أسباب السعادة كما يشرحها العلم
اترك السعي وراء السعادة، حيث ستستمتع بالحياة أكثر إذا توقفت عن محاولة الشعور بالراحة وأنك على خير ما يرام طوال الوقت.
لكن هل للعلماء رأي وهل اكتشفوا الدليل بعد تجاربهم عن الأسباب التي تأتيك بالسعادة رغم صعوبة العثور عليها في أكثر الأحيان؟
لماذا لا يستطيع البعض؛ العثور على السعادة بسهولة؟
تلك هي المشكلة؛ حيث أقنعت نفسك خلال السنوات الماضية، بأنك يجب أن تكون سعيداً.. ثم لم تنجح هذه الاستراتيجية حتى الآن مما يجعلك تشعر بالذنب، حيث تقوم عادة بإضافة "السعادة" إلى قائمتك اليومية (وظائف- أطفال- زواج / زوجة- منزل – مال – إجازات.. الخ)، ومع ذلك فإن السعادة المثالية لا تأتي أبداً للبعض منّا، يمكن أن تكون قد جربت كل شيء ظننت أنه سيُسعدك، وقد لا يوجد شيء ينقصك في حياتك، لكن ربما هناك خلل ما لأنه يمكن لأي شخص أن يشعر بالسعادة في أي وقت ولأي سبب بدون حتى محاولة، كما ينطبق نفس الشيء على التعاسة، لذلك لا يجب أن تدع البحث عن السعادة يؤثر على قراراتك كثيراً.
فهل تهرب منك السعادة؟
يمكنك مطاردة السعادة لكن لا يمكنك التقاطها، إنها أشبه بتجربة القطة التي تلاحق ضوء الليزر ولا تعرف لماذا ستلمسه.. مع ذلك فإنها تستمر بالمحاولة، حيث يتظاهر البعض أنهم قد التقطوا السعادة، لكنك جربت ذلك حيث تأتيك السعادة دون سابق إنذار ويختفي ذلك الشعور بالمتعة مجرد انتهى الموقف!.. فتوقف عن ملاحقة السعادة أو إدراجها في قائمة المشتريات والأحلام اليومية، فالخطأ ليس في حياتك، لكن السعادة لا تأتي بهذا الشكل.
لا يمكن استهلاك السعادة
نشأنا في عصر الاستهلاك حيث تخبرك وسائل الإعلام ماذا تفعل لكي تكون سعيداً؛ (اشتري هذه الستائر وستشع عليك الشمس في عز الشتاء!.. جرب هذا المشروب وستطير فوق السحاب!.. اقتني هذه السيارة وستطير نحو القمر!).. الخ من الإعلانات.. حتى تكاد تعيش في كثير من الأحيان كأنك وسطَ إعلان تجاري، وتستمر النصائح الجمالية من الخبراء حول أهمية السعادة والابتسام الدائم لصحة البشرة، الذي سيطلق الهرمونات التي تبعث السعادة مثل السيروتونين (Serotonin)؛ حيث يُقال إن تمثيل السرور يجعلك سعيداً، لكنه أمر متعب..! حيث لا تتوقف السعادة على اشتراكك في نشرة مسبقة أو وصفة جاهزة للسعادة تصلك يومياً عبر بريد الإلكتروني أو تشاهدها على قناة يوتيوب حول استهلاك السعادة.
حدد معنى السعادة بالنسبة لك
"سعيد".. كلمة غريبة يمكنك تعريفها بمئات الطرق المختلفة، لكن يجب عليك إعادة تعريفها بشكل خاص بك ويشبه نمط الحياة الذي اخترته، لذا توقف عن الاستماع إلى أي شخص آخر (أنا من الآخرين أيضاً!)، وركز على تصوراتك الذهنية التي تدرك تماماً أنها خاصة بك؛ حول السعادة.
البحث عن المعنى لا عن السعادة
أفردنا مقالاً كاملاً حول أهمية البحث وإيجاد المعنى والغاية في حياتك، لأن السعادة يمكن أن تأتي وتذهب كما ذكرنا أعلاه بحيث لا يمكن التنبؤ بها، وظروف الحياة تصعد وتهبط بك فلا يمكن أن تتوقف جميع قراراتك المهمة على شعورك بالسعادة، من غير المنطقي أن تنتظر لحظات الإشراق لتتخذ قراراً مهماً في حياتك، لأنك بامتلاك المعنى والغاية في حياتك يمكنك أن تكون متماسكاً مهما كان الظرف الذي تمرّ فيه وأقصد في أصعب حالاتك، طبعاً هذه الاستراتيجية تمكنك أيضاً من التفكير بهدوء في أي خطوة أو قرار مهم، فلا تعتمد على أن تكون سعيداً لتعيش.
يمكنك الحصول على الرضا
"مين رضي عاش".. هكذا يُقال، بالفعل لأن الرضا يتسكع بعيداً عنك بعض الوقت ويعود إليك بسرعة، فهو أسهل.. كما أنك لا تشعر بالسوء من غياب الرضا عن حياتك، وقد يأتي من شعور بالإنجاز، أو إنهاء مهمة وظيفية في الوقت المحدد، كذلك من التأكد بأن الصحة جيدة أو التقدم نحو هدف، فأنا مثلاً أشعر بالرضا بعد الانتهاء من كتابة مقال، أو بعد نوم ليلة هانئة، حيث من الأسهل كثيراً القيام بشيء كل يوم يحقق الرضا، أنت تعرف بالتأكيد كيف يبدو الأمر وكيفية الحصول عليه.. لذلك قم بحفظ السعادة لوقت لاحق، (وستتأكد من منطقية هذا الكلام بعد قليل عندما نتحدث عن رأي العلم بأسباب السعادة).
استمتع بلحظات السعادة
هذا أسهل ما في السعادة.. تتضمن اللحظات السعيدة المتعة في مرحلة ما، من خلال طبق تحب تناوله أو مكان تحب زيارته مع الأصدقاء أو مشاهدة فيلم أو قراءة كتاب ممتع... الخ، لأن هذه اللحظات ربما تقربك من أهداف وضعتها! كما أن هذه المتع وغيرها تجنبك الإجهاد بسبب العمل مثلاً، كما أنها لا تنتهي ويمكنك تكرارها.
فتوقف عن مطاردة السعادة على أساس أنها الملجأ المنشود لغاية وجودك، حيث يمكن أن تحملك الصدفة إلى هناك، لكن اعثر على غاية ومعنى حياتك وحاول فعل الأشياء التي تستمتع بها حقاً، سيعتقد من حولك أنك وجدت السعادة المنشودة لتفاجئهم بقولك: "لن أطارد السعادة لأنها نقطة ليزر حمراء"!
العلم يشرح الأسباب التي تجعلك إنساناً سعيداً
لم يكن ما استعرضناه أعلاه إلا مقدمة للتفسير العلمي حول أسباب السعادة، حيث تكون سعيداً بالقدر الذي تقرر فيه أن تجعل نفسك سعيداً، كما يقترح البحث العلمي أن جميعنا نُولد بمستوى فطري معين من السعادة، ما يعني أن البعض قد يولدون باستعداد "أقل للسعادة" من الآخرين!.. لكن الخبر السار؛ أن هناك طرقاً يثبتها العلم أيضاً؛ لجعلك أكثر سعادة.. سنتحدث عنها تالياً:
التأمل ميزة السعادة
الشيء الأفضل للسعادة بشكل عام هو التأمل، فهو الرقم واحد في مسببات السعادة، حيث يقول شون آكور (Shawn Achor) مؤلف كتاب ميزة السعادة (The Happiness Advantage): "نختبر لحظات من الهدوء والرضا بعد دقائق مباشرة من التأمل.. كما أثبت العلم أن الوعي الذاتي والتعاطف يزدادان، وتشير الأبحاث إلى أن التأمل المنتظم يمكن أن يجدد عمل الدماغ لرفع مستويات السعادة بشكل دائم"، وكنا تحدثنا في مقال مفصّل حول أهمية التأمل بشكل عام للصحة النفسية والجسدية، هذا وأجريت في مستشفى ماساتشوستس العام بالولايات المتحدة الأمريكية؛ فحوصات دماغ قبل وبعد فحص أفراد شاركوا في دورة مدتها ثمانية أسابيع حول التأمل الذهني اليقظ، بعد الانتهاء من الدورة؛ أظهرت المجموعة المكونة من 16 شخصاً نمواً كبيراً في مناطق الدماغ المرتبطة بالوعي الذاتي والتعاطف، بالتالي الرضا الذاتي والسعادة.
اختصار التنقلات من وإلى مكان العمل
إذا كنت قادراً فعليك التفكير بتقريب منزلك من مكان عملك أو ربما إيجاد مكان جديد للعمل أقرب إلى سكنك، حيث يمكنك أن تنسى أن الوظيفة الأفضل أجراً "تعوّض" عن هذه الرحلة اليومية الطويلة للعمل كما يقول العلماء فإنها ليست كذلك، حيث أجرى اقتصاديون سويسريون دراسة، بينت نتائجها أن "الأثر السلبي التراكمي للتنقلات يفوق فوائد مثل: امتلاك منزل أكبر أو عمل أفضل"، كما يقول عالم النفس في جامعة هارفارد دانييل جيلبرت (Daniel Gilbert): "القيادة خلال ازدحام المرور هي نوع مختلف من العذاب المتكرر يومياً".
مساعدة الآخرين
في ثقافتنا الاستهلاكية كل شيء يدور حول "الأنا".. لهذا السبب قد يبدو من البديهي وفي أغلب الأحيان؛ أن أكثر الناس نجاحاً وسعادة هم الأكثر سخاء، ويوصي الأستاذ في كلية وارتون لإدارة الأعمال بجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأميركة آدم جرانت (Adam Grant)؛ بتقنيته المفضلة التي يسميها: "معروف الخمس دقائق"، فيقول: "ماذا لو استغرق الأمر بضع دقائق كل يوم لمحاولة مساعدة شخص ما.. بطريقة ما.. تشبه إلى حد ما.. (الالتزام الصغير) بالنسبة لك، لكنه قد يكون مفيداً لهم بشكل كبير؟".
كما يُظهر العلم أن أخذ ما لا يقل عن 30 ثانية لمساعدة شخص ما؛ سيغمر دماغك على الفور بمواد كيميائية جيدة ويعطيك راحة كبيرة ليومك.
اشتري بعض الوقت لنفسك
في دراسة مشتركة أجراها باحثون من كلية هارفارد للأعمال وجامعة كولومبيا البريطانية، اكتشف العلماء أن استخدام الأموال لشراء الوقت يؤدي إلى مزيد من السعادة أكثر من شراء "الأشياء"، حيث قام الفريق باستطلاع آراء أكثر من 6000 شخص من كندا والدنمارك وهولندا والولايات المتحدة، وتكوّن المسح من سؤالين بسيطين: "كم من المال تنفق كل شهر لزيادة وقت فراغك؟ وكم مرة في الشهر تفعل ذلك؟"، حيث أفاد الأشخاص الذين أنفقوا أكثر من متوسط دخلهم لأكثر من مرة شهرياً؛ حصولهم على أعلى مستويات الرضا عن الحياة، كما أن مقدار الدخل الذي كسبه المشاركون لم يؤثر على هذه النتائج.
الحصول على قسط جيد من النوم للحماية من الغضب
أنت تعرف ذلك بالتأكيد، وفي دراسة بعد تجربة حاول طلاب الجامعات المحرومين من النوم خلالها حفظ قائمة كلمات، حيث تمكنوا من تذكر نسبة 81٪ من الكلمات ذات الدلالة السلبية، مثل " مرض السرطان"، لكنهم تذكروا فقط نسبة 31٪ من الكلمات ذات الدلالات الإيجابية أو المحايدة، مثل "أشعة الشمس" أو "لعبة سلة"، حيث يفترض العلماء أن الحرمان من النوم يستهدف قرن آمون (المسؤول عن معالجة الذكريات الإيجابية أو المحايدة، وهو المسؤول عن مثل هذه التأثيرات).
التدرب على ممارسة الامتنان (التقدير والعرفان وشكر النعمة)
تقول أستاذة الأبحاث في جامعة هيوستن الأمريكية بريني براون (Brene Brown): "لم أقابل خلال 12 عاماً من الأبحاث شخصاً واحداً لديه القدرة الحقيقية على البهجة من أولئك الذين لم يمارسوا الامتنان عادة"، لأن من يمارس الامتنان بشكل اعتيادي كما تقول البروفسور براون: "يفيدون بأنهم":
- يشعرون أكثر بالسعادة وأقل بالاكتئاب.
- يحصلون على نوعية أفضل من النوم.
- يزداد لديهم احتمال الانخراط في سلوكيات صحية أكثر، مثل: التمارين الرياضية.
تقبل الشدائد واعتبارها دروساً قيّمة
يفيد العلم بأن الأشخاص الذين عانوا من الشدائد في حياتهم أكثر سعادة بشكل عام من أولئك الذين لم يعانوا أية مصائب في حياتهم، فإن المنظور المكتسب بعد فترات التجربة الصعبة يفيد بما يلي:
- تشكيل وتعزيز الهوية.
- التعامل بشكل أفضل مع الضغوطات الحالية والمستقبلية.
- زيادة المقاومة.
- جعلنا أكثر تفاؤلاً بالمستقبل.
لذا.. وفي المرة القادمة التي تواجه فيها عقبة ما؛ حاول أن تكون أكثر مرونة لأن القادم أفضل.
إدراك مكونات السعادة
وفقا للعلم فإن السعادة هي مزيج من أمرين: مدى رضاك عن حياتك ومدى شعورك الجيد على أساس يومي، فخلافا للاعتقاد الشائع نحن نتكيف مع ظروفنا بمرور الوقت؛ حيث لا تلعب هذه الظروف دوراً كبيراً في مستويات السعادة عامة، والاستثناء الوحيد على ما يبدو، هو التنقل (الذي تحدثنا عنه في بداية التفسير العلمي لأسباب السعادة).
كما أننا تحدثنا أكثر من مرة عن أن نسبة بحوالي 50% من السعادة يتم تحديدها وراثياً، ويتم التحكم بنسبة 40% من الأفعال والسلوكيات والأفكار السعيدة من قبلك، كما يتم تحديد نسبة 10% فقط من السعادة من خلال ظروفك الخاصة، فمفهوم السعادة غير مستقر، بالتالي هذا الكلام العلمي هو سبب وجيه للتوقف والتأمل في حياتك.
في نهاية حديثنا.. السعادة هي جهد مضني وعمل متعب.. فافعل ذلك بكل الأحول!.. تناسى النسب المئوية التي ذكرناها أعلاه؛ إذا كنت مستعداً لتكريس بعض الوقت وتقديم الجهد في تنفيذ بعض هذه التوصيات العلمية (المنطقية)، فستتمكن من الوصول إلى شخصية أكثر سعادة، إذ ليس من المهم أن تبقى مبتسماً طوال الوقت كي نقول: "أنك شخص سعيد!".. كما لا تعني السعادة أن تملك كل المال في العالم أو أن ترفض رؤية المشاكل الموجودة في حياتك، لأن السعادة هي الرضا.. "السعادة هي الرضا".. كما أنها حق من حقوقك كإنسان منذ لحظة ولادتك، فاستحق ما تملك ومارس هذا الحق، كما أرجو أن تشاركنا من خلال التعليقات؛ وجهة نظرك وتجربتك الرائعة في عيش السعادة والرضا في حياتك، كما يمكنك عرض أي مشكلة وطلب الاستشارة نحن بانتظارك.