خطوات علاج التسويف والتغلب على المماطلة
الحياة العصرية تتصف بالسرعة وكثرة الخيارات والرغبات والمسؤوليات وهذا يفرض على الإنسان وظائف ومتطلبات لإنجازها، والبعض يميل إلى التراخي والتكاسل ويبدأ بتأجيل الأعمال لتتراكم يوماً بعد يوم مهما كانت سهولتها، ومقالنا هذا عن مشكلة التسويف والمماطلة وما لهما من تأثير سلبي، منوهيّن إلى أهم طرق علاج هذه المشكلة.
تعريف التسويف "Procrastination" أنّه تأجيل المهام أو تأخير إنجازها حتى اقتراب موعدها النهائي، وغالباً ما يرتبط التسويف بأداء مهام أو أنشطة أقل أهمية من الذي نقوم بتأجيلها، ويمكن القول أن التسويف هو حالة قسرية من المماطلة التي يصعب السيطرة عليها، ووصف بعض الباحثين التسويف أنه شكل من أشكال فشل التنظيم الذاتي والذي يتمثل بالتأخّر غير العقلاني وغير المسؤول عن أداء المهام مع العلم بالعواقب المترتبة على هذا التأخر.
على الرغم من أن مشكلة التسويف شائعة جداً، إلا أنه يجب محاربتها لأنها تسبب ضياع الفرص وزيادة التوتر وتظهر الفرد في صورة من الإهمال وعدم الكفاءة بين الناس، بالإضافة إلى الفوضى المهنية والنفسية التي تعكر حياة الفرد وقد يفقد تقديره لذاته نتيجة التسويف المستمر.[1]
تتعدد الأمور التي تقود الفرد إلى التسويف في الأعمال ولا يمكن حصر هذه الأسباب في إطار معين، فلكل شخص منظور وأسباب تجبره على التسويف والمماطلة، ولكن بشكل عام يمكن ذكر أهم أسباب التسويف:
- سوء التنظيم: يعتبر سوء التنظيم من الأسباب القوية التي تقود إلى التسويف والمماطلة، وأهم أشكال سوء التنظيم المرتبطة بالتسويف عدم القدرة على تحديد الأوليات بشكل جيد، أو وضع خطط زمنية مبالغ بها وغير واقعية، أو تقديم المهمات السهلة على المهمات الصعبة، وإهمال ضرورة ترتيب الخطوات لتوفير الوقت والجهد.
- خلل في تحديد الأولوية: يميل الفرد إلى أداء الواجبات السهلة والسريعة على حساب المهام الكبيرة والتي تحتاج جهد ووقت أكبر، وهذا يؤدي لخلل في تنظيم الوقت والمماطلة في أداء المهام على حساب مهام أخرى، لذلك من المهم جداً تنظيم الأولويات وتقسيمها بشكل متساوِ فمثلاً، يمكن إنجاز مهمة صعبة تليها مهمة بسيطة للموازنة بينهم.
- الخوف والقلق: القلق والتوتر والخوف من أكثر أسباب التسويف والمماطلة شيوعاً، وخصوصاً الخوف من الفشل والخوف من النقد، والخوف من الاستهزاء والتنمر.
- الهروب من الضغط: يعتقد أن التسويف من الآليات الدفاعية للهروب من الضغط النفسي، سواء ضغط العمل والإرهاق المترتب عليه، أو حتى الضغوطات الحياتية الأخرى، حيث يساعد التسويف والمماطلة والتأجيل على التهرّب من مواجهة الضغوطات، ولذلك تعتبر فترات الراحة والاسترخاء من أهم علاجات التسويف.
- فقدان الشغف: يحتاج الإنسان إلى دوافع ومحفزات قوية لإكمال مهامه اليومية والروتينية، وعندما يفقد الشغف يلجأ إلى تأجيل المهام وإشغال نفسه في أمور أخرى لأنه لا لم يعد متحفزاً ومدفوعاً بقوة، وهناك الكثير من الظروف والعوامل التي تقودنا لفقدان الشغف ومنه إلى التسويف والمماطلة.
- قلة الثقة بالنفس: ضعف الثقة بالنفس يدفع الفرد للتهرب من أداء مسؤولياته وتأجيل أعماله، فيبدأ الأمر بقوله "لن أفعل ذلك الآن" وينتهي بقوله "لا أستطيع فعل ذلك" فيتدنى احترامه لذاته وثقته في قدراته على أداء مهامه.
- الكسل والخمول: ببساطة قد يكون السبب الكامن وراء التسويف هو الكسل وعدم رغبة الشخص بالقيام بالعمل بسبب شعوره الدائم بالخمول، وهذا النوع من الأشخاص يحتاج إلى تطوير شخصيته للقدرة على تحمل المسؤولية ويمكن دعم جسده ببعض الفيتامينات المنشطة بعد استشارة الطبيب حول أسباب الخمول والكسل المستمرين.
بالقليل من الجهد والتنظيم يمكن التغلب على مشكلة التسويف واقتلاعها من جذورها، ما عليك سوى اتباع هذه الطرق والنصائح المذكورة في الفقرة أدناه:
- تنظيم المهام: من السهل إنشاء قائمة للمهام اليومية بشكل منطقي ومريح بحيث يمكن أداء الأعمال بوقت كافي وجهد معقول، ومن غير المحبذ جعل هذه القائمة مزدحمة ومضغوطة لأن ذلك سيعود بالشخص إلى نقطة البداية ويتهرب بالتسويف من الضغوط الحاصلة.
- حدد أدواتك: يجب عليك التغلب على التسويف من خلال جمع كل المواد وأدوات العمل التي تحتاج إليها قبل أن تبدأ في تنفيذ المهام المطلوبة منك، فعندما تجلس للعمل أو لبدء أي مهمة عمل تأكد أنك أحضرت كل أدواتك وأن كل شيء تحت متناول يديك حتى لا تضطر إلى التحرك باستمرار لإنجاز المهمة، لأن الاستعداد التام يعتبر محفز قوي للاستمرار في العمل حتى إتمامه.
- القضاء على التهويل: من الجيد تبسيط المهام وعدم تضخيمها وتهويل صعوبتها حتى لو كانت كذلك، فهذا لن يجلب سوى التراخي والتقصير، بل على العكس يمكن تقسيم المهام الكبيرة وإنجازها على دفعات والنظر إليها ببساطة وتحجيمها قدر الإمكان.
- التفكير بالنتائج: إن التفكير بالنتائج القريبة وإهمال النتائج البعيدة يعد مسبباً رئيسياً للمماطلة، فمثلاً ينظر الفرد إلى النتيجة القريبة من التسويف وهي الراحة الآنية والهروب من العمل، ويتجنب النظر إلى النتائج البعيدة والنجاحات التي قد يحصلها في حال أنجز أعماله بمهارة وإتقان وسرعة.
- تجنب الأعذار: عندما يريد الإنسان التهرب والمماطلة من أداء أعماله يميل إلى اختلاق الأعذار مثل "أنا متعب" "الوقت غير مناسب" "ليس الآن لدي أعمال أخرى" وما إلى ذلك من حجج وأعذار، وينجر وراءها ليجد نفسه قد تأخر عن موعد تسليم مهامه، وتجنباً لذلك يجب عليه الحد من هذه الأعذار وامتلاك طاقة ودافع لإنجاز المهام.
- اعتمد نظام الحوافز والمكافآت: وهي من الطرق اللطيفة للقضاء على التسويف، فالجوائز والمكافآت تعد أداة لتحفيز الفرد على العمل وزيادة حيوية الشخص وانسجامه مع عناصر العمل، ويمكن تطبيق ذلك بعد كل مهمة ينجزها الفرد فيكافئ نفسه عليها بأمر يحبه سواء كانت وجبة طعام يحبها أو فلم يشاهده.
- تذكُر العواقب: قد تكون العواقب المترتبة على المماطلة والتسويف وخيمة ومكلفة، فتذكر هذه العواقب يبث في نفس الفرد حافزاً لإنجاز أعماله تجنباً للعواقب، وفي حال أجدت هذه الطريقة نفعاً يمكن للإنسان أن يعاقب في حال أهمل مهامه، فمثلاً في حال تأخر عن أداء عمله فيجب عليه إلغاء عطلة نهاية الأسبوع كعقاب له وقضاء العطلة في العمل.
- تعود على الإنجاز الجبري: بمجرد أن تبدأ مهمتك يجب أن تقاوم فكرة التوقف وإكمالها في وقت لاحق، ارفض أن تتوقف حتى تنتهي، فعندما تكتسب الانضباط من بداية المهمة حتى نهايتها، فأنت تثبت لنفسك أنك قادر على أداء المطلوب منك، وتؤهل نفسك للعمل المستقبلي، والأهم من الاستمرارية أن تجبر نفسك على الانتهاء من أخر 5% من المهمة، فهذا هو الجزء الذي يستحق التعب طوال المهمة من أجله على مستوى الإشباع النفسي.
- ضع قائمة مسبقة: أول خطوة لعلاج التسويف والمماطلة أن تعد قائمة مسبقة بكل خطوة من المهام المطلوبة، وتقسيم المهام العملية إلى مكوناتها الأساسية، لأن كتابة كل التفاصيل والاستعداد لها سيساعدك في التغلب على التسويف ويجعلك تبدأ العمل على الفور، واجعل القائمة مرتبةً بناء على الأولويات.
- قسّم المهام: كما أنك لن تنجح في تناول بيتزا كاملة دفعة واحدة، لا تحاول أبداً أن تنهي المهمة الموكلة إليك مرة واحدة أيضاً، بل أحيانا تكون أفضل وسيلة لإنجاز العمل بدون تسويف تجزئته إلى مهام أصغر تقوم بإنهائها فتشعر بالإنجاز، فتنفيذ مهام كثيرة صغيرة تنهي ما تقوم به من عمل كبير، وغالباً ستعطيك القوة الدافعة التي تحتاجها لتنفيذ المطلوب منك، وستكون قادراً على التغلب على التسويف والكسل.
- ابدأ الخطوة الأولى فوراً ولا تنسحب: هناك قاعدة تقول أن أسوأ ما في الأمر بدايته وإنما إكماله سهل، فالجلوس لإتمام 20% من العمل يجعلك تنهي الـ 80% الباقية بسهولة ويسر، وربما هذا ينطبق على المثل القائل رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، فعندما تغصب نفسك على أداء جزء صغير من العمل لبدء المهمة المطلوبة منك، فغالباً ستجد نفسك مستمراً للانتهاء من هذا العمل.
- ابدأ بالأكثر صعوبة: أن تكون مكلفاً بمهمة لا تحبها أو تفضلها قد يجعلك تشعر طوال الوقت بالكسل لأنك تحملها على عاتقك، لذلك أول مهمة يجب أن تقوم بها في بداية يومك للتخلص من التسويف هي الأعمال الصعبة، ويمكنك أن تقوم بها ثم تلقيها وراء ظهرك، وسوف يبدو كل شيء أفضل لبقية اليوم.
- لا تتجاهل أوقات الراحة: يجب أن يكون لديك وقت فراغ أثناء العمل للترويح عن نفسك، لذلك اقتطع من وقت العمل 15 دقيقة جانباً دون الشعور بالقلق، لتناول القهوة أو العصير حتى يمكنك تحفيز عقلك ونفسك للبدء في المهمة المطلوبة منك، ويمكنك اعتبار هذه الفترة تدريب بسيط يساعدك في إتمام عملك ومهامك المطلوبة منك.
إن التسويف من أكثر العادات السلبية والضارة التي تؤثر في حياة الأفراد بشكل كبير ويعد من الأسباب الرئيسية للفشل بسبب تأجيل المهام والواجبات الضرورية لذلك لابد من الابتعاد عن المماطلة والجد في العمل وذلك من أجل:
- الحفاظ على الصحة النفسية: عندما يبتعد الفرد عن تأجيل أعماله ومهامه ويسارع إلى تنفيذها يقوم بصقل شخصيته وبناء حياته المستقلة والخاصة كما أنه يزيد من ثقته بنفسه ويقوم بتكوين شخصية قادرة على تحمل المسؤولية إضافة إلى أن إتمام الأمور يزيد من شعور الشخص بالرضى عن ذاته وهذا ما ينعكس إيجابياً على صحته العقلية والنفسية.
- زيادة الإنجاز: ان المسارعة في تنفيذ الأعمال وإتمامها على أكمل وجه تفادياً لوقوع الأخطاء يحفز الفرد على الاستمرار في العمل وهذا ما له أن يرفع من مكانة الشخص في محيط عمله وأسرته كما أنه قد يتلقى مكافآت أو ترقية في مجال عمله وهذا ما سيولد دافعاً أكبر للإنجاز.
- تعزيز الصحة الجسدية: تشير بعض الملاحظات أن للتسويف المزمن علاقة وثيقة بأمراض الجهاز العصبي كالصداع والأرق والتهاب الأعصاب بالإضافة إلى أن شعور التوتر الذي يخلفه التسويف والتأجيل يؤثر على جهاز الهضم فيسبب بطء في عملية الهضم واضطرابات في المعدة لذلك فإن الابتعاد عن الكسل والمماطلة من شأنه أن يحافظ على صحة الجسد وتلافي حدوث الكثير من المشاكل الصحية.
- كسب الاحترام: إنجاز الأعمال بشكل كامل سيعطي فكرة أن الشخص قادر على تحمل المسؤولية وهذا ما سيكسبه مكانة في محيطه وسيقوي علاقاته مع زملائه في العمل وأفراد أسرته، كما أنه سيكون قدوة للأشخاص من حوله وسيحفزهم على الإنجاز وبالتالي تقدم المجتمع.
- اتخاذ القرارات الصائبة: إنجاز الأعمال في وقتها وعدم مراكمتها سيمنحك الوقت لاتخاذ قراراتك بشكل صائب بعيداً عن الضغط المتولد بسبب تراكم المهام عند إهمالها كما أن ذلك سيوفر الوقت للتفكير في الفرص المتاحة للفرد في جميع مناحي الحياة وذلك لاختيار الافضل منها بشكل صائب.