تعريف التضخم وأسبابه وأنواع التضخم في الاقتصاد
كثيراً ما نسمع في نشرات الأخبار عن حدوث تضخم في الاقتصاد وأن هذه التضخم سوف يترك تأثير كبير على القدرة الشرائية في بلد ما، ويختلف درجة تأثيره باختلاف نوع التضخم وقوة الاقتصاد ومتانته في مواجهة التضخم، فما هو التضخم، وما هي أنواعه، وكيف بدأ، وما هي الأسباب التي تؤدي إلى التضخم، وكيف يمكن الحد من ظاهرة التضخم في الاقتصاد!
التضخم (بالإنجليزية: Inflation) من أكثر المصطلحات الشائعة في المجال الاقتصادي وهو مصطلح يصف حالة ارتفاع أسعار الخدمات والسلع في فترة زمنية معينة يرافقه انخفاض في القوة الشرائية، ويرتبط التضخم بانخفاض قيمة العملة بشكل رئيسي إضافة إلى مجموعة كبيرة من العوامل مثل الكساد واختلال الميزان التجاري للبلاد والديون والأزمات العالمية والمحلية.
ويمكن تبسيط مفهوم التضخم بأن العملة المحلية لا تعود قادرة على شراء نفس الوحدات من سلعة معينة كانت تشتريها من قبل، فالتضخم هو الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار خلال فترة من الزمن، فلكي يحدث التضخم يجب توافر شرطين الأول هو الاستمرار أي ارتفاع الأسعار المستمر وليس المؤقت، والثاني هو ارتفاع في المستوى العام لأسعار معظم أو كل السلع وليس في سلعة أو اثنتين نتيجة الندرة.
يؤثر التضخم على قدرة المواطنين في تلبية حاجاتهم، كما يمكن أن يؤثر المعدل العالي للتضخم في النشاط الاقتصادي من استهلاك واستثمار، ولا يشكل التضخم خطراً طالما كان في الحدود المعقولة وهي 2% أما إذا زاد عن هذا المعدل فذلك يدل على وجود خلل كبير في اقتصاد الدولة. [1]
بعد اكشاف الأمريكيتين كان هناك اندفاع كبير من قبل الدول الأوروبية من أجل الحصول على غنائمها ومواردها الثمينة فبدأت حملات الاستعمار، وحصل الإسبان على الغنائم المعدنية والفضة والتي كانت وافرة في أمريكا الجنوبية، حيث تقدر كمية الفضة المستخرجة في القرن السابع عشر ب 160 ألف طن أي ما يقارب 80% من مجمل الفضة العالمية اليوم، أي أن معظم ما نتداوله اليوم من فضة يعود أصله لأمريكا الجنوبية.
خلال تلك الفترة أصبح الاقتصاد الإسباني أقوى اقتصاد في العالم حيث انتعشت السوق وزادت السيولة النقدية ولكن الأمر الذي لم تدركه إسبانيا حينها أن هناك شيئاً اسمه التضخم والذي يعني فقدان المال لقيمته الشرائية نتيجة لعدة أسباب أهمها في هذه الحالة هو زيادة المال عن الحاجة الفعلية للسوق وحسب السجلات التاريخية ففي خلال مئة وخمسين سنة هبطت قيمة البيزوس الإسباني لتصل إلى السدس من قيمتها قبل اكتشاف أمريكا والفضة، وخلال هذه الفترة بدلاً مما يتوقعه البعض من رخاء اقتصادي للبلاد فإن الحكومة الإسبانية أفلست ثلاث مرات واستدانت مبالغ هائلة من باقي الدول الأوربية، وكان لحادثة التضخم هذه تأثير بالغ على الوضع الاقتصادي والسياسي للمملكة الإسبانية لعدة عقود لاحقة. [1]
تعتبر هذه الحادثة أكبر وأقدم تسجيل موثق للتضخم خلال فترة التعامل بعملات الذهب والفضة حيث أن وفرة كميات كبيرة من الفضة أدى لفقدان الفضة لقيمتها تدريجياً بسبب الكميات الكبيرة التي تملكها الحكومة الإسبانية وفي المقابل ارتفعت أسعار معظم البضائع ستة أضعاف، وكانت اسبانيا تعتمد على استيراد معظم بضائعها من الدول الأخرى ما أدى لحدوث عجز هائل في ميزانها التجاري.
يصنف التضخم إلى عدة أنواع تؤثر بشكل مختلف على الاقتصاد، ومن أبرز أنواع التضخم نذكر:
- التضخم المفتوح (Open Inflation): التضخم المفتوح أو الظاهر هو الارتفاع المستمر للأسعار استجابة للطلب المتزايد على السلع دون تدخل من السلطات للحد منه، أي أن الأسعار ترتفع بحرية وذلك من أجل أن تحقق التوازن بين العرض والطلب.
- التضخم المستتر (Repressed Inflation): التضخم المستتر أو المكبوت يتميز بعدم ظهور الارتفاع في أسعار السلع بسبب قيام الدولة بوضع قيود مباشرة للسيطرة على ارتفاع الأسعار مثل التسعير الاجباري، فتبقى السلعة ثابتة السعر ويرتفع الطلب على السلعة بالتالي تصبح الكمية المطلوبة أكبر من الكمية المعروضة أو قد تقل جودة المنتج، فيظهر التضخم المكبوت وتظهر السوق السوداء.
- التضخم الجامح (Hyper Inflation): هو زيادة كبيرة في أسعار السلع خلال فترة زمنية قصيرة تتبعها زيادة في الأجور مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض الربح، الأمر الذي يحتم رفع سعر السلع من جديدة فزياد في الأجور، ويفضي هذا النوع من التضخم إلى ما يدعى بالدورة الخبيثة للتضخم ويعتبر من أخطر أنواع التضخم لصعوبة السيطرة عليه وغالباً ما يؤدي إلى انهيار العملة المحلية.
- التضخم الزاحف (Creeping Inflation): هو تضخم بطيء وتدريجي ومعتدل للمستوى العام للأسعار في فترة زمنية طويلة يصاحبه معدل مقبول للنمو الاقتصادي، ولكن في حال استمراره وتراكم آثاره دون السيطرة عليه فقد يؤدي إلى حدوث تضخم جامح.
- التضخم المستورد (Imported Inflation): يحدث هذا النوع من التضخم نتيجة اعتماد الدولة على استيراد معظم حاجاتها من دولة أخرى تعاني من التضخم، فينتقل هذا التضخم إلى اقتصاد الدولة عن طريق هذه السلع والخدمات المستوردة من الدولة التي تعاني من التضخم.
تتعدد الأسباب التي تودي الاقتصاد للإصابة بظاهرة التضخم، وكما قد يحدث أيضاً نتيجة تفاعل مجموعة من الأسباب والعوامل الاقتصادية المختلفة، وهنا نذكر بعض الأمثلة عن أكثر الأسباب شيوعاً لحدوث التضخم: [3]
- ارتفاع الكلفة: ارتفاع تكلفة إنتاج السلعة تدفع أصحاب العمل لرفع سعر بضائعهم ويحدث ذلك نتيجة ارتفاع أسعار المواد الخام أو مطالبة العمال برفع أجورهم أو الارتفاع في ايجارات العقارات، بالتالي فإن الفارق في السعر والكلفة يكون في النهاية على حساب المستهلك، وهذا الارتفاع أحد أسباب التضخم.
- ارتفاع الطلب: قد يحدث التضخم نتيجة زيادة الطلب عن قدرة السوق على العرض، وغالباً ما نلاحظ هذه الظاهرة في الدول التي تتطور بسرعة أو عندما تقوم الدولة بتخفيض الضرائب فيشعر المواطن أن له الامكانية ليشتري أي شيء مع فائض المال الذي في جيبه ويتعدى الامر بسرعة من الضروريات في الحياة كشراء منزل أو دفع أقساط الدراسة إلى إنفاق هذه الأموال في الترف والمتعة.
- طباعة المال: عندما تطبع الحكومات عمولات ورقية وتضخها في السوق فإن القدرة الشرائية للعملة ستضعف بعد فترة في حال عدم وجود مخزون يغطيها من القطع الأجنبي، وأسباب الاقدام على مثل هذا الاجراء من قبل الحكومة مختلفة فقد تقوم بذلك من أجل تحفيز الاقتصاد وتوفير فرص العمل أو لأسباب تتعلق بالقروض البنكية أو نتيجة عجز الحكومة عن تسديد ديونها.
- الكوارث الطبيعية والحروب: كثيراً ما يحدث التضخم بعد أو خلال الحروب أو الكوارث الطبيعية حيث يقل إنتاج السلع وبنفس الوقت يزيد الطلب عليها مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار نتيجة زيادة الطلب عن العرض وهذا ما حدث في أغلب دول العالم خلال جائحة كورونا.
- الحصار الاقتصادي: يؤدي الحصار الاقتصادي الذي تمارسه الدول تجاه دولة أخرى إلى انعدام الاستيراد والتصدير مما يتسبب في ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع كبير في معدلات الأسعار بشكل غير معقول كما حصل في كوبا والعراق وسوريا.
- الاعتماد على السلع المستوردة: ينتقل التضخم من الدولة المصدرة إلى دولة مستوردة إذا كانت الأخيرة تعتمد اعتماد كلي على استيراد معظم حاجاتها من سلع وخدمات الدولة المصدرة والتي تعاني من التضخم.
- زيادة الضرائب: عندما تفرض الدولة المزيد من الضرائب كالضريبة الجمركية أو ضريبة القيمة المضافة فإن ذلك يدفع التجار إلى رفع أسعار السلع من أجل الحفاظ على نسبة الربح.
- الارتفاع في الأسعار للمنتجات العالمية: ارتفاع أسعار المنتجات العالمية خاصة النفط ينعكس على الدول المستوردة، بسبب اعتماد هذه الدول على النفط في تشغيل معاملها وشركاتها مما يؤدي إلى رفع أسعار المنتجات والسلع للمحافظة على معدل الربح.
يخلف التضخم آثاراً سلبية كبيرة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وتشمل أبرز هذه الآثار ما يلي:
- تراجع القدرة الشرائية للأفراد: ينعكس التضخم بشكل مباشر على الحياة اليومية للأفراد من خلال انخفاض قدرتهم الشرائية، حيث لا يستطيع الفرد الحصول على نفس السلع والكميات على الرغم من دفع نفس القيمة بالعملة المحلية أو نفس النسبة المئوية من دخله، وعادةً ما يقود التضخم المرتفع للتخلي عن السلع الرفاهية والكماليات والتقشف في السلع الأساسية.
- فقدان الثقة بالعملة المحلية: من أخطر آثار التضخم هو فقدان الثقة بالعملة المحلية ولجوء الأفراد لفك ودائعهم البنكية واستبدال العملة المحلية بالدولار الأمريكي أو العملات المستقرة أو الذهب، من جهة يشكّل ذلك ضغطاً كبيراً على القطاع المصرفي الذي يعاني للخروج من تبعات التضخم، ومن جهة أخرى يزداد الطلب على العملة الأجنبية في السوق السوداء ما يزيد من التضخم في الأسعار وتدهور العملة المحلية.
- اتباع خطط التقشف: تعتبر خطط التقشف إحدى الاستجابات السريعة لمستويات التضخم المرتفعة، وتشمل عادة تقليل وضغط المصاريف الحكومية والحد من الاستيراد بالدرجة الأولى، وقد تطال رفع الدعم الحكومي في بعض القطاعات، وقد تصل إلى تسريح العمالة وإغلاق المشاريع والتوقف عن دفع المرتبات بشكل كامل أو جزئي.
- تغيرات في توزيع الدخل: يؤثر التضخم على توزيع الدخول الحقيقية إيجاباً أو سلباً فإذا كان الدخل النقدي ثابتاً مثل دخل أصحاب العقارات والأراضي فإن التضخم سيؤدي إلى تراجع الدخل بشكل مستمر، أما إذا كان الدخل النقدي مساوياً لنسبة زيادة الأسعار فالتضخم هنا ليس له أي تأثير على الدخل الحقيقي، أما إذا كان الدخل النقدي متغير مثل دخل التجار ويزداد بنسبة أكبر من نسبة الزيادة في الأسعار فالدخل الحقيقي يزداد بازدياد التضخم.
- إعادة توزيع الثروة عشوائياً: يؤدي التضخم إلى إعادة التوزيع العشوائي للثروات فأصحاب الدخول الثابتة يضطرون لبيع ثرواتهم الحقيقية كالعقارات للحفاظ على مستواهم الاستهلاكي بينما يقوم أصحاب الدخول المتغيرة كالتجار بشراء هذه العقارات وتزيد ثرواتهم.
- انخفاض قيمة المدخرات: يؤثر التضخم على قدرة الأفراد على الادخار، فالدخل يوزع بين الاستهلاك والادخار، ولكن مع ارتفاع أسعار السلع التي يقوم الفرد بشرائها سيصبحون عاجزين عن الادخار ويجعلهم يدفعون نقوداً أكثر للاستهلاك، أما أصحاب الثروات فإنهم سيبحثون عن طرق بديلة للادخار بعيداً عن العملة المحلية فيقومون بشراء الذهب أو العملات الأجنبية القوية كالدولار الأمريكي مما يزيد من ضعف العملة المحلية.
- الإحجام عن الاستثمار: يخشى المستثمر على أمواله في فترات التضخم بسبب انهيار قيمة العملة فدخوله في مشاريع لفترة طويلة سيؤدي إلى خسارته أمواله مما يجعله يلجأ للشراء والبيع الفوري خاصة للذهب والعقارات بسرعة كي لا يخسر نقوده بالتالي يقل الاستثمار مما يجعل الاستثمار في المجالات الإنتاجية يقل بشكل خطير ويؤثر على اقتصاد الدولة ويزيد من التضخم.
- اختلال ميزان المدفوعات: عندما تزيد الأسعار داخل الدولة نتيجة التضخم فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض التصدير نتيجة ارتفاع سعر السلعة فتفقد قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، بنفس الوقت ارتفاع سعر السلعة المحلية سيؤدي إلى تفضيل الأفراد للسلع الأجنبية كون سعرها أقل مما يؤدي إلى زيادة الاستيراد فتزيد الواردات وتقل الصادرات بالتالي يحدث عجز في ميزان المدفوعات نتيجة التضخم.
- التوتر السياسي والأمني: على وجه الخصوص في الدول النامية يرتبط التضخم بالتوترات والصراعات السياسية والتوترات الأمنية، حيث لا تملك الدول النامية القدرة المالية لتعويض التضخم بشكل يحمي المواطنين من الفقر والجوع، ويترافق ازدياد التضخم مع تفشي السرقة والجريمة والفساد، ومع ازدياد التحركات المناوئة للحكومة، وهذه من العوامل تشكِّل مناخاً اقتصادياً غير ملائم للحلول الناجحة وطارد للاستثمار. [4]
تعتمد حلول التضخم على السياسة الاقتصادية التي تتبعها الدولة والمصارف في محاولتها علاج التضخم والسيطرة عليه بهدف خفض الأسعار وإعادة الاستقرار الاقتصادي للدولة ويكون ذلك من خلال:
- وضع ضوابط للأسعار: تحاول الحكومة محاربة احتكار المواد الاستهلاكية الهامة لبيعها بأسعار مرتفعة فتقوم بتحديد أسعار السلع وتفرض عقوبات على المخالفين لسياساتها خاصة على المواد الأساسية والغذائية.
- خفض الإنفاق الحكومي: الإنفاق الحكومي هو أحد وسائل زيادة تداول النقود في السوق، وبالتالي الحد من حجم الإنفاق الاستهلاكي يساهم في إنقاص هذه النقود المتداولة وتقليل التضخم، وتحاول الحكومات تحديد أوجه الهدر في الإنفاق الحكومي والتخفيف منها.
- فرض الضرائب: إن فرض الضرائب من قبل الحكومة يمكن أن يحد من معدل التضخم فالزيادة في الضرائب تعني اقتطاع جزء من مدخول الفرد وبالتالي خفض الطلب على السلع والخدمات نتيجة انخفاض الدخل للفرد.
- زيادة الاحتياطي القانوني: يمكن للمصارف أن تساعد في خفض معدلات التضخم من خلال زيادة الأموال التي يجب أن تحتفظ بها في حسابها وهو ما يسمى الاحتياطي الإلزامي مما يقلل من قدرتها على منح القروض وبالتالي المساهمة في خفض الطلب على السلع والخدامات الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تراجع في الأسعار وتخفيض معدلات التضخم.
- رفع سعر الفائدة: إن خفض معدل الفائدة على القروض يؤدي إلى زيادة الطلب هذه القروض المصرفية والذي يعتبر أحد أسباب التضخم وعلى العكس من ذلك فإن رفع المصارف للفوائد المصرفية سوف يساهم في مكافحة التضخم وخفض حجم القروض.
- اللجوء للدين العام: يمكن استخدام هذه الوسيلة كحل أخير في حال لم تنجح أي من الحلول السابقة ويكون ذلك عن طريق طرح الحكومة لسندات الدين العام بفائدة مرتفعة فيشتريها كبار الملاكين مما يؤدي إلى سحب فائض السيولة المسببة للتضخم.
- ربط العملة بعملة أخرى أقوى: يمكن الحد من التضخم من خلال ربط العملة المحلية بعملة أجنبية قوية وتتبعها في السياسات النقدية مثل بعض دول الخليج التي ترتبط بالدولار الأمريكي. [5]