تنمية المنافسة البناءة لدى الطفل

لماذا تعد المنافسة جيدة للطفل؟
يعتبر بعض الأهل موضوع المنافسة أمراً محظوراً على أطفالهم؛ ليس فقط لأنه يشكل ضغطاً على الصغار لبذل أقصى جهودهم في مضمار محدد، بل لأن المنافسة تسبب الإجهاد للطفل وممكن أن تتركه مع خيبة أمل لعدم قدرته على إنجاز ما يجب عليه إنجازه.
لحماية الأطفال من خيبة الأمل، فإن العديد من الأمهات والآباء وبنيّة حسنة؛ إما أن يعلنوا أن الجميع فائز أو يتجنبون المواقف التنافسية كلياً.

أهمية تربية المهارة التنافسية لدى الطفل
ليست الجوائز بالضرورة هي الناحية الأكثر أهمية في مهارة المنافسة.. أليس كذلك!.. فالمنافسة من حيث تنمية الطفل مهمة وصحية له، استناداً إلى تنشئته على تقبل الربح والخسارة في أمور حياتية مستقبلاً، حيث تساعده الأنشطة التنافسية في تطوير مهارات مهمة سيستفيد منها جيداً في مرحلة البلوغ مثل التناوب وتطوير التعاطف والمثابرة:

• كما يقول اختصاصي أمراض الأطفال العصبية الدكتور تيموثي غان (Timothy Gunn): " تعلم المنافسة الطفلَ بأن النجاح ليس دائماً هو الجانب المشرق والأفضل في الحياة، بل الأهم أن تعمل بجد والتزام، كذلك تكسب المهارات الاجتماعية الحساسة من خلال التفاعل مع الأطفال الآخرين، مع تعلم قيمة العمل الشاق وتطوير الثقة بالنفس والكفاءة الذاتية".
• تعليم المنافسة يعطي فرصة للطفل للعمل ضمن فريق، حيث تعلم العديد من الألعاب التعاونية الأطفال مهاراتِ حل المشكلة كفريق، وتساعدهم على تعلم مهارات العمل للمستقبل، من أجل الصالح العام وللمجموعة والمجتمع، والمفتاح لتحقيق ذلك هو التأكد من أن الجو يعزز المنافسة البناءة، الأمر الذي لا يستطيع الأطفال التقاطه أو التواصل معك بشكل دائم، لذا احرص على ملاحظة كيفية تفاعلهم مع المواقف التنافسية.

إذا شارك الطفل في منافسة بناءة وصحية، فيمكن:

1. أن يطلب المشاركة في النشاط مرة أخرى.
2. أن يكون ممتناً في الحالين: الخسارة أو الربح.
3. أن يتعلم مهارات جديدة ويرغب في تحسين وتطوير نفسه.
4. أن يستمتع بتقديره لذاته مهما كانت النتيجة.

إذا شارك طفلك في منافسة غير بناءة وغير صحية، فيمكن:

1. أن يقاوم مشاركة النشاط.
2. يتظاهر بالتعب والمرض لتجنب المشاركة.
3. يقولون صراحة أنهم لا يريدون المشاركة.
4. تظهر علامات الاكتئاب والقلق وصعوبة في النوم، أو فقدان الشهية سيرفع جميع الأعلام الحمراء التي تستدعي الحاجة للمزيد من المناقشة.

ويقول الدكتور غان: "معظم الأطفال يعانون من الإجهاد والتوتر قبل المباريات التنافسية وهذا أمر طبيعي، إلا أنه لا يجب أن يكون في كل المواقف التي على الطفل أن يخوض فيها المنافسات لأنها تؤثر على مناطق من دماغه".

كيف تشجع المنافسة الصحية لدى الطفل؟
كل ما يرتبط بالمنافسة ليس سهلاً، لكن عليك أن تساعد أطفالك على التفكير الإيجابي، فإنه يساعد على تحديد الإنجاز ليس فقط من أجل الفوز في النشاط، لكن تحديد هدف لشيء يضعونه في أذهانهم وينجزونه، حاول أن تكون موجوداً لدعم أطفالك خلال التحديات التي تواجههم وتعزز بشكل منتظم الرسالة؛ بأنه "لا بأس من خسارة اللعبة طالما أنهم يقدمون ما بوسعهم ويبذلون الجهد للتعلم من التجربة".
يؤكد الدكتور تيموثي غان على أهمية "نمذجة (تشكيل) السلوك الجيد لأنه أيضا أداة قوية"، ويضيف: "أعتقد أن جزءاً من تطوير المنافسة الصحية، هو أن الأطفال يتعلمون من منافسيهم ذاتهم"، يجب أن تعلّم الطفل أنك لا تريده ألا يقلق من الأطفال الآخرين أثناء المنافسة، ولكن فقط القلق على الوقت"، لذلك تغير نظرة الطفل من التنافس ضد الأطفال الآخرين إلى التنافس ضد أدائه وبهدف تحسينه، بالتالي قد تحول دون إخفاقه في اختبار النجاح، كما تضمن استمرار استمتاعه بالتدرب على الرغم من أنه غالبا ما قد يكون آخر طفل ينهي المنافسة.

تعليم الطفل المنافسة البناءة
هناك العديد من نظريات تعليم المنافسة الصحية لطفلك، فما الذي يحفز الأطفال الصغار وأولياء أمورهم على تخصيص الوقت والموارد للأنشطة التنافسية؟ حيث يعتقد الأهل أن المشاركة والتنافس أمر بالغ الأهمية للنجاح المستقبلي، ومن الممكن أن يتمكن الأطفال الذين يشاركون بشكل تنافسي أثناء دراستهم؛ من تطوير المهارات العقلية مع تقدمهم في العمر.

فلماذا يتنافس الأطفال؟
غالباً ما يصعب على الأهل التعامل مع القدرة التنافسية لأطفال تتراوح أعمارهم بين 5 و 6 سنوات، ويشعرون بالقلق من أن أطفالهم قد يُوصفون بأنهم متغطرسين أو غير حساسين، من ناحية أخرى قد يشعر الآباء أن المنافسة غير المشجعة وغير الصحية ستضع أطفالهم في مواقف صعبة، حيث تريد أن يرتاح أطفالك وأن يستمتعوا وأن لا يقلقوا بشأن كونهم الأفضل، لكنك في نفس الوقت تريدهم أن يحصلوا على ما يلزم ليكونوا ناجحين مستقبلاً، بالتالي قد يُنتج هذا التناقض صعوبة في تقييم؛ ما إذا كان مستوى قدرة طفلك التنافسية مناسباً لعمره؛ (وسنتحدث في مقال عن العمر المناسب كي يبدأ الطفل خوض المنافسات والألعاب التنافسية).
يقول أستاذ علم النفس الدكتور أندرو مايرز (Andrew Meyers): "المنافسة ليست بطبيعتها جيدة أو سيئة، لكن يمكن أن يكون لها عواقب إيجابية وسلبية"، إن مهمة الآباء والأمهات.. هي مساعدة أطفالهم على المنافسة بطريقة صحيّة.
ترتبط الروح التنافسية بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 6 سنوات ارتباطاً مباشراً بإحساسهم المتزايد بقدراتهم، حيث يتم قياسها من خلال مقارنة أنفسهم بأقرانهم، بالتالي يصلون إلى مراحل من التطور مثل: ربط أحذيتهم بأنفسهم، واستخدام دراجة بدون عجلات تدريبية، كما أنهم يكونون سعداء للغاية عندما يتقنون شيئاً جديداً.

المنافسة تضع الطفل في مواجهة مع الواقع الحقيقي
في حين يكون لدى الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة حياة خيالية نشطة، فإنهم في سن الخامسة يعيشون في عالم المدرسة الحقيقي، وتشرح أخصائية علم النفس سوزان إنجل (Susan Engel): "عندما يريد طفل في الثالثة من العمر أن يكون أسرع طفل في العالم، فإنه يتخيل ببساطة أنه كذلك، بينما يدرك الطفل البالغ من العمر 5 سنوات، أنه ليس جيداً بما فيه الكفاية فقط ليعتقد أنه الأسرع لكن عليه إثبات ذلك"، ويشدد العديد من الخبراء أنه من الأفضل تجنب وضع الأطفال في هذه السن (5سنوات) في المواقف التي تزيد من قدرته التنافسية، فعلى الرغم من أنهم يحبون ممارسة الألعاب ذات القواعد، إلا أنهم ليسوا كباراً بما يكفي لتحمل الخسارة، تقول المعلمة الأمريكية المخضرمة فيفيان جوسين بالي (Vivian Gussin Paley) مؤلفة كتاب (لا يمكنك قول لا يمكنك اللعب): "عندما يكون هناك حفل عيد ميلاد، على سبيل المثال، سيكون طفلك بائساً إذا تُرك بدون مقعد خلال لعبة الكراسي الموسيقية" (لعبة تتضمن عدد كراسي أقل من عدد الأطفال اللاعبين الذين يدورون حولها مع الموسيقى وعندما تتوقف؛ يجلس الأطفال على الكراسي والذي يبقى واقفاً هو الخاسر). 
على الرغم من أن العديد من الأطفال يتورطون في الرياضات التنافسية خلال هذا العمر، إلا أن الأطفال الأكبر في الغالب؛ هم من يركزون على الفوز، ويقول الدكتور أندرو مايرز: "في نهاية لعبة كرة القدم مثلاً، فإن معظم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 6 سنوات لن يهتموا إذا فازوا أو خسروا، فهم مهتمون أكثر بالحصول على وجبة خفيفة"، حيث يجب أن يركز المدربون والآباء على تعلّم الطفل في عمر قبل 6 سنوات والجهد الذي يبذله والمرح الذي يحصل عليه بدلاً من الفوز.

تعزيز الموقف الصحي من المنافسة
بالطبع هناك بعض الأطفال أكثر قدرة على المنافسة من الآخرين إلى حد ما وهذه مسألة شخصية، لكن الأولاد يميلون إلى أن يكونوا أكثر تنافسية من البنات، ومع ذلك إذا كان طفلك لا يستطيع الاستمتاع بلعبة ما لم يفز أو إذا لم يشارك في الأنشطة خوفا من الخسارة، فقد يكون سلوكه مرتبطاً بمشكلة ما في المنزل، وممكن أن نوضح ذلك على الشكل التالي:

• الأخوة الأصغر الذين لا يستطيعون تحقيق التميز بين أخوتهم؛ سيأخذون إحباطهم معهم ويظهرونه بين أقرانهم.
• في الناحية المقابلة فإن الأطفال الذين اعتادوا التميز في المنزل سينقلون ذلك ويطبقونه بين أقرانهم أيضاً.
• كما يشعر بعض الأطفال بالحاجة إلى التفوق من أجل كسب الحب والاهتمام من والديهم.
• كذلك الأطفال الذين لم يفقدوا الأسنان بعد، أو لا يستطيعون ركوب الدراجة، أو هم الأقصر بين أقرانهم، غالبا ما يكونون قلقين من عدم مواكبة هؤلاء الأقران.

مع ذلك إذا كان طفلك يعبر عن عدم أمانه، فتجنب تقديم قائمة مطمئنة لمواهبه مثل: "أنت ذكي"، "أنت سريع"، "أنت فنان رائع".. حيث كما تقول الاختصاصية النفسية سوزان أنجل: "لن يعتقد الأطفال أنهم جيدون في الأمور لمجرد إخبارهم بأنهم كذلك"، كما لا تحاول بث الراحة في طفلك على حساب الآخرين كأن تقول "وسيم عداء سريع، لكن أنت سباح أفضل"، بدلا من ذلك تحدث عن كيف أن الناس لديهم نقاط قوة مختلفة ويتطورون بمعدلات مختلفة، وطمأن طفلك بأنك ستحبه كثيراً بغض النظر عما إذا كان سيفوز في لعبة ما أو سيكون الأول على صفه.
هذا ومن الطبيعي تماماً أن تقوم طفلتك بمقارنات بينها وبين صديقاتها، لذا لا داعي لمعاقبتها على ذلك، لكنك لا ترغب في تشجيعها أيضاً.. أليس كذلك!؟
فساعدها على أن تصبح أكثر إدراكاً بأن التبجّح والغرور يؤدي إلى إيذاء مشاعر الأطفال الآخرين، ومن المهم أن تكون نموذجاً جيداً بين صديقاتها، كما يجب عليك أن تستمع إلى نفسك عندما تتحدث عن إنجازاتك، وتنتبه إلى ما إذا كنت تقارن نفسك بالآخرين، حتى وإن كان ذلك غير مواتٍ من الناحية المثالية؛إلا أن طفلتك وطفلك الصبي أيضاً، سيتعلم التركيز على إنجازاته الخاصة بدلاً من التركيز على شخص آخر.

في النهاية.. القدرة التنافسية عند الطفل هي مهارة مميزة عليك أن تعمل على تنميتها لدى طفلك في الوق الذي تتوخى طباعه ومدى تقبله للعب التنافسي، هذا وسنتحدث بالتفصيل عن العمر المناسب ليخوض الطفل في منافسات مناسبة، فشاركنا من خلال التعليقات رأيك بما ناقشناه أعلاه، وهل توافق مع كلام الخبراء حول أهمية التنافس لتنمية مهارات طفلك ومدى تأثيره على نجاحه مستقبلا؟ نحن بانتظار رأيك..