التربية النفسية للأطفال وعلامات الصحة النفسية للطفل
على غرار الصحة الجسدية للطفل تعتبر أيضاً الصحة النفسية أساساً للنمو السليم والتطور الذهني والنفسي وحتى الجسدي، وهذا ما يوضح أهمية العناية بالتربية النفسية للطفل، حتى يستطيع تطوير شخصية سوية ومتوازنة وقادرة على التأقلم في شتى مجالات الحياة، في هذا المقال سوف نتعرف على معنى التربية النفسية للطفل، وأهمية الصحة النفسية في مرحلة الطفولة، وكيف تتم عملية التربية النفسية، وأهم علامات الصحة النفسية للطفل.
التربية النفسية للأطفال هي جزء أساسية من عملية التربية يهتم بالصحة النفسية للطفل من خلال تقديم الرعاية النفسية والعاطفية المناسبة من أول يوم في عمر الطفل وحتى نهاية مرحلة التربية، وتشمل التربية النفسية للأطفال العمل على حمايتهم من الصدمات والضغوطات النفسية التي قد تؤدي إلى الاضطرابات والعقد، ومراعاة شروط الصحة والسلامة النفسية في التعامل مع الطفل، وإضافةً إلى فهم علامات الاضطرابات النفسية الأساسية التي تظهر في مرحلة الطفولة وحتى المراهقة لتقديم الرعاية النفسية المتخصصة في الوقت المناسب.
كيف أحافظ على نفسية طفلي؟ خطوات التربية النفسية للطفل لا تعتمد على الترتيب، فهي خطوات متزامنة ولازمة لبعضها لا يمكن الاستغناء عن أي منها، وأهم خطوات التربية النفسية للحفاظ على صحة الطفل النفسية إشباع الحاجة العاطفية وتنمية احترام الطفل لذاته وثقته بنفسه، إلى جانب تعليمه وتدريبه كيفية إدارة مشاعره والتعامل مع المواقف النفسية الصعبة، والتي تقود مجتمعة لتربية طفل سوي نفسياً:
- البدء بالتربية النفسية من الصغر: تبدأ التربية النفسية للطفل منذ اليوم الأول في حياته، وكلما أظهر الأهل والمربون اهتماماً مبكراً بصحة الطفل النفسية انعكس ذلك على استقراره النفسي وتكوين شخصيته السوية، ومن المهم أن يتم أخذ عمر الطفل والفروقات الفردية بعين الاعتبار في التربية النفسية.
- الاهتمام بالحاجات العاطفية للطفل: الإشباع العاطفي أهم أسس وقواعد التربية النفسية للطفل، وتربية طفلٍ سويٍّ نفسياً تبدأ من الإشباع العاطفي والاهتمام بالحاجات المعنوية للطفل من الصغر، حيث يجب أن يشعر الطفل أنه محبوب ومحل اهتمام، ولا يجب أن يشعر بالإهمال أو أنه غير مرغوب به أو يشعر بالذنب لأنه عبء على والديه أو يلهيهم عن أمور تبدو أهم منه!
- تقوية ثقة الطفل بنفسه: من أهم خطوات وأهداف التربية النفسية أن يعمل الأهل على بناء ثقة الطفل بنفسه وتعزيز احترامه لذاته وشعوره بالاستحقاق، وذلك من خلال تعويد الطفل على تقدير نفسه وإشعاره لأنه مهم حياة أهله والآخرين من حوله، وتجنب السلوكيات الخاطئة التي تضعف ثقة الطفل بنفسه مثل العقوبات النفسية والبدنية القاسية والمقارنة مع الأطفال الآخرين وتحميل الطفل مسؤوليات لا يقدر عليها ولومه على أخطاء لم يرتكبها... إلخ.
- تعليم الطفل إدارة العواطف والانفعالات: تبدأ التربية النفسية فعلياً من مساعدة الطفل على فهم المشاعر المختلفة، مثل الغضب والإحباط والخوف والحماس، ثم كيفية التعامل مع هذه المشاعر والعواطف وإدارتها بالطريقة الصحيحة، فمعظم الأطفال مثلاً يعبرون عن الغضب بالصراخ والبكاء ورمي الأشياء، ودور الأهل هنا مساعدة الطفل على تقبّل مشاعر الغضب وإدارتها بطريقة مختلفة وتدريبه على استبدال رد الفعل.
- تعويد الطفل على الاستقلال والاعتماد على الذات: بناء شخصية الطفل بطريقة صحيحة ومتوازنة يحتاج لتعويده على تحمّل المسؤولية، وذلك من خلال تعزيز الاستقلالية من الصغر وتعزيز اعتماد الطفل على ذاته من خلال نقل المهام إليه بما يتناسب مع عمره.
- تنمية مهارات الطفل الخاصة: اكتشاف مواهب الطفل وقدراته الخاصة والعمل على تنميتها من أهم تقنيات التربية النفسية، حيث إن تعزيز مهارات الطفل التي يتميز بها ومساعدته على تطوير مواهبه وهواياته يساهم في تقوية ثقته بنفسه وتطوير شخصيته بشكل متوازن وسوي والحفاظ على صحته النفسية.
- وضع قوانين واضحة مرتبطة بحقوق وواجبات الطفل: القوانين المنزلية من أهم قواعد التربية النفسية السليمة للطفل، حيث يميل الأطفال دائماً للالتزام بالقوانين بشرط أن تكون هذه القوانين واضحة ومحكمة ومستقرة، ومفهومة بالنسبة لهم، ومرتبطة بالثواب أو العقاب أو بكليهما، وعادلة ومنصفة يفهمها الطفل من باب الحقوق والواجبات.
- تدريب الطفل على التفكير الإيجابي: من أهم أهداف التربية النفسية للطفل أن يتمتع بعقلية إيجابية وتفكير مرن، والإيجابية هنا لا تعني التفاؤل المطلق أو التفكير بطريقة حالمة، بل تعني تنمية المرونة العقلية والقدرة على النظر إلى الأمور بطريقة موضوعية تساعد الطفل على المثابرة والصبر وبذل الجهد للوصول إلى أهدافه.
- وضع منهج تربوي متوازن: حيث لا يمكن أن تنجح التربية النفسية للطفل بالوصول إلى هدفها -وهو تربية طفل سوي نفسياً- دون أن تكون في سياق منهج تربوي متكامل ومتوازن يؤدي الهدف نفسه، اقرأ أكثر عن معنى وأهمية السياق التربوي من خلال النقر على الرابط "تربية الأبناء الصحيحة ومفهوم السياق التربوي".
الطفل السوي نفسياً أو الذي يتمتع بصحة نفسية جيدة هو الطفل الطبيعي الذي لا يعاني من أي اضطرابات نفسية أو سلوكية ذات منشأ نفسي، ويستطيع أن يمر بمراحل النمو النفسي ويتجاوزها إلى مرحلة النضج بشكل طبيعي ومتوازن، وتكوين شخصية متزنة وناجحة على المستوى النفسي والاجتماعي، ومن علامات الصحة النفسية عند الطفل:
- التطور والنمو الطبيعي: أهم علامات الصحة النفسية للأطفال أن يمر الطفل بمراحل التطور والنمو الطبيعية على مستوى تطور المهارات النفسية والذهنية والاستجابات العاطفية والاجتماعية التي ترتبط بتطور المهارات الحركية والنمو الجسدي أيضاً، ويجب أن تستند مراقبة التطور والنمو إلى معايير علمية وليس للمقارنة بين الطفل وأخوته أو أقرانه فقط، لأن الطفل قد يتطور بطريقة مختلفة عن أطفال آخرين دون أن يعني ذلك وجود مشكلة نفسية أو عصبية.
- تلبية التوقعات من مرحلته العمرية: كل طفل مقيّد بمرحلته العمرية من حيث قدراته ومهاراته والأشياء التي يستطيع فعلها ونموه الذهني والنفسي، ومن علامات الصحة النفسية عند الأطفال فهم ما هو المتوقع من الطفل في مرحلة عمرية معينة، والأهل أحياناً يتوقعون من الطفل أشياء تفوق قدراته في عمره، وعند عدم تحقق هذه التوقعات يشعرونه بالإحباط والفشل، وهذا له تأثير سلبي كبير على صحته النفسية.
- التركيز على استجابات الطفل: الطريقة التي يستجيب بها الطفل لمختلف المواقف التي يتعرض لها قد تساعد في التأكد من سلامة صحته النفسية، كالاستجابة عند التحدث معه أو مناداته أو توبيخه أو تعرضه للاعتداء، فإذا كانت استجابته طبيعية ومتوقعة من طفل بعمره تكون دليلاً على صحته النفسية الجيدة، وإذا كانت الاستجابات أقل أو أكثر من الطبيعي لا بد من مراقبتها واستشارة الطبيب المتخصص لتحديد سبب تأخر الاستجابات أو المبالغة بها.
- سلوك الطفل في المواقف الاجتماعية: من علامات الصحة النفسية للطفل كيفية تعامله واستجابته في المواقف الاجتماعية، هل يعاني من الخجل الزائد، هل يخاف من الغرباء بشكل مبالغ به، هل يستطيع تكوين علاقات جيدة مع الأقران، هل يشارك في الأحاديث ويجيب بطريقة متوازنة، كل هذه الأشياء تشير إلى صحته النفسية، مع الأخذ بعين الاعتبار الفروقات الفردية بين الأطفال.
- ألعاب الطفل واهتماماته: حسب جنس الطفل وعمره وبيئته تكون ألعاب الأطفال واهتماماتهم متشابهة إلى حد بعيد، وبالإضافة للتفضيلات والاهتمامات الخاصة بكل طفل، ومراقبة اهتمامات الطفل وطريقة باللعب من أهم طرق تقييم الصحة النفسية للأطفال.
- الاختبارات النفسية: يوجد بعض الاختبارات النفسية التي تقيس مستويات الذكاء أو قدرة الطفل على التعلم أو مهارات التواصل الاجتماعي وغيرها الكثير، وبعض هذه الاختبارات مجربة ومعتمدة من قبل علماء النفس، ويمكن أن تساعد في الكشف عن أي مشاكل نفسية لدى الطفل، ولكن يجب أن تجرى هذه الاختبارات على أيدي مختصين.
- القدرة على التعلم: في كل مرحلة عمرية يتوقع من الطفل القدرة على تعلم بعض الأشياء، وإذا لوحظ تأخر غير طبيعي لدى الطفل في التعلم فقد يشير ذلك لوجود مشكلة نفسية أو عقلية، ففي عمر سنتين مثلاً يكون الطفل قد بدأ بتعلم الكلام وتطور مهاراته اللغوية وقدرته على النطق بالتدريج ليتمكن من الكلام بطلاقة نسبية في عمر بين 4 و6 سنوات، أما إذا وصل لعمر 4 أو 5 سنوات دون أن يتمكن من النطق أو مع مهارات لغوية أقل من الطبيعي فيمكن أن يدل ذلك على مشكلة نفسية أو عقلية تحتاج لتدخل المتخصصين.
- الثقة بالنفس والرضا عن الذات: الطفل السوي نفسياً يكون راضٍ عن نفسه ومحباً لها ولا يعاني من أي أزمات أو مشاكل عاطفية أو مشاعر نقص، كما يكون واثق بنفسه ولا يوجد مكامن للضعف في شخصيته، أو مشاعر مثل الغيرة والقلق والحزن، إلا ضمن السياق الطبيعي للمرحلة النفسية، فيحزن عندما يفقد شيء ما، ويفرح عندما يحصل على ما يريد.
- أن يشعر الطفل بمحبة والديه وتقديرهما له وأنه طفل محبوب عموماً من قبل الآخرين سواء الكبار أو الأطفال من عمره، كل ذلك يحقق له إشباع لحاجاته العاطفية، وهذا الإشباع بدوره له أهمية كبيرة في الصحة النفسية للطفل.
- يجب أن يكتسب الطفل الثقة بالنفس من الصغر، فالثقة بالنفس تجنب الطفل أي عقد نقص أو مخاوف وهواجس، وتدفعه للتعلم والنمو والتطور بطريقة صحية وسليمة، وكل ذلك ينعكس بشكل إيجابي على صحته النفسية.
- تكوين علاقة جيدة بين الأهل والطفل، فوجود علاقة جيدة بين الطفل وأسرته تعطي للطفل ثقة بنفسه وشعوراً بأهميته ومحبة الآخرين له وتفهمهم لحاجاته، ما ينعكس بالضرورة على صحته النفسية.
- تجنب القسوة في التربية، لأن القسوة من أكثر الأشياء التي تؤثر سلباً على صحة الطفل النفسية، وقد تسبب له الخوف المفرط وفقدان الثقة بالنفس، أو تعلم السلوك العدواني أو الاعتياد على القسوة، أو الشعور بالكره للوالدين، والأفضل هو التربية بمحبة واحترام وعدم الخلط بين الحزم والقسوة.
- كل فعل أو تصرف أو قول في مرحلة الطفولة له تأثير على الشخصية النهائية التي سوف يستقر عندها الطفل، فمرحلة الطفولة هي مرحلة تكوين هذه الشخصية وبنائها، لذا يجب العمل على تنميتها بشكل إيجابي وصحي، حتى يتربى الطفل وهو يتمتع بصحة نفسية جيدة.
- إشباع دوافع ورغبات وحاجات الطفل بطريقة صحيحة ومتوازنة لا تفسده ولا تجعله يشعر بالنقص والحرمان، وذلك من خلال الاتزان في كل شيء سواء في المنح العاطفي أو المادي.
- الحفاظ على نفسية الطفل قد يتطلب استشارة المتخصص النفسي عند ملاحظة أي عرض نفسي أو اضطراب مثل العدوانية أو عدم الاستجابة أو الاكتئاب وغيرها.
- تحقيق السوية النفسية: اتباع أسلوب تربوي يعتني بالصحة والتربية النفسية للطفل، يساعد في نشوء طفل سوي من الناحية النفسية لا يعاني من أي مشاكل أو سلوكيات غير مقبولة، ولا يتصف بصفات شاذة أو سيئة مثل العدوانية والغضب أو الخجل والجبن، بل يكون شخص طبيعي متوازن وبصحة نفسية جيدة.
- تجنب العقد والاضطرابات النفسية: التربية النفسية للطفل تساهم في وقايته من المواقف والاحداث التي قد تسبب لديه حصول بعض الاضطرابات أو العقد النفسية، فالطفل السوي نفسياً أكثر قدرة على مواجهة الصدمات وتحكماً بانفعالاته وعواطفه، والتربية النفسية تقي الطفل من نشوء عقد النقص أو الهواجس والمخاوف أو السلوكيات الشاذة.
- تكوين شخصية قوية إيجابية عند الطفل: تكوين الشخصية الإيجابية هو جوهر التربية النفسية، فعندما يتربى الطفل بطريقة تشبع عواطفه وحاجاته، وتعنى بصحته وسلوكه وأخطائه وأفكاره وقناعاته، سوف يتمكن من بناء الشخصية الإيجابية من حيث طريقة التفكير والتفاعل مع الآخرين والتعامل مع المشاكل، والتمتع بشخصية قوية قادرة على التعبير والدفاع عن نفسها تعرف واجباتها وحقوقها.
- تجنب جوانب النقص في شخصية الطفل: الكثير من المواقف أو أساليب التربية الخاطئة قد تسبب بروز جوانب نقص في شخصية الطفل عندما يكبر، مثل التربية القاسية التي تقمع الأفكار والرغبات، أو الدلال الزائد الذي لا يسمح للطفل بمواجهة الصعوبات والتحديات، أو التعرض لمواقف تسبب الخجل أو الفوبيا، والتربية النفسية تأخذ جميع هذه العوامل بالحسبان بغية انتاج شخصية متكاملة ومتوازنة لدى الطفل.
- تربية طفل متوازن نفسياً وانفعالياً: تحقيق التوازن النفسي والعاطفي والانفعالي من أهم أساسيات التربية النفسية، فالطفل المتوازن نفسياً يكون أكثر جاهزية للنمو والتطور على الصعيد التعليمي والصحي والشخصي والاجتماعي وغيرها، أما الطفل الغير متوازن فإنه سوف يواجه صعوبات عديدة في مختلف المواقف التي سوف يتعامل معها، بالإضافة لإمكانية تطور سلوكيات ومشاعر غير صحية لديه مثل الغيرة والحقد أو العدوانية والغضب.
- تعلم السلوك الصحيح: أحياناً يقوم الأطفال بسلوكيات خاطئة دون ادراك لذلك، ودون معرفة لماذا تعتبر خاطئة، وقواعد التربية النفسية وطرقها، هي أن يتم الشرح للطفل حول ماهية السلوك الخاطئ وما هي نتائج، وكيف يكون السلوك الصحيح في صالح الطفل من ناحية، وفي الصالح العام من ناحية أخرى.