شروط صيام القضاء وأحكامه بالتفصيل
قضاء الصيام أو صيام القضاء فرضٌ يجب على كل مسلم أفطر في شهر رمضان بعذرٍ أو بغير عذر وكان الصيام عليه واجباً من حيث هو مسلمٌ مكلّفٌ عاقل، والقضاء واجبٌ مع الكفارة أو الفدية أو بدونهما حسب أسباب وأعذار الإفطار في يوم رمضان، ويتفق أهل العلم على استحباب تعجيل قضاء الصيام قبل دخول رمضان التالي، ولتأخير قضاء الصيام أحكامٌ مفصّلة حسب دواعي الإفطار والتأخير وآراء المذاهب.
- وجوب النية: نية الصيام شرطٌ واجبٌ لصيام القضاء، ومن لم ينوِ الصيام وصام فلا يحتسب له قضاءً عن أيام رمضان التي أفطرها، وهذا ما أجمعت عليه المذاهب الأربعة، فيجب تبييت النية قبل فجر يوم القضاء، على عكس صيام النفل فهو لا يحتاج للنية المسبقة.
- أن يكون القضاء في الأيام المباح بها الصيام: لا يصح صيام القضاء في الأيام التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلّم كأول أيام عيد الفطر أو يوم الجمعة منفرداً، وإذا رغب المسلم الصيام يمكنه صيام الجمعة مع السبت أو الخميس، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "لا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بقِيامٍ مِن بَيْنِ اللَّيالِي، ولا تَخُصُّوا يَومَ الجُمُعَةِ بصِيامٍ مِن بَيْنِ الأيّامِ، إلّا أنْ يَكونَ في صَوْمٍ يَصُومُهُ أحَدُكُمْ" أخرجه مسلم.
- ألا يترافق صيام القضاء مع صيام مفروض: وهو من الشروط المعروفة عدم قضاء الصيام في أيام الصيام المفروضة في أيام شهر رمضان المبارك.
- عدم قطع الصيام بغير عذر شرعي: لا يجب تبييت نية القضاء وعدم تنفيذه لما فيه من تلاعب بالعبادات المفروضة، إلا إذا كان هناك عذر شرعي كالمرض أو السفر أو الحيض أو التعب الشديد.
- قضاء الصيام قبل دخول رمضان التالي: يتوجب على المسلم الذي عليه قضاء صيام رمضان تعويض صيام أيامه قبل دخول شهر رمضان التالي، ولا يشترط المسارعة ويمكن قضائها منفصلة أو متتالية لكن يسن أن تكون متتالية ويستحب فيها التعجيل، وأوجب بعض أهل العلم دفع الفدية أو الكفار مع بقاء صيام القضاء إذا تأخر القضاء حتى دخول رمضان آخر.
صيام القضاء هو فرض على المسلم يبقى في ذمته، وينطبق عليه ما ينطبق على غيره من الفروض كالصيام في رمضان، فقطع صيام القضاء يعتبر تلاعب بالعبادة الواجبة:
- حكم الإفطار في صيام القضاء بعذر: كما هو الحال في الصيام في شهر رمضان المبارك، فمن المباح له الإفطار في حال أصبحت المرأة محيضة أو في حالات المرض والسفر ولا يتوجب قضائه ولا فدية عليه، فقط يصوم يوماً مكانه.
- قطع صيام القضاء بغير عذر: يعتبر قطع صيام القضاء بغير عذر شرعي محرم كإفطار يوم من أيام شهر رمضان وليس في هذا خلاف بين العلماء والفقهاء، فتجب عليه التوبة إلى الله وإعادة قضاء يومه الفائت من الشهر ولا تتوجب عليه كفارة لكن عليه التوبة إلى الله والاستغفار لما وقع منه من قطع الصوم الواجب بلا عذر، وقال قتادة تجب الكفارة على إفطاره.
- كفارة صيام القضاء: عند معظم الفقهاء لا تتوجب كفارة على الإفطار لقطع الصيام في القضاء، فقط يقضي اليوم ويتوب ويستغفر إلى الله.
إذا كان تأخير قضاء الصيام إلى بعد شهر رمضان التالي لعذر مباح كالمرض أو الحمل أو الرضاعة وغيرها من الأعذار الشرعية، فلا يتوجب إلا قضاء هذه الأيام بعد انقضاء الشهر ولا يتوجب الفدية أو الكفارة بإجماع المذاهب الأربعة، أما إذا كان تأخير صيام القضاء إلى رمضان التالي دون وجود عذر شرعي فقد اختلف علماء الدين بحكم الصيام والقضاء في هذه الحالة، بين إخراج فدية والقضاء بعد رمضان، وهذا ما ذهب له الشافعية والحنبلية والمالكية، وبين القضاء مع الاستغفار والتوبة لله عز وجل وهذا ما ذهب إليه الحنفية.
وكفارة تأخير قضاء رمضان بدون عذر عند المذاهب التي توجب الكفارة هي إطعام مسكينٍ عن كل يومٍ بدفع مقدار 750 غرام من التمر أو الخبز أو الطحين أو غيرها، ويمكن سدادها قبل القضاء أو بعده، ولا يذهب عنه واجب القضاء إلّا إن كان له عذرٌ يمنعه عن الصيام بشكل مستمر.
حكم تأخير قضاء صيام رمضان لعدة سنوات
عند تراكم عدة سنوات لا تتضاعف الفدية لكنها تدفع كل عام فلا يزداد الواجب بها، كما هو الحال في تأخير الحج الواجب لو تأخر سنين لم يكن عليه أكثر من فعله، وهذا قول الشافعية والحنبلية والمالكية، أما عند الحنفية لا تتوجب الكفارة على تأخير صيام القضاء لعدة سنوات ولكن يظلّ القضاء واجباً.
يقول الدكتور شوقي علّام مفتي الجمهورية في مصر أن صيام القضاء عن الميت ليس واجباً إذا مات وهو على العذر الذي جعله يفطر في رمضان، فمن أفطر في رمضان لعذر المرض ومات في مرضه لا يجب على وليه صيامٌ ولا فديةٌ ولا كفارة، وهو معذورٌ لأنه لم يتساهل في القضاء وكانت رخصة الفطر قائمةً عند وفاته.
أما إذا كان الميت قد ذهب عنه عذر الإفطار وتساهل في صيام القضاء حتى توفاه الله؛ فقد اختلف أهل العلم في مسألة صيام القضاء عن الميت في هذه الحالة، فقالوا لا يجوز الصيام عنه ولكن يدفع وليه الفدية أو الكفارة لأن الصيام لا تدخله النيابة في الحياة ولا الممات، وهذا رأي الحنفية والمالكية والحنابلة والمتقدمين من الشافعية، فيما ذهبت بعض أهل العلم من السلفية والشافعية القديمة إلى جواز الصيام عن الميت دون وجوب، لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ.
والأولى أن يستشير المسلم أهل الفتوى في هذا الأمر للحكم في الحالة لأنها مخصوصة بظروف معينة، فيجب أن يُعرف سبب ترك الميت لصيام القضاء ونوعه هذا الصيام إن كان نذراً أم من رمضان، وتبعاً لما ينطبق عليه من آراء المذاهب.
- صيام القضاء للحائض والنفساء: بإجماع الفقهاء والمذاهب الأربعة وعلماء الدين يجب على المرأة عدم الصيام في شهر رمضان وفي غيره الصيام في فترة الحيض والنفاس حتى يتطهرن، ويتوجب عليها القضاء دون دفع كفارة لكون الصيام غير مباح لها.
- قضاء إفطار رمضان لعذر المرض: إذا كان المرض يعيق الصيام أو يتسبب الصيام في زيادة شدة المرض يباح الإفطار في رمضان ويقضي ما فاته من الأيام بعد انقضاء الشهر المبارك ولا يتوجب عليه الفدية أو الكفارة، استناداً لقوله تعالى: (وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) سورة البقرة الآية 185.
- قضاء إفطار رمضان للسفر: رخص الله عز وجل وأكدت السنة النبوية الشريفة الإفطار في رمضان في حال السفر، إذا كان السفر قبل الفجر ولمدة أقصاها 3 أيام متتالية من الشهر، فإن عاد يتم صيامه ويقضي ما فاته دون وجوب كفار وهذا عند المذاهب الحنفي والشافعي والمالكي استناداً لما ورد عن عبد الله بن عباس: "كانَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم في سَفَرٍ، فَرَأى زِحاماً ورَجُلاً قدْ ظُلِّلَ عليه، فَقالَ: ما هذا؟ فَقالوا: صائِمٌ، فَقالَ: ليسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ" أخرجه البخاري ومسلم، بينما يرى أصحاب المذهب الحنبلي أنه إذا كان يقوى على الصيام فعليه الصوم استناداً لقول الله عز وجل: (وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة البقرة الآية 184.
- قضاء الصيام للحامل وللمرضع: يباح الإفطار في شهر رمضان للمرأة الحامل والمرضع إذا كانت تخشى على نفسها أو على طفلها، ولا يتوجب عليها كفارة ولا فدية، ولكن عند زوال السبب عليها قضاء ما فاتها من الشهر عند جميع المذاهب عدا الشافعي يقول يتوجب عليها الفدية إطعام مسكين عن كل يوم بالإضافة لقضاء ما فاتها.
- صيام القضاء للإفطار العمد بدون جماع: هي ليست من رخص الإفطار في رمضان لكنه لا يتوجب الفدية ويكفي القضاء والتوبة والاستغفار من الله على هذا الفعل المحرم وهذا ما ذهب له الشافعية والحنبلية، بينما يتوجب دفع الكفارة والقضاء عند الحنفية والمالكية لكونه نوع من الشهوات.