أثر الانفصال على البنت المراهقة وتربية البنات بعد الطلاق
طلاق الوالدين يمثل صدمة كبيرة للأبناء من الناحية النفسية والعاطفية والاجتماعية الأسرية وحتى الاقتصادية، وكل مرحلة عمرية لها ظروفها الخاصة من ناحية تأثير انفصال الوالدين فيها، وقد تكون مرحلة المراهقة هي الأكثر حساسية في حال حدوق الطلاق فيها وخصوصاً بالنسبة للفتيات المراهقات.
تأثير انفصال الوالدين على البنت في مرحلة المراهقة يكون مضاعفاً بسبب حاجتها لوجود والديها في حياتها وحاجتها لأسرة مستقرة ومتماسكة تساعدها على تقبّل التغيّرات الجسدية والنفسية التي تمر بها في المراهقة، كما أن الفتاة في مرحلة المراهقة قد تشعر بقدر من المسؤولية عن هذا الانفصال، وأهم تأثيرات انفصال الوالدين على البنت في مرحلة المراهقة:
- الغضب والإنكار: أولى المشاعر التي تنتاب البنت المراهقة عند انفصال الوالدين هي مشاعر الغضب والرفض والإنكار، تشعر أن هذا لا يجب أن يحصل، وأنها تستحق الحياة في أسرة مستقرة، وتبدأ بالتفكير بالصورة الاجتماعية ونظرة الآخرين لها وقد أصبحت ابنة والدين منفصلين، وقد يواجه الأهل في هذه المرحلة الكثير من العتاب القاسي والشجار.
- الشعور بالقلق والاكتئاب: حالة القلق والاكتئاب غالباً ما تكون ظرف مرافق لحالة انفصال الوالدين عند الأبناء بشكل عام، وتزداد هذه المشاعر السلبية في مرحلة المراهقة لأن الفتاة تمر بحالة من عدم الاستقرار النفسي وآخر ما تحتاج إليه أن تخوض تجربة انفصال الوالدين في هذه المرحلة.
- الشعور بالذنب: من الآثار النفسية الشائعة لانفصال الوالدين على الفتيات المراهقات شعورهن بالذنب الشديد، والمسؤولية عن الانفصال والمشاكل بين الوالدين، خصوصاً إذا حاول أحد الوالدين أن يغذي لدى ابنته المراهقة هذا الشعور بالذنب.
- فقدان الدافع والحافز: من أخطر آثار انفصال الوالدين على البنت المراهقة الشعور بفقدان الدوافع والحوافز التي كانت تجعلها تمارس بعض الأنشطة الأساسية مثل المذاكرة أو الرياضة أو الهوايات، وقد تصل هذه الحالة إلى تعطّل الأداء الدراسي والاجتماعي للفتاة المراهقة بشكل كبير.
- الاضطرابات الغذائية: قد تعاني الفتاة المراهقة من فقدان شهية أو زيادة الشهية ويترتب على هذه الاضطرابات الكثير من العوارض الصحية مثل بعض الأمراض أو النحافة الشديدة أو البدانة، وهي من الأعراض النفسية الشائعة المرتبطة بالاكتئاب والقلق لدى الفتيات المراهقات.
- انتهاز فرصة غياب الرقابة: قد تستغل الفتاة المراهقة فرصة غياب الرقابة بسبب انشغال الوالدين كل منهما بحياته أو بمحاربة الآخر، فتنخرط ببعض السلوكيات الخطرة أو التجارب العاطفية المؤذية، مثل تعلم التدخين أو تعاطي مادة مخدرة أو دخول علاقات مشبوهة بسبب شعورها بالنقص العاطفي.
- التراجع الدراسي: من الشائع أن تعاني البنت المراهقة من التراجع الدراسي بعد انفصال الوالدين، من جهة هي تمر بتجربة نفسية قاسية ومعقدة ومؤلمة، ومن جهة أخرى لن تكون ظروف السكن والمتابعة والمراقبة بأفضل حالتها، فضلاً عن تعمّد إهمال الدراسة كنوع من الانتقام.
- الشعور بالنقص: عادةً ما تخلق تجربة انفصال الوالدين مشاعراً بالنقص والدونية عند الأبناء وخصوصاً في سن المراهقة، حيث تشعر الفتاة المراهقة بعد انفصال الوالدين أنها أقل من زميلاتها أو صديقاتها وأن لديها ما تخجل منه وتخفيه عن الآخرين أو نقطة ضعف تجعلها أقل قدرة على التواصل وبناء علاقات صحية.
- محاولة الانتقام من الوالدين: قد يغذي انفصال الوالدين في مرحلة المراهقة نوعاً من مشاعر الانتقام عند ابنتهما أو بناتهما، حيث تميل البنت المراهقة إلى القيام ببعض السلوكيات التي تعرف أنها ستكون مزعجة للوالدين، وقد تصل الرغبة بالانتقام إلى محاولة إيذاء الذات.
- صعوبة الدخول في علاقات مستقرة في المستقبل: تشعر البنت المراهقة بعد انفصال والديها بعدم الثقة بالعلاقات أو بالآخرين بشكل عام، فهي شهدت مثالاً سيئاً عن العلاقة بين الزوجين من جهة وعن العلاقة بين الأهل والأبناء من جهة أخرى، ولأنها تشعر أن أقرب الناس لها تخلوا عنها لأن كلٌّ منه يبحث عن راحته الشخصية، قد لا تكون قادرة على الثقة بالآخرين بسهولة في المستقبل.
- الاستمرار بلعب دورها كأمّ كاملاً: من اليوم الأول للانفصال يجب أن تفهم وتدرك البنت المراهقة أن أمّها ما تزال هي أمها، ما تزال لديها نفس السلطة ونفس الدور، وما تزال هي المرجع الأساسي لابنتها للاستشارة، وما تزال أيضاً مصدراً للأمان والحنان.
- الحديث مع ابنتها حول مشاعرها ومخاوفها: يجب على الأم تهيئة ابنتها المراهقة وجميع أبنائها للمرحلة التي ستمر بها الأسرة قبل حدوث الطلاق، ويجب أن تظل على تواصل عميق مع ابنتها المراهقة لتأكّد لها أن الانفصال لن يغير شيئاً من اهتمامها وحبها، كما يجب أن تحافظ الأم على دوره التوعوي والتربوي في حياة ابنتها المراهقة بعد وقوع الانفصال.
- التنسيق مع الأب بعد الطلاق: من أهم أدوار الأم بعد الطلاق أن تظل على تواصل مع زوجها السابق ووالد أطفالها للحفاظ على صحة الأبناء النفسية وضمان حصولهم على أفضل ما يمكن في التربية والتعليم والصحة والدعم النفسي، ومهما كان ذلك صعباً على الأم لا بد أن تحاول قدر الممكن الوصول إلى حلول تصب في مصلحة أبنائها.
- توفير الدعم العاطفي اللازم: البنت المراهقة تكون في أمس الحاجة لدعم والدتها العاطفي بعد الانفصال عن أبيها، نظراً لما تمر به من صدمة عاطفية ونفسية، والدعم العاطفي المستمر التي تقدمها الأم للبنت بعد الانفصال يخفف من الآثار النفسية السلبية لهذه التجربة على حاضر الفتاة ومستقبلها.
- تقوية ثقة الفتاة بنفسها: تهتز ثقة الفتاة المراهقة بنفسها بسبب انفصال الأب عن الأم، وغالباً ما تشعر أنها أقل من الآخرين أو أنها لا تستحق حياة مستقرة وسعيدة، وهنا دور الأم للعمل على تقوية ثقة الفتاة بنفسها وتشجيعها على تحقيق أهدافها ودعمها فيما تحب وتريد القيام به.
- مساعدة الابنة في التعامل مع الضغوط الاجتماعية: تتعرض البنت المراهقة بعد طلاق والديها لبعض المضايقات أو الضغوطات الاجتماعية من قبل أصدقائها وأقرانها وزملائها في المدرسة، ويجب على الأم مساعدتها في تجاوز هذه الضغوط وتنفيسها وتعليمها أفضل السبل لتجنبها وعدم تركها تؤثر في شخصيتها وحياتها.
- تعليم الابنة المهارات الحياتية: يمكن للأم المطلقة أن تنقل تجربتها بشكل أفضل لابنتها المراهقة، فبعد نموذج العلاقة الزوجية الفاشلة بين الوالدين الذي عايشته الفتاة في أكثر مراحل عمرها حساسية، تكون بأمس الحاجة لشرح النموذج الجيد عن العلاقة الزوجية والفرق بين التوقعات ما قبل الزواج وبين الواقع الذي سوف تعيشه بعد الزواج، وإعطائها أفضل الأدوات التي تعلمتها من أخطائها بحيث تنجح بعلاقتها الزوجية ولا تكرر خطأ والدتها.
كثيراً ما يبتعد الأب عن ابنته المراهقة في حال الانفصال عن والدتها، اعتقاداً منه أن الفتاة بحاجة أمّها أكثر وأنه لن يكون قادراً على التعامل معها، ولكن هذه نظرة خاطئة وقاصرة، فالبنت المراهقة تحتاج لكلا والديها خلال هذه المرحلة الحساسة وأحياناً تحتاج لوالدها أكثر من أمّها، وأهم ما تحتاجه البنت من والدها بعد الانفصال عن والدتها:
- الالتزام بالواجبات الأساسية للأب: يجب أن يظل الأب في حياة ابنته مسؤولاً عنها مسؤولية كاملة، سواء من حيث الإنفاق عليها والحفاظ على مستوى حياتها أو حمايتها ورعايتها والاهتمام بها، ويجب أن يكون الأب أكثر اهتماماً بالتعامل مع مشاعر البنت بعد انفصال الوالدين مثل شعورها بالقلق أو الخوف من المستقبل أو أن والدها تخلى عنها.
- الحفاظ على التواصل المستمر: يجب على الأب المحافظة على التواصل الجيد مع ابنته المراهقة بعد انفصال الوالدين، وذلك من خلال الاتصال بها بشكل يومي ومعرفة أخبارها ومتابعة شؤونها وسؤالها عن حاجاتها ومشاكلها، وأيضاً يجب الحفاظ على الحوار المفتوح والصريح والاهتمام بأمور حياتها اليومية، فالبنت المراهقة تحتاج لأبيها كما تحتاج لأمّها في هذه المرحلة حتى لا تشعر أنها تختلف عن اقرانها أو ينقصها شعور حنان الأب ومحبته ورعايته.
- توفير الحماية والأمان: البنت المراهقة تنظر لأبيها على أنه الرجل الذي يحميها من مشاكل الحياة ومخاطرها، وهو السند الذي لا يتركها وحيدة بل يدعمها ويوفر لها الأمان، ويجب أن تبقى هذه الصورة مستمرة بعد انفصال الوالدين حتى لا تشعر البنت كأنها ضعيفة لا يوجد من يدعمها أو يحميها وبالتالي تكون ضعيفة أمام أي إغراءات تتعرض لها.
- توجيه الابنة في أمور الحياة: ستظل البنت المراهقة بحاجة توجيهات أبيها ونصائحه ومتابعته حتى بعد أن ينفصل عن والدتها وربما بشكل أكبر بسبب ما تعانيه من صدمة عاطفية ونفسية ناتجة عن هذا الانفصال، فهي تحتج لتوجيهات فيما يخص دراستها وأصدقائها وعلاقاتها وقرارتها الكبرى.
- تقوية ثقة البنت بنفسها: تتأثر الحالة النفسية للبنت المراهقة وثقتها بنفسها بسبب طلاق والديها، ويأتي هنا دور الأب في دعم ابنته المراهقة وإشعارها أنه بجانبها بشكل دائم وأنه سوف يحاول هو وأمها عدم تركها تحتاج لشيء وأنهما يحبانها أو انفصالهما لا ذنب لها به، وذلك حتى تستطيع استعادة ثقتها بنفسها والحفاظ على صحتها وسويتها النفسية.
- محاولة الهروب من المسؤولية: قد يحاول أحد الوالدين الهروب من مسؤولياته تجاه ابنته المراهقة وأبنائه بشكل عام بعد الانفصال رغبةً بتعويض ما فاته أو بداية حياة جديدة، وسيكون الخاسر الأكبر في هذه الحالة هم الأبناء.
- الإهمال العاطفي: قد ينشغل الوالدان بعد الانفصال كلٌّ منهما بأموره الشخصية وحياته الجديدة، ويتجاهلان الآثار السلبية الكبيرة التي يتركها الانفصال على حياة ابنتهما المراهقة وحالتها النفسية، حيث يعتبر الإهمال العاطفي للأبناء بعد انفصال الوالدين سبباً رئيسياً لتدهور حالة الأبناء النفسية والاجتماعية.
- الانفصال عن الأسرة كاملةً: قد يعتبر أحد الوالدين أن الانفصال عن الشريك هو انفصال عن الأسرة، ويرمي بالمسؤولية كاملةً على الطرف الآخر، وهذا من شأنه أن يزيد من حالة الحزن والغضب عند البنت المراهقة وأن يزيد من الأعباء النفسية المترتبة على انفصال الوالدين.
- استعمال الأبناء في صراع الوالدين: من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الوالدان استعمال الأبناء سواء الأطفال أو المراهقين في الحرب بينهما، فقد يلجأ الأب لحرمان الأم من رؤية أبنائها أو على العكس قد يلجأ لترك الأبناء عندها لكن يتهرب من الإنفاق والتدخل في حل المشاكل ليزيد الضغط على زوجته السابقة، والعكس صحيح.
- الضغط الزائد على الأبناء: قد يميل الوالدان بعد الانفصال إلى التشدد الزائد في التعامل مع ابنتهما المراهقة وأبنائهما بشكل عام، كنوع من الحماية أو إثبات للطرف الآخر أن الأمر سينجح وإن لم يكن هو موجوداً!