صفات الأب الأناني وتأثير أنانية الأب على الأبناء
الأنانية سمة إنسانية طبيعية لا يمكن إنكارها حتى إذا أصبح الرجل أباً! لكن درجة الأنانية التي قد تجعل الأب يلتفت إلى مصلحته الخاصة وإنجازاته الشخصية بعيداً عن أسرته وأبنائه، أو التي تجعله كريماً على نفسه وبخيلاً على أسرته، هي الأنانية غير الحميدة التي تترك آثاراً كبيرةً على نفسية الأبناء وشخصياتهم وسلوكهم.
الأب الأناني هو الأب الذي يضع مصلحته الشخصية فوق مصلحة أسرته وأبنائه، وتتحكم دوافعه الشخصية ورغباته الخاصة بسلوكه الاجتماعي والمالي والتربوي وبحجم دوره الأبوي في حياة أسرته، كما يتميز الأب الأناني بصفات ملازمة لشخصيته عادةً مثل العجز عن تقديم الدعم العاطفي وفقدان الاتصال العميق مع أسرته.
في كثير من الحالات تساهم الأبوة بتقليل الأنانية عند الرجل وكذلك تفعل الأمومة للمرأة، لكن الرجل صاحب الشخصية الأنانية غالباً ما تزداد أنانيته بعد الإنجاب، حيث يشعر بنوع من المنافسة بينه وبين أسرته وأبنائه، المنافسة على المال ووجهات الإنفاق وعلى الوقت والمتعة والرفاهية والمنافسة حتى على الصورة الاجتماعية، ما قد يجعل سلوكه أكثر انحرافاً باتجاه الأنانية!
لا يشترط أن يكون الأب أنانياً إذا تمتع بإحدى هذه الصفات، لكن الافراط بها والتطبع بالعديد منها تشير لكونه أباً أنانياً لا يهتم إلا لنفسه، فمن الصفات التي تدل على أنانية الأب:
- أولوياته غير متعلقة بالأسرة: أهم صفات الأب الأناني أن لديه أولويات مختلفة عن معظم أولويات الآباء الأسوياء، ولا مكان للأسرة أو الأبناء في رأس قائمة الأولويات، فهو يجب أن يكون سعيداً أولاً قبل سعادة أسرته وأبنائه، ورفاهيته حتى في الطعام والشراب واللباس أهم من احتياجات أسرته الأساسية.
- يحب السيطرة: في الغالب يحب الأب الأناني السيطرة على الأشياء والأشخاص وامتلاكهم دون الاهتمام لمشاعرهم، ومنهم أبنائه ورغباتهم وقراراتهم الخاصة، حيث يميل الأب الأناني للتحكّم بحياة أبنائه بشكل مفرط بما يتوافق مع الصورة الاجتماعية التي يريدها لأسرته ليظهر هو بصورة جيدة.
- يجيد التلاعب العاطفي: يعمل الأب على تحميل الذنب لأطفاله ولومهم المتكرر على أدائهم، ويحاول أن يثير مشاعر الذنب وتأنيب الضمير لاستعطافهم، مثل القول "إذا لم تساعدني في هذا اللقاء سأحزن كثيراً وقد أصاب بمرض نفسي".
- لا يجيد تقديم الدعم العاطفي: للأب دور كبير في تقديم الدعم العاطفي للأبناء وهو ما لا يتوفر لدى الأب الأناني، فهو لا يتعامل معهم بمودة وعطف ولا يشعرهم بالحنان والاهتمام، ويجد أن الأجدى له أن يستهلك طاقته بإثبات ذاته ويستثمر مشاعره لذلك.
- يمتلك حياة سرية: في معظم الحالات يمتلك الأب الأناني كثيراً من الأسرار التي لا يجب أن يعرفها الأبناء أو تعرفها الزوجة، خصوصاً الأسرار المالية وما يتعلق بالدخل والإنفاق، وقد يصل الأمر إلى أن يعيش الأب الأناني حياةً موزايةً لا تشبه حياة أسرته على الإطلاق!
- تقديم أدنى حدود الدعم المادي: الأب هو المسؤول الأول عن تلبية الاحتياجات المادية لأسرته، فيما يميل الأب الأناني للإنفاق على نفسه بشكل أكبر وعلى حساب رفاهية أسرته وسعادة أبنائه، بل في بعض الأحيان قد يصل الأمر لحرمان أبنائه من بعض الأساسيات ليتمكن من الاستمتاع بالكماليات بنفسه.
- منشغل في أعماله: من صفات الأب الأناني أنه يتجاهل أمور أبنائه واحتياجاتهم بسبب انشغاله الدائم بعمله، فلا يجد وقتاً لأطفاله فلا يسمعهم ولا يشعر بهم ولا يعلم ما يمرون به، وانشغاله في عمله لا ينبع من رغبته بتحسين مستوى أسرته بقدر ما يرتبط بتحقيق مجد ونجاح شخصي!
- عدم المشاركة في الأنشطة العائلية: الأب الأناني يفكر بنفسه فقط وباحتياجاته ورغباته، ولا يعير اهتماماً كبيراً للتعاون مع أفراد العائلة أو المشاركة معهم بالأنشطة الأسرية أو العائلية أو الترفيهية أو المناسبات والواجبات وغيرها، فهو غالباً يحاول التهرب من هذه الأشياء ليكسب وقتاً خاصاً.
- تدمير ثقة الأبناء بأنفسهم: يؤثر الأب الأناني على نفسية الطفل بشكل سلبي حيث أن التلاعب العاطفي والغضب المستمر يجعله مشحوناً بطاقة سلبية وقلقٍ حيال أي أمر، ما يساهم ببناء شخصية طفل لا يثق بنفسه وغير قادر على احترام ذاته، وأحياناً ينظر لأبيه بعدم احترام ويفقد شعور المحبة تجاه والده.
- تراجع الأداء الدراسي والأكاديمي: غياب دور الأب الداعم لأبنائه بسبب الأنانية ينعكس بشكل كبير على الأداء الدراسي والأكاديمي للأبناء، حيث لا يهتم الأب الأناني بمراقبة أو متابعة تطورات أبنائه بالمدرسة إلى إن كان مهووساً بالصورة الاجتماعية، وهذا الهوس سيجعله يضغط بشكل سلبي على الأبناء ما يقود إلى النتيجة ذاتها!
- الفجوة العاطفية بين الأب والأبناء: بغياب الأب عن أبنائه لفترات طويلة وهو يسعى لتحقيق ذاته، يخلق فجوةً عاطفية بينه وبين أبنائه، فهو لا يسأل عن مشاعر ابنه ولا يحاول معرفة ما يعانيه من مشكلات أو يتعرف على الأشياء التي تسعده، وفي الأوقات التي يحتاج فيها الابن لأبيه سيجد شخصاً لا يعرفه ولا يجيد التعامل معه ولا يتفهّم مشاعره!
- الحرمان المادي للأبناء: ينفق الأب الاناني المزيد من الأموال على نفسه للظهور بشكل أفضل والتباهي أمام الآخرين، ما يجعل الطفل يفتقر للعديد من المستلزمات التي قد تكون أساسية كالقرطاسية والملابس، ما يؤثر على تنشئة الطفل وزيادة شعوره بالنقص بالمقارنة مع أطفال آخرين فينظر لما يملكونه ولا يملكه هو، وبالمقابل يعيش والده حياة رغيدة، وقد يصل الحرمان المادي إلى إهمال رعاية الطفل الصحية.
- التأثير السلوكي: الأبناء الذين يتربون في كنف أب يتصف بالأنانية يكونوا أكثر عرضة للانحرافات السلوكية كتعلم السرقة وإدمان المخدرات، لفقدان ثقتهم بأبيهم وعدم تواجد الأب وتقديم النصح والتوجيه والدعم، ما يجعلهم يتعرفون على أشخاص سيئين يدفعوهم لتعلم سلوكيات غير لائقة دون إشراف.
- اختلال المنظومة الأخلاقية عند الأبناء: تواجد الأب ضروري للتنشئة الاجتماعية الصحيحة للطفل، لتعليمه القيم والأخلاق التي تتناسب مع مجتمعه، كما يشعر الطفل بالأمان النفسي والثقة والتقدير، والأب الأناني عاجز عن تقديم كل هذا لأطفاله لكونه يلتفت لنفسه فقط ولا يعرف معنى التعاطف والتفاهم، ولا يشرف على عملية التقويم السلوكي التربوي، فينعكس هذا على أخلاق الابن التي يتبعها ولا تتناسب مع عادات وتقاليد الدين والمجتمع الذي يعيش فيه.
- تنمية صفات العدوانية: انعدام التواصل الهادئ بين الأب والابن يقلل من قدرة الطفل على التعاطف وضبط النفس، وهذا بسبب البيئة المشحونة بطاقة سلبية نتيجة غضب الأب الأناني على أتفه الأسباب، ما يجعله يكتسب سلوك عدواني وغاضب في تعامله مع من حوله.
- تعلم الأنانية: يكتسب الطفل من أبيه الأناني بعض الصفات الأنانية، فيصبح مثله في طريقة التعامل وحب المصلحة والمظهر، فلا يفرح لنجاح أحد ويحاول إحباطه والتقليل من شأنه، ولا يقترب من أحد ويتعامل معه بلطف إلا بمقابل أو فائدة.
- الميل للتمرد: يعيش الطفل لسنوات طويلة في كنف أبيه الأناني لكن عندما يخرج للمجتمع الكبير سيبدأ بمقارنة حياته مع حياة أقرانه، مثل المصروف والتعامل الحسن من قبل الأب، وهذه الملاحظة والمقارنة ستجعله يتمرد على واقعه وعلى أبيه ويحاول الخروج من هذا الوضع بأي طريقة.
- الوحدة الانعزال: يميل الابن الذي يعيش مع أب منهمك بنفسه ولا يقدم الدعم لأولاده إلى الانعزال والابتعاد عن الآخرين، لكونه يجد صعوبة بالثقة بهم وتكوين علاقات صحية معهم بسبب ضعف ثقته بنفسه، كما يزيد شعوره بالاكتئاب وقد يمتد الأمر لما هو أكبر من ذلك كمحاولة الانتحار أو إيذاء النفس، إذا مر بظروف نفسية وعاطفية صعبة.
- عدم الاحترام: غالباً الطفل الذي يتربى على يد أب أناني يصبح لا يحترم الآخرين ولا آرائهم ولا قراراتهم ونجاحاتهم، لكونه يجد أبيه دائم الانتقاد ويحاول تحجيم الآخرين، وكذلك لا يوجد احترام متبادل في البيئة الأسرية وعلاقته مع أبنائه، فيكتسب الطفل هذا السلوك من والده مع الوقت.
- تفكك الأسرة: غياب الأب عن المنزل يعني غياب سند وراعي المنزل، ما يسبب تفكك الأسرة بسبب الفجوة الكبيرة بين الأب الأناني وأبنائه وزوجته، فتجد كل منهم أصبح يعتاد على الاعتماد على نفسه والعيش بمفرده وفقدان الحميمة في الأسرة.
- غياب الأمان: الأب مصدر الأمان والقوة في المنزل فعندما يكون أناني ومنغمس بنفسه وينسى مسؤولياته اتجاه أسرته، سيجعلهم يفقدون هذا الأمان ويترتب على هذا المزيد من التأثيرات النفسية والعاطفية على الأبناء والزوجة وبيئة الأسرة بشكل عام.
- المشكلات الاقتصادية: يعاني المنزل الذي به أب أناني من مشاكل اقتصادية قد تكون صعبة، حيث ينصب اهتمامه على ابراز مظهره وشراء ما يرغب به والاستعراض أمام الآخرين مستهتراً باحتياجات منزله، ما يسبب نشوب المشاكل في الأسرة.
- عدم السيطرة على أفراد العائلة: يتمرد الأطفال على واقعهم المعاش مع الأب الأناني، فيصبح من الصعب السيطرة عليهم وإعادتهم لرشدهم ويصبح تأثير الآخرين أقوى، خاصةً إذا رافق ذلك تغيب الأم والمشاكل الأسرية.
- زيادة فرص الخيانة الزوجية: يتسبب غياب الرجل وانشغاله عن زوجته وأسرته بنفسه، باحتمالية تفكير المرأة بالحديث مع رجل آخر قد تتعرف عليه من مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تتطور العلاقة بينهما وتصل للخيانة الزوجية، لكن هذا لا يبرر الخيانة ولا يعني أن كل رجل أناني ستخونه زوجته!
- أهمية دور الأم: يصعب على الطفل التعامل مع أب أناني بمفرده، فيمكن للأم تقديم المساعدة لطفلها وتوجيهه بشكل لا يجعله يقلل من قيمة والده وبنفس الوقت تمده بالعاطفة وتعوض التقصير الناتج عن الأب، للحفاظ على شخصيته وكيانه.
- مسايرة الأب الأناني: يجب تعويد الابن على احترام أبيه ومجاراته وتقديم الثناء له للحفاظ على الروابط بين أفراد العائلة واكتساب رضاه، وهذا سينعكس على الطفل حيث يحب الأب الأناني الابن الذي يقدم له الدعم ويميزه ويلبي احتياجاته بشكل أفضل.
- وضع الحدود: أحياناً في حال كان الابن بعمر كبير وشخص بالغ وناضج فيمكن وضع بعض الحدود للاب الأناني ولكن بشكل لا يجرح الأب أو يؤثر على مكانته ضمن الأسرة، وهذه الحدود تكون مرتبط بمصلحة الأسرة العامة.
- التحدث بصراحة: الأنانية عند الأب صفة وليست مرض نفسي لذا يمكن الحديث معه بسهولة لكن بطريقة ذكية، فلا يمكن أن تقول للأب الأناني أنك غير راضٍ عن تعامله معك، لكن يمكنك التعبير من خلال القول "أعلم كم أنت عظيم وكم تعبت عليَّ لكن دعني اتحدث مع الأشخاص دون أن تقاطعني للحديث عن نفسك افتح لي مجال لأثبت نجاحك في تربيتي".
- التفكير بالمستقبل: يجب التركيز على مستقبل الابن سواء من قبل الأم أو من قبله نفسه، ولكونه يكتسب قوته من ذاته فهو قادر على بناء أحلامه والسعي لتحقيقها متجاهلاً أنانية الأب ومنهمكاً بنفسه.