نظرية التعلم المستند إلى الدماغ خصائصها وأساليبها
تتنوع نظريات التعليم وطرقه وتتطور باستمرار بغية الوصول إلى أنسب طريقة تعليمية يمكن من خلال تطوير المناهج ومستوى الطلاب وقدراتهم، ومن بين الوسائل الحديثة في التعليم ما يعرف بنظرية التعلم المستند إلى الدماغ، فما هي نظرية التعلم المستند إلى الدماغ، وما هي خصائص هذه النظرية ومبادئها، وكيف يمكن تطبيقها؟ كل ذلك سوف نتعرف عليه في المقال التالي.
نظرية التعلم المستند إلى الدماغ (بالإنجليزية: Brain-based learning) من الوسائل التعليمية الحديثة التي تعتمد على استغلال قدرات الدماغ وخصائصه في التعليم، استناداً إلى نتائج الأبحاث العلمية في علوم الأعصاب والدماغ وعلم النفس، لفهم الطريقة التي يتفاعل فيها الدماغ مع التعلُّم، والعوامل التي تؤثر على فاعلية التعليم والاستيعاب والاكتساب.
تعتمد نظرية التعلم المستند إلى الدماغ على مجموعة من التقنيات والوسائل التفاعلية التي تساعد على تحفيز الخلايا العصبية وتطوير مهارات الدماغ في التفكير المنطقي والناقد ومهارات حل المشكلات، ومن أهم وسائل التعليم المستند على الدماغ المناظرات المباشرة والتعليم التعاوني والتعليم بالتحدي وغيرها.
من جهة أخرى تراعي نظرية التعليم المستند إلى الدماغ العوامل الأخرى التي تلعب دوراً في عملية الاستيعاب والاكتساب، مثل الحالة العاطفية والنفسية للطالب، والصحة الجسمانية وتأثير النشاط البدني والتغذية الصحية على التعلّم.
تستند طريقة التعلم المستندة للدماغ إلى استراتيجيات متعددة تهدف إلى تحفيز المسارات العصبية وخلايا الدماغ لتعزيز عملية التعلُّم، وأهم استراتيجيات التعلم المستند على الدماغ:
- التعليم القائم على المناقشة والتفاعل: تشير الأبحاث أن الطلاب سيحتفظون بـ 10% فقط من الحصص النظرية أو الشروحات في الفصل الدراسي، فيما تساعد استراتيجية التعليم التفاعلي الذي يعتمد على المناقشة والمشاركة الفعالة على زيادة قدرة الطلاب على الاستيعاب والاحتفاظ بالمعلومات.
- التعليم في مجموعات: تقسيم الفصل الدراسي إلى مجموعات من أهم استراتيجيات التعليم المستند إلى الدماغ، حيث يتم وضع أنشطة صفية يمكن ممارستها بشكل مجموعات ما يساعد في تعزيز التعاون والمنافسة بين الطلاب وينعكس بدوره على القدرة العقلية على الاستيعاب وثبات المعلومات.
- التعليم التعاوني وتدريس الأقران: عندما يقوم الطلاب بتدريس بعضهم أو تبادل المعرفة والمعلومات والتعاون في حل الواجبات الصفية فذلك من الطرق التي تحفز الدماغ بشكل أكبر بكثير من الدراسة الفردية.
- متابعة الصحة والنشاط البدني للطلاب: التركيز على الصحة البدنية والنفسية والنشاط البدني والنظام الغذائي جزء جوهري من استراتيجيات التعليم المستند إلى الدماغ، وذلك لما أثبتته الدراسات من تأثر التغذية والصحة على قدرة الطلاب على الاستيعاب والاحتفاظ بالمعلومات واستخدامها.
- تقليل الإجهاد والتوتر في الفصول الدراسية: تشير نظرية التعليم المستند إلى الدماغ إلى أن تقليل التوتر والإجهاد والمشاعر السلبية في الفصول الدراسية من شأنه أن يضاعف قدرة الدماغ على الاستيعاب والاحتفاظ بالمعلومات والقدرة على استدعائها واستخدامها بشكل أكثر كفاءة.
- ربط التعليم بالمعنى والممارسة: وهي من أهم استراتيجيات التعلم المستند على الدماغ، حيث يعتمد التعليم على ربط المعلومات النظرية بتجارب عملية في الفصول أو المخابر المخصصة أو ربطها بتجارب حياتية يمكن للطلاب اختبارها بحياتهم اليومية، ما يساعد بشكل كبير على تعزيز التعليم والاكتساب.
- المراجعة المتكررة والتدريب: يتمثل هذا النوع من الاستراتيجيات في تكرار المراجعة والتدريب المتكرر للمواد التعليمية لتحفيز الذاكرة وتحسين التذكر والاستيعاب، فالتكرار من الآليات المعروفة التي يتّبعها الدماغ لحفظ المعلومة وتخزينها، ولكن يفضل التغيير في عملية التكرار واستخدامه بأكثر طريقة، كأن يكون مرة من خلال القراءة ومرة أخرة من خلال الكتابة وأحياناً من خلال المشاركة الجماعية وأحياناً من خلال الواجبات المنزلية.
- استخدام التكنولوجيا: يمكن للتكنولوجيا تحفيز الدماغ وتعزيز عملية التعلم، ومن أمثلة ذلك استخدام الألعاب التعليمية والتطبيقات الذكية والمنصات التعليمية عبر الإنترنت، فهذه الوسائل أصبحت على ارتباط مباشر بحياة الطلاب اليومية من كافة الأعمار والمراحل التعليمية، ومن المفيد جداً استخدامها إذا امكن ذلك في نقل أي معلومة للطالب.
- تحفيز الذاكرة: من استراتيجيات التعلم المستند إلى الدماغ العمل على تحفيز الذاكرة عند الطالب، يمكن استخدام الرسومات والرسوم البيانية والمخططات والملاحظات والمخططات الزمنية لتحفيز الذاكرة وتحسين التذكر والاستيعاب، فتذكر الرسومات يعتبر أسهل من تذكر المعلومات النظرية والأحرف والأرقام.
- اللعب والنشاطات الحركية: من الجيد في طريقة التعلم المستند للدماغ توفير فرص التحرك واللعب والنشاطات الحركية لتحفيز الدماغ وتعزيز عملية التعلم، فهذه النشاطات تبعد احتمالات التكاسل والخمول والشرود عن الطالب، وهذه الأشياء عادةً تعتبر من أكثر الأشياء التي تشتت انتباهه وتركيزه.
- الاسترخاء والتأمل: يحتاج الطالب خلال عملية التعلم المستند إلى الدماغ للتأمل في المعلومة التي تلقاها ووضع كافة الفرضيات حولها في دماغه وربما القيام بتجارب افتراضية في مخيلته، وهذه التقنية بالإضافة للاسترخاء وأخذ قسط من الراحة يساهم في ترسيخ أي معلومة في ذهن الطالب.
- التعليم النشط: يتمثل هذا النوع في تشجيع الأطفال على المشاركة الفعالة في عملية التعلم من خلال الأنشطة والمشاريع والتحديات التعليمية، وذلك يمكن أن يطبق في الصف أو من خلال الواجبات ولكن يحتاج إلى تقليل المهام التقليدية والاعتماد أكثر على النشاطات المحببة والممتعة والمحفزة بالنسبة للطالب بما يناسب درجته التعليمية ومرحلته العمرية.
- التعليم الاستنتاجي: ويشمل هذا النوع من التعليم استخدام المنطق والتفكير الناقد لحل المشكلات والتحديات التي تواجه الطلاب، وتعزيز القدرة على التفكير الإبداعي والمنطقي، على أن يتم تصميم برامج تعليمية مخصصة لكل مرحلة عمرية.
- التعلّم الذاتي: يقوم التعلم الذاتي على تطوير القدرة على التعلم الذاتي والتحكم في العملية التعليمية، وذلك من خلال تعلم مهارات البحث والتحليل والتفكير الناقد، وهنا يبحث الطالب عن المعلومة ويسأل عنها بنفسه ويحاول إيجاد التفسيرات والنظريات المرتبطة بها لفهما بشكل جيد.
- التعليم التعاوني: التعلم التعاون هو نوع من التعليم يعتمد على المشاركة بين الطلاب وتشجيعهم على العمل معًا في حل المشكلات وتحقيق الأهداف التعليمية، ويقوم على انشاء المجموعات التعليمية وتوزيع المهام وتقسيمها والمناقشات والحوارات بين أفراد المجموعة التعليمية، وذلك بقيادة مشرف مختص.
- التعلّم القائم على الخبرات الحياتية: يعتمد أسلوب التعلم المستند للخبرات الحياتية على استخدام التجارب والخبرات الشخصية في مجمل العمليات التعليمية وأنواع المعلومات المراد تعليمها للطالب، والربط بين هذه المعلومات وتلك التجارب لزيادة احتمال التركيز عليها وفهما.
- التعلّم الحركي: يمكن أن يفيد هذا النوع في بعض المجالات التعليمية وليس كلها، وهو يركز على الحركة والنشاط البدني لتحفيز الدماغ وتعزيز عملية التعلم، وذلك من خلال الأنشطة الحركية والألعاب الرياضية، والتي تحظى باهتمام كبير في تقنيات واستراتيجيات التعلم المستند على الدماغ.
تتميز عملية التعلم المستندة إلى الدماغ بعدد من الخصائص المميزة، ومن هذه الخصائص:
- التعلم يحدث عن طريق تفاعل الخلايا العصبية في الدماغ، وهذا أحد أهم أسس نظرية التعلم المستند إلى الدماغ، فيحدث التعلم عن طريق تفاعل الخلايا العصبية في الدماغ، وتغيير الاتصالات العصبية وتوسيع شبكات الخلايا العصبية والحفاظ على المرونة العصبية في الدماغ، وكل ذلك بطريقة تناسب آلية الدماغ في التعلم من جهة ونوع المعلومة المراد تعلمها من جهة أخرى.
- التعلم يتم عن طريق الخبرات الحياتية والتجارب العملية فوجود أي خبرة سابقة يمكن استخدامها كمثال حي على المعلومة المراد تعلمها له دور كبير في سرعة فهم المعلومة ورسوخها.
- العملية التعليمية تتم بشكلٍ أفضل عندما يتم توفير بيئة تعليمية مناسبة وملائمة للتلميذ، تساعد على تحفيز الخلايا العصبية في المناطق المختلفة من الدماغ، فالبيئة التعلمية لها دور كبير في عدة نواحي مثل زيادة انتباه الطالب وزيادة رغبته في التعلم وتشجيعه على تلقي المعلومات وحفظها.
- التعلم يتطلب الانتباه والتركيز والتدريب المستمر، والتوجيه الصحيح، وهذه تعتبر من آليات التعلم التي يعتمدها الدماغ والتركيز على هذه الخاصية من شأنه زيادة احتمال نجاح عملية التعلم المستند للدماغ.
- الذاكرة والمشاعر والمكافأة والعقاب تؤثر على العملية التعليمية، فهذه المشاعر إذا استطاع المعلم ربطها بطريقة ما بالمعلومة المراد إيصالها للطالب تساهم بشكل كبير من حيث التحفيز أو التركيز على استيعابها وحفظها.
- العملية التعليمية تتغير وتتكيف مع أسلوب التعلم، لذلك تستهدف نظرية التعلم المستند للدماغ توسيع شبكات الخلايا العصبية في الدماغ، وتحسن تواصل الخلايا العصبية في المناطق المختلفة من الدماغ، بمعنى أن الممارسة أيضاً للطريقة تلعب دور في زيادة فعليتها فكلما تعلم الطالب أكثر بهذه الطريقة كلما زاد تركيزه عليها ونجاحه في التعلم من خلالها..
- تحسين عمليات الذاكرة: يساعد التعلم المستند إلى الدماغ على تحسين الذاكرة والاستيعاب والتذكر، وذلك من خلال استخدام الرسومات والمخططات والتدريبات المتكررة والمراجعة المتكررة، والتي أثبتت فاعليتها بناء على دراسات المخ والأعصاب والآلية التي يحتفظ فيها الدماغ بالمعلومات أو يتخلص منها.
- تعزيز الإبداع والتفكير الناقد: من فوائد التعلم المستند إلى الدماغ أنه يعمل على تعزيز الإبداع والتفكير الناقد وتحفيز الطلاب على حل المشكلات والتحديات التعليمية بأساليب مختلفة وإيجاد حلول جديدة ومبتكرة، وذلك من خلال وضع الطلاب أمام تحديات عملية تحفّز الدماغ على التفكير والنشاط للبحث عن الحلول.
- تعزيز القدرات الذهنية: تتطور بعض القدرات الذهنية لدى الطالب عند استخدام طريقة التعلم المستند إلى الدماغ، ومن هذه القدرات التركيز والانتباه والتفكير الإبداعي والمنطقي والتحليلي والنقدي، حيث يعتمد التعلم المستند إلى الدماغ على تنشيط المراكز العصبية المسؤولة عن هذه المهارات.
- تحسين الاستيعاب: الأساليب المباشرة التي تخاطب بها طريقة التعلم المستند إلى الدماغ عقل الطالب وأفكاره تؤدي بالضرورة إلى تحسين الاستيعاب وفهم المفاهيم والمواد التعليمية بشكلٍ أفضل، وذلك من خلال استخدام مختلف الأساليب التعليمية المتنوعة والملائمة لاحتياجات الطلاب، وتقليل صعوبات التعلم.
- تحسين الأداء الأكاديمي: في حال استخدام طريقة التعلم المستند إلى الدماغ بشكلها الصحيح فغالباً سوف تساهم في تحسين الأداء الأكاديمي للطلاب وتطوير مهاراتهم وقدراتهم لتحسين مخرجات العملية التعليمية.
- تحسين الاستخدام الفعال للتكنولوجيا: لطريقة التعلم المستند إلى الدماغ أهمية كبيرة في التأثير على الاستخدام الفعال للتكنولوجيا في العملية التعليمية وتعزيز القدرة على استخدام التكنولوجيا في التعلم والتعليم بشكل أكثر تنظيماً وفاعلية