كيف أجعل طفلي ينسى الضرب والعنف وآثاره النفسية!
على الرغم من التحذيرات الكثيرة من خبراء الصحة النفسية والتربية وحتى من أطباء الأطفال، ما زال ضرب الأطفال سلوكاً شائعاً إلى حدٍّ بعيد، وربما قلّة وعي الأهل بالآثار الكارثية طويلة المدى للعنف الجسدي والنفسي الذي يتعرض له الطفل يجعلهم يستسهلون اللجوء إلى هذا الخيار الذي قد يبدو فعالاً في التربية على الأمد القصير، لكن كيف يمكن تدارك آثار الضرب على الطفل وهل ينسى الطفل الضرب.
لا ينسى الطفل الضرب في أغلب الحالات خصوصاً إذا كان في سن أكبر من 5 سنوات، وقد ينسى الطفل حادثة الضرب نفسها إذا لم يكن الضرب مبرحاً أو متكرراً لكنه حتى في هذه الحالة سيعاني من آثار خفية وبعيدة الأمد للعنف، ويشير خبراء التربية إلى أن الأطفال قادرون على تذكّر تعرضهم للضرب بشكلٍ خاص بعد تجاوز سن الثالثة، وأكثر قدرة على استدعاء هذه الذكريات إذا استمرت بيئة التعنيف في مرحلة الطفولة، ومن العوامل التي تؤثر على تذكر الطفل للضرب والتعنيف:
- عمر الطفل: يلعب عمر الطفل دوراً حاسماً في نسيان الضرب والعنف، فكل ما كان الطفل أكبر وأكثر وعياً استطاع الاحتفاظ بالذكريات المختلفة بشكل واضح واستدعاء تفاصيلها بسهولة، مع ذلك يمتلك الأهل فرصةً ذهبية لمحو معظم الذكريات السيئة قبل أن يتجاوز الطفل سن الخامسة!
- طريقة الضرب: قد ينسى الطفل الضرب الخفيف والتأديبي مع الوقت خصوصاً إذا كان حادثةً غير متكررة، لكن الطفل لا ينسى الضرب الشديد أو الذي يصاحبه تعنيف نفسي وإهانة، وكذلك من الصعب أن ينسى الطفل الضرب إذا كان لا يفهم سبب العقاب أو يشعر أنه مظلوم ولم يقترف ذنباً يستحق عليه الضرب.
- تكرار الضرب: عند تعرض الطفل بشكل متكرر ومستمر للضرب سواء وشعوره أنه سوف يبقى مهدد بالضرب بأي وقت، سوف تزرع هذه التجارب في ذاكرته ويصعب عليه نسيانها.
- التعامل مع الطفل بعد الضرب: تؤثر الطريقة التي يتم التعامل فيها مع الطفل بعد تعرضه للضرب في إمكانية نسيان ما تعرض له، فإذا بقي الطفل يشعر بالتهديد والوعيد وتعرض للضرب أكثر من مرة غالباً لن ينسى ما حدث معه، وإذا تم شرح سبب الضرب وما الخطأ الذي ارتكبه وقطع له الوعد بالحماية والأمان وعدم تعرضه للضرب مرة أخرى، فمن المحتمل أن ينسى ما تعرض له سابقاً أو على الأقل عدم سيقلل ذلك من تأثير الضرب على نفسيته وشخصيته.
- الشخص الذي ضرب الطفل: عندما يتعرض الطفل للضرب من قبل أطفال في مثل سنه على سبيل اللعب وكان لديه الفرصة للرد والدفاع عن نفسه فد ينسى ما تعرض له أو ينظر إليه بطريقة مختلفة عندما يكبر، لكن عندما يتعرض للضرب من قبل أحد الوالدين فهو يشعر بالخيبة وفقدان الأمان، كما يشعر بالذنب الشديد في مرحلة ما، ثم قد يتحول كل ذلك إلى مشاعر كره.
- الإيذاء الناتج عن الضرب: من الحالات التي لا يمكن أن ينسى الطفل فيها الضرب عندما يسبب له أذى صحي يستمر لفترة، سواء كان طفيفاً مثل الرضوض والكدمات والجروح الخفيفة التي تستمر لأيام، أو شديداً مثل الكسور أو الحروق أو الجروح العميقة التي تحتاج لأسابيع حتى يزول أثرها وقد تترك آثاراً مدى الحياة تذكر الطفل كل يومٍ بما تعرض له!
- عناق الطفل وتهدئته: أهم ما يجب القيام به مع طفلك إذا تسرّعت وضربته أن تقوم بعناقه وإشعاره بالأمان، وتوضح له أنك تحبه ولم يكن ضربك له كرهاً، حاول أن تهدئه وتشعره مجدداً بالأمان والراحة، ثم تكلّم معه عن شعورك بالذنب.
- اعترف أنك أخطأت عندما ضربته: عندما تفقد -أو تفقدين- السيطرة وتقوم بضرب طفلك يجب أن تعترف لنفسك أولاً أن هذا السلوك ليس سلوكاً تربوياً فعّالاً وليس سلوكاً إنسانياً أو أبويّاً سويّاً، ثم يجب أن تعترف للطفل أنك أخطأت عندما ضربته، وأن هذا آخر ما تريد فعله.
- اجعل الطفل يدرك سبب ضربك له: أسوأ تجربة يمر بها الطفل أن يتعرض للعقوبة مهما كان نوعها وخصوصاً الضرب وهو غير مدرك فعلاً للذنب الذي قام به، حاول أن تشرح لطفلك الذنب الذي استدعى عقابه، دون أن تبرر الضرب أو تعده بالضرب مرة أخرى، إذا كنت مهتماً بحمايته من آثار العنف على نفسيته وشخصيته!
- قدّم له تعويضاً معنوياَ: من الأمور التي يمكن فعلها بعد ضرب الطفل لجعله يتجاوز مشاعره السلبية أن تقدم له نوعاً من التعويض، بما أنّك مدركٌ أن سلوكك خاطئ فيجب أن تحاول التكفير عن هذا الخطأ، ولا ننصح بالتعويض المادي مثل الهدايا أو المال، بل التعويض المعنوي مثل الخروج مع الطفل في نزهة ممتعة أو مشاهدة فيلم كرتون معه.
- اقطع وعداً لطفلك أنك لن تضربه: إذا كنت تشعر -أو تشعرين- فعلاً بالذنب والندم على ضرب الطفل، قدم وعداً له أنّك لن تكرر ذلك، ولن تقوم بتعنيفه مرّة أخرى، لكن تذكّر أن الإخلال بهذا الوعد يعني فقدان ثقة طفلك بك، ومضاعفة الآثار النفسية للعنف والضرب.
- اطلب استشارة من المختصين: عندما تشعر أنّك غير قادرٍ على ضبط أعصابك ومنع نفسك عن عقاب الطفل عقوباتٍ جسدية، أو أنّك غير قادر على التعامل مع طفلك بعد أن قمت بضربه، من الحكمة أن تطلب استشارة من المتخصصين، يمكنك اللجوء لمتخصصي التربية أو للمعالجين النفسيين أو لمستشاري الحياة أو للمستشارين الأسريين.
يجب أن تعلم أن نسيان تجربة الضرب عند الطفل ليست مسألة سهلة، ويجب منذ البداية المحاولة قدر المستطاع عدم الوصول لهذه المرحلة وضبط النفس والأعصاب قدر الممكن في التعامل مع الأطفال، هذا ليس سهلاً أيضاً لكنه أقل تكلفةً بكثير، وإذا فقدت السيطرة مرةً أو أكثر وقمت بضرب طفلك حاول العمل على محو هذه الذكرى من خلال الخطوات التالية:
- التوقف عن الضرب: أول ما يجب فعله لتجعلي طفلك ينسى الضرب هو التوقف عن الضرب! يجب أن يدرك الطفل أن ما تعرض له هو سلوك استثنائي وله ظروفه وليس أمراً سهلاً على والده أو والدته أن يقوما بضربه، والتوقف عن الضرب يساعد في تعافي الطفل من الآثار النفسية للضرب بشكل أفضل.
- التوقف عن العنف اللفظي: يتذكر الطفل العنف اللفظي والإهانات والتعنيف النفسي بنفس القدر الذي يتذكر به الضرب والعنف الجسدي إن لم يكن أكثر، والتوقف عن ضرب الطفل لا يعني استبداله بأي حال من الأحوال بالإهانة والتعنيف النفسي والتنمر كطريقة للعقاب!
- التأكيد على الحب: حاول أن يدرك طفلك في كل مناسبة أنك تحبه وتهتم بأمره، عبّر عن حبّك له بالطرق اللفظية وغير اللفظية، وتأكّد أن تترجك حبّك له من خلال الأفعال، مجرد العناق يكون كفيلاً في كثير من الأحيان بإزالة مشاعر القلق والتوتر التي يعاني منها الطفل نتيجة التعرض للعنف.
- ساعد طفلك في التعبير عن مشاعره: تحدث مع طفلك بهدوء وصبر لتساعده على التعبير عن مشاعره حيال التجربة التي مرّ بها، اسأله كيف يشعر وإن كان قادراً على المسامحة وتجاوز الأمر، ساعده أيضاً ليفهم أن فقدان السيطرة أمر ممكن لكنه ليس الحالة الطبيعية.
- اتبع الطرق الإيجابية في التربية: هناك عشرات النظريات والأساليب التربوية التي أثبتت فاعليتها في تعديل سلوك الطفل دون اللجوء للعنف والضرب، إذا كنت لا تعلم عن هذه الأساليب والمدارس يمكنك استشارة متخصص تربوي أو القراءة ومتابعة الفيديوهات عن التربية الإيجابية وأساليبها، طفلك يستحق منك قضاء بعض الوقت في تعلّم كيف تتعامل معه بطريقة مناسبة وصحيحة تضمن استقراره النفسية على المدى البعيد.
يمكن لضرب الطفل أن يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الصحة النفسية والعاطفية على المدى القريب والبعيد، وفي بعض الحالات قد يكون العنف المنزلي وتعرض الطفل للضرب والعنف اللفظي سبباً رئيسياً للإصابة بالأمراض والاضطرابات النفسية، ويشير الخبراء إلى أن معظم المجرمين السيكوباتيين تعرضوا لنمط من أنماط العنف في طفولتهم! ومن أهم آثار الضرب على نفسية الطفل:
- إصابة الطفل بالقلق والاكتئاب: يمكن للعنف الجسدي المستمر على الطفل أن يؤدي إلى الإصابة بالقلق والاكتئاب، وعادةً ما يتحول اكتئاب الأطفال إلى اكتئاب شديد ومزمن مع الوقت، كما يمكن أن يتطور القلق إلى اضطرابات أكثر خطورةً في الشخصية والسلوك.
- تدهور العلاقة بين الطفل والوالدين: غالباً ما يؤدي ضرب الطفل وتعنيفه إلى سوء العلاقة بينه وبين الوالدين وانعدام الثقة بهما وعدم شعوره بالأمان معهما، وربما تطور لديه الأمر ليتحول لكره للوادين أو أحدهما، فتجربة الضرب تجربة قاسية على الطفل ولا يمحى أثرها بسهولة.
- تطوير نمط السلوك العدواني: أحياناً يتسبب ضرب الطفل بتعزيز السلوك العدواني عنده، وذلك كونه اكتسب العنف كطريقة للتعامل مع الآخرين والحصول على ما يريد، كما قد يؤدي لزيادة احتمالية تعرضه للعنف في المستقبل، فهو كونه تعرض للضرب من قبل والديه قد يعتقد أنه مذنب ويستحق الضرب وبالتالي لا يدافع عن نفسه في المواقف المشابهة.
- ضعف ثقة الطفل بنفسه: يتسبب ضرب الطفل بشعوره بالخوف المستمر والتوتر العاطفي، وهذا يمكن أن يؤثر على الصحة النفسية العامة للطفل، وقد يتطور إلى اضطرابات في الشخصية تؤثر على ثقته بنفسه ونظرته لذاته، وغالباً ما يرتبط ضعف الشخصية عند الأطفال بتعرضهم للتعنيف والحرمان العاطفي.
- زيادة فرصة الإصابة باضطرابات الشخصية: العنف الذي يتعرض له الطفل يرتبط مباشرةً بزيادة فرص الإصابة باضطرابات الشخصية والاضطرابات العاطفية، مثل اضطراب الشخصية النرجسية واضطرابات الوسواس القهري واضطراب الشخصية الحدية والشخصية الاعتمادية والتجنبية، إضافة إلى مشاكل نفسية أخرى مثل الخوف المفرط من التعرض للهجر وانخفاض القدرة على التواصل مع الآخرين، والقائمة تطول.
تقول الأم أنها فقدت أعصابها وضربت طفلتها في السوق، وهي ليست المرة الأولى التي تضربها لكنها أول مرة تضربها أمام الناس! وشعرت أن رد فعل طفلتها مختلف، فالطفلة بكت بصمت، وعادت إلى البيت ونامت دون أن تكلم والدتها، ما جعل الأم تشعر بتأنيب الضمير وتخاف على ابنتها من آثار الضرب والعنف، فجاءت تطلب الاستشارة من خبراء موقع حِلّوها.
أجابتها المستشارة الأسرية أ. همسة يونس أن فقدان الأعصاب أمر تتعرض له جميع الأمهات، لكن المشكلة في تكرار الضرب، فالطفل قد يسامح وينسى عندما يشعر أن الأمر كان طارئاً وغير اعتيادي، أما تكرار الضرب فهو أمر شديد الخطورة.
ونصحتها الخبيرة في موقع حِلّوها أن تتدرب على ضبط النفس واستخدام تقنيات مختلفة في التعامل مع المواقف المستفزة، كما شرحت لها عن كيفية تخزين العقل اللاواعي عند الأطفال للذكريات المؤلمة وكيف يجب أن تتعامل معها لتقليل آثارها على نفسية الطفل.
اقرأ الاستشارة الكاملة من خلال النقر على هذا الرابط.