التعامل مع الطفل الذي يضرب أمه! الأسباب والحلول
جميع الأطفال يمرون بموقف أو حدث أو فترة يتصرفون فيها بعدوانية، ويستخدمون الضرب للتعبير عن رغباتهم ومخاوفهم ومشاعرهم، وتنبع هذه المسألة من غريزة الدفاع عن النفس، ثم تتلاشى مع تطور الطفل وزيادة خبرته ومهارته في الطرق الأفضل للدفاع عن نفسه، لكن في بعض الحالات قد يتحول الضرب والعدوان إلى سلوك زائد عن الحد المتوقع، وقد يتوجه حتى إلى أقرب الناس كالأم مثلاً، وهنا يجدر البحث عن الأسباب والدوافع، وإيجاد أفضل السبل للتعامل مع هذه المشكلة.
بشكل عام ليس من الطبيعي أن يقوم الطفل بضرب أمِّه أو أبيه، فالوالدان هما مصدر ومثال المحبة والعطاء بالنسبة للطفل، وهما أقرب الأشخاص إليه في هذه المرحلة، وعندما يضرب الطفل أمّه بشكل مستمر فهذا يدل على خلل في التربية وطريقة التعامل مع الطفل جعله يعتقد أن هذا السلوك مفيد بالنسبة له بطريقة أو بأخرى!
معظم الأطفال يلجؤون للضرب في مرحلة ما، فالغضب والعدوان وحتى الضرب أحياناً ينبع من غرائز طبيعية لدى الطفل تمارس وظيفة الدفاع عن النفس والحفاظ على البقاء، ومسألة ضرب الطفل لأمّه هي خطأ في التقدير من قبله أكثر من كونها سلوك مستقر، وهي فرصة لتعديل طريقة الطفل في الدفاع عن نفسه والتعبير عن رغباته وتلبية مصالحه.
والأجدى هنا القيام بعملية توجيه لأسلوب الطفل في الدفاع عن نفسه ورغباته ومصالحه، سواء حول كيفية تحقيق هذه الأهداف، أو من ناحية من هم الأشخاص الذين يسمح بالدفاع عن النفس ضدهم حتى لو بأسلوب عدواني وهم غالباً يتمثلون بالأشخاص الأشرار مثل الخاطفين أو السارقين أو المعتدين، ويكون ذلك بحسب قدرات الطفل وبحسب ضرورة الموقف واحتمالية وجود بدائل أكثر نفعاً.
كيف أتعامل مع طفلي الذي يضربني؟ أول خطوة في التعامل مع الطفل الذي يضرب أمّه هي فهم دوافعه لذلك، هل يحاول لفت الانتباه أم أنه يعجز عن التعبير عن غضبه بطريقة أخرى، هل حصل على تشجيع على السلوك العنيف جعله يلجأ للضرب، أم أنه ما زال غير قادراً على التعامل مع مشاعره الغاضبة، ومن أهم خطوات التعامل مع طفل يضرب أمّه:
- عدم ضرب الطفل: عند استخدام أسلوب الضرب في تربية الطفل يؤثر هذا على فهمه لسلوك الضرب ونظرته له، فمن ناحية يشعر بالظلم والضغط التي يؤدي لمحاولة تفريغه عن طريق ضرب الأم أو الوالدين، ومن ناحية أخرى يصبح له تصور عن الضرب كطريقة صحيحة للتصرف والتعامل مع الآخرين.
- النموذج والقدوة الحسنة: الوالدان هما قدوة الطفل ومثال السلوك الصحيح ومنبع طريقة التصرف، وإذا تربى الطفل في أسرة يتبع أحد أفرادها سلوك الضرب في التعامل مع الآخرين، فغالباً سوف يتلقى الطفل رسالة بأن هذا السلوك يساعده في تحقيق رغباته وفرض آراءه على بقية أفراد العائلة.
- تعليم الطفل السلوك الصحيح: قد يقوم الطفل بضرب أمه لتحقيق غايات معينة، مثل الانتقام أو تفريغ الطاقة أو الغضب أو تحقيق بعض الرغبات، وذلك كون الطفل لا يعرف بعد الطريقة الصحيحة لتحقيق هذه الغايات، وهنا يجب تعليمه كيف يحقق رغباته بعيداً عن الضرب، مثل إقناع الآخرين برغباته أو تفريغ طاقته بالتمارين الرياضية وكيفية إدارة غضبه.
- شرح الأذى الذي يتسبب به الضرب: لا يقدر الطفل دائماً النتائج التي قد يتسبب بها ضربه للأم، فقد يؤدي لنتائج خطيرة ومؤذية، مثل ضرب العين أو الضرب بأداة حادة أو رمي أشياء خطيرة، ويجب أن يتم شرح هذه المخاطر للطفل ومدى الأذى الذي قد يسببه لوالدته دون أن يدرك.
- تعليم الطفل كيفية إدارة الغضب: يضرب الطفل والدته عندما يشعر بالغضب، سواء بسبب رفض تحقيق رغباته أو شعوره بالغيرة أو الانزعاج أو تأجيل شيء ما يريده، فهو يغضب وتتكون لديه طاقة يفرغها بالصراخ أو بالضرب الذي غالباً ما ينصب على الأم كونها لا تتعامل معه بقسوة أو بطريقة تخيفه، ويجب أن يتعلم الطفل كيفية التحكم بمشاعره وإدارة غضبه عندما يمر بمثل هذه المواقف.
- إنشاء علاقة جيدة مع الطفل: العلاقة السيئة مع الطفل تسبب أحياناً ينتج عنها تعلم سلوكيات غير مقبولة مثل الضرب والعدوان أو اللعب بطريقة خطرة، فقد يقوم الطفل بضرب أمه نتيجة شعوره بعدم اهتمامها به وبعدها عنه وربما عدم حصوله على الإشباع العاطفي منها، أو يقوم بالضرب نتيجة العلاقة التي لا تتضمن الاحترام والتقدير للوالدين، وبناء علاقة جيدة تقوم على المحبة والاحترام وبعض الصداقة بين الطفل ووالديه يلعب دور في تجنب الكثير من السلوكيات غير المرغوبة مثل الضرب.
- إشغال الطفل بأنشطة مفيدة: الفراغ بالنسبة للطفل وعدم إيجاد ما يفعله في جميع الأوقات يؤدي لتكون طاقة لديه تحتاج للتفريغ، فيتعلم العدوان والضرب من باب التجربة مثلاً، وغالباً ما تكون أمه موضوع هذا العدوان كونها الشخص الوحيد الذي لا يمكن أن يقسو عليه، واعتياد الطفل على ممارسة بعض الأنشطة المفيدة مثل الرياضة أو اللعب مع الأقران أو الخروج في نزهات وغيرها من أنشطة، من شأنه تجنيب الطفل لتعلم هذه السلوكيات.
- استشارة المختصين في تعديل سلوك الطفل: في حالات معينة قد ينتج الضرب عن مشاكل نفسية أو سلوكية أو عقلية يعاني منها الطفل، ولا يمكن للأهل التعامل مع هذا الموضوع بفردهم، وهذه الحالات تحتاج لعرض الطفل على أخصائي لتشخيص الأسباب وتحديد سبل التعامل الأفضل.
طفلي يضربني ماذا أفعل؟ عند حدوث موقف ضرب الطفل للأم، يجب القيام برد مباشر مختلف عن النهج التربوي العام، فمن جهة لا يمكن الرد على الضرب بنفس الطريقة أو إهانة الطفل بعنف، ومن جهة أخرى لا يمكن السكوت عن هذا السلوك، وهنا بعض الطرق التي يجب اتباعها للرد على ضرب الطفل لأمه:
- إيقاف الضرب بشكل مباشر: عند قيام طفلك بضربك سواء باستخدام الجسم أو رمي الأشياء أو أي وسائل أخرى، يجب أن يكون الرد بإيقاف الضرب فوراً وبشكل حازم، ولكن دون ضرب الطفل أو تعنيفه، من خلال مسك أيدي الطفل بقوة أو أخذ الأشياء التي يقوم برميها، أو الطلب بحزم أن يخرج إلى غرفة أخرى، حتى يعرف الطفل أنك تضعين حد له ولن تسمحي له بالتمادي أكثر.
- التحذير بحزم من تكرار الفعل: من الخطأ التهاون مع الطفل الذي يضرب أمه أو المزاح معه والضحك من تصرفاته، فهذا يشجعه على الاستمرار أو قد يرى فيه استفزاز، بل من الأفضل تحذيره من الاستمرار وأنه سوف يتعرض للعقوبة جراء فعلته هذا، وأن سلوكه غير مقبول وفيه قلة أدب واحترام للأم، وأن الطفل الجيد لا يقوم بهذا التصرف.
- إظهار المحبة: عند الشعور بانفعال الطفل واحباطه وغضبه وقبل أن تترجم مشاعره بالضرب، يجب على الأم احتوائه وإظهار محبتها لها، وشرح السبب الذي جعله يغضب مثل رفض طلب معين، والبحث معاً عن بدائل أو حلول للمشكلة، حتى لا يشعر الطفل بأن الأم عدوة له، وإنما الخلاف هو مشكلة ويجب البحث عن علاج لها.
- عدم الخضوع لرغبات طفلك: الخضوع لرغبات الطفل عندما يقوم بضرب أمه يشجعه على تكرار هذا السلوك، حيث يتعلم أن الضرب هو من الوسائل النافعة في تحقيق الغايات، لذا يجب على الأم عدم الخضوع والامتناع عن فعل ما يريد حتى يهدأ ويتوقف عن الضرب ويعتذر، ويطلب ما يريده بطريقة مؤدبة.
- معاقبة الطفل: عقاب الطفل الذي يضرب أمه رد فعل صحيح وواجب، ولكن شرط أن لا يكون هذا العقاب عن طريق الضرب والتعنيف والقسوة، وإنما حسب المرحلة العمرية للطفل، يمكن الامتناع عن التحدث والتعامل معه لفترة معينة، أو حرمانه من بعض الامتيازات، أو منعه من القيام ببعض الأنشطة المحببة.
- مكافئة الطفل عند الاستجابة بشكل جيد: إذا تصرف الطفل باستجابات جيدة ومرغوبة، مثل الاعتذار عن الغلط والوعد بعدم تكراره، بطريقة لا تمحو شخصيته وبنفس الوقت فيها وعي وإدراك لخطأه، يمكن مكافئته عن طريق التشجيع وإظهار المحبة بالعناق أو التقبيل، وابداء الرضا، كما يمكن إعادة الامتيازات التي منعت عنه، ورفع العقوبة.
ما سبب ضرب الطفل لأمه؟ الأسباب التي تقف وراء قيام الطفل بضرب أمه قد تكون متعددة ومختلفة من حيث العامل أو الدافع الذي يمكن أن يؤدي لهذا السلوك، ويوجد عدة أسباب رئيسية قد تقف وراء هذه المشكلة ومنها:
- التعبير عن الغضب: يقوم الطفل بضرب أمه في أغلب الحالات تعبيراً عن غضبه، فأمه هي الشخص الذي يتعامل معه معظم اليوم، وتكون مضطرة لرفض الكثير من طلباته أو منعه من أشياء معينة أو تحديد ما يجب أن يقوم به، وهذا يشعره بالغضب أحياناً في بعض الظروف أن يعبر عن غضبه بضربها والاعتداء عليها.
- إثبات الذات: يظن الطفل أنه بالضرب يمكنه التعبير عن ذاته ووجوده وأهميته وكسب احترام الآخرين، وقد يلجأ للضرب كنوع من لفت الانتباه عندما يشعر بالإهمال أو الغيرة من أخ أصغر مثلاً، ويتوجه هذا الضرب نحو الأم لأنها بالنسبة له من أملاكه ويجب أن تهتم به فقط، وأن تنتبه لكل حاجاته ورغباته وتصرفاته.
- فرض الرأي والرغبة: عندما يمتنع الأهل عن تحقيق بعض رغبات الطفل أو رفض طلباته، هذا يسبب له مشاعر احباط وحزن وربما غضب، وبشكل بسيط وبريء يمكن القول أنه يكن مشاعر انتقام وثورة، فيلجأ لضرب أمه كنوع من استخدام القوة وإخافتها حتى تحقق له ما يريد.
- اللعب مع الأم: أحياناً يقوم الطفل بضرب أمه ظناً منه أنه يلعب معها، بمعنى أن الدافع لا يكون بالضرورة غضب أو كره أو حقد، وإنما نتيجة النشاط الزائد وعدم تركيز الطفل وخبرته بالطريقة الصحيحة للعب، قد يستخدم الضرب كشكل من اللعب مع أمه، وكأنها صديقه الذي يلعب معه الألعاب القتالية.
- السلوك العدواني: بعض الأطفال ونتيجة ظروف وراثية وبيئية وتربوية يتكون لديهم شخصية عدوانية، ويكون العدوان عام ولا يتوجه لشخص محدد، وفي هذه الحالة تكون الأم أحد مواضيع العدوان كونها الشخص الذي يبقى بشكل دائم مع الطفل، وليس العدوان موجه نحوها بالتحديد.
- تعرض الطفل للضرب: ضرب الطفل يؤدي لنشوء نفسية وشخصية مضطربة لا تكون دائماً متوازنة من حيث ردود الفعل وتقدير المواقف، ومن هنا يتعلم الطفل ضرب أمه كشكل من التقليد عندما يرى أن أبيه يضربه للسيطرة عليه، أو يضرب أمه كنوع من الانتقام إذا قامت هي بضربه، أو يضرب أمه لتفريغ الشحنات الانفعالية لديه الناتجة عن تعرضه للضرب.
- تقديم نموذج سيء: النموذج الأسري والعائلي والاجتماعي يرسخ الكثير من المعاني والأفكار وأسلوب التصرف لدى الطفل، فإذا تربى الطفل في بيئة عنيفة يرى فيها الضرب قد يقع عليه أو على أمه أي على أخوته أو حتى على أشخاص غرباء، فقد يرى أن هذا هو السلوك الشائع ويجب أن يتعلمه.
- محاولة معرفة الإمكانات الجسدية: يشاهد الطفل الكثير من النماذج مثل الشخصيات الكرتونية العنيفة أو أبطال السينما أو حتى الآباء أو الأقرباء وغيرهم، وهو دائماً يقارن نفسه بهم من حيث الحجم والإمكانات الجسدية وخاصة بالنسبة للطفل الذكر، فالذكر منذ طفولته يكون مفتون بالقوة والسيطرة، وقد يلجأ لضرب أمه ليقارن إذا كانت تستطيع الدفاع عن نفسها ضده وليشعر بقوته.
- فقدان السيطرة: لا يوجد لدى الطفل القدرة والخبرة الكافية للتحكم بتصرفاته والسيطرة على انفعالاته ومشاعره، وكثيراً ما يقوم الطفل بالضرب بغير قصد وخاصة ضرب أنه، نتيجة فقدانه لهذه السيطرة.