كيف تكون تربية الطفل؟
يقول الدكتور عبد الرحمن ذاكر أن تربية الطفل هي عملية "قطع الحبل السري الذي يربط الطفل بأهله بالتدريج" ليكون مستعداً للاستقلال بذاته بشكل كامل، فالتربية تقوم بالدرجة الأولى على منح الطفل المعرفة والخبرات الملائمة ليتمكن من فهم العالم المحيط به والتأقلم مع بيئته والعيش فيها بصورة مستقرة وسويّة، ولذلك لا يمكن حصر تربية الطفل بالتعليم المدرسي أو التربية المنزلية، بل هي عملية متكاملة تتداخل فيها أدوار كثيرة.
قد تختلف التربية من حيث المفهوم أو التعريف بناء على عدة مذاهب نظرية في علم التربية، ولكن جميعها تقريباً تتفق على أن عملية التربية تقوم على وظيفتين يتم تعريفها من خلالهما، وهما وظيفتا الرعاية والتشئة.
فمن ناحية هي عملية التنشئة والتنمية والتطوير للطفل في مختلف جوانب حياته من الناحية الجسدية، العقلية، النفسية، العاطفية، الفكرية والتعليمية؛ بشكل يتلاءم مع أفضل المعايير الصحية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية، لتشكيل شخصية مستقرة وسويّة لدى الطفل يمكنها الاستمرار في المجتمع، ومن ناحية أخرى هي عملية رعاية الطفل والعناية بمختلف حاجاته ورغباته من طعام وشراب ونظافة ولعب وتسلية ومحبة وصحة وتعليم.
ويمكن تعريف مفهوم تربية الطفل من خلال النظر في معنى الكلمة "تربية" والتي تعني التقويم والتهذيب والتنشئة، وتعني أيضاً رفع مقام الشيء، وفي الإنجليزية (Raising Children) تحمل نفس المعنى، أي رفع الأطفال لمستوى أعلى من التفكير والوعي والسلوك.
- عملية التربية عملية هادفة: تربية الطفل عملية لها هدف واضح، وهي الوصول بالطفل لأفضل شروط حياة، صحياً وفكرياً ونفسياً واجتماعياً وأخلاقياً وتعليمياً، وهذه الأهداف عامة لعملية التربية لجميع الأطفال، ولكن أحياناً قد يتربى الطفل لأهداف خاصة، تتماشى مع مجتمع معين، أو تهدف للوصول بالطفل للاحتراف بناحية معينة، مثل الرياضة أو السياسة وغيرها.
- التربية عملية مرنة ومتطورة: تربية الطفل تمر بمراحل عديدة وباختلافات ثقافية وزمانية وبظروف عديدة، وهذا يتطلب المرونة في عملية التربية بحيث أن الطريقة التي تنفع مع هذا الطفل قد لا تنفع مع طفل آخر ويجب تغيرها على ذلك، وهي عملية متطورة لارتباطها بالظروف البيئية المخيطة بها، فلا يمكن تربية الطفل اليوم على أسس وقواعد كانت سائدة منذ عدة قرون، ولا يمكن تربية الطفل على أخلاق اجتماعية تعتبر غير مقبولة في مجتمع آخر.
- التربية عملية تشاركية: صحيح أن الأهل هم الأساس في العملية التربوية ولكن هذا لا ينفي عنها صفة التشاركية، فلكل من الأم والأب دوره الخاص في هذه العملية، كما يوجد دور للعائلة الكبيرة والمجتمع المحيط، ويجد دور للثقافة السائدة، ويوجد دور للمدرسة والمعلم وحتى الأخوة الكبار إن وجدوا، وهذا ما يجعل عملية التربية عملية تشاركية.
- عملية طويلة ومستمرة: قد تختلف الطرق التربوية والاهداف المرحلية ودرجة تدخل الاهل في العملية التربوية باختلاف المراحل العمرية للطفل، ولكنها عملية طويلة ومستمرة تبدأ منذ ولادة الطفل أو حتى وهو جنين وتستمر تقريباً طوال حياته، فعندما يكون جنين تعتني به الأم من خلالها غذائها وصحتها وحركتها، وفي مرحلة الرضاعة تعتني بغذائه وحاجاته، ومع كل تقدم بالعمل تزيد احتياجات الطفل، وحتى بعد الطفولة ودخول المراهقة يوجد دور تربوي، وبعد النضوج أيضاً.
- عملية حساسة ومتأثرة: تتأثر عملية التربية بالظروف الشخصية للطفل وأسرته، وبالبيئة الاجتماعية، وبطبيعة الأهل الفكرية والثقافية والنفسية والعاطفية، وبالوضع المادي، وبالمواقف الخاصة التي يتربى فيها الطفل، وهذا ما يجعل منها عملية حساسة وتحتاج من المربي لمراعاة كل هذه الظروف وهو يقوم بتربية الطفل.
- التربية الاستبدادية السلطوية: من تسمية هذا النمط فغالباً ما يعتمد الآباء الذين يتبعون التربية المتسلطة على القواعد الصارمة في التعامل مع الطفل، والتي يتم فيها التحكم بمختلف رغبات وتصرفات الطفل بناء على أوامر يجب تنفيذها وعقوبات ناتجة عن مخالفتها، وتتطلب من الطفل الطاعة المطلقة للآباء دون إبداء رأي أو اعتراض، وقد ينتج عن هذه الطريقة أحياناً ضعف الشخصية لدى الطفل وقلة ثقة بالنفس، أو تعلم الكذب والمراوغة للالتفاف على القواعد، وأحياناً تنمي سلوكيات عدوانية كرد فعل على الضغط النفسي الذي تنتجه طريقة التربية هذه.
- التربية المتساهلة أو المهملة: يبالغ الآباء في أسلوب التربية المتساهلة بترك الطفل على راحته، سواء بدافع الإهمال وعدم الاهتمام بتربية الطفل، أو انطلاقاً من الاعتقاد بأن الطفل يجب أن يتربى بشكل حر حتى يتعلم من تجاربه الشخصية، ويمكن أن تؤدي هذه الطريقة لتعلم الفوضى وعدم تقبل أي قواعد أو قوانين في وقت لاحق، وتنمية صفات أنانية في شخصية الطفل إذا لم يتعلم وضع حدوده لنفسه وتصرفاته، وقد يشعر بعدم اهتمام أهله به.
- التربية المعتدلة: يوازن الأهل في هذه الطريقة بين النظام التربوي المتسلط من حيث وجود قواعد يجب على الطفل الالتزام بها ووجود عقاب عند تجاوزها، وبين الاهتمام برأي الطفل ومشاعره ورغباته، فعندما يمنع الطفل عن تصرف أو يؤمر بقاعدة أو سلوك معين يحاول الأهل في هذه الطريقة شرح أسباب ذلك وفوائده وكيفية تطبيقه، بهذه الطريقة يشعر الأهل بمسؤولية كبيرة تجاه المهمة التربوية، ومن الممكن أن تؤدي لنشوء طفل متوازن مدرك لقواعد السلوك وأهميتها، ولكن أحياناً قد يبالغ الأهل بالاهتمام بمشاعر الطفل أو رغباته لدرجة الدلال ونسيان أنه مجرد طفل يريد أن يلعب ويتسلى ويقنع أهله برغباته، وقد ينتج عن ذلك شعورهم بالذنب أحياناً على خطأ معين أو قول معين قالوه لأبنائهم.
- التربية المتباعدة أو غير المنخرطة: يفرض هذا النمط نوع من الإهمال في العملية التربوية الذي لا يشترط أن يكون مقصوداً، وغالباً تكون بسبب ظروف أسرية معينة مثل بعد أحد الوالدين أو مرضه وغير ذلك، وفي هذه الطريقة لا يتواجد الأب بشكل كافي مع ابنه ولا يكون حاضر في أغلب تفاصيل حياته، وغالباً ما يركز فقط على تأمين المتطلبات الأساسية ولا ينخرط بالحاجات المعنوية من تعليم وإرشاد ومشاعر، تؤدي هذه الطريقة لضعف العلاقة بين الاب والابن والتباعد بينهما في المشاعر وطريقة التفكير.
- التربية القائمة على المجتمع: في هذا النمط من التربية يتنازل الأهل عن الكثير من أدوارهم التربوية للمجتمع، فيبالغون بتقدير دور المدرسة في تربية الطفل، ويمنحون صلاحيات أكثر من اللازم للدوائر الاجتماعية مثل الأقارب، كما يؤمنون أن الطفل سيتربى وحده بالاحتكاك والتعامل مع المجتمع وكل ما يحتاج إليه هو التوجيه من بعيد، ويكون الأهل في هذا النمط من التربية أكثر تركيزاً على تأمين الاحتياجات المادية للطفل.
قد يصعب جمع كل الأهداف من عملية التربية، فهذه الأهداف قد تختلف من مجتمع لآخر، وقد تتداخل فيها الكثير من العوامل والمؤثرات، وقد يوجد أحياناً أهداف خاصة ترتبط بالطفل نفسه أو عائلته، ولكن بشكل عام وبأي مكان وزمان يوجد عدة نقاط تعتبر من أهداف عملية التربية، ومنها:
- نقل المعارف والخبرات: يتم من خلال عملية التربية نقل الموروث الثقافي أو جزء منه المجتمع الطفل أو العائلة الأسرة للطفل، بالإضافة لخبرات الأهل ومعارفهما والخبرات الإنسانية الأساسية مثل كيفية الابتعاد عن المخاطر وتعلم المشي والكلام وغيرها، وهذا يعتبر من الأهداف الأساسية لعملية التربية.
- نقل القيم والأخلاق: لكل مجتمع أو فئة اجتماعية ثقافتها الخاصة ومعايرها التي تحكم سلوك الأفراد من خلال القيم والأخلاق والمبادئ التي تعتبر مطلوبة لدى أفراد هذا المجتمع وتميز السلوك الجيد من السلوك غير الجيد، ومن أهداف العملية التربوية تعليم الطفل نظام الضبط الأخلاقي الخاص بمجتمعه.
- التنشئة الاجتماعية: من أهداف العملية التربوية تنشئة الطفل اجتماعياً، بمعنى تربيته حسب قواعد وعادات المجتمع وتقاليده، وتعليميه كيفية بناء علاقات جيدة مع محيطة الاجتماعي، بالإضافي لتعليمه مهارات التواصل الاجتماعي، وكيف يكون شخصية اجتماعية مقبولة في بيئته وناجحة اجتماعية.
- التنشئة النفسية والعاطفية: عملية تربية الطفل تهدف الوصول به لشخصية سوية نفسياً لا تعاني من أي اضطرابات، وأن يكون الطفل متصالحاً مع ذاته واثقاً بنفسه، ومن الناحية العاطفية فتهدف عملية التربية لتحقيق الإشباع العاطفي للفرد من خلال الشعور بأن حوله من يحبونه ويريدونه بجانبهم، أب يفخر به ويدعمه، وأم تقدم له الحنان والمحبة وكل ما يريد، وأسرة ينتمي إليها.
- التنشئة الجسدية والصحية: من أهم أهداف العملية التربوية العناية الصحية بالطفل على المستوى الجسدي والنفسي، وتشمل هذه العناية التغذية الجيدة، النظافة الشخصية، اللباس المناسب للطقس خلال فصول السنة، الإقامة في بيئة سكنية صحية، الحماية من الأوبئة والأمراض، إعطاء اللقاحات الضرورية.
- دفع الطفل للاستقلال: أهم أهداف عملية التربية منح الطفل الأدوات والخبرات والمعارف التي تساعده على إدارة حياته بشكلٍ مستقل، ومواجهة المواقف الحياتية وتلبية حاجاته بنفسه بشكلٍ سليم يحافظ على سويته النفسية واستقراره الاجتماعي، ومن عيوب بعض أنماط التربية أنها تهمل الهدف الأسمى للتربية وهو تنشئة شخصٍ بالغٍ مستقلٍ قادرٍ على مواجهة الحياة والعيش في بيئته باستقرار.
- البدء بشكل مبكر في التربية: يجب أن تبدأً عملية التربية منذ ولادة الطفل، وكل مرحلة لها خصائص تحدد الحاجات التربوية المرتبطة بها، ولا يمكن تأجيل شيء، فعدم اعتياد الطفل على العادات الجيدة مثلاً منذ وقت مبكر سوف يصعب عليه تعلمها لاحقاً، مثل العناية بالنظافة وترتيب سريره والتحدث بشكل هادئ ومفهوم، والعكس صحيح فتعلم الطفل لعادة سيئة وعدم علاجها بوقت مبكر سوف يصعب علاجها لاحقاً حتى لو أقتنع الطفل بضرورة ذلك.
- المرونة في التربية: التربية عملية متغيرة ومتطور فبمعزل عن القواعد والأسس الأخلاقية أو الدينية والثقافية السائدة، تحتاج التربية لنوع من المرونة، فكثيراً ما يحدث تغيرات في الأهداف التربوية أو طريقة الوصول لها، ويتم اكتشاف أخطاء شائعة في تربية الأطفال وهذا يحتاج لمرونة في تغييره والتماشي معه، بالإضافة لأن التطور يعتبر من خصائص عملية التنشئة، فكل مرحلة عمرية لها أساليبها ومعايرها، وهذا يفرض المرونة في العملية التربوية.
- بناء علاقة جيدة مع الطفل: ينصح خلال عملية التربية على اختلاف مراحها ببناء علاقة جيدة مع الطفل تقوم على المحبة والاحترام والثقة بين الطفل والمربي أو الوالدين، فهذه العلاقة تسهل إلى حد كبير المهام التربوية وتدعم نجاحها.
- تجنب العنف مع الطفل: يعتبر العنف من الوسائل المستخدمة في العقوبات التربوية، وهذا يعتبر من الأخطاء التربوية الشائعة، فمهما كانت الإيجابيات التي تتحقق باستخدام العنف في التربية، تبقى كفة السليبات هي الأكثر رجوحاً وتأثيراً، لذا ينصح بتجنب العنف في التعامل مع الأطفال.
- التطور مع المراحل التربوية: كما يكبر الطفل وتختلف حاجاته ودرجة استيعابه واهتماماته، سوف تختلف بالضرورة طريقة التربية التي يجب التعامل معه بها، وبهذا يجب أن يطور المربي أساليبه مع تطور الطفل عمرياً وعقلياً.
- إتاحة المجال لتعبير الطفل عن نفسه: كل طفل شخصيته الخاصة واهتماماته ومرغباته وطريقة تفكيره مهما تشابه الأطفال من هذه النواحي، ومعرفة هذه الشخصية من قبل الأهل تساعد في ابتكار أفضل الأساليب التربوية المناسبة لهذا الطفل بشكل خاص واتباعها، ومن هنا تبدو ضرورة اتاحة المجال للطفل للتعبير عن نفسه ومشاعره ورغباته.
في هذا الفيديو الدكتور عبد الرحمن ذاكر الاستشاري في العلاج النفسي والتربوي يقدم لمتابعي موقع حِلوها شرحاً بسيطاً لكنه في غاية الأهمية لمعنى كلمة "طفل" ومعنى "الطفولة" والذي يقودنا إلى معنى تربية الطفل، والأهداف الرئيسية التي يجب أن يسعى إليها المربون في عملية التربية، شاهد الفيديو من خلال النقر على علامة التشغيل، أو من خلال الانتقال إلى حلوها tv عبر النقر على هذا الرابط: