ما معنى الجندر (Gender) والفرق بين الجنس والجندر
يُولَد الإنسان بصفاتٍ جسديةٍ وبيولوجيةٍ معينة، تمنحه صفة ذكر أو صفة أنثى، صبي أو أبنت، لكن لكل مجتمع وفي كل زمن أو عصر هناك صفات ومعايير أخرى تشكّل ما يعرف بالجندر أو النوع الاجتماعي، وهو تماماً ما تسمعه عندما يدور الحديث عن الفرق بين الرجال والنساء في الأدوار الاجتماعية التي لا تحددها الأعضاء الجنسية والصفات الجسدية وإنما يحددها المجتمع.
الجندر (بالإنجليزية: Gender) حسب تعريف منظمة الصحة العالمية هو النوع الاجتماعي الذي يشير إلى خصائص الرجال والنساء التي يتم بناؤها اجتماعياً، بما في ذلك المعايير والسلوكيات والأدوار الاجتماعية المرتبطة بكون الفرد رجلاً أم امرأة.
مفهوم الجندر والنوع الاجتماعي يتناول الصفات والمعايير التي يمنحها المجتمع لأفراده حسب جنسهم، ويبني عليها الأدوار الاجتماعية والسلوكيات المتوقعة والمقبولة من المرأة ومن الرجل، لكن هذه الصفات ليست موجودة بيولوجياً أو عضوياً، وإنما هي صفات اجتماعية تبني الفروق المتفق عليها بين أفراد مجتمع ما، للتمييز بين الرجال والنساء من حيث الأدوار الاجتماعية.
الجنس (Sex) هو صفة بيولوجية فيسيولوجية تميّز بين جنسين فقط (ذكور وإناث)، فتحديد الجنس مبني على اختلاف الأعضاء التناسلية والكروموسومات التي تتحكم بالجنس، أما الجندر فهو وصف للنوع الاجتماعي لا يستند إلى صفات بيولوجية أو فيسيولوجية بشكلٍ مباشر، بل إلى نظرة المجتمع ومعاييره ونظرة الأشخاص إلى أنفسهم أيضاً.
ومن الفروق الجوهرية بين الجنس والجندر أن الجنس صفة مستقرة يتم تحديدها طبياً خلال الحمل والتأكّد منها سريرياً بعد الولادة، وجميع من يمتلكون عضواً ذكرياً هم ذكور ومن يمتلكن عضواً أنثوياً هنَّ إناث في جميع المجتمعات حول العالم، أما النوع الاجتماعي فهو صفة مرنة تختلف من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر، فمعايير الرجولة في المجتمع الشرقي تختلف عنها في المجتمع الغربي، والصفات النمطية للمرأة كنوع اجتماعي في القرن السادس عشر مختلفة عنها في الألفية الثانية!
قبل نشوء مصطلح الجندر الحديث كان يتم استخدام كلمتي الجنس والجندر (Sex and Gender) في اللغة الإنجليزية بالتبادل كمترادفتين، وتظهر الدراسات تبني مصطلح الجندر في الدراسات الاجتماعية على وجه الخصوص في العقود الأخيرة، لتصبح مفردةً مغايرة في المعنى لمفردة الجنس.
مثلاً يعتبر تخصيص أشكال معينة من الملابس للرجال وأخرى للنساء -بالتصميم أو الألوان أو حتى الأقمشة- نوعاً من معايير تمييز النوع الاجتماعي أو الجندر، وإذا كان الكعب العالي مخصصاً للنساء في عصرنا فقد تم اختراعه أصلاً للرجال، كما أنَّ التنورة التي كانت الزي المقبول والسائد اجتماعياً للرجال -ملوكاً ومحاربين وقادة وعامة- في الحضارات القديمة، تعتبر اليوم لباساً أنثوياً غير مقبول في معظم المجتمعات أن يرتديه الرجل.
هل سمعت يوماً جملة "ليس كل الذكور رجالاً!" هذا هو أفضل تعبير عن مفهوم النوع الاجتماعي والجندر، فالذكر بالولادة لا يكفي أن يمتلك جهازاً تناسلياً ذكرياً وصفات ذكرية مبنية على الهرمونات (الصوت الخشن، شعر اللحية والشارب وحجم العضلات) ليكون رجلاً، وإنما لا بد أن يلبي "توقعات ومعايير اجتماعية" ليتصف بالرجولة إلى جانب كونه ذكراً بيولوجياً.
- معنى كلمة جندر Gender: كلمة جندر (Gender) كلمة إنجليزية مشتقة من اللاتينية تعني الجنس وكانت تستخدم كمرادف لغوي للتمييز بين الذكور والإناث، لكن اصطلاحاً لا تعني كلمة جندر الجنس بل تعني النوع الاجتماعي، وتستخدم للتمييز بين الأدوار والصفات الاجتماعية للرجال والنساء وليس للتمييز بين الجنسين على أساس التكوين الجسدي والبيولوجي.
- معنى الدور الجندري أو الدور الاجتماعي: الأدوار الجندرية (Gender Roles) مصطلح يشير إلى المعايير التي تحدد السلوكيات والصفات المتوقعة من الجنسين في مجتمعهما، على سبيل المثال اللباس وأسلوب الكلام والتصرفات والأعمال التي تصلح للرجل دون المرأة والعكس، فالمتوقع من المرأة مثلاً أن تتحلى باللباقة واللطف والحياء وأن تضحك بصوت منخفض وأن تكون حنوناً وغير مدخنة، والمتوقع من الرجل أن يكون قوي البنيّة وخشناً ولا يتعارض تدخين السجائر مع دوره الاجتماعي بل قد يمنحه مزيداً من الرجولة كصفة اجتماعية!
- معنى مصطلح الجندرة (Gendering): يشير مصطلح الجندرة إلى دمج مفهوم الجندر والنوع الاجتماعي في العلاقات الإنسانية المختلفة، على سبيل المثال جندرة الحياة السياسية التي تهدف للمساواة في الحقوق السياسية والتمثيل السياسي بين الذكور والإناث وأصحاب الهويات الجنسية الأخرى، وقد تشير الجندرة إلى ترسيخ صفات ومعايير اجتماعية معينة للتمييز بين الرجل والمرأة لا يشترط أن تكون قائمة على مبدأ المساواة.
- معنى التمييز الجندري: التمييز على أساس النوع الاجتماعي أو التمييز الجندري (Gender discrimination) مصطلح يشير إلى عدم المساواة بين الأشخاص بناء على الجنس والنوع الاجتماعي أو المعايير والصفات الاجتماعية المرتبطة بالجنس، على سبيل المثال منح المرأة أجراً أقل من الرجل لأن الإعالة ليست من أدوراها الاجتماعية، أو أن يتم رفض توظيف امرأة تحلق شعرها بطريقة تشبه الرجال بغض النظر عن أحقيتها بالوظيفة، وفي المجتمعات الغربية يشمل التمييز الجندري أيضاً التمييز بناء على الهوية الجنسية، أي التمييز ضد المثليين والعابرين جنسياً وغيرهم.
- معنى الهوية الجندرية: الهوية الجندرية أو الهوية الجنسية (Gender identity) تعني كيف ينظر الشخص لنفسه أو يشعر بنفسه بغض النظر عن جنسه الحقيقي أو التصنيف الثنائي للجنس، فالهوية الجندرية هي ما يعرف به الفرد عن نفسه ذكر أم أنثى أم بين بين أم غير ذلك من التصنيفات اللانهائية للهوية الجنسية، بغض النظر عن صفاته البيولوجية والفيسيولوجية، وبذلك يحدد نوعه الاجتماعي بنفسه.
ويشكّل مصطلح ومفهوم الهويّة الجنسية أساس الخلاف حول مفهوم الجندر نفسه، وصلاحية التخلي عن الجنس الثنائي لحساب قائمة لا نهائية من الهويات الجنسية التي يتبناها الإنسان بشكّل فردي ويطالب المجتمع باحترامها والتعامل معه بناءً عليها. - معنى عابر جندرياً وعلاقته بالتغيّر الجنسي: العابر جندرياً أو المتحول جنسياً "Transgender" مصطلح يشير إلى الأشخاص الذين يعرّفون عن أنفسهم على خلاف الجنس البيولوجي والفسيولوجي الذي تميّزوا به عند الولادة، والعبور الجندري مصطلح عام يشير إلى تبني هوية جنسية ونوع اجتماعي مختلف عن الظاهر الجسدي أو الفيسيولوجي، ومنه يتفرع مصطلح المتغير جنسياً (Transsexual) وهو يشير بشكل أكثر دقة للأشخاص الذين يتلقون مساعدة طبية -بالهرمونات و/أو الجراحة- لتصبح صفاتهم الجسدية أقرب للجنس أو الهوية الجنسية التي اختاروها لأنفسهم خلافاً لجنسهم عند الولادة.
يعود ظهور مصطلح الجندر بمفهومه الحديث إلى عالم الجنس جون موني "John Money" الذي وضع مفهوم النوع الاجتماعي عام 1955، قبل ذلك لم تكن كلمة الجندر إلّا مرادفاً لكلمة جنس، وظهور الجندر بقوة ارتبط بالحركة النسوية في سبعينات القرن الماضي عندما تبنت النسوية التمييز بين الجنس البيولوجي من جهة والبناء الاجتماعي للجنس أو الصفات والمعايير الاجتماعية التي يمنحها المجتمع للجنس من جهة أخرى.
سبب ظهور الجندرية يرجع بشكل أساسي إلى الحركة النسوية التي اعتبرت الفصل والتمييز بين الجنس عند الولادة "ذكر وأنثى-Male and Female" وبين الدور أو النوع الاجتماعي "رجل وامرأة-Man and Woman" ضرورةً لتحرُّر المرأة من السطوة الذكورية والقالب الذكوري، ومهّدت الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفورا لهذه الفكرة في كتابها "الجنس الآخر" عام 1949 قبل ظهور مصطلح الجندر بالقول: "الشخص لا يولد امرأة، بل يصبح امرأة!".
مع توسّع الحركة النسوية حول العالم أصبحت فكرة النوع الاجتماعي أكثر وضوحاً وتأثيراً مع اختلاف هذا التأثير بين المجتمعات والثقافات، وبينما ينظر البعض إلى قضية الجندرية كقضية عادلة تهدف لتحرير الإناث من القالب الذي صممّه الذكور لهنّ والذي يحولهنّ إلى "نساء" يلعبن الدور الاجتماعي الذي يحدده الرجال؛ هناك من رأى في ظهور الجندرية فرصة ملائمة لتوسيع مفهوم السيطرة الاجتماعية واعتبار تصنيف الجنس البيولوجي الثنائي جزءً من التمييز الجندري، والتركيز على طبقات الهوية الجنسية باعتبارها ليست أمراً تحدده الصيغ الوراثية والتكوين الجسدي فحسب، وصولاً إلى الدفاع عن حق الأفراد في تحديد هويتهم الجنسية بأنفسهم بناء على كيف يشعرون وليس على تشريحهم التناسلي والعضوي.
لا بد هنا أن نشير إلى أن السؤال عن سبب ظهور الجندر ينطوي على مغالطة كبيرة، مصطلح الجندر ومفهوم النوع الاجتماعي لا تقف وراءه أسباب بسيطة يمكن تلخيصها، وإنما هو استجابة اجتماعية بالغة التعقيد للتغيرات الجذرية التي شهدها المجتمع الغربي بشكل خاص والعالم عموماً في العصر الحديث، والجندر لم يظهر بشكل مفاجئ أو على يد شخص أو جماعة، بل هو تطور مرتبط بمجموعة ضخمة من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حول العالم، ولن يندثر أو يضعف تأثيره إلا بحدوث تحولات مماثلة بالشدّة والعمق!
أهداف الجندرية هي التمييز الواضح بين الجنس عند الولادة وبين النوع الاجتماعي المرتبط بسلسلة المعايير والأعراف والتصوّرات والتوقعات الاجتماعية، بهدف إلغاء الفروق الموازية وغير المتكافئة التي وضعها المجتمع بين الجنسين، وإنكار كل تمييز أو تفرقة تترتب على جنس الولادة، ما يقود لتحقيق المساواة بين الذكور والإناث وإلغاء أشكال التمييز ضد المرأة، لأن الاختلاف التشريحي لا يبرر التمييز الاجتماعي.
في وقت لاحق أصبحت "قضايا الحرية الجنسية" جزءاً من الحركة الجندرية إن جازت تسميتها كذلك، وذلك مع صياغة مفهوم الهوية الجندرية التي تحدّ من دور الجنس عند الولادة في الطريقة التي يجب أن يتعامل بها المجتمع مع أفراده، وتحارب ثنائية الجنس أو التصنيف البيولوجي إلى ذكور وإناث فقط، فتفح القوس أمام تصنيفات تكاد تكون لا نهائية للهوية الجنسية، وتمنح الأفراد الحق المطلق والحصري بتحديد هل هم ذكور أم إناث أم غير ذلك بناء على شعورهم تجاه هويتهم الجنسية! وتطالب المجتمع بتجريد نفسه من أي توقعات مبنية على الجنس عند الولادة، فالرجل يمكن أن يرتدي فستاناً والمرأة يمكن أن تترك شعر جسدها دون أن يكون سبباً للمحاسبة الاجتماعية.
ونرى أنه مع الوقت أصبح الاستخدام الأكثر وضوحاً للجندرية هو المتعلق بالحريات الجنسية، وحرب المصطلحات بين مخنث أم عابر جندرياً، وشاذ أم مثلي! أي أن مفهوم الجندر أصبح وسيلة لإعادة تصنيف التوجّهات الجنسية في طيفٍ أوسع من التصنيف الثنائي المبني على التكوين البيولوجي والفيسيولوجي للإنسان، وهذا السبب الرئيسي لمحاربة الجندرة في المجتمعات المحافظة وخصوصاً المجتمعات الشرقية والعربية والإسلامية التي يعتبر التصيف الثنائي بيولوجياً واجتماعياً جزءً أصيلاً من عقيدتها الدينية.