هل يستطيع المصاب باضطراب الشخصية الحدية الزواج؟
معظم اضطرابات الشخصية والاضطرابات العقلية والنفسية تؤثر بشكل مباشر على الأداء الاجتماعي والعلاقات الإنسانية والاجتماعية للمريض، وإن اختلف هذا التأثير من اضطراب إلى آخر أو حسب حدة الاضطراب، مع ذلك لا يمكن القول أن الاضطرابات العقلية والنفسية تمنع المريض من الزواج أو تجعل الحياة الزوجية مستحيلةً! بل يمكن للمرضى أن يعيشوا حياة زوجية مستقرة بفضل إدراك الشريك لطبيعة الاضطراب، ومواظبة المريض على العلاج.
اضطراب الشخصية الحدية(بالإنجليزية: Borderline Personality Disorder) هو اضطراب عقلي يؤثر بشكلٍ مباشر على التحكم بالعواطف والمشاعر والأفكار والسلوك المترتب عليها، يسبب تقلبات شديدة بالمزاج وتغيّرات مفاجئة بالمشاعر، إضافة إلى سلوك اندفاعي متهوّر وتصرفات قهرية.
أهم أعراض اضطراب الشخصية الحدية الخوف الشديد من الهجر والتخلي، وتشوّه الصورة الذاتية وعدم استقرار الشعور تجاه الذات، وتقلبات شديدة بالمشاعر التي يفترض بها أن تكون أكثر استقراراً مثل مشاعر الحب، إضافة إلى السلوكيات الاندفاعية مثل الإسراف والقيادة المتهورة، وأيضاً أفكار وسلوكيات إيذاء الذات.
الزواج من العلاقات المعقدة بالنسبة للمصابين باضطراب الشخصية الحدية، حيث يعاني الزوج -أو الزوجة- المصاب باضطراب الشخصية الحدية من مشاعر متقلبة وغير مستقرة تجاه الشريك وتجاه نفسه، تجعل العلاقة العاطفية والزوجية غير مستقرة وتحتاج لبذل مجهود أكبر من الزوجين لجعلها أكثر استقراراً وهدوءً، ولا يمكن أن ينجح الزواج من صاحب الشخصية الحدية بدون فهم كامل للحالة من الشريك، يتزامن مع متابعة علاجية مستمرة.
فاضطراب الشخصية الحدية من الاضطرابات التي تؤثر بشكل كبير على العلاقات الإنسانية والاجتماعية للمريض، من جهة يعاني المريض من مخاوف الهجر التي تدفعه للتعلق والانغماس السريع في العلاقات العاطفية والاجتماعية أو الرحيل المفاجئ وبدء وإنهاء العلاقات بدون أسباب واضحة، ومن جهة أخرى يصعب التعامل مع تقلبات المزاج الشديدة والتغيرات المفاجئة بالمشاعر والأفكار، ما يجعل مرضى اضطراب الشخصية الحدية يعانون من عدم استقرار علاقاتهم الاجتماعية وخاصة العاطفية، وبالتالي الزوجية.
وقد يرتبط اضطراب الشخصية الحدية بالخيانة الزوجية أيضاً بسبب حالة الاندفاع ونوبات تقلب المزاج التي يعاني منها المريض، كما أن الزوج صاحب الشخصية الحدية يكون شديد الحساسية تجاه ما يشعر أنه "إهمال عاطفي" ما قد يجعله أقرب للانزلاق في الخيانة الزوجية بسبب مشاكل قد تكون اعتيادية وتافهة في الحياة الزوجية.
باختصار يمكن القول إن أكبر معضلتين يواجههما مريض الشخصية الحدية في الزواج هما التقلبات المفاجئة في المزاج والخوف المستمر من الهجر والفراق، فالتقلب بالمزاج والمشاعر يجعل الشريكين بعيدين عن الشعور بالأمان الذي هو من أساسيات الزواج المستقر، والخوف من الهجر والفراق يقود للتعلّق المرضي والتهديد وما يرتبط به من شكوك وهواجس وتصرفات اندفاعية.
- المزاج المتقلب: من الصفات الأساسية لاضطراب الشخصية الحدية هو التقلب السريع في المزاج ولأسباب لا تبدو منطقية دائماً، تكون هذه التقلبات على شكل نوبات غير مبررة من السعادة المفرطة أو الحزن والكآبة تتبدل وتتغير بدون سبب أيضاً، وقد تستمر النوبات من بضع ساعات لعدة أيام.
- تغيرات عاطفية عاصفة: من صفات الزوج -أو الزوجة- المصاب باضطراب الشخصية الحدية أنه يعاني من تغيّرات مفاجئة وعاصفة بمشاعره، فقد يعبّر عن الحب العميق والغامر وفجأة تتحول مشاعره إلى الكره الذي يعبّر عنه بطريقة عدوانية أحياناً.
- النظرة القطبية: يتصف المصابون باضطراب الشخصية الحدية بنظرة متطرِّفة أو قطبية للأفكار والأشياء، ينظرون إلى الأمور بوصفها جيدة جداً أو سيئة جداً، وقد ينقلبون بشكل مفاجئ بين القطبين، كما تتغير اهتماماتهم بسرعة وبصورة غير متوقعة.
- نوبات الانفعال والغضب: قد يتصرف الشريك المصاب باضطراب الشخصية الحدية بغضب وانفعال غير مبرر أحياناً، ولذلك يجب على الشريك الآخر إدراك طرق التعامل مع نوبات الغضب والانفعال هذه بصورة سليمة.
- الشكّ والخوف من الخيانة: يعاني الزوج -أو الزوجة- المصاب باضطراب الشخصية الحدية من رهاب الهجر والانفصال الذي قد يقوده إلى الخوف المرضي من الخيانة، كما أن المريض يستسلم بسهولة لأفكاره ما يجعلها تسيطر عليه وتقوده لتصرفات قهرية مثل المراقبة ونصب الكمائن للشريك.
- صعوبة التعامل مع العلاقات الاجتماعية: تعاني الشخصية الحدية من ضعف الثقة بالآخرين وارتباك عاطفي مستمر يجعل صاحبها أقل قدرة على بناء علاقات اجتماعية مستقرة، وغالباً ما يواجه الزواج من صاحب الشخصية الحدية مشاكل اجتماعية معقّدة بسبب سهولة الانقلاب على العلاقات المستقرة.
لا شك أن الزواج من مريض اضطراب الشخصية الحدية تجربة معقّدة، لكن نجاح هذا الزواج من عدمه لا يرتبط فقط بقدرة المريض على التعايش والتأقلم مع الحياة الزوجية، بل يقوم بالدرجة الأولى على تفهّم الشريك "السوي" لحالة شريكه وإدراكها إدراكاً علمياً، وطلب المساعدة من المتخصصين لإرشاد الزوجين للوسائل التي تقلل من تأثير الاضطراب على حياتهما الزوجية، بالتزامن مع تلقي المريض للعلاج النفسي المتخصص.
وأهم النصائح لإنجاح الزواج من مريض اضطراب الشخصية الحدية:
- المعرفة العلمية بالاضطراب: أهم نصيحة لينجح الزواج من صاحب الشخصية الحدية أن يمتلك الشريك معرفةً علمية بالاضطراب الذي يعاني منه شريكه، والمعرفة العلمية لا تعني فقط فهم الأعراض والمحفزات وعلامات الإنذار، بل أيضاً كيفية التعامل معها، ولذلك من الأفضل عدم الاعتماد فقط على القراءة والاطلاع الشخصي، واللجوء لمتخصصي العلاج النفسي لتقديم النصح والمشورة.
- التشجيع على العلاج: يمكن علاج أعراض اضطراب الشخصية الحدية والتغلب على الكثير من الصعوبات العاطفية والاجتماعية المرتبطة به من خلال خطّة علاجية تتضمن مجموعة من الأدوية المعتمدة إلى جانب تقنيات العلاج النفسي، ويجب أن يكون العلاج على يد طبيب متخصص، وهذا العلاج شرط لازم لنجاح الزواج من صاحب الشخصية الحدية.
- الصبر والتفهّم: الزواج من مريض الشخصية الحديّة لا يمكن أن ينجح بدون صبرٍ وإصرار من الشريكين على تجاوز العقبات والمشاكل المرتبطة بالاضطراب، فهناك الكثير من الحالات التي يجب أن يتعامل معها الشريك من باب فهمه لحالة شريكه دون أن يفقد صبره.
- الحذر من الوصمة: يعاني مريض الشخصية الحدية من تشوه النظرة إلى الذات، وفي كثير من الأحيان يدخل في نوبات من الكآبة والحزن مرتبطة بشعور النقص والعار، لذلك يجب أن يكون الشريك حريصاً كل الحرص على تجنب تعميق هذه المشاعر السلبية من خلال التعامل معه بخفة أو شفقة ظاهرة ووصمه بالمرض الذي يعاني منه.
- العناية بالذات: في الزواج من صاحب الشخصية الحدية لا بد أن تحصل أنت أيضاً على درجة استثنائية من العناية بالذات، من خلال الحفاظ على مساحة خاصة بك والمواظبة على الاهتمام بنفسك وحياتك وصحتك النفسية والبدنية، فإهمال الذات غالباً ما يقود لفقدان الصبر والتحمل في زواجٍ يحتاج لدرجة مرتفعة من التحمل والصبر.
الطريقة التي يؤثر فيها اضطراب الشخصية الحدية عند أحد الوالدين على تربية الأطفال ترتبط إلى حد بعيد بمدى ضبط أعراض الاضطراب والمواظبة على العلاج ونجاح الشريكين في السيطرة على المشاكل العاطفية والاجتماعية المرتبطة به، ولا شكّ أن تربية الأبناء بوجود أحد الوالدين من أصحاب الشخصية الحدية يحتاج لمتابعة تربوية أكثر كثافةً وأساليب تربوية أكثر تخصيصاً.
هل ينتقل اضطراب الشخصية الحدية إلى الأبناء؟ نعم قد ينتقل اضطراب الشخصية الحدية من الأب أو الأم إلى الأبناء، حيث يُعتقد أن الأبناء الذين يعيشون مع والد -أب أو أم- يعاني من مشكلة في الصحة العقلية مؤهلين أكثر للإصابة باضطرابات الصحة العقلية سواء الشخصية الحدية أو اضطراب آخر!
وعلى الرغم أن معظم حالات الشخصية الحدية ترتبط بأحداث الطفولة القاسية والإهمال العاطفي والتعرض للإيذاء الجسدي أو العاطفي، لكن أيضاً تشير الأبحاث لوجود عوامل وراثية مرجّحة تجعل عائلات المصابين بهذا الاضطراب أكثر عرضة للإصابة به.