ما هو البلاسيبو أو العلاج الوهمي وما فاعلية العلاج بالوهم؟

هل سمعت عن العلاج بالوهم! تعرّف إلى أثر التصديق والتوهّم في العلاج وطريقة البلاسيبو في العلاج الوهمي
ما هو البلاسيبو أو العلاج الوهمي وما فاعلية العلاج بالوهم؟
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

هل البلاسيبو حقيقي؟ هناك عشرات الأبحاث والدراسات التي تؤكّد أن البلاسيبو أو العلاج بالوهم حقيقة، لكن في نفس الوقت ليس آليةً علاجية يمكن الاعتماد عليها بشكل علمي منهجي، ولذلك نجد أن استخدام البلاسيبو لتأكيد فاعلية الدواء الحقيقي من خلال استبعاد تأثير الوهم على المرضى في التجارب أهم بكثير من استخدامه للعلاج المباشر!

البلاسيبو (بالإنجليزية: Placebo) هو طريقة علاج تعتمد على إعطاء المريض دواءً وهمياً لا يحتوي على أي مادة فعالة بعد إيهامه أن هذا الدواء فعّال ومجرّب على حالات مماثلة وله نتائج مثبتة، واسم بلاسيبو مشتّق من اللاتينية (placēbō) بمعنى سأكون راضياً، وفي اللغة العربية يسمى البلاسيبو (الغُفْل) مشتقّةً من تغفيل المريض وإيهامه بفاعلية الدواء.

يعود اكتشاف البلاسيبو إلى نهايات القرن الثامن عشر حيث قام طبيب أمريكي بالتسويق لاختراع قادر على علاج آلام المفاصل المزمنة بواسطة مسامير معدنية صغيرة تشبه الإبر وأطلق عليها اسم الجرّارات (Tractors) وادّعى أن هذه الإبر مصنوعة من مواد سحرية، وبعد وفاته اكتشف مجموعة من الأطباء أنه لم يكن إلّا دجالاً أدرك قوّة الوهم في العلاج، وأثبتت تجاربهم أن قناعة المرضى المطلقة بفاعلية اختراعه هي التي كانت تشفيهم وليس الاختراع نفسه! وهذا هو جوهر البلاسيبو.

animate

يعمل البلاسيبو من خلال التركيز على قوة الوهم أو التصديق عند المرضى، حيث يمكن للقناعة المسبقة بفاعلية الدواء -سواء كان حقيقياً أو وهمياً- أن تلعب دوراً كبيراً في العلاج، كما يمكن لاعتقاد المريض أن الدواء غير فعّال وإن كان في الحقيقية فعالاً أن تجعله أقل فاعلية وتثبّط مفعوله!

يستند العلاج بالوهم أو البلاسيبو إلى أحد أهم قوانين العقل الباطن، وهو قوّة الفكرة وتأثير الاعتقاد، فالتصديق واليقين بصحة فكرة ما، يحفّز العقل الباطن لإثبات هذه الفكرة بشتى الوسائل، ولذلك يعتبر البلاسيبو من آليات برمجة العقل الباطن التي تستند إليها تقنيات علاج أخرى مثل التنويم المغناطيسي أو الإيحائي وحتى بعض جوانب العلاج السلوكي المعرفي!

قد يجعلك ذلك تفكّر "إذاً الأدوية كلّها مزيفة وتعتمد على التسويق والدعاية!" لكن هذا التصوّر ليس دقيقاً، تحتوي الأدوية على مواد فعالة تؤثر تأثيراً قوياً في عمل الجسم قابلاً للرصد السريري والمخبري، وفي نفس الوقت تمتلك الأفكار والاعتقادات قوّةً هائلة وإن كان قياسها عسيراً، ولذلك يتم الاعتماد على البلاسيبو في فحص فاعلية الأدوية الجديدة للتأكّد أن تأثير هذه الأدوية لا يتعلّق باعتقاد المريض أنها فعّالة.

على سبيل المثال لم يكن دواء البلاسيبو فعّالاً في حالات مرضى الربو، على الرغم أنّهم أظهروا تعابيراً على وجههم تشبه تماماً التعابير المرتبطة باستخدام بخاخ الربو الحقيقي، لكن تأثير بخاخ الربو الوهمي لم يكن له نتيجة علاجية فعالة، مع ذلك أظهر مرضى آخرون تحسناً من آلام الركبة بعد إجراء عملية جراحية وهمية لهم!

أحد أهم استخدامات البلاسيبو والعلاج الوهمي الفعّالة هو علاج مرضى الوهم، يمكن القول "علاج الوهم بالوهم" حيث يتم اللجوء لتأثير البلاسيبو في قوة الاعتقاد لعلاج الأشخاص الذين يتوهمون المرض ويشتكون من أعراض مرض معين قابل للتشخيص لكن دون وجود أي علامات أو مؤشرات مخبرية أو سريرية تدعم شكواهم!

الاعتماد على البلاسيبو في علاج مرضى الوهم ليس لإثبات توهّمهم! لأنهم يصدقون بشكل يقيني أنهم مرضى ويصفون أعراض المرض وقد يشعرون بآلامه فعلاً، وإنّما الهدف من البلاسيبو هو تجنيب هؤلاء المرضى تأثير الأدوية الكيمائية على أجسادهم دون وجود سبب عضوي لاستخدامها، وفي نفس الوقت مساعدتهم للشفاء وإن كان ذلك بالوهم الذي هو سبب مرضهم.

كما يتم استعمال البلاسيبو في علاج الأعراض الجسدية ذات المنشأ النفسي، وهي أعراض جسدية حقيقية يشعر بها المريض فعلاً لكنها لا ترتبط بمشاكل صحية واضحة وغالباً ما ترتبط بمشاكل نفسية، حيث أشارت دراسة عام 1998 إلى أن 84% من المرضى الذي اشتكوا من الأعراض الشائعة في عيادات الطب الباطني والعيادات الخارجية مثل الغثيان والصداع وضيق النفس وألم الصدر وغيرها؛ لم يعانوا من أي مشكلة عضوية واضحة يمكن للأطباء الاستناد إليها في التشخيص، وارتبطت آلامهم الجسدية بحالتهم النفسية!

النوسيبو: عندما يفقد الدواء فاعليته بسبب الوهم!

على النقيض من البلاسيبو هناك مصطلح النوسيبو (Nocebo) والذي يشير إلى فقدان الأدوية الحقيقية لفاعليتها في العلاج بسبب تأثير اعتقاد المريض، لذلك يهتم الأطباء بشكل كبير بالحالة النفسية للمريض وبضرورة إقناعه أن العلاج فعّال وأن الشفاء ممكن حتى في أكثر الأمراض خطورة، خوفاً من التأثير المثبّط للوهم والاعتقاد على الدواء!

أهم استخدامات دواء البلاسيبو الطبية هو اختبار الأدوية الجديدة والتطعيمات، حيث يتم إخضاع عينة منتقاة من المرضى لتجريب الدواء الجديد، ويتم تقسيم العينة إلى جزئين، جزء منهم يأخذ الدواء الحقيقي، والباقي يحصلون على الدواء الوهمي أو البلاسيبو، ويكون عبارةَ عن كبسولات فارغة أو تحتوي مواد غير فعالة، ثم تتم مراقبة تطور الحالة ومقارنة النتائج بين المجموعتين، وبطبيعة الحال لا تعلم المجموعتان أيهما مجموعة البلاسيبو ولا يعلم جزء من القائمين على التجربة بطبيعة التجربة، ما يعرف بالتجارب مزدوجة التعمية.

كما يعتمد الطب النفسي بشكل كبير على البلاسيبو، ليس فقط من خلال استخدام أدوية غير فعالة وإقناع المريض بفاعليتها، بل على مبدأ البلاسيبو نفسه، أي مبدأ تأثير التصديق وقوة الاعتقاد على عملية العلاج والشفاء، لكن المشكلة في تقنيات العلاج بالوهم البلاسيبو أنها غير قابلة للضبط ولا تعطي نفس النتائج وإن تشابهت الظروف، ما يجعلها طريقة لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل أو مستمر!

تأثير البلاسيبو في علاج مرضى السرطان

أجريت دراسة عليمة عام 2003 على مجموعة من مرضى السرطان لتحديد الآثار الإيجابية للعلاج الوهمي أو البلاسيبو على الحالة الصحية للمرضى ومدى قدرة العلاج الوهمي في التأثير على الأورام السرطانية، وكانت نتيجة الدراسة أن "العلاج الوهمي البلاسيبو قد يرتبط أحياناً بتحسين التحكم في الأعراض عند مرضى السرطان، مثل تقليل الألم وتحسين الشهية، ولكن نادراً ما تظهر استجابة إيجابية للورم، ومن غير المرجح أن تكون التحسينات الكبيرة في الأعراض ونوعية الحياة ناجمة عن تأثيرات الدواء الوهمي". [3]

في كتاب أنت البلاسيبو (You Are the Placebo) جمع الدكتور جو ديسبنزا حالات متعددة موثّقة لأشخاص استطاعوا الشفاء من أمراضٍ خطيرة وحالات صحية معقّدة اعتماداً على العلاج الوهمي أو البلاسيبو، منها أمراض السرطان والتهاب المفاصل الروماتويدي بل وأمراض القلب والشرايين، إضافة لحالات نفسية معقدة مثل الاكتئاب المزمن، كما جمع كتاب أنت البلاسيبو أيضاً حالاتٍ فقدت حياتها نتيجة التشخيص بمرض خاطئ لم يكونوا مصابين به، أو الإيمان أنهم تعرضوا للسحر.

كتاب أنت البلاسيبو ليس كتاباً للتوثيق فقط، يحاول الدكتور جو ديسبنزا مناقشة إن كان من الممكن تعليم تقنيات البلاسيبو والعلاج بقوّة التصديق والاعتقاد لإحداث تغيّرات حقيقة في جسم الإنسان تجعله قادراً على الشفاء الذاتي، معتمداً على مجموعة من الأبحاث والدراسات وعلى تجارب أجراها في ورشات عمل البلاسيبو التي أقامها بنفسه لإثبات أن القوة الكامنة في عقل الإنسان قد تكون أقوى بكثير على الجسم ممّا نعلم.

المراجع