ما هي متلازمة الموهوب وأعراض متلازمة الطفل العبقري
هل رأيت طفلاً قادر على التكلم بطلاقة بلغة غير لغته بشكل غير مألوف؟ وطفلاً آخر قادر على حفظ صفحات الكتاب بمجرد النظر إليها لفترة قصيرة جداً؟ وطفل قادر على عزف أجمل المقطوعات الموسيقية دون نوتة؟ هذه الحالات وغيرها الكثير تندرج تحت ما يسمى متلازمة الموهوب، فما هي هذه المتلازمة، وكيف يتم تشخيصها، وما هي سلبياتها، وهل ممكن أن تكون مكتسبة؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال التالي.
متلازمة الموهوب أو متلازمة العبقري (بالإنجليزية: Savant Syndrome) هي حالة من البراعة والموهبة الاستثنائية في مجال معين تظهر على الأطفال المصابين باضطرابات في النمو العصبي أهمها اضطراب التوحد، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نصف الأطفال المصابين بمتلازمة الموهوب هم من مرضى توحد، وما يقارب 10 بالمائة من مصابي التوحد مصابون بمتلازمة الموهوب، وهذا يوضح أن ليس جميع المصابين بمتلازمة الموهوب مرضى توحد، والعكس صحيح.
يتميز المصابون بمتلازمة الموهوب بامتلاك قدرات عالية بمجالات معينة كالفن بأنواعه، أو اللغة، أو قدرات الحساب الذهني، أو قدرة عالية على التذكر بسبب الذاكرة الفوتوغرافية المميزة لديهم والتي يفسرها البعض بعدم القدرة على النسيان.
تم تشخيص متلازمة الطفل الموهوب طبياً للمرة الأولى من قبل الطبيب جون لانغدون داون في عام 1887،حيث لاحظ أن بعض حالات المتأخرين نمائياً أو المصابين باضطرابات عقلية تميزت بمواهب متطورة قد تصل لدرجة العبقرية، وأطلقت عدة تسميات على هذه الحالة منها (Idiot Savant) وتعني المعتوه الموهوب، ولكن تم تعديل التسمية لتصبح متلازمة الموهوب أو متلازمة الطفل العبقري.
هنالك العديد من العلماء المشهورين المصابين بهذه المتلازمة، منهم كيم باك والذي تم تقديم سيرة حياته في فيلم (Rain man)، ويقال أنه كان قادراً على حفظ كتاب كامل بفترة قصيرة جداً، كما أنه تمكن من قراءة صفحتين في وقت واحد كل صفحة بعين من عينيه، وتمكن من ذلك خلال ثمانِ ثوانٍ فقط.
وهذا يوضح اختلاف التفكير بين الطفل المصاب بمتلازمة الموهوب والأطفال الطبيعيين، فمثلاً الأشخاص الطبيعيين قد يصادفون في طريق عملهم عشرات السيارات دون الانتباه إليها، أما مريض متلازمة الموهوب الذي يتميز بذاكرة فوتوغرافية قوية يكون قادراً على تذكر عدد السيارات وألوانها وقد يكون حفظ أرقام لوحاتها أيضاً. [1-2]
إتقان لغات غير اللغة الأم دون تعليم: من أعراض متلازمة الطفل الموهوب البدء بالقراءة والكتابة بشكل مبكر عن الأقران، بالإضافة إلى إتقان العديد من اللغات غير اللغة الأم دون تعليم خاص أو كافي بل لمجرد الملاحظة فقط.
- المواهب البصرية والسمعية: يظهر على الأطفال المصابين بمتلازمة العبقري تميّز استثنائي بالمواهب البصرية والسمعية، كالاهتمام بالموسيقى والعزف بشكل محترف، حيث أن الطفل المصاب بالمتلازمة من الممكن أن يقوم بإعادة عزف مقطوعة كاملة بعد سماعها لمرة واحدة فقط، ويكون تطوره في هذا المجال يفوق بعشرات المرات قدرة أقرانه على التعلم، ومن جهة أخرى قد يتميز المصابين بمجال فني آخر كالنحت، والرسم وغيره من المواهب.
- الذاكرة القوية: يتمتع المصابون بمتلازمة الموهوب بذاكرة قوية تجعلهم يتذكرون الأشياء من مرة واحدة، فمثلاً يمكنهم تذكر عدد السيارات التي صادفتهم مع ألوانها وأرقام لوحاتها، والطرقات التي مروا بها كما يمكنهم تذكر عدد الخطوات التي خطوها للوصول لمكان معين، هذه الأشياء التي يتجاهل الدماغ تخزينها عند الأشخاص الطبيعيين.
- المهارات الحسابية المتطورة: من علامات الإصابة بمتلازمة الموهوب أيضاً القدرة على حل أصعب المعادلات الرياضية التي تفوق عمر الطفل، فنجده في المراحل الابتدائية قادر على حل معادلات تفوق أعمارهم وبوقت قصير جداً، كما يكون قادر على حساب الأرقام بشكل خيالي وسريع.
- القدرة الاستثنائية على الحفظ: يتميز مرضى متلازمة الموهوب بالقدرة الهائلة على الحفظ فنجدهم قادرين على حفظ كتاب كامل بفترة قصيرة، وتذكر الأرقام والتواريخ والأعوام، ويمكنهم حفظ البيانات الإحصائية فمثلاً يمكنهم معرفة أي يوم من أيام الأسبوع وقع فيه حدث تاريخي معين. [3-4]
لفهم الاضطراب العقلي الذي يحصل في متلازمة الموهوب يجب معرفة أن كل جزء من الدماغ يتحكم بنمط معين من التفكير، فالفص الأيسر من الدماغ مسؤول بشكل رئيسي عن المهارات اللغوية والمنطق والتفكير والرياضيات ومهارات الكتابة والقراءة، أما الجزء الأيمن من الدماغ مسؤول عن الخيال والفنون والمواهب والمشاعر وأحلام اليقظة، والأرجح أن يكون عدم التوازن بين نصفي الدماغ السبب الرئيسي لمتلازمة الموهوب.
لا يوجد سبب واضح للإصابة بمتلازمة الطفل الموهوب، لكن ارتباط متلازمة الطفل الموهوب بالاضطرابات العقلية والعصبية والنمائية يرجح وجود خلل عصبي وخلل في بنية الدماغ ينتج عنه تميّز في مهارة معينة، وأهم التفسيرات المقترحة لمتلازمة الموهوب:
- تلف أحد فصي الدماغ ونمو الآخر بشكل أكبر لتعويض التلف: فسّر بعض العلماء حدوث متلازمة الموهوب التي يتم تشخيصها عند الأطفال منذ ولادتهم على أنها طفرة جينية، أو مشكلة في التطور العصبي خلال المرحلة الجنينية، أدت إلى أذية في النصف الأيسر من الدماغ، مما أدى لتطور النصف الأيمن لتغطية التلف، ويعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي لمتلازمة الموهوب.
- خلل في الإفرازات الهرمونية: الأبحاث الطبية لم تحدد سبب الخلل العصبي أو الطفرة التي حدثت بشكل واضح، ولكن فسر بعض الأطباء أن سبب هذه الأذية قد يعود لارتفاع نسبة هرمون التستوستيرون الذكري، حيث وجد الأطباء أن زيادة نسبة التستوستيرون في بداية الحمل ممكن أن تؤثر سلباً على نمو الجنين، فيحدث تلف في خلايا الجنين العصبية مما يؤثر على نمو الفص الأيسر من الدماغ على حساب الفص الأيمن، وتفوّق الطفل في المهارات المرتبطة بالفص الأيسر من الدماغ.
- تطور أحد فصي الدماغ على حساب الآخر: غياب النشاط العصبي في الفص الدماغي الأيسر يعطي الفرصة لعمل الفص الأيمن بشكل أكبر لتعويض النقص، وينتج عنه تطور المهارات التي يتحكم بها الفص الأيمن كاكتساب ذاكرة استثنائية، وتطور سريع في العزف والفنون والحسابات الرياضية والقدرة على حل الألغاز، والقدرة الهائلة على حفظ التواريخ، بالتزامن مع عدم القدرة على التواصل مع الآخرين، وإيجاد صعوبة في الحياة الاجتماعية والتفكير العقلي السليم، فمثلاً الشخص الطبيعي يرى الشجرة على أنها شجرة فقط، بالوقت الذي يراها المصاب بمتلازمة الموهوب على أنها عدة آلاف من الأوراق وعدد معين من الثمار وهكذا، وهنا يكون السبب الأساسي هو الضرر العصبي في الفص الأيسر ولكن دون التأكد من السبب الذي أدى لهذا الضرر وهو قيد الدراسات العلمية.
تصنف متلازمة الموهوب بشكل رئيسي اعتماداً على سبب الإصابة هل هي خُلقية أم مكتسبة، وبناءً عليه سوف نوضح الفروق بين أنواع متلازمة الموهوب:
متلازمة الموهوب المرتبطة بالتوحد (Autistic savant)
- يظهر هذا النوع من متلازمة العبقري لدى الأطفال المصابين منذ ولادتهم، ويرتبط بالإصابات العقلية والعصبية والتي يكون نصف المصابين فيها من مرضى التوحد واضطرابات طيف التوحد، حيث تتطور المهارات العلمية والمواهب لدى المصابين بالمتلازمة بشكل ملفت وعبقري على عكس مرضى التوحد الذين لا يمتلكون المتلازمة والذي يكون لديهم تأخر عقلي واضح.
- الأطفال المشخصين بهذا النوع غالباً ما يكون لديهم ضعف في السلوك الاجتماعي وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين، كما أن سلوكهم روتيني ومهم لاستقرارهم النفسي، حيث أن أي تغيير بسيط يحصل في روتينهم اليومي قد يعرضهم لأزمة نفسية أو نوبة.
- نسبة إصابة الأطفال بمتلازمة الموهوب المرتبطة بالتوحد تكون عند الذكور أكبر من الإناث.
متلازمة الموهوب غير المرتبطة بالتوحد
- بما أن نصف المصابين بمتلازمة الموهوب خُلقياً هم من مرضى التوحد فالنصف الآخر غير مرتبط باضطرابات طيف التوحد، فقد تكون المتلازمة ناتجة عن اضطرابات عقلية حدثت بسبب تلف في أجزاء من الدماغ، أو إصابة باضطرابات في الجهاز العصبي.
- يميل المصابين بهذا النوع من متلازمة الموهوب إلى أن يكونوا عباقرة وعلماء بشكل خارج عن المألوف، فمنهم من يكون متخصص بمجالات معينة تتعلق بالموهبة التي يمتلكونها سواءً كانت بصرية أو سمعية.
متلازمة الموهوب المكتسبة(Acuire savant)
- متلازمة الموهوب المكتسبة لا ترتبط على الإطلاق بالحياة الجنينية، حيث تحدث مع الشخص الطبيعي في أي مرحلة من عمره، نتيجة تعرضه لحادث معين أدى إلى إصابة في الرأس، تُلحق هذه الإصابة الضرر بالفص الأيسر من الدماغ، وهذا يجعل الفص الأيمن يتطور ليغطي التلف وهو السبب في ظهور مهارة عقلية مفاجئة كما يحدث مع الأطفال تماماً وينتج عنها نفس الأعراض.
- تعتبر متلازمة الموهوب المكتسبة غير قابلة للعلاج تماماً مثل النوع الأول، ولا يمكن اكتسابها عن عمد.
- من أشهر الحالات على هذه المتلازمة الطبيب أنتوني سيكوريا وهو طبيب مختص في الجراحة العظيمة لم يكن لديه أي مشكلة عقلية كما أنه لا يملك أي موهبة موسيقية أو اهتمامات فنية، تعرض لصاعقة برق أدت إلى ضرر في الفص الأيسر من الدماغ، وتغطية الفص الأيمن للتلف الذي حصل، مما أدى لإصابته بمتلازمة الموهوب المكتسبة وأظهر بعد الإصابة اهتمام بالمقطوعات الموسيقية والبيانو تحديداً، وألّف بعدها العديد من المقطوعات الموسيقية وقدم العديد من الحفلات. [1-3]
- صعوبات التربية والتواصل مع الطفل: أحد الصعوبات التي تواجه الطفل المصاب بمتلازمة الموهوب هو صعوبة التواصل الاجتماعي، فهو يحتاج لمعاملة خاصة، كما يحتاج للقدرة على احتواء تقلباته وفهم معاناته مع أقرانه، ويجب العمل على تطوير مهاراته الأمر الذي قد يكون صعب على بعض الأهالي خاصة أولئك الغير واعون لتفاصيل مرض الطفل، ولا يملكون المعرفة الكاملة في اهتمامات الطفل.
- صعوبات التواصل الاجتماعي: على الرغم من ظهور علامات العبقرية في الموهبة لدى مريض متلازمة الموهوب، إلا أن في الجهة المقابلة يكون لديه صعوبة في التواصل الاجتماعي وعدم القدرة على الاندماج في الحياة الطبيعية والتفكير المنطقي والعقلاني، فمن أكبر سلبيات المتلازمة هو عدم القدرة على التكيف مع البيئة المحيطة نتيجة التخلف العقلي والضرر الدماغي الذي يجعله شخص غير قادر على الاندماج في الحياة الطبيعية.
- رفض الاتصال الفيزيائي: معظم الأطفال المصابين بهذه المتلازمة يكون لديهم عجز في التواصل الفيزيائي مع المحيط خاصة أولئك المصابين باضطرابات طيف التوحد بالتزامن مع المتلازمة، فنجدهم غير قادرين على المصافحة أو لمس أي شخص يقابلونه حتى أنهم يحتاجون فترات طويلة للاعتياد على الأشخاص المقربين منهم.
- تعرض الطفل للتنمر: تحدث متلازمة الموهوب بشكل نادر كما ذكرنا، وهذا يجعل المجتمع غير متفهم لحالة الطفل الموهوب مما قد يعرضه للتنمر، والرفض الاجتماعي، خاصة بين الأقران الذين يجدون فرق واضح بينهم وبين الطفل المصاب، وهذا يؤثر بشكل سلبي على نفسية الطفل، مما يزيد من صعوبة اندماجه في المجتمع.
- العزلة الاجتماعية: يعيش الطفل المصاب بمتلازمة الموهوب حالة من عدم تقبله للمجتمع وعدم تقبل المجتمع له مما يجعله يدخل في عزلة نفسية، لأنه غير قادر على الاندماج والتعامل مع الآخرين.
لا تعد الإصابة بمتلازمة الموهوب مرض يحتاج إلى علاج طبي، فلا يمكن أن تتراجع الإصابة بالمتلازمة، على العكس يمكن أن نرى معظم المصابين فيها علماء وفنانين بمهارات استثنائية، لكن الهدف من التدخل العلاجي مع الطفل المصاب بمتلازمة الموهوب هو السيطرة على المشاكل النمائية والسلوكية المرتبطة بالاضطراب العقلي والعصبي، مع توظيف مهاراته الاستثنائية كجزء من العلاج:
- علاج النطق: قد يعاني بعض الأطفال في متلازمة الموهوب من صعوبة نفسية في النطق وليست مشكلة طبية، لأنهم يتكلمون في وقت مبكر عن الأطفال العاديين، ولكن يشمل العلاج تنمية مهارات الطفل في الكلام ليستطيع التواصل مع الأشخاص عن طريق استخدام الكلمات بشكل صحيح وتحسين طريقة النطق لتشجيع الطفل على التحدث بما يريد دون خوف أو ارتباك.
- العلاج السلوكي: يشمل العلاج السلوكي دمج الطفل في الأنشطة الاجتماعية بشكل تدريجي لتحسين سلوكه وزيادة مهارات التواصل لديه، وللتأثير على حياته الاجتماعية بشكل إيجابي، كما يتم العمل على تطوير المهارات الحركية الإدراكية.
- العلاج الأسري: العلاج الأسري نوع من أنواع العلاج النفسي الذي يتم فيه تعليم الأهل كيفية التعامل مع الطفل، ويساعد هذا العلاج أفراد العائلة في التواصل مع الطفل الموهوب، فخلال السنوات الأولى من عمر الطفل الأسرة لها دور كبير في التأثير على شخصيته واكتشاف قدراته والعمل على تنميتها.
- العلاج الدوائي: لا يمكن تحديد أنواع معينة من العلاج الدوائي لكل مصابي متلازمة الموهوب، فكما ذكرنا لا يوجد دواء للمتلازمة يؤثر على الإصابة الدماغية أو يشفيها، فقد يحتاج الطفل لعلاج دوائي للسيطرة على المشكلات التي تظهر نتيجة الاضطراب العقلي وليس لعلاج المتلازمة بحد ذاتها، وبناءً عليه يتم تحديد المشكلات الجسدية التي يعاني منها كل طفل ومن ثم يتم تحديد العلاج الدوائي المناسب.
- السيطرة على الاضطرابات العقلية: وهنا أيضاً لا يمكن تحديد نوع الاضطرابات وعلاجها حيث أن كل حالة تختلف عن الأخرى، فخلال التشخيص يتم معرفة نوع الاضطرابات العقلية وتقييم درجة تطورها عند الطفل، والبدء بعلاجها للسيطرة عليها والحد منها، وهنا يمكن أن يتم استغلال الموهبة التي يتميز فيها الطفل لعكس أعراض الاضطراب العقلي الذي يعاني منه. [3-4-6]