صفات الأب النرجسي وتأثير نرجسية الأب على الأبناء
كثيراً ما نستخدم مصطلح النرجسي لوصف شخص يتصف بالغرور وبثقة عالية بالنفس وحب الذات، لكن هذه ليست النرجسية الحقيقية، فعند فقدان السيطرة على الأنا والغرور الذي يعيشه الفرد وتحول الرأي لسيطرة وفرض هنا أصبحنا نتحدث عن شخص مصاب باضطراب الشخصية النرجسية، الذي يتعامل بنرجسية حتى مع أبناءه متجاهلاً الآثار النفسية والسلوكية عليهم، ومن خلال هذا المقال سنسلط الضوء على تأثير الأب النرجسي على الأبناء وشخصيتهم.
الأب النرجسي يعاني من اضطراب الشخصية النرجسية الذي يتمثّل بشعور متضخم بالذات يجعل الأب يشعر بالتفوّق المطلق على كل من حوله بما في ذلك أبنائه، ويتصرف بأنانية مفرطة تجعله غير قادرٍ على التعاطف مع أبنائه أو زوجته أو فهم احتياجاتهم والعاطفية على وجه الخصوص.
أسوأ صفات الأب النرجسي أنه غير قادرٍ على التعاطف وينظر إلى أسرته كأداة لتحقيق مجده الشخصي، ما قد يجعله قاسٍ جداً في العقاب وشحيحاً بالمكافأة أو التقدير وبخيلاً بعواطفه والتعبير عن حبّه، يجبر أبناءه على تحقيق توقعاته المرتفعة التي تصب في النهاية بأهداف تحسين صورته الشخصية غير مهتم براحة ورضا أبنائه أو استقرار حياتهم.
- الغرور المفرط: الغرور والعجرفة من الصفات الأساسية للأب المصاب باضطراب الشخصية النرجسي، فلديه هوس بحب الذات وإن كان على حساب أبناءه، فيستمر بالحديث عن نفسه وتفوقه وأنه يستحق الحصول على الأفضل ويهتم بمظهر عائلته أمام المحيطين أكثر من اهتمامه بها بحد ذاتها.
- عدم تقديم الدعم العاطفي: يحتاج الأب النرجسي للكثير من الثناء وتقديم العواطف وتقدير المشاعر من قبل جميع من حوله حتى أطفاله، وفي نفس الوقت لا يهتم بمعرفة حاجات أولاده للدعم العاطفي لفشله بالتعاطف مع الآخرين، وإن علم فهو للأسف يتجاهل عواطفه ويقلل منها ولا يعيرها أي اهتمام.
- تجنب التعبير عن المشاعر: عادةً حب الأب لأولاده ليس له قيد أو شرط، لكن هذا ليس عند الأب النرجسي أو لديه صفات نرجسية، لكون الأب النرجسي في الغالب لا يبدي مشاعر الحب لأطفاله دون مقابل بل يظهر حبه بقدر ما يتحدث الابن عنه ويعظمه، أو يظهر حبه ومشاعره أمام الآخرين بشكل مفرط ليريهم مدى نجاحه العظيم في بناء أسرة سعيدة ومترابطة.
- السخرية من الأبناء باستمرار: السخرية والاستخفاف بالابن وبكل ما يقدمه سواءً بينهما أو أمام الآخرين من الصفات الني يتسم بها الأب النرجسي، ويقوم بها عندما يجد الأنظار كلها تتجه لطفله لكونه يحب أن يكون المسيطر في كل مكان، فإن لم يتمكن من اسناد الفخر له يستخدم أسلوب السخرية كشكل من أشكال التعبير عن الاستياء.
- الابتزاز العاطفي مع الأبناء: يحب الأب النرجسي في بعض الأحيان تصوير نفسه على أنه الضحية، وهو المظلوم جراء الاجحاف بحقه من قبل أطفاله، ويُشعِر كل من حوله بأنه هو من يتعرض للظلم، ويستخدم عبارات مثل "أنت تحاول أن تظهرني سيء المعاملة معك دائماً، فأنت ابن جاحد لا تفكر في تأثير أفعالك هذه علي"، ليشعر الطفل بالذنب ويحاول الاعتذار والتعبير عن أهمية والده له.
- يقارن أبناءه بنفسه في صغره: يعيش الأب النرجسي حالة الأنا دون القدرة على السيطرة عليها، ويبقى على مقارنة دائمة لما قام به هو وما يقوم به غيره، وهذا الشيء أيضاً مع طفله الذي يأتيه فرحاً بشيء قام به مهما كان صغيراً منتظراً من أبيه كلمة تشجيع لدفعه للأفضل، لكن يكون رد الأب النرجسي صادماً مثل القول: "بماذا أنت سعيد؟ كنت بعمرك أفعل أكثر من هذا بكثير لم لا تكون مثلي؟ كنت طفلاً مسؤولاً لا افتخر بشيء ليس له معنى".
- السيطرة على قرارات الأبناء: الشخص النرجسي أو المصاب باضطراب الشخصية النرجسي يحب السيطرة الكاملة في كل مكان يكون به وفي منزله له السلطة المطلقة في تسيير الجميع، حتى القرارات الشخصية لأفراد عائلته، فهو شديد التحكم والسيطرة والمراقبة لأطفاله، ولا يسمح لهم القيام بالأشياء إلا بالطريقة التي يريدها ولا يحترم قراراتهم الشخصية ولا يسمح لهم باتخاذها وقد لا يحاول حوارهم أيضاً
- لا يهتم لنجاح أبنائه إلّا أمام الآخرين: من صفات الأب النرجسي أنه يتباهى بنجاح أولاده سواء في الدراسة أو العمل أمام الجميع، لكنه لا يعبر لهم بفرحه بهم وبنجاحهم عندما لا يكون هناك أحد حيث يعتبر نجاحهم شكل من أشكال الفخر بنفسه وبتربيته، أمام الأشخاص لكن يشعر ابنه بأنه لم يفعل شيء يستحق عليه الثناء.
- لا يعترف بنجاح ابنه كشخص مستقل: دائماً يعتبر الأب النرجسي نجاح ابنه هو انعكاس لنجاحه فإذا أراد مدحه يمدح دوره في وصوله لذلك وليس اجتهاده الشخصي، ويطلب منه أن يشكره ويثني عليه لأفضاله التي قدمها له حتى حقق هذا النجاح، فيأخذ الفضل في إنجازات ابنه ويسلط الضوء على نفسه في كل مرة.
- تقديم الهدايا المفرطة: قد يفرط الأب النرجسي بتقديم هدايا باهظة لأبنائه للفت النظر إليه والانصياع لأوامره وسماع عبارات الشكر والمديح والالتزام الفوري لاحتياجاته بالمقابل، وكذلك يرى الجميع ما يقدمه لأولاده بشكل مميز ويتحدثون عن ذلك.
- منعهم من حرية التعبير: غالباً يحاول الأب النرجسي قمع طفله ومنعه من التعبير عن مشاعره والاستخفاف بها حتى وإن كان طفلاً صغيراً، فلا يسمح له بالمشاركة باتخاذ القرارات ولا الحوار معه في الأمور الأسرية، فتجد الطفل يمتنع عن التعبير عن مشاعره والتحدث مع والده عما يدور في داخله وعما يرغب به.
- التقليل من قوتهم واهتماماتهم: يسعى الأب النرجسي لتعظيم نفسه فقط وكبت كل نقاط القوة التي يتمتع بها أبنه والاستخفاف باهتماماته وميولاته ويقلل من شأنها، فعندما يتحدثون عن شجاعتهم بموقف ما سيبدي استياء أو غضب ما لم يسند هذه القوة له ويبدأ باستخدام الإساءة اللفظية ليشعره أنه لم يقهم بشيء مميز.
- استخدام أساليب العنف اللفظي أو الجسدي: بالنسبة للأب النرجسي هو السطلة المطلقة وعلى حق ويجب على الطفل الالتزام بهذا أو مواجهة غضبه الذي غالباً ما يتمثل بالعنف أو الإساءة، مثل أن يقول له: "إن لم تفعل ذلك ستندم" أو "الأحمق هو من يتصرف بهذه الطريقة" أو "افعل ما تريد عندما تكون في منزلك الخاص ليس في منزلي" ليشعر الابن أنه لا شيء له بدون أبيه.
غالباً ما يعاني الأطفال من مشكلات سلوكية تدوم مدى الحياة عندما يعيشون حياتهم مع أب نرجسي، بسبب تعرضهم لتجارب مؤلمة سواءً من أبيهم أو سوء التواصل معه ما يؤدي لظهور تأثيرات أكبر عليهم، ومن السلوكيات والصفات التي تظهر على الأطفال:
- السلوك العدواني: أوجدت الدراسات أن الأطفال الذين عاشوا مع أب نرجسي لديهم صفات عدائية في تعاملهم مع المحيطين، وهذا بسبب بيئة الشحن التي يعيشها الطفل لسنوات طويلة مع شخص سريع الغضب والاستياء المستمر، فيحاول تفريغ هذه الشحنة السلبية خارج المنزل بشكل سلبي ولا يناسب مع الموقف الذي تعرضه له.
- العصبية المفرطة: العصبية هي صورة معكوسة لابن الأب النرجسي الذي يجعل الطفل يكبت بداخله مشاعر متضاربة، ما يجعله سريع الانفعال حيال الأشخاص الذين يوجهون له النقد أو التصحيح نتيجة الطاقة السلبية المكبوتة في المنزل، وأيضاً لاعتيادهم على الأسلوب الفظ والعصبي الذي يعيشونه يومياً.
- الاعتياد على الكذب: التلاعب العاطفي والكذب في تقديم العهود الذي يسلكه الأب النرجسي ليعظمه ابنه مقابلها، يجعل الطفل يتعلم سلوك الكذب لكسب رضا الآخرين ووعدهم بالأكاذيب وعدم الوفاء بالعهود، ويتطور هذا السلوك عند الطفل شيئاً فشيئاً.
- ضعف الشخصية: الشخصية الضعيفة تنمو مع الطفل الذي يربى على يد أب نرجسي، حيث لا يتعلم منه كيفية التعامل مع الآخرين والمواجهة حتى أنه غير قادر على مناقشة والده والدخول معه بحوارات من شأنها أن تبنى شخصية الطفل وثقته بنفسه.
- عدم الفرح بنجاح أحد: الأنانية وعدم الفرح للآخرين بنجاحاتهم وحياتهم ورزقهم وسعادتهم جميعها خصال يتمتع بها الاب النرجسي ويتعامل بها مع جميع من حوله، فمن السهل جداً أن يرث الطفل هذه الصفات من والده خاصةً لكونها الطريقة التي يتعامل بها معه، ما يشعره أيضاً بالغيرة من نجاح غيره واحتفال أهله به والافتخار، وهو يشعر بالنقص من نجاحه والاستخفاف لعدم تقدير الأب.
يكون تأثير الأب النرجسي أكبر على الأطفال الذين يحتاجون للمزيد من العناية خاصةً في مرحلة الطفولة وما قبل المراهقة، لكونها الوقت الذي يبدأ به الطفل بالانفتاح على المجتمع الخارجي، ومن هذه التأثيرات:
- مشاكل الصحة العقلية: يعيش الطفل في ظل أبيه النرجسي وتحت جناحه ضمن بيئة مشحونة بسبب الحرص من أي تصرف يقوم به الطفل لتجنب غضب الأب، والخوف من أشياء ومواقف طبيعية كمعرفة أحد لشيء يحدث في المنزل والأب يحاول إخفائه، تؤثر هذه الحياة بشكل كبير على الصحة النفسية للطفل وقد يكبر وهو يعاني من مشاكل نفسية كالقلق والاكتئاب والخوف والهواجس أيضاً، علاوةً على أساليب العقاب التي قد يتبعها الأب النرجسي مع أفراد أسرته كاستخدام العنف والإساءة.
- المعاناة من مشاكل عاطفية: التحديات العاطفية التي يتعرض لها الطفل من علاقته بأبيه النرجسي، تجعله يخشى من التعبير عن مشاعره أمامه وغياب الحديث والنقاش الفعال بينهما يجعل الطفل يكبت ما بداخله بشكل لا يقوى على تحمله طفل في عمره، فقط تجنباً لسخرية والده واستخدام أساليب تسبب له الازعاج ولا يتمكن من الرد عليها، ولهذه الأمور تأثير قوي على الأطفال خاصةً في مرحلة ما قبل المراهقة والمراهقة المبكرة حيث ينشأ الطفل غير قادر على التعبير عن مشاعره ولا يمتلك الثقة الكافية بالآخرين لتكون علاقات صحية.
- النفور من العلاقات الاجتماعية: يميل ابن الشخص النرجسي للعزلة ولا يفضل التقرب من الآخرين وهذا للعديد من الأسباب، ومنها تحدث الأب عن فشل ابنه في جميع مناحي الحياة أمام الآخرين أو الخجل من طبع والده الأناني وحبه للسيطرة على الحديث لاعتباره أمر مخجل، أو لانعدام الثقة بالآخرين واعتياده على أسلوب التلاعب، أو عدم امتلاك شخصية قادرة على التعامل بشكل سلس مع الآخرين خاصةً بالنسبة للأطفال الذين لم يتمكنوا من تكوين شخصيتهم المستقلة.
- نقص فهمهم للأمور الحياتية: لا يتمكن الطفل من تعلم الأمور الحياتية مع الأب النرجسي حيث يكون منغمساً بنفسه ورغباته واهتماماته ولا يعلم طفله المسؤولية والتفاصيل الحياتية بقدر ما يطلب منه أن يشكره ويثني عليه ويعترف بما قدمه له، حتى وإن كان يمتلك أم متفهمة وتعمل على تنشئته لكن يبقى الأب هو من يبني القوة والثقة، فعدم تواجده سيجعل نمو الطفل وتعلمه أبطئ وأصعب.
- معاناتهم من متلازمة الدجال: هي عبارة عن حالة يعيشها الطفل تتمثل بالاعتقاد بأنه ليس مؤهلاً للقيام بالأشياء بنجاح كما يتصوره الآخرين، ويشعر وكأنه يحتال عليهم، وهذا يعود بسبب رئيسي للأهل الذين لا يقدمون الدعم والثناء لأطفالهم، فالأب النرجسي لا يعزز شعور ابنه الإيجابي اتجاه النجاحات التي يحققها مهما كانت كبيرة، علاوة على الضغوط المفروضة عليه يومياً.
- الشعور بتدني القيمة: قد يعتاد الطفل على الأسلوب الفظ الذي يتعامل به والده، ما يجعله حتى هو لا يقدر قيمة نفسه ويشعر أنه لا يُرى ولا يُسمع وليس له وجود، ويعتبر أن أي شخص يحدثه بأسلوب غير لائق هو أمر طبيعي فيصبح لا قيمة له أمام الآخرين وأكثر عرضة للتنمر.
- التعرف على اضطراب الشخصية النرجسي: للتعامل مع الأب المصاب باضطراب الشخصية النرجسي يجب على الأبناء والزوجة التعرف على صفات الشخص النرجسي، واستخدامها للثناء عليه كأب والحصول منه على الأشياء التي يريدها الأبن عن طريق تعزيز الشعور الإيجابي لديه.
- لا تحاول تغييره: لا يجب على الابن معاملة والده النرجسي على أنه مريض نفسي أو مختل، وفي نفس الوقت يجب عدم مجاراته والتأثر به، واستغلال الصفات الإيجابية للنرجسي التي يتمتع بها فإذا كان لدى الابن الوعي الكافي يمكن الحديث بشكل هادئ معه دون أن تحاول تغييره لأنه لن يتقبل توجه له الملاحظات والنصح.
- استخدام الثناء في التعامل: يمكن للابن أن يستخدم الثناء والمديح الدائم عند الحديث مع الأب النرجسي ليتقبل سماعه، مثل القول "نحن نحب تواجدك معنا لقضاء بعض الوقت الممتع وسنشعر بالسعادة إذا رافقتنا".
- تجنب مجادلته: الجدال أكثر الأمور التي تجعل الأب النرجسي يغضب ويستاء وقد يستخدم أساليب العنف مع الابن، لذا من الأفضل تجنب مجادلته وتركه يتعامل على راحته ويهتم بتفاصيله الخاصة وبالمقابل يهتم الابن برغباته واهتماماته الخاصة.
- محاولة وضع الحدود الشخصية: مهما كانت معاملة والدك النرجسي سيئة لا تجعله يؤثر على شخصيتك، ورغم أن وضع الحدود سيغضبهم لكن يجب عليك إظهار عدم الاكتراث عندما يتعلق الأمر بخصوصيتك فإذا قال شيئاً مزعجاً أو حاول التلاعب بك تجاهله تماماً ولا تدعه يستغل عطفك.
- طلب المساعدة من متخصص: تترك نرجسية الأب آثاراً سلبية عميقة في نفسية الأبناء، ومن الحكمة استشارة متخصص نفسي ليس فقط لاكتساب بعض المهارات والأدوات المناسبة للتعامل مع الأب النرجسي، ولكن أيضاً لتطويق تأثير سلوكه على نفسية الأبناء والحصول على أدوات الرعاية الذاتية والاستشفاء النفسي.