرف الطفل أسباب ونتائج سلوكه المسيء؟
كيف يعرف الطفل أخطاءه دون عقاب؟
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

غالباً ما تكون هناك عقوبة لجميع المشاكل السلوكية التي يقترفها الطفل، فالعقاب طريقة شائعة للغاية لتعديل السلوك، لكن هل هي أفضل طريقة لمساعدة الأطفال على التصرف الأفضل!؟
تقول مؤلفة كتب الأطفال والمتخصصة في مجالات التربية والتعليم والانضباط المدرسي باربرا كولوروزو (Barbara Coloroso): "عندما نستخدم العقاب، يُحرم أطفالنا من فرصة تطوير قدرتهم الذاتية على ضبط النفس، كذلك نحرمهم من القدرة على التصرف بنزاهة وحكمة وتعاطف ورحمة، عندما لا تكون هناك قوة خارجية تحاسبهم على ما يفعلونه مستقبلاً"..
فيما يلي سنتعرف معاً على الأسباب التي ستدفعك حتماً للتوقف عن معاقبة طفلك، ولن نتوقف هنا إنما سنتعرف على طرق مساعدتهم على التصرف بشكل أفضل دون عقاب، كذلك على فهم أسباب ونتائج تصرفهم بشكل يسيء لمن حولهم.

الأسباب التي تمنع الأهل من معاقبة الطفل
أولاً: العقاب يضيف إلى مشاعر الإحباط التي يشعر بها الطفل أساساً:
هذا ما يدفع الطفل للتصرف بسلوك أسوء عما كان قبل العقاب، فالأطفال الذين يتعمدون إساءة السلوك يفعلون ذلك عن قصد؛ كوسيلة للتعبير عن أن أمراً ما لا يسير بشكل صحيح داخلهم، كذلك فإن تصرفهم هذا.. هو نوع من التواصل الذي يتقنه البشر، تذكر كم مرة افتعلت مشكلة مع الشريك لسبب داخلي لم تعبّر عنه بشكل مباشر؟!
أما عن شعور الإحباط الذي قد ينتاب الطفل في كثير من الأحيان، فهو ببساطة لا يملك الموارد والمهارات للتعامل معه، مثال: قد يشعر الطفل بالإحباط بسبب مشاكل الأسرة المادية وعدم قدرة والديه على شراء لعبة يحبها، أو بسبب غيرة الطفل من مولود جديد في العائلة؛ ليس من الضروري أن يكون شقيقه، قد يكون ابن عم أو ابن خال... الخ، فلا تستطيع لوم الطفل على مشاعر إحباط قد تنتابنا نحن البالغون في كثير من الأحيان ولا نعرف كيفية التصرف حيالها.
انتبه.. الإحباط هو أصل مشاكل عدوانية الأطفال، لذلك من المنطقي أن يؤدي إضافة مزيد من الإحباط إلى تصرف الطفل إلى مزيد من العدوانية، حتى إذا كانت المشكلة ليست سلوكاً عدوانياً (كأن يضرب أخاه الأصغر مثلاً)، لكنك عندما تعاقب الأطفال؛ فأنت تخاطر بالتسبب في العدوان مستقبلاً لأنك ترفع مستوى الإحباط كنتيجة للعقاب..
عليك أن تعرف سبب إحباط الطفل ولماذا يعبّر عنه بسلوك سيئ، ثم أن الطفل قد يعاني من مشاكل عميقة لا تستدل عليها بسهولة، لكنه يترجمها بفرط نشاط أو عناد وأذية، وفي دراسة حديثة حول صعوبة تنظيم عواطف الأطفال ممن لديهم فرط في الحركة ونقص في الانتباه، والذي يعد أكثر الاضطرابات السلوكية العصبية شيوعاً بين الأطفال؛ أثبت الباحثون أن ذلك يؤثر بعمق على التحصيل الدراسي والرفاهية والتفاعلات الاجتماعية للطفل، كما نشرت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال عام 2000 دليلاً بتوصيات لتشخيص وتقييم اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى الأطفال، لذا.. حاول معرفة المشكلة التي يعاني منها الطفل.

ثانياً: دماغ الطفل ينضج فلا تكبت هذا النضوج بالعقاب: ما نعتبره في أغلب الأحيان "سوء تصرف"؛ هو تطور وتنمية تزعج البالغين، فالسلوك مثل: (رمي الطعام، رفض النوم، البكاء الشديد والنحيب المستمر، نوبات الغضب) هي ليست محاولات حسابية من الأطفال الصغار لاختبار حدود تحمّلك وإحباطك ولكن نتيجة لدماغ يمرّ في مرحلة النمو والتطور، ولا يوجد أبداً.. لطريقة عقاب تجعل دماغ الطفل ينمو ويتطور بشكل أسرع، في الواقع بعض العقوبات لها آثار سلبية على نمو الدماغ، لا سيما الضرب أو التحدث بطريقة مسيئة للطفل، كما أن المزيد من استخدام العقاب البدني ضار بالأطفال بغض النظر عن كيفية تنفيذه، كما أكدت دراسات حديثة.

ثالثاً: يفشل العقاب في تعليم الطفل ما يمكنه فعله: عندما يضرب الطفل أحد أخوته وتعاقبه بحبسه مثلاً أو حرمانه من متابعة كرتون يحبه؛ قد يفهم أو لا يفهم بأن الضرب سلوك سيئ يجب عليه أن يتوقف عن تكراره.. كيف ستضمن النتيجة من خلال العقاب؟! والدليل أنك تكرر العقاب مراراً على ذات السلوك السيئ الذي يقوم به الطفل، ثم أن جلوس الطفل معاقباً لوحده لا يساعده على تعلم كيفية تنظيم عواطفه، التي سببت سلوكه السيئ لضرب أخيه في المقام الأول، وهذه العقوبة لا تزوده بالأدوات الإيجابية التي يمكنه استخدامها في المرة التالية التي يواجه فيها تلك المشاعر.
معرفة الطفل الأساسية بمستوى سلوكه السيئ؛ يخبره بأنك غير راضٍ عن هذا السلوك، لكنه لا يعلّمه مدى سوء تصرفه، الذي لن يعرفه إلا إذا علّمته ذلك وزودته بالأدوات المفيدة للتصرف في نفس الموقف مستقبلا، لذا افهم منه ما الذي دفعه لضرب أخيه ما هو السبب.. ولماذا تأججت مشاعر غضبه فجأة؟
لن تتخيل مدى الإساءة التي تسببها لطفلك على المدى الطويل من خلال العقاب بكافة أشكاله، وفي دراسة حديثة حول الإجهاد الذي يعانيه الطفل في مراحل مبكرة من عمره، كشف الباحثون أن العقاب يسبب عجزاً مستمراً في العديد من جوانب التكيف المعرفي والاجتماعي لديه، وفي نتيجة هذه الدراسة توصل الباحثون أيضاً إلى "ضعف عمليات التعلم الأساسية لدى المراهقين الذين يتعرضون لضغوط الحياة المبكرة في مرحلة الطفولة".
 

animate

المهارات التي يمكن أن تحدث تغيراً إيجابياً في سلوك الطفل
بعد أن تعرفنا على بعض من آثار عقاب الأطفال، نستعرض تالياً ثلاث طرق لمساعدة الأطفال على التصرف بشكل أفضل دون عقاب:

أولاً: اكتشاف جذور المشكلة العاطفية لدى الطفل: عندما تستمع إلى السبب المتصل بالسلوك السيئ لدى الطفل بدلاً من المعاقبة وردّ فعلك السريع على هذا السلوك، يمكنك المساعدة في الوصول إلى الجذر الذي يسبب المشكلة وحلّها أيضاً، إذ لا توجد سلوكيات تحتاج إلى معاقبة، لكن هناك مشاكل تحتاج إلى حلّ وقلوب صغيرة تحتاج إلى الاستماع إليها، ونكرر.. سلوك الطفل (مهما كان سيئاً) هو وسيلته في التواصل.. فهل أنت مستعد للإصغاء؟
فكّر في علاقات طفلك معك ومع الشريك، مع أشقائه وأصدقائه، فكّر في بيئة منزلك الجسدية والعاطفية، هل هو مزدحم أم مرتب؟ هل هناك خلاف دائم أم شعور بالوئام؟ هل هناك ضغوط على طفلك، أم أن هناك مساحة للراحة؟ حيث يمكن أن تسبب الفوضى الجسدية والعاطفية سلوكاً فوضوياً.. بينما إذا كان العالم الخارجي لطفلك يعكس السلام والهدوء، فإن العالم الداخلي لديه سوف يحذو حذوه، ويتصرف على هذا الأساس.
تقول مؤلفة كتب الأطفال واختصاصية الأبوة الإيجابية ريبيكا اينيس (Rebecca Eanes): "قم بإنشاء غرف جميلة وبسيطة ومنظّمة، وقم بتطوير نظام تناوب جيد للألعاب لتقليل الفوضى، كذلك امنح طفلك القدرة على التنبؤ والتطور بناء على الروتين السلمي، واعمل على تكوين علاقات إيجابية بين الأشقاء والشريك من خلال تعلّم مهارات التواصل الإيجابي وحل النزاعات".

ثانياً: استوعب دماغ الطفل إلى أن ينضج: وضع الحدود التي لا يمكن لطفلك استيعابها بنفسه، لكن عليك أن تدرك أنك تفرض هذه الحدود لأن طفلك غير ناضج وتحاول حمايته، لكنك لا تضع حدوداً بنيّة مسبقة على التصرف الوقح والمتمرد للطفل (نحن نتحدث عن قدرتك على استيعاب هذا الدماغ الصغير في طور النمو)، فعندما يضرب طفلك طفلاً آخر قم بإبعاده وتذكر الحدود التي وضعتها لهذا السلوك، بأن طفلك لا يملك الدماغ الناضج بعد لمنعه عن هذا التصرف وليس لديه مصادر المقاربة المنطقية للتحكم باندفاعه وسلوكه، فقط امنعه ببساطة من ضرب أو عض طفل آخر، بنفس الطريقة التي تسمح له بتناول الكعك أو تضعه في سريره ضمن وقت محدد، فمسؤوليتك هي مساعدته حتى ينضج ثم يمكنه القيام بهذه الأشياء بنفسه، لأن عقاب الطفل لن يجعله ينضج بشكل أسرع.

ثالثاً: حل المشكلة ومعرفة ما يجب فعله هو التوازن الذي يفقده العقاب: أنت تقوم بحلّ مشاكل الأطفال قبل بلوغهم عمر الخمس سنوات، لكن يمكنك أن تتحدث إليهم أيضاً لتحقيق نوع من التسوية والانسجام بين عواطفهم والموقف أو المشكلة التي سببوها وتحويل سلوكهم لنموذج حول كيفية التصرف بصورة سليمة مع تعريفهم بالخطأ الذي ارتكبوه مثل: عندما يصرخ الطفل تقول: "أنت تصرخ على أمك (أبيك).. أعرف أنك منزعج لكني لا أحب أن يصرخ أحد في وجهي، يمكنك عندما تغضب أن تأخذ نفساً عميقاً من أنفك كما يفعل الفيل بخرطومه".. ثم تقوم بأخذ نفس عميق لتعلّم الطفل الطريقة.
مع تقدمه في السن وتطور دماغه أكثر، يمكنك إشراكه في عملية حل المشكلات وتشجيعه على التوصل إلى حلول مثل: عندما تكون علامات الطفل متدنية في المدرسة تقول بمنتهى اللطف والتعاطف: "لقد فشلتَ في الاختبارين الأخيرين وانخفضتْ درجتك بشكل ملحوظ، هل تعرف لماذا حدث هذا؟ هل أنت مشتت في المدرسة؟ هل هناك شيء تريد التحدث عنه؟ هل يمكن أن تفكر في حل يساعدك على فهم المادة أو الدراسة بشكل أفضل؟".. فمساعدة الطفل على التكيف مع أولئك الأقران الذين يؤذونهم في المدرسة أو الحي مثلاً، أو إصلاح أو استبدال الأشياء التي يكسرونها، كذلك تعلّم التواصل الإيجابي ومهارات حل النزاعات، تطور لديه الذكاء العاطفي الذي سيساعده الآن وفيما بعد على طول حياته؛ أفضل بكثير من عقابه مثلا: بحرمانه من استخدام الكمبيوتر لمدة أسبوع.

كيف تساعد الطفل على محاربة القلق والمخاوف التي قد تدفعه لإساءة التصرف؟
تحدثنا أعلاه عن أسباب عديدة تزيد من تفاقم سلوكيات مسيئة من قبل الطفل، منها العدوانية والإجهاد وعدم القدرة على التعبير عن العواطف، التي يمكن أن تتطور لفرط حركة وقلة انتباه، ولأن القلق والمخاوف عند هذه المخلوقات الصغيرة هو الجذر الأقوى لأغلب هذه المشاكل وبسبب تسارع حياتنا اليومية في العصر الحالي؛ إليك أهم الطرق التي تساعده من خلالها على محاربة القلق منذ عمر صغير:

أولاً: لا تقلل من قيمة مخاوف الطفل: 
فلا تردد عبارات مثل: "أنت تبالغ".. "لا يوجد حقاً ما يدفعك للخوف".. "لا تقلق سيكون كل شيء على ما يرام"؛ لن يخفف ذلك من قلق الطفل وبينما تظن أن تشجعه ربما تزيد في إحباطه، وبدلاً من التقليل من أهمية عواطف طفلك فقط استمع.. أخبره عن أوقات مررتَ فيها بقلق وخوف، اجعله يعرف أنه يمرّ بعواطف إنسانية طبيعية يشعر خلالها بعدم الارتياح ولكن هناك طرق للتعامل معها، لا تبعث عنده إحساس بأنه غير طبيعي أو مخطأ لأنه يمتلك إحساس الخوف أو القلق، الذي لا يستطيع السيطرة عليه أساساً لأن دماغه في وضع نمو وتطور، لذا ساعده على فهم مشاعره واسمعه وافهم ما يعاني منه، لأن دعمك له خلال سيطرة هذه المشاعر الصعبة عليه؛ سيكون مفيد جداً.

ثانياً: ابتكر طريقة للتعامل مع قلق الطفل:
تأتي المخاوف عند الطفل بأشكال مختلفة، وهناك الكثير من التقنيات الجيدة التي يمكن تعليمها للأطفال للتعامل مع همومهم، مثلاً القصص والكتب المخصصة للأطفال للمساعدة في التعامل مع القلق، قد يستفيد طفلك من كتاب أو مجلة مصوّرة أو تقنية التنفس أو التأمل أو العلاج بالروائح أو ممارسة الرياضة أو العلاج بالكلام أو أحد الخيارات العديدة لتعليمه ومساعدته على التعامل مع خوفه.
نعود ونؤكد أن المفتاح هو مواجهة القلق وعدم تجاهله، حيث أن تجاهل القلق الحقيقي لا يجعله يختفي، يحتاج الأطفال إلى حلول معقولة لإدارة مستويات التوتر والقلق لديهم، لذا اعمل مع طفلك للعثور على الحل المناسب له، إذا أصبحت المخاوف كبيرة جدًا وبدأ القلق يؤثر على حياتك اليومية، فاطلب المساعدة من مستشار محترف.

ثالثاً: اتخذ خطوات تجعل الطفل يتغلب على مخاوفه ويحتفي بكل نجاح:
 إذا عملت على محو الصعوبات من حياة ابنك/ ابنتك، وأردت أن تتأكد أنه لا يتعين عليه التعامل مع أي موقف سيئ؛ أنت تعلم أن هذا الأمر خيالي.. فالحياة صعبة في بعض الأحيان، وأفضل شيء يمكنك القيام به الآن هو مساعدته على تعلم كيفية التعامل مع الصعوبات التي يمرّ فيها، هذا ما سوف يجلب له المزيد من السعادة مستقبلاً كما أنه أفضل بكثير من تجنب جميع الضغوطات الحالية.
ولمساعدتك على تطوير قوة ومرونة طفلك في التعامل مع قلقه، فإن الكاتبة والمتخصصة في التربية الاجتماعية رينيه جاين (Renee Jain)، وهي مبتكرة برامج لتخفيف قلق الأطفال أيضاً، توصي بأسلوب يسمى السلم، يعتمد التعرض التدريجي للوصول إلى أهداف مصغرة من أجل الاقتراب من الهدف الأكبر، بحيث تقوم بإنشاء قائمة مرجعية حتى يكون للطفل طريقة تدريجية للتهدئة، فماذا تريد منه أن يفعل أولاً عندما يشعر بالقلق؟.. إذا كان التنفس يساعده، لتكن الخطوة الأولى هي التوقف والتنفس بعمق، بعد ذلك يمكنه تقييم الوضع بنفسه، في النهاية يمكنك إنشاء قائمة تحَقُقْ مطبوعة أو مكتوبة على قطع كرتون على شكل أوراق الشجر مكتوب على كل منها خطوة يحققها طفلك عندما يتغلب على القلق، ويعلقها على هيكل مصنوع على شكل أغصان شجر في غرفته، حيث يستطيع أن يشعر بنجاحه لو تجاوز كل درجات السلّم بنجاح في كل مرة شعر بالقلق واستطاع مواجهته والتغلب عليه.

في النهاية.. عالم الطفولة أقرب إلى الخيال في عالم البالغين، حيث أن استخدام اللعب في تعليم طفلك التغلب على الخوف وإدارة حالات القلق أو الغضب التي تنتابه؛ يعد إنجازاً هاماً في طريقك للوصول معه لصيغة في التعامل بعيداً عن العقاب الذي سيؤذي شخصيته المستقبلية حتماً، حتى لو اقتصرت العقوبة على عزله لوقت محدد أو توجيه بعض الألفاظ القاسية له بشكل مباشر، أعرف أن الأمر سيأخذ منك طاقة جبارة كي تصل إلى أعلى درجات النجاح في تربية طلفك، لكن الأمر يستحق فشاركنا من خلال التعليقات؛ استراتيجيات تتعامل فيها مع السلوك السيئ لدى طفلك، ما الذي تعتقد أنه نجح في طريقة تربيتك لطفلك وما الذي فشل؟ هل تستخدم أساليب مختلفة في عقاب أطفالك ما بين الصبي والفتاة؟ شاركنا تجربتك الثرية، فنحن بانتظارك..