كيف تؤثر التكنولوجيا على العلاقات الاجتماعية؟
تخيّل أنك منذ أعوام قليلة نسبياً كان يمكن أن تفقد اتصالك بمعظم دائرتك الاجتماعية لمجرد أنك فقدت محفظتك التي تحتوي دفتر ملاحظات صغير فيه جميع أرقام الهواتف! وقد يتطلب الأمر منك فترة طويلة لإعادة بناء شبكتك الاجتماعية والوصول إلى معلومات الاتصال للأشخاص الذين تريد التواصل معهم. نظرياً هذا غير ممكن في عصر التكنولوجيا، بل إنك ستواجه صعوبة في تجنب ظهور الأشخاص الذين لا تريد التواصل معهم في كل مكان في مواقع التواصل الاجتماعي!
أثرت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي الرقمية بشكل كبير على العلاقات الاجتماعية، من جهة أصبح التواصل الاجتماعي أسهل بكثير وعابراً للدول وللقارات وحتى للغات والفروق الثقافية، لكن العلاقات الاجتماعية أيضاً أصبحت أكثر تعقيداً وربما أكثر هشاشة من جهة أخرى بسبب طبيعة التواصل الافتراضي، ومن أهم آثار التكنولوجيا على العلاقات الاجتماعية:
- تسهيل التواصل: أهم سمة للتكنولوجيا أنها استطاعت تسهيل وتحسين التواصل بين الأفراد، ووفرت الكثير من الجهد والوقت والتكلفة للتواصل في العلاقات الاجتماعية القائمة على أرض الواقع أو العلاقات التي تبداً وتتطور بفضل وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية، وربما يكون هذا الأثر هو الأثر الإيجابي الوحيد للتكنولوجيا على العلاقات الاجتماعية والإنسانية.
- تقليل وقت التواصل المباشر: حلت وسائل التواصل الاجتماعي والاتصال الرقمي بشكل كبير مكان وسائل التواصل المباشر، ما أثر بشكل كبير على معدل الوقت الذي نقضيه في التواصل المباشر مع الآخرين أو حتى مشاركتنا بالمناسبات والاجتماعية المختلفة، فحتى العزاء في الحزن والمباركة في الفرح والتهنئة أصبحت مختزلة في معظم الحالات برسالةٍ أو منشور عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي.
- تغيّر طريقة التعارف: أثرت التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة بشكل كبير وجوهري على طرق التعارف بين الأشخاص، من جهة فتحت وسائل التواصل الاجتماعي الباب واسعاً أمام التعارف بمختلف أشكاله وأنواعه، ومن جهة أخرى وسّعت نطاق التعارف لكون عابراً للبلدان والقارات واللغات، ولكنه التعارف الرقمي أيضاً يفتقد إلى عوامل الثقة والمصداقية التي عادةً ما تنتج عن التفاعل المباشر مع الآخرين واختبار العلاقة معهم بالمواقف الجدية واليومية.
- التغيرات الثقافية الكبيرة: كل مجتمع يمتلك معايير ومبادئ عامة عرفية تحكم العلاقات بين أفراده، لكن مع التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة لم تعد تلك المبادئ والمعايير ذات قيمة في الكثير من الحالات، يمكنك ملاحظة ذلك عندما ترى طفلاً في الثانية عشرة من عمره يعلّق على منشور رجلٍ في الخمسين بطريقة ساخرة وغير مؤدبة، على سبيل المثال لا الحصر!
- انتشار العزلة والوحدة: تعتبر الوحدة والعزلة الاجتماعية من القضايا التي تجذب اهتمام الباحثين الاجتماعيين والنفسيين بسب انتشار هذه المشاعر بشكل كبير بعد توسّع الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، ويبدو أن الاتصال الكثيف والمستمر الذي تقدمه وسائل التواصل الاجتماعي لا يقدم نفس الإشباع العاطفي أو الرضا النفسي الذي كان يقدمه الاتصال التقليدي المباشر والعلاقات الاجتماعية الكلاسيكي، ليصبح الإنسان وحيداً على الرغم من مئات الرسائل المقروءة وغير المقروءة في هاتفه!
- مشاكل الخصوصية والأمن الشخصي: من التأثيرات الكبيرة للتكنولوجيا على العلاقات الاجتماعية وجود ثغرات لا نهاية لها في الخصوصية والأمان الشخصي للمستخدمين، وهذه الثغرات أو المشاكل تتوسع مع توسّع استخدام التكنولوجيا، لتصبح العلاقات الاجتماعية الإنسانية -مثل الصداقة والحب والزمالة- عبر مواقع التواصل الاجتماعي بوابةً لاختراق الخصوصية واستعمال البيانات بشكلٍ مسيء!
- علاقات أسرع وأقصر! بمراقبة العلاقات الاجتماعية التي تنشأ عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات التعارف يمكن القول أنها علاقات أسرع تطوراً بمراحل مقارنةً بالعلاقات التقليدية، لكنها أيضاً وفي معظم الأحوال أقصر عمراً! وهي علاقات مهددة بالانهيار مع كل تطور جديد يسمح بانكشاف جوانب لا يمكن اكتشافها بسهولة من خلال التواصل الافتراضي.
- أصبحت العلاقات أقل تشعّباً: من مميزات العلاقات الاجتماعية التقليدية أنّها غالباً ما تكون شديدة التشعّب، بمعنى أن الروابط الاجتماعية التي تجمع بين شخصين تمتد إلى دوائر أخرى من العائلة والأصدقاء المشتركين والمعارف، فيما تزداد فرص العلاقات القائمة على شخصين فقط في وسائل التواصل الحديثة، هذا ما قد يجعل العلاقات الاجتماعية القائمة على شخصين فقط أقل قوّة من العلاقات المتشعبة.
- تغيّر أساليب قيادة الرأي العام: العلاقات الاجتماعية تعتبر العمود الفقري لإدارة الرأي العام سواء في الجوانب التسويقية أو السياسية أو غيرها، ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي والاتصال الرقمي أصبح هناك قواعد جديدة لإدارة الرأي العام والتأثير بها، هي في الغالب أكثر فاعلية من الوسائل التقليدية، لكن هذه الفاعلية تصب في مصلحة المؤثرين الكبار في الرأي العام وليس في مصلحة المستخدمين أو العلاقة التي تجمعهم!
لا يمكن إنكار إيجابيات وفوائد التكنولوجيا في تحسين الاتصال وتطوير العلاقات الاجتماعية، على وجه الخصوص من حيث توفير الوقت والجهد وإذابة الحواجز الثقافية وحواجز الزمان والمكان أو المسافات، ومن أهم الآثار الإيجابية للتكنولوجيا على العلاقات الاجتماعية والإنسانية:
- تحسين جودة الاتصال: تحسن جودة الاتصالات من أهم فوائد التكنولوجيا الحديثة، حيث أصبح يمكن للأفراد التواصل بشكل سلس وبدون توقف بدون حدوث أي مشاكل في الاتصال مثل الانقطاع أو المراقبة أو التكاليف العالية أو عدم وضوح الصوت، فهذه المشاكل كانت منتشرة بكثرة في وسائل الاتصال التقليدية.
- توفير الوقت والجهد والمال: لم يعد الاتصال بأشخاص بعيدين في قارة أخرى أمراً مكلفاً أو معقّداً، لست بحاجةٍ لكتابة رسالة ورقية ووضع الطوابع وانتظار وصولها بعد شهور، أو دفع تكاليف باهظة لمكالمةٍ هاتفية رديئة الجودة بالكاد تتأكد من خلالها أن تتواصل مع الشخص المطلوب! الآن بأقل التكاليف وبأقصى سرعة يمكنك الوصول إلى من تريد.
- توفير الخصوصية: توفر التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة مستوى من الأمان على الخصوصية وسرية المعلومات، من خلال الرسائل والمكالمات المشفرة التي تتيحها هذه الوسائل، على الرغم أن مشكلة الخصوصية موضع نقاش ونظر، لكن يرى الكثيرون أن وسائل الاتصال الرقمية التي تعتمد على تكنولوجيا التشفير أكثر أماناً من الوسائل التقليدية!
- زيادة الفرص الاجتماعية: ساهمت التكنولوجيا الحديثة في زيادة فرص الانتماء الاجتماعي بشكل كبير، فحتى أكثر الناس غرابة بطريقة تفكيره سيجد له مجتمعاً يشبهه في أروقة التطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، من جهة أخرى أصبح الوصول إلى شبكة علاقات اجتماعية فعالة على الصعيد المهني أسهل بكثير من ذي قبل.
- تسهيل التواصل في العمل: حتى في مجال العمل أدت التكنولوجيا لجعل التواصل مع زملاء العمل والمديرين والعملاء عبر الإنترنت أكثر سهولة وأفضل جودة، وساعد ذلك في تسريع وتيرة العمل وتحسين أداء أفراده وقلل من الأخطاء التي كانت يمكن أن ترتكب جراء ضعف الاتصال أو بطئه.
- تطوّر وسائل التسويق: يمكن اعتبار تطوّر وسائل التسويق والإعلان نقطة سلبية وإيجابية في نفس الوقت، حيث أصبح من السهل إيصال الخدمات والسلع إلى الأشخاص المستهدفين من خلال تحليل نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعتبر تطوّراً كبيراً في قطاع الأعمال، وخسارةً كبيرة للخصوصية والعلاقة الطبيعية بين المستهلك والمنتج!
- تراجع العلاقات الاجتماعية الواقعية: تأثرت العلاقات الاجتماعية الواقعية والمباشرة بشكلٍ كبير بالتكنولوجيا، ولم يعد من السهل إقناع الحاضرين على طاولة العشاء بالتنازل عن هواتفهم المحمولة لبضع دقائق، أو الحصول على تواصل مباشرٍ فعّالٍ ومستمر بعيداً عن فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى على مستوى الاستشارات الصحية والقانونية والاجتماعية يكون اللجوء أولاً لمحركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة!
- الحصول على علاقات اجتماعية غير مشبعة: في كثير من الحالات لا يكون التواصل الرقمي قادراً على إرضاء وإشباع الحاجات العاطفية والاجتماعية التي هي الهدف الأول من التواصل مع الآخرين، بل قد يساهم الاعتماد الكامل على التواصل الاجتماعي الرقمي بتعميق الشاعر السلبية والشعور بالوحدة والانعزال.
- الإدمان على التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة: من المخاطر التي تواجه مستخدمي وسائل الاتصال الحديثة والتكنولوجيا أنها تؤدي أحياناً إلى الإدمان على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يمكن أن يؤثر سلبًا على العلاقات الاجتماعية والصحة النفسية، ويحوّل العلاقات الاجتماعية التي تعتبر ضرورة للإنسان إلى كابوس من هدر الوقت والأفكار السلبية وفقدان السيطرة.
- زيادة التعصّب والانقسام: قد يسبب الاعتماد على التكنولوجيا في تكوين وإدارة العلاقات الاجتماعية والإنسانية زيادةً في التعصّب بسبب فقدان التفاعل المباشر لحساب الانتماءات الضيقة، حيث ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي بتضييق الدوائر الاجتماعية وجعلها أقل قابلية للتفاعل مع دوائر أخرى بشكل بنّاء أو إيجابي، كما عزّزت "سلوك القطيع" لدى المستخدمين المتأثرين بتجاذب أصحاب الدعاية وإدارة الرأي العام.
- ظهور وانتشار الجريمة الإلكترونية: كما أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا سهولة التفاعل بين الناس وسهولة للتعرف على أشخاص جدد وزيادة المعارف والعلاقات، أتاحت أيضاً فرصاً كبيرة ومفتوحة للاحتيال والابتزاز والاستغلال، ربما أخطرها التحرش الالكترونية وعمليات استغلال الأطفال.
- فقدان الخصوصية: ليس فقط لصالح شركات التسويق والإعلانات أو أجهزة الأمن، بل حتى على مستوى دائرة المعارف، ستحتاج مثلاً للقيام بالعديد من الإجراءات لمنع أصدقائك من رؤية تعليقاتك على منشور فيسبوك، بل أن فيسبوك يقترح لأصدقائك الاطلاع على تعليقك أو تفاعلك الذي قد لا تحب أن يراه أشخاص آخرون! فضلاً عن سهولة الوصول إلى صورك ومعلوماتك.
- التأثر الثقافي: وسائل التواصل الحديثة وانتشار الكثير من المعلومات والأفكار الحقيقية أو المزيفة عن عادات وتقاليد وثقافات الشعوب الأخرى والقيم المنتشرة فيها، أدى من ناحية إلى محاولة تقليد هذه الثقافات لدى البعض بشكل لا يناسب الثقافة السائدة في مجتمعه، أو عدم رضاه عن مجتمعه وعاداته بعد تعرفه على هذه الثقافات.
- انتشار الخيانة الزوجية والعاطفية: لا يمكن القول أن التكنولوجيا أو وسائل الاتصال الحديثة سبب للخيانة الزوجية أو العاطفية، لكن مما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت الأمر أسهل بكثير، الانجرار للخيانة أسهل وإخفاؤها أسهل وتكرارها أسهل!
- أول ما يجب التركيز عليه لتقليل الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي هو تعزيز التواصل الاجتماعي المباشر وتنظيم التواصل الحقيقي والواقعي مع الدائرة الاجتماعية القريبة والبعيدة، وذلك من خلال التأكد من الاستغناء عن الهواتف النقالة والانترنت للتواصل مع العائلة والأصدقاء لفترة أطول، ومحاولة الانخراط بأنشطة اجتماعية تقوم على التواصل المباشر.
- كما يمكن استغلال التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة في تعزيز التواصل الواقعي والحقيقي، من خلال تنظيم لقاءات دورية تجمع الأشخاص الذين يتشاركون مواهب أو مهارات أو أهدافاً معينة، هذه اللقاءات تفتح مجالاً أكبر أمام تواصل واقعي وصحي يقلل من آثار التكنولوجيا السلبية على العلاقات الاجتماعية.
- وعلى الأفراد التحكّم بالوقت الذي يقضونه في استخدام الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي للبقاء على قيد الاتصال بالعلاقات الاجتماعية الواقعية، واستثمار الوقت بطريقة أكثر فاعلية للحفاظ على الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية الفعالة والغنية.
- أيضاً لا بد للحد من سلبيات التكنولوجيا على العلاقات الاجتماعية أن يمتلك الأفراد وعياً كافياً في وسائل حماية بياناتهم وخصوصيتهم وحماية أنفسهم من الجرائم الالكترونية، من خلال التعرف أكثر إلى إجراءات الحفاظ على الخصوصية والتعرّف عن قرب إلى القوانين والتي تضمن محاسبة من يقوم بممارسة أي من الجرائم الإلكترونية التي تعتبر آفة اجتماعية من آفات المجتمع المعاصر.
في هذا الفيديو تروي لكم الحكواتية سارة قصيرة قصّةً قصيرةً معبّرة عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والتكنولوجيا على العلاقات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي المباشر، وكيف يمكن أن يكون الاعتماد الكامل على التكنولوجيا في التواصل مدمّراً للعلاقات الاجتماعية الواقعية المتوازنة والفعّالة والصحيّة! شاهد الفيديو من خلال النقر على علامة التشغيل أو من خلال الانتقال إلى حِلّوها TV عبر النقر على هذا الرابط: