تربية الطفل وهو جنين وتأثير مرحلة الحمل على التربية
قد تبدو فكرة استخدام مصطلح "تربية الجنين" فكرة غريبة، فكيف تبدأ الأم بتربية طفلها الذي لم يولد بعد! لكن مع تطور العلم والأبحاث يمكن القول أن فترة الحمل بكل ما فيها لها تأثيرات كبيرة على الطفل بعد الولادة، سواء على صحته الجسدية ونموّه، أو صحته العقلية والنفسية، ولذلك يجب أن تبدأ التربية من المرحلة الجنينية.
تربية الجنين تعني القيام بكل ما من شأنه الحفاظ على صحة الجنين في رحم أمه وضمان نموه وتطوره بشكل صحيح، وحمايته من أي عوامل قد تلحق به الأذى، والاهتمام بتأمين ظروف الحمل الملائمة التي تساهم في الحفاظ على على الصحة النفسية والعاطفية والمزاجية للجنين، باعتبار أن الجنين يتأثر بحالة والدته والبيئة المحيطة به وبها وهو في أحشائها.
صحيح أن مفهوم تربية الجنين قد لا يتوافق مع التعريف الشائع لمصطلح التربية والذي يشترط ولادة الطفل لبدء تربيته، لكن تربية الجنين تثبت جديّتها وأهميتها مع الأبحاث التي تستنتج آثاراً طويلة الأمد يحملها معه الطفل من المرحلة الجنينة قد تستمر طيلة حياته، على سبيل المثال لا الحصر العلاقة بين استقرار الحمل والاضطرابات العصبية والعقلية مثل التوحد وفرط النشاط ونقص الانتباه، والعلاقة بين العادات السيئة للأم الحامل والأمراض المزمنة مثل البدانة والربو وغيرها.
كيف أبدأ بتربية طفلي وهو جنين؟ تعتمد طرق تربية الجنين على فهم حاجات الجنين الأساسية التي تضمن نموّه بشكل سليم من جهة، وفهم السلوكيات والعوامل التي قد تؤثر على صحة الجنين الجسدية والنفسية، وأهم الطرق أو أشكال تربية الجنين خلال الحمل:
- الاهتمام بالتغذية خلال الحمل: أهم جوانب تربية الجنين أن تعمل الأم على وضع نظام غذائي متوازن ومناسب للحمل، حيث تعتبر تغذية الأم الحامل عنصراً أساسياً في نمو وتطور الجنين بشكل سليم، حيث يسبب نقص بعض العناصر الغذائية خلال الحمل بمشاكل نمائية عند الجنين قد تصل إلى اضطرابات مزمنة في الإدراك والتفكير ومشاكل صحية أخرى.
- حماية الجنين من أمراض الأم: تتضمن تربية الجنين أيضاً اهتمام الأم بصحتها بشكل جيد خلال الحمل من خلال المراجعة الدورية للطبيب والالتزام بالتعليمات والنصائح الصحية والابتعاد عن العادات السيئة التي تضر الجنين، على سبيل المثال قد يؤدي التدخين خلال الحمل إلى الولادة المبكرة أو الموت المفاجئ في المهد، كما قد يسبب إهمال التهابات المسالك البولية ولادةً مبكّرة تهدد حياة الجنين ومستقبله في حال بقي على قيد الحياة!
- التربية العاطفية للجنين: هنا يتحول مفهوم التربية من الحاجات الضرورية والأساسية لصحة ونمو الجنين إلى الصحة النفسية والعلاقة بين الجنين وأمه، وتكثر النظريات والأفكار حول كيفية تطبيق هذا النوع من التربية، ولكن أغلبها تتفق على بعض النقاط مثل قيام الأم باللمس والتحسيس على مكان وجود الجنين بجسمها والتحدث معه أو الغناء له وإخباره عن مدى حبها له وكم هي مشتاقة لرؤيته، وتحسين صحتها النفسية ومزاجها والتعاون مع الأب على تأمين بيئة صحية عاطفياً ونفسياً خلال الحمل وفي بداية الولادة.
- تربية حواس الجنين خلال الحمل: بعض الحواس لدى الجنين تكون فعالة وهو في رحم الأم، مثل حاسة السمع واللمس والشم وحتى التذوق، وكل من هذه الحواس يمكن الاستفادة منها في تربية الجنين بطريقة معينة، فالنسبة لحاسة السمع يبدأ الجنين بسماع الأصوات والاستجابة لها بعد الشهر الرابع من الحمل، وفي مرحلة لاحقة يصبح تأثيرها أكبر عليه ويستجيب لها بحركات معينة، ويمكن للأم استغلال ذلك بالتحدث مع الجنين أو القراءة له أو سماع القرآن الكريم أو لغة معينة.
أما بالنسبة لحاسة اللمس فيمكن للأم أن تحرص على لمس مكان الحمل باستمرار خلال الحديث مع جنينها وإشعاره بمحبتها وحنيتها، وبالنسبة للشم فالجننين يمكنه شم الروائح المنبعثة داخل جسم أمه ومن الصعب التأثير عليها من قبل الأم، أما حاسة التذوق فيشر بها الطفل من خلال نوع الغذاء الذي تتناوله والدته ويمكنها التأثير بهذه الحالة من خلال الانتباه لغذائها. - تربية طباع للجنين: من ناحية تتأثر طباع الجنين بالصفات الوراثية لوالديه ومن ناحية أخرى يمكن التأثير على هذه الطباع حتى وهو في رحم والدته، ويتم ذلك من خلال الطريقة التي تعيشها والدته والظروف التي تعرضه لها، مثل إسماعه الموسيقى والتواجد بأجواء تؤمن راحة نفسية وجسدية والتواجد في الهواء الطلق والحرص على الهدوء والابتعاد عن التوتر والانفعال والغضب أثناء الحمل، فكل هذه الأمور تساهم في تحسين مزاج الجنين وتهذيب طباعه وتلاحظ هذه الآثار بطريقة حركته قبل الولادة ومزاجه وطباعه بعدها.
- التربية الذهنية والإدراكية للجنين: يوجد مذاهب في التربية ترى أنه يمكن التأثير على استيعاب الجنين وقدراته الإدراكية من خلال بعض الأنشطة التي تقوم بها الأم، فالإضافة إلى تربية الحواس والتأثير على الزاج والطباع والرعاية الصحية والغذائية التي تلعب دور في النمو العقلي الصحيح للجنين، يمكن أيضاً اتباع بعض العادات أثناء الحمل للتأثير إيجاباً على مدارك الجنين.
فمثلاً للأم أن تقوم بالقراءة بشكل يومي للجنين وتكرار الأشياء التي تقرأها ووضع سماعات بشكل مباشر على بطنها مع تشغيل محادثات أو كتب مسجلة باللغة الانكليزية، فهذه الأشياء والأصوات يعتاد الجنين على سماعها وتصبح مألوفة لديه، وإن استمرت هذه الأنشطة حتى بعد الولادة، يكبر الجنين ويصبح أكثر قدرة على تعلم هذه الأشياء بشكل أسرع وأبسط عندما يكتمل نموه العقلي نظراً لكونها مألوفة بالنسبة له منذ كان في رحم أمه.
- تقليل أمراض واضطرابات الحمل: اهتمام الأم بنفسها بدافع معرفتها بتأثير العادات السيئة أو الإهمال على جنينها من شأنه أن يقلل من أمراض ومشاكل الحمل مثل الإجهاض وانسمام الحمل والولادة المبكرة.
- حماية الطفل من مخاطر الولادة: تربية الجنين وعلى وجه الخصوص الرعاية الصحية خلال الحمل تقلل من مخاطر مرحلة ما حول الولادة، مثل الولادة المبكرة وما يتصل بها من مخاطر على الطفل الخديج.
- حماية الطفل من اضطرابات الطفولة: تساعد تربية الجنين في تقليل فرص إصابة الطفل بعد الولادة باضطرابات الطفولة مثل التوحد وفرط الحركة ونقص الانتباه وصعوبات التعلم، والاضطرابات الصحية مثل النحافة والبدانة، وذلك من خلال الحفاظ على التغذية الصحية والبيئة النظيفة البعيدة عن السموم، وتأمين الظروف النفسية والعاطفية المثالية للأم.
- تعزيز الروابط العاطفية بين الطفل والأم: وهذه من أهم فوائد تربية الجنين، حيث يبدو أن الاهتمام بتربية الجنين والتواصل معه في فترة الحمل من خلال الكلام واللمس يساعد في تكوين رابط عاطفي أقوى بينه وبين الأم، ستلاحظه الأم بعد الولادة مباشرةً.
- تقليل خوف الأم من الولادة والتربية: حيث يساعد الاهتمام بتربية الجنين الأمّ على تقليل مخاوفها من الولادة والتربية وشعورها السلبي تجاه مسؤولية الإنجاب، وذلك لأنها قد بدأت فعلاً بالتربية قبل أن يولد الطفل.
يعتبر الجنين روحاً تستحق بعض الحقوق حتى قبل أن تبصر النور، وتتمحور حقوق الجنين بشكلٍ أساسي حول الحقّ في الحماية وتجنيبه العوامل التي قد تسبب له الضرر أو تعرضه للخطر سواءً قبل الولادة أو بعدها، كما يعتبر الحقّ بالحياة من أهم حقوق الجنين، على الرغم من الخلافات الكبيرة حول حق الأم بالإجهاض في بعض المجتمعات.
ومن حقوق الجنين أيضاً حماية حقوقه المالية في حالة وفاة المورّث قبل ولادة الوارث، وهذا من الحقوق التي كفلها الإسلام للجنين، حيث يتم التثبّت من وجود الجنين في رحم أمّه قبل وفاة المورّث، ثم يعتبر وارثاً لا يحق لأحدٍ التصرف بالإرث أو تقسيمه قبل ولادة الجنين وتحديد جنسه وحصّته من الإرث والوصي عليه.
لم يتم إدراج الجنين في أيّ من إعلانات حقوق الإنسان أو حقوق الطفل على اعتباره لم يولد بعد، مع ذلك ظهر مصطلح حقوق الجنين بقوة منذ سبعينات القرن الماضي على خلفية قضايا الإجهاض وانتشار تشوّه وموت الأجنة في بعض المجتمعات بسبب إدمان الأمهات على الكحول أو المواد المخدرة، وأيضاً تعرض الأجنة للخطر في الدول التي تعاني من المجاعات.
لا يمكن الادعاء أنه يوجد أطعمة بعينها بشكل مؤكد تجعل الجنين ذكياً، فالأمر ليس على هذه الصورة، وإنما حصول الجنين وأمه على كامل العناصر الغذائية التي تساعد في نمو أعضائه واكتمالها من جهة، والتركيز على الأطعمة التي تفيد في نمو الدماغ وتحسين وظائفه من جهة أخرى، قد يؤدي لتهيئة الجنين غذائياً وفيزيولوجياً ليكون أكثر ذكاءً، وبهذا المعنى من الأطعمة المفيدة في زيادة ذكاء الجنين:
- الأطعمة الحاوية على اليود وأوميجا 3: الأغذية التي تحتوي على عناصر اليود الأوميجا 3 تدخل في عملية نمو وظائف الدماغ، وتناول هذه العناصر خلال الحمل وخاصة الفترة التي ينمو فيها دماغ الجنين، تساعد في تحسين هذا النمو بشكل صحي وسليم، وبالتالي قد يكون لها تأثير بأن يولد طفل ذكي، وتتوفر هذه العناصر في المأكولات البحرية بالإضافة للجوز واللوز والفستق والسمسم والذو بشكل عام.
- الأطعمة التي تحتوي على الزنك: الزنك من العناصر التي تدخل في تركيب خلايا الدماغ لدى الإنسان، والجنين في مرحلة النمو يحتاج لهذا العنصر لضمان نمو أفضل لدماغه، وهذا يساعد في اكتمال الدماغ بشكل صحي والتأثير على ذكاء الجنين بعد أن يولد، ويتم الحصول على الزنك من الألبان والمكسرات والبيض بشكل أساسي، بالإضافة للحوم الحمراء والبيضاء وبعض المأكولات البحرية.
- الأطعمة عالية البروتين: البروتين هو العنصر الأساسي الذي يعتمد عليه الجسم في تركيب الخلايا وهرمونات النمو، وخلال فترة الحمل تحتاج الأم لكمية أكبر من البروتين لنمو أفضل لجنينها جسدياً ودماغياً، وهذا يؤثر في ضمان صحة الجنين وبالتالي تحسين وظائف دماغه، ويحصل على البروتين من اللحوم والبقوليات ومشتقات الحليب والمكسرات.
- مضادات الأكسدة: تعتبر مضادات الأكسدة ضرورية للحفاظ على الأنسجة الدماغية، والحصول على القدر الكافي منها يساعد في نمو دماغ الجنين بشكل أفضل، وبالتالي تطور وظائف الدماغ وانعكاس ذلك على ذكائه بعد الولادة، ويتم الحصول على مضادات الأكسدة من الخضراوات والفواكه.
- الأطعمة الغنية بالحديد: حصول الأم على حاجتها من الحديد يقيها في الإصابة بحالات فقر الدم، فإذا أصيبت الأم بفقر الدم سوف يتأثر نمو جنينها بشكل صحيح وبالتالي التأثير على ذكائه ووظائف الدماغ لديه، لذا يجب الحصول على القدر الكافي منه، من السبانخ والخضراوات الداكنة والشوكولا والكبدة.
بشكل عام يجب أن يشمل النظام الغذائي للأم جميع العناصر الغذائية ما عدا التي قد تضر الجنين والتي يتم تحديدها من قبل طبيب مختص، ولا يجب الاعتماد فقط على بعض العناصر التي يشيع أنها تحسن ذكاء الجنين فهذا قد يحرم الأم دون إدراك من عناصر غذائية أخرى ضرورية لحملها وجنينها، فعند الرغبة باتباع نظام غذائي معين من قبل الحامل يجب مناقشة ذلك مع الطبيب المشرف على الحمل وخبراء التغذية.
- كيف تبدأ تربية الجنين من الرحم؟ تبدأ تربية الجنين وهو في رحم أمه حال معرفتها بأنها حامل، فتبدأ بالعناية بصحتها واتباع نظام غذائي وصحي يناسب الحمل، كالابتعاد عن التدخين والعادات الضارة وممارسة بعض التمارين المفيدة للحامل والابتعاد عن الأنشطة المجهدة التي قد تضر بالحمل والجنين.
- ماذا أقرا لطفلي وهو في بطني؟ بشكل عام يتوقف ما يجب أن تقرأه الحامل لجنينها خلال فترة الحمل على الهدف الذي تريده من هذه القراءة، ففي حال كانت تهدف لتعليم الجنين اللغة فيجب أن تقرأ الأشياء التي تتضمن هذه اللغة بألفاظها الواضحة والصحيحة سواء كتب أو صحف أو مجلات وغيرها، في حال الرغبة بتحفظ شيء معين مثل القرآن الكريم فيجب تكرار قراءته بشكل يومي ووضع سماعات للجنين ليسمعه بشكل يومي لنفس الآيات وبنفس الأصوات، حتى تصبح هذه الأصوات مألوفة لديه واعتاد عليها منذ نمو دماغه.
- هل يمكن تحفيظ الجنين القرآن وهو في بطن أمه؟ لا يمكن تحفيظ الجنين القرآن وهو في بطن أمّه، وذلك لأن دماغ الجنين -ومنها مراكز الذاكرة والاستدعاء- ما زال قيد النمو والتطوّر، مع ذلك يستطيع الجنين من عمر 4 شهور أن يسمع الأصوات من حوله، ويمكن للأم أن تقوم بقراءة آياتٍ من القرآن الكريم أو تشغل صوت القرآن ما قد يجعل الطفل عندما يبلغ عمر الحفظ أكثر تقبلاً للحفظ.
- كيف أتعامل مع طفلي وأنا حامل؟ يمكن القول أن حاجات الجنين في رحم أمه تشبه حاجات الطفل بعد الولادة، ولكن يكمن الاختلاف في كيفية تلبيتها، فالعناية الغذائية تتم بعناية الأم بغذائها، والعناية الصحية تتم بعناية الأم بصحتها، أما الأمور المعنوية والعاطفية، فيجب تقديم الحب والحنان واللمسات للجنين وهو في رحم أمه والتحدث معه وانتظاره وفهم طبيعة حركاته واستجاباته داخل الرحم ومحاولة التفاعل معه.
- كيف أسعد جنيني؟ إسعاد الجنين ليس بالأمر المعقد أو الصعب، فبعض الأشياء البسيطة التي تجعل الجنين يشعر بمحبة أمه مثل التحدث معه ولمس بطنها أثناء الحديث، بالإضافة إلى شعوره بالراحة الذي يتم من خلال وضعيات الجلوس التي لا تسبب ضغط عليه، أو من خلال إشباع حاجاته الغذائية من خلال عناية الام بغذائها، كل هذه أشياء تسعد الجنين وتريحه.