كيف يتم التحقيق مع الموظفين في القطاع الخاص؟
التحقيق مع الموظفين في بيئة العمل يعتبر أمراً ضرورياً من قبل الإدارة أو أصحاب العمل في عدة حالات، مثل ورود شكاوي حول قيام الموظفين بتجاوزات فيما بينهم أو مع العملاء، أو عدم قيامهم بعملهم بشكل صحيح بما يضر بمصلحة العمل أو اكتشاف حالات من الفساد لدى بعض الموظفين في العمل، والتحقيق في هذه الحالات يعطي فكرة للإدارة عمّا الذي يحصل في بيئة العمل ونوعية الإجراءات المناسبة حيال أي مشكلة بعد إدانة الموظف أو تبرئته، وقد يكون هذا التحقيق الداخلي سبباً لإحالة الموظف إلى الجهات الأمنية والقضائية المختصّة.
التحقيق مع الموظفين في القطاع الخاص هو تحقيق داخلي يتم بإشراف القسم المختص مثل الرقابة الداخلية أو الشؤون القانونية في المؤسسة، أو من قبل الأشخاص أصحاب السلطة من الإدارة أو الموارد البشرية، ويشمل أسئلة واستفسارات تتعلق بالعمل نفسه وكيفية أداء الموظف لدوره في هذا العمل لاكتشاف أي ثغرات أو مشاكل أو تجاوزات تضر بمصلحة المؤسسة أو مخالفات لنظام الشركة الداخلي.
بناء عليه يتم اتخاذ إجراءات أو عقوبات بحق الموظف اعتماداً على نظام الشركة الداخلي، أو تحويل الموظف لتحقيق رسمي تقوم به الجهات المختصة وفق القوانين النافذة كما في حالات الاختلاس والسرقة والإضرار بالممتلكات ومخالفة الاتفاقيات والتحرش الجنسي وغيرها.
في الحالات التي يظل في التحقيق مع الموظف محصوراً داخل الشركة تكون العقوبات داخلية مثل الخصم أو النقل أو حتى إنهاء التعاقد والطرد، وعندما يستدعي الأمر تدخّل الجهات المختصة يخضع الموظف للقوانين النافذة في البلاد وحسب ادعاء القسم القانوني في الشركة عليه أمام الجهة القضائية، وفي بعض الحالات تلعب النقابات دوراً في التحقيق الداخلي والتحقيق الرسمي.[1]
- الاطلاع على الأنظمة والقوانين: يجب أن يكون القائم على عملية التحقيق مطلعاَ على الأنظمة والقوانين المتعلقة بالعمل الذي يقوم به من ناحية، وأنظمة الدولة التي تعمل بها الشركة من ناحية أخرى، وذلك حتى لا يقوم بأي تجاوزات أثناء التحقيق مع الموظف قد تقلب الموضوع ضد الشركة.
- جمع الأدلة: قبل البدء بالتحقيق مع الموظف حول التجاوز الذي قام به أو المشكلة التي تسبب بها يجب على المحقق جمع ما يكفي من معلومات وأدلة تدين هذا الموظف أو تبرؤه، وذلك ليكون مسار التحقيق مدعوماً بالشواهد والأدلة منعاً للتهرب أو الكذب أثناء التحقيق، بالإضافة لتكوين انطباع أو صورة لدى المحقق حول طبيعة المشكلة.
- الحفاظ على الموضوعية والحيادية: يجب ألا يتخذ القائم بعملية التحقيق الداخلي في الشركة موقفاً مسبقاً من الموظف أو من المشكلة التي يحقق بها، فهذا الموقف المسبق يمكن أن يشتت انتباهه عن بعض الملاحظات أو المعلومات، أو يمكن أن يدفعه للضغط على الموظف بناحية معينة قد يكون بريئاً فيها، لذا يجب أن يكون صاحب شخصية حيادية موضوعية تتعامل مع التحقيق على أنه وسيلة لجمع المعلومات وكشف حقيقة المشكلة أو الحادثة.
- اختيار محقق خبير: ليس أي شخص قادر على إجراء التحقيق مع موظف في القطاع الخاص، فيجب أن يتمتع من يقوم بالتحقيق بخبرة في مجال العمل من ناحية، وخبرة في عملية التحقيق من ناحية أخرى، وذلك حتى لا يتشتت انتباهه أثناء التحقيق أو إغفال بعض المعلومات الهامة حول موضوع التحقيق نظراً لعدم معرفته بأهميتها، كما يجب أن تكون له صفة واضحة تخوّله للتحقيق مع الموظفين.
- تحضير الأسئلة: يمكن أن يقوم المحقق مع الموظف بتحضير بعض الأسئلة التي سوف يسألها للموظف خلال جلسة التحقيق معه، وذلك للحفاظ على مسار معين للتحقيق وعدم نسيان أي سؤال هام أو ترك مجال للموظف المذنب لإخفاء الحقيقية أو تشتيت التحقيق بشكل عام.
- التعمق في التفاصيل: إذا كان الشخص المقصود بالتحقيق يكذب فعلاً فغالباً سوف يخطئ أو ينسى بعض التفاصيل أثناء تأليف قصة من قبله تدعم براءته، ويمكن الاستفادة من نقطة الضعف هذه من خلال الاستغراق بالتفاصيل، وانتظار أن يرتبك الشخص الذي نقوم بالتحقيق معه ويعطي معلومات متناقضة أو يحدث لديه زلة لسان تكشف نواياه وصدقه.
- بناء تصورات حول إجابات الموظف في التحقيق: في المشكلات التقليدية التي يتم التحقيق بها مع الموظفين مثل شكاوى العملاء أو الإهمال الوظيفي، يستخدم الموظف المهمل عادةً بعض الإجابات أو المبررات، ويجب على المحقق توقع هذه الإجابات أثناء التحقيق وتحضير الأسئلة أو الأدلة التي تكشف حقيقتها.
- الاستماع للموظف: لا يجوز التعامل مع الموظف والحكم عليه بأنه مذنب قبل أن يثبت التحقيق ذلك، لذا يجب الاستماع للموظف ومبرراته فربما يكون لديه قصة مختلفة أو سبب جعله يقوم بهذا الخطأ أو على الأقل دفاع عن نفسه من أي جانب أو حسن نية.
- تدوين الملاحظات: أثناء التحقيق مع الموظف يتم الحديث حول الكثير من الأمور وتفاصيل دقيقة جداً وأسئلة وإجابات كثيرة، وهذه التفاصيل يجب تدوين ملاحظات حولها ليعاد سؤال الموظف عنها مرة أخرة أو بناء انطباع على أساسها، أو القيام بكمين من خلالها، أو العودة لمسار التحقيق عند الجنوح عنه.
- تقدير الحالة: الموظف المذنب ليس بالضرورة موظفاً سيئاً أو شريراً أو فاسداً أو مهملاً، فربما يكون الخطأ الذي اقترفه ناتجاً عن ضعف إمكاناته أو خبرته، أو عن مشاكل تتعلق بطبيعة العمل أو سياسة الشركة أو إدارتها، وبالتالي يقدر ذلك أثناء اتخاذ الإجراء المناسب سواء بحق الموظف أو لتحسين أداء الشركة.
- كتابة التقرير: هي المرحلة النهائية في عملية أو جلسة التحقيق مع الموظف في القطاع الخاص، حيث يتم تدوين ما توصل إليه التحقيق وانطباعات المحقق، والأسباب التي أدت لقيام الموظف بهذا الخطأ، وهذا ليتم رفع التقرير للإدارة لاتخاذ الإجراء المناسب.[2-3]
يوجد بعض الحالات التي تحدد ضرورة إجراء تحقيق مع الموظفين في الشركة بشكل فردي أو جماعي حسب سبب التحقيق، وعادةً تقوم إدارة الشركة بالتحقيق مع الموظفين في عدة حالات ومنها:
- ورود الشكاوي من العملاء: تبعاً لنوع العمل الذي تقدمه الشركة أو المؤسسة يتحدد نوع العملاء الذين تستهدفهم، وقد يحصل مشاكل بين الموظف والعميل في هذا الخصوص ويكون الخطأ من الموظف فيلجأ العميل لتقديم شكوى للإدارة بحق الموظف، وهنا على الإدارة قبل اتخاذ إجراء بحق الموظف إجراء تحقيق معه لمعرفة مصداقية شكوى العميل من جهة، والأسباب التي جعلت الموظف يتعامل بهذه الطريقة من جهة، وبالتالي اتخاذ الإجراء المناسب حتى لا يقع الظلم على الموظف أو العميل، ولا تتأثر سمعة المؤسسة.
- اكتشاف فساد الموظف: قد يرد تقارير للإدارة أو تكتشف من خلال نظام الرقابة على الموظفين فيها أن أحد الموظفين أو بعضهم يمارسون سلوكيات فاسدة تضر بمصلحة المؤسسة للحصول على مكاسب شخصية، وهذا من دواعي إجراء تحقيق معه للتأكد من هذه المسألة واتخاذ إجراء حيال هذا الموظف يعالج مشكلة الفساد في موقع هذا الموظف من ناحية ويكون عبرة لغيره من الموظفين من ناحية أخرى.
- الإهمال المهني: بعض الموظفين أو أحدهم قد يكون مهمل في عمله وينتج عن ذلك العديد من المشاكل في سير العمل، وعند سؤاله قد يتذرع بمبررات وأسباب تحميه من التعرض للعقوبة، وهنا لا بد من إجراء تحقيق بغية اعتراف الموظف بإهماله وبالتالي إصلاح هذه المشكلة أو اتخاذ إجراء بحقه.
- المشاكل بين الموظفين: يحدث بين الموظفين العديد من الخلافات التي قد تتطور لمشكلات تضر بهم أو بخطة وسير العمل، وقد يحتكم الموظفين لإدارة المؤسسة أو صاحب العمل لعلاج هذه المشاكل، وحتى تعرف الإدارة من المذنب بهذه المشاكل تحتاج لإجراء تحقيق بهدف انهاء المشكلة وعقاب المذنب وانصاف المظلوم.
- الفشل في أداء خطة العمل: قد تفشل المؤسسة في تحقيق أهدافها أو السير بالخطط التي وضعتها لنفسها بشكل عام أو في جوانب معينة، وهذا يستدعي إجراء تحقيق شامل مع كل الموظفين المسؤولين والمعنين، لتحديد السبب الذي أدى لهذه النتيجة وبالتالي علاج المشكلة أو تغير سياسة أو خطة العمل.
- الرغبة بنقل الموظف: أحياناً تحتاج الشركة لنقل موظف معين أو بعض الموظفين أو ترقيتهم أو تكليفهم بمهام جديدة، وهذا يستدعي إجراء دراسة أو تحقيق معهم وحولهم لتحديد مدى مناسبتهم واستحقاقهم لهذا الإجراء، واختيار أفضل الأشخاص في المؤسسة لأداء المهام الجديدة.
- مقابلات العمل: مقابلات العمل بحد ذاتها يمكن أن تعتبر نوع من أنواع التحقيقات ولكن ليس بالضرورة أن يكون فيها الموظف أو المتقدم للعمل مرتكباً لذنب ما، وإنما يهدف هذا التحقيق للتعرف على شخصية الموظف وطباعه وسلوكياته وخبراته وأفكاره، وقد تتضمن المقابلة أسئلة تتعلق بأعماله السابقة ومدى أمانته والتزامه بها، لتحديد ما إذا كان يصلح للعمل أم لا.[4]
من حيث المبدأ يحق لصاحب العمل أو المدير التحقيق مع الموظف من خلال طرح الاستفسارات والأسئلة للوقوف على سلوك معين أو مناقشة شكوك معيّنة، ويحق للموظف أيضاً الاعتراض على هذا التحقيق والامتناع عن الإجابة أو الحضور إذا لم تكن إجراءات التحقيق الداخلي صحيحة أو تخالف قوانين العمل أو النظام الداخلي للشركة، وبذلك يلجأ الموظف بطريقة غير مباشرة إلى تصعيد التحقيق إلى درجة أعلى من التحقيق الداخلي أو اتخاذ إجراءات بحقه قد تكون تعسفية لكنها قانونية!
وهناك بعض المعايير أو النقاط التي تميّز بين التحقيق الذي يحق للإدارة أن تجريه مع الموظفين في القطاع الخاص، وبين التحقيق التعسفي أو الذي يخالف قوانين العمل أو نظام المؤسسة الداخلي، منها:
- نوع التحقيق: يقصد بنوع التحقيق هو الإجراءات التي يقوم بها صاحب العمل بالتحقيق مع الموظف، من مكان التحقيق ومدته وطريقة معاملة الموظف أثناء التحقيق، فلا يمكن مثلاً تخصيص مكان للتحقيق داخل المؤسسة فهذا الموضوع تقوم به الجهات الأمنية والقانونية والقضائية فقط ويجب أن يتم التحقيق في غرفة الإدارة أو غرفة الموظف أو قاعة الاجتماعات، ولا يمكن لصاحب العمل توجيه الإهانات أو التخويف أو الصراخ بالموظف فذلك يحول التحقيق لاعتداء على الموظف وحريته وحقوقه القانونية، ولا يمكن استمرار التحقيق لمدة طويلة وإجبار الموظف على عدم المغادرة فهذا يعد شكل من أشكال حجز الحرية.
- سبب التحقيق: يحق لصاحب العمل التحقيق مع أحد موظفيه فيما يخص سلوكياته وتصرفاته داخل العمل المتعلقة به، مثل الإهمال أو الفساد أو التعامل بشكل سيء مع الزملاء أو العملاء، ولكن إذا قدمت شكوى لا تتعلق بالعمل نفسه فهذه ليست من مهام صاحب العمل وإدارته وإنما يوجد جهات خاصة حكومية تقوم بهذا الدور.
- أنظمة وقوانين العمل: بعض الشركات الكبيرة أو متعددة المالكين والتي تتوزع فيها المسؤوليات الإدارية بناء على أنظمة وقوانين داخلية في الشركة، يكون لديها مكتب شؤون قانونية ومكتب موارد بشرية، ولا تسمح للمدير أو صاحب العمل بالتحقيق مع الموظفين حتى لو كان الأمر يتعلق بشؤون العمل، وإنما هذه المكاتب القانونية هي من يجري هذا التحقيق وتتخذ الإجراء المناسب بحق الموظف بعلم وموافقة الإدارة.
- العقوبات التي تقع على أثر التحقيق: يجب أن تتعلق العقوبات التي يوقعها صاحب العمل على الموظف على أثر إدانته أثناء التحقيق معه بخطأ أو ذنب معين، بطبيعة العمل نفسه وحسب اللوائح والقوانين والنظام الداخلي للشركة، فلا يمكن مثلاً طرد الموظف من العمل لمجرد ارتكابه لخطأ بسيط عن حسن نية مثل التأخير في يوم معين أو نسيان مهمة صغيرة، ولا يمكن اتخاذ إجراءات لا تتعلق بالعمل مثل الإهانة أو الإرغام على العمل ساعات أطول أو تحميل مسؤوليات قانونية لا تناسب الخطأ.[4-3]