التعامل مع الأب النرجسي وتأثيره على المراهقين
الأب النرجسي هو الذي يعاني من اضطراب الشخصية النرجسية والذي يجعله مفتوناً بنفسه وأنانياً بشكلٍ مفرط، ويتعامل مع أبناءه كامتداد له أو مليكة مادية، ويتوقع منهم الكمال ليظهر هو بمظهر مثالي وصورة اجتماعية براقة، ما يترك آثاراً سلبية كبيرة لدى الأبناء المراهقين.
لا يحب الأب النرجسي أولاده بالطريقة التي نعرفها أو بالطريقة الاعتيادية، فعلاقة الأب النرجسي مع أبنائه علاقة معقدة تتحكم بها الصفات النرجسية والسلوكيات القهرية التي يقوم بها الأب النرجسي.
وكما أن الشخص المصاب باضطراب النرجسية يواجه صعوبةً في التعبير عن مشاعره فهو أيضاً يواجه صعوبةً في ترجمة محبته لأولاده بصورة مفهومة أو واضحة، وتغلب عليه القسوة في التعامل مع أبنائه لأنه يريد أن يكونوا جزءً من الصورة الاجتماعية البراقة التي يرسمها لنفسه.
من جهة أخرى قد نلاحظ على الأب النرجسي تصرفاتٍ تتعارض مع حبه لأولاده، مثل تفضيل نفسه عليهم في الكثير من الأمور المادية والمعنوية، ووضع احتياجاته على سلم الأوليات قبل احتياجاتهم حتى الأساسية منها، وسهولة التخلي أحياناً عن أبنائه في مواقف تتعارض مع حبه لذاته!
- يولّد لديهم شعوراً بالنقص: يستمر الشعور لابن الأب النرجسي بالنقص ويتطور هذا الشعور حتى عمر المراهقة، حيث ينشأ الطفل مع أب لا يقدره وينتقده وينتقد نجاحاته باستمرار، فمهما فعل في حياته يعتقد أنه غير كافي ولا يستحق الثناء.
- تطور السلوك النرجسي عند المراهق: نتيجة الحياة مع أب نرجسي قد يتطبع ابنه ببعض الصفات النرجسية التي يكتسبها من معاشرته، والتي تظهر في تعامله مع الآخرين عندما يكبر، فعندما يعتاد على الاستهزاء والنقد والتحجيم سينعكس هذا على سلوكه.
- عدم القدرة على المواجهة: يعتاد الطفل منذ صغره على العجز عن مواجهة والده النرجسي ويشب على ذلك، فتضعف قدرته على مواجه الآخرين خاصةً في مرحلة المراهقة المليئة بالتحديات والمواقف التي تحتاج للقوة والمواجهة.
- خلل بتكوين العلاقات العاطفية: يعاني المراهقين البالغين من صعوبة في التعامل مع العلاقات العاطفية ما يجعلهم يعيشون حياة عاطفية غير مستقرة ولا سعيدة وقد لا تستمر بشكل صحيح، فهم يتصرفون على أساس ما تعلموه من سلوكيات أبيهم النرجسي مع أمهم انطلاقاً من اعتقادهم بأن هذه هي الوسيلة الصحيحة للتعامل مع الجنس الآخر، أو يبالغون في تقديم الاهتمام لتعويض ما افتقدوه لسنوات طويلة مع والدهم النرجسي، وهذه الأمور لا بد أن تفسد العلاقة مع الوقت.
- غياب شعور الأبناء بالأمان: إن الإهمال والتلاعب وعدم التواجد الذي يعيشه الأبناء مع الأب النرجسي لفترة طويلة يجعلهم دائمي الحذر ولا يشعرون بالأمان اتجاه الآخرين، فإذا الأب كان يعاملهم هكذا فماذا يمكن أن يبدر من أشخاص غريبين، فلا يشعرون بالأمان مع أي شخص كان ويفضلون البقاء في كنف أبيهم الذين اعتادوا عليه.
- فقدان الثقة بالنفس: يكبر الأبناء المراهقين لآباء نرجسيين على ضعف الثقة بنفسهم لما يتعرضون له من هذا الأب، ولا يتمكنون من الرد للحفاظ على سلام العلاقة مع الأب وتجنب غضبه، ما يجعله ضعيف الشخصية في حياته الطبيعية.
- فقدان الهوية الشخصية: يفقد المراهق هويته الخاصة بسبب أبيه النرجسي بسبب انشغاله بإرضاء والده وغروره، وقد يتقمص شخصيته وينشغل عن بناء هويته الخاصة وشخصيته المميزة، حيث يصبح غير قادر على اكتشاف هويته وصفاته وما يؤمن به.
- عدم احترام الذات: يتعرض ابن الأب النرجسي للكثير من النقد المستمر ويجعله يعيش طفولة سلبية ويتعرض لصدمات عاطفية ونفسية، وعدم الحصول على الدعم العاطفي والثناء، ما يسبب انخفاض احترام الذات لديه في فترة المراهقة.
- القلق والاكتئاب: يعود القلق والاكتئاب عند مراهقين لتعلمهم من أبيهم النرجسي أن أهدافهم واحتياجاتهم ليست مهمة، حيث يحاول أن يكون مثالياً لتلبية رغبات الأب وعند الفشل يتطور ذلك للاكتئاب.
- عدم الشعور بالنجاح: يفقد المراهق لأب نرجسي لذة النجاح بسبب الإحباط الذي يشعره من قبله، من استخفاف واستهتار واسناد النجاح لنفسه، ما يجعله لا يشعر بالنجاح حتى في حال عدم تواجد أبيه سيشعر بكل نجاح يقدمه على أنه اعتيادي.
- لوم الذات: الأب النرجسي ينشغل عن أبنائه بنفسه وافتخاره بحيث لا يمكنه سماع آلامهم، وحفاظاً على الأسرة ووحدتها وتجنب استياء الأب يلقي اللوم على نفسه حتى تصبح عادة يتبعها المراهق في حياته غالباً.
- الخطأ في اختيار الشريك: يصبح المراهق الذي يعيش مع أب نرجسي أكثر عرضة للاختيارات الخاطئة في شريك حياته، وقد يرتبط بشخص نرجسي لإيجاد صفات والده بها والاعتياد عليها، خاصةً بالنسبة للبنات التي تبحث دائماً عمن يشبه أبيها لاعتيادها على أسلوب حياته، فقد تختار شخص لا يقدر قيمتها لعدم قدرتها على اثباتها أمامه.
إذا كان والدك نرجسياً فأول ما يجب عليك فعله أن تتعرف أكثر إلى اضطراب الشخصية النرجسية وكيف يفكر الشخص النرجسي وما هي دوافعه، سيساعدك ذلك على تفهّم سلوك الأب النرجسي بشكل أفضل، والعمل أيضاً على الحد من تأثيره السلبي عليك وعلى أخوتك، وإليك بعض النصائح للتعامل مع الأب النرجسي:
- تحسين المهارات الشخصية: عندما يعمل الشاب على تحسين صفاته ومهاراته الشخصية فسوف يشعر باستقلالية ونجاح أكبر، وبالتالي يكتسب ثقة بنفسه يستعيض بها عن الحرمان من الدعم من الاب النرجسي.
- تجنب المواجهة مع الأب النرجسي: حتى لو كان الأب مخطئ ومسيء أحياناً فهو يبقى الأب وله مكانته واحترامه، لذا من الأفضل تجنب المواجهة معه حتى لا تسوء العلاقة أكثر ويصعب علاج المشكلات.
- التقرب العاطفي: يمكن للابن أن يكون المبادر بالتقرب العاطفي من والده، فمن ناحية يكون قد أرضى جزء من رغبات الأب النرجسي بما يحسن العلاقة بينهما، ومن ناحية أخرى قد يفيد ذلك في ميل الأب نحو ابنه أكثر والتقرب منه أيضاً.
- الحوار مع الأب النرجسي: استغلال بعض المواقف المناسبة للحوار مع الأب النرجسي، حول ما يشعر به الابن المراهق وتأثير سلوكيات أبيه عليه، وكيف يحلم بأن تكون علاقته مع الأب، قد تجعل الأب النرجسي يشعر بخطئه أحياناً ويقوم بمحاولات لتحسين تصرفاته مع أبنائه.
- التحلي الصبر والاحتمال: الصبر على الأب النرجسي واحتمال سلوكياته مع الوعي بعدم التأثر بهذه السلوكيات، يفيد بشكل كبير في تحسين مشاعر الابن تجاه أبيه وتجاه نفسه من ناحية، ويقلل من المشاكل الأسرية التي يمكن أن يتسبب بها الأب النرجسي من ناحية أخرى.
- طلب الاستشارة: إذا كنت عاجزاً عن التعامل مع والدك النرجسي عليك اللجوء لطلب الاستشارية التخصصية من المعالج النفسي أو الأسري للحصول على الأدوات المناسبة لتجاوز تأثير الأب النرجسي والتعامل معه بطريقة صحيحة.
علاقة الأب النرجسي مع بناته قد لا تختلف كثيراً عن علاقته مع أبنائه الذكور، مع ذلك قد تختلف الآثار السلبية للأب النرجسي على البنات:
- النقد الذاتي الشديد: كثيراً ما يوجّه الأب النرجسي انتقادات لبناته تشعرهن بأنهن أقل قيمة لكونهن فتيات، وقد تشكل البنت قناعة عن نفسها بأن أبيها على حق وهي أقل قيمة، مما يزيد لديها النقد الذاتي ونقص احترام وتقدير الذات.
- تطور الصفات النرجسية: بعض الآباء النرجسيين يبالغون بتقدير بناتهم ووصفهن بالنجاح وبأنهن أفضل من غيرهن، رغبة منهم بإبراز نجاهم في التربية وتفوق بناتهن على غيرهن، وهذه السلوك قد ينمي أفكار لدى الفتاة المراهقة بأنها أكثر اختلافاً وتميزاً عن غيرها من الفتيات، وأنها تستحق دائماً ما هو أفضل منهم، وبالتالي تنتقل الصفات النرجسية إليها من الأب النرجسي.
- صعوبة دفاع البنت عن نفسها: الأب يمثل السند للبنت المراهقة فهي عندما تدافع عن نفسها أو تظهر قوتها تعتمد دائماً على وجود أب قوي خلفها يحميها، ولكن عندما تكون الإساءة التي تتعرض لها من هذا الأب أساساً، فإنها سوف تجد نفسها وحيدة لا سند لها تتعلم منها الدفاع عن نفسها.
- الرغبة غير الطبيعية بإرضاء الآخرين: تتربى الفتاة في ظل الأب النرجسي بأن دورها دائماً هو تنفيذ رغبات والدها وتطلعاته، وكل ما تقوم به لا قيمه له إن لم يكن مرضياً لوالدها، فتعتاد على ذلك وتنسى حقوقها، وتصبح شخصية تابعة تميل دائماً للتضحية لإرضاء غيرها.
- زيادة مشاعر الذنب: أي تقصير أو قلة اهتمام ومجاملة للأب النرجسي تجعله يحاول إشعار من حوله بالذنب وبالأخص زوجته وأولاده، والشخص النرجسي غالباً يكون ذكي وينجح في هذا الهدف، وعدم إدراك الفتاة لهذه الحقيقة بسبب صغير سنها يجعلها أكثر عرضة لتصديق ذلك والاعتقاد بأنها مقصرة ومذنبة، حتى يصبح الشعور بالذنب صفة لديها.
- دخول البنت علاقات غير صحية: الفتاة التي تتربى في كنف أب نرجسي تكون أكثر عرضة للانخراط في علاقات غير صحية، فهي تشعر بالنقص وقلة الاهتمام وترغب بتعويض ذلك، ولا تجد أفضل من العلاقات العاطفية التي تتضمن الكثير من المجاملة في بداياتها لإشباع هذا النقص، هذا وبالإضافة لقلة خبرتها في الاختيار العاطفي، يجعلها ضحية لعلاقات غير صحية وربما خطرة عليها.
- تنمية الوعي بالذات: بما أن الابن لا يجد التعاطف من والده النرجسي، يجب عليه أن يلجأ للتعاطف الذاتي، مثل الانغراس بالأنشطة التي يحبها وتوفير المساحة الخاصة لنفسه للاستمتاع بها، مع تقبل حقيقة الأب النرجسي والتعايش معها.
- ممارسة الرعاية الذاتية: من الطبيعي جداً أن يكون ابن الأب النرجسي يتعرض للسلوكيات المسيئة من طرف الأب النرجسي، وبقدر ما هذا مؤلم فمن المحتمل أن تتمكن من تحديد الإساءة العاطفية والإهمال والإساءة النفسية والجسدية والمالية، والتعامل معها وتقديم الرعاية الذاتية التي تساعد في التعرف على القيمة الحقيقة للنفس على أنك أنت ليس ما ينظر إليه أبيك، ويمكن طلب المساعدة من أحد المستشارين.
- التخلص من الآمال الكاذبة: جميعنا يحلم في بناء علاقة رائعة مع الأب، لكن مع العيش لسنوات مع الأب النرجسي والتعرض للمزيد من الشحن والسلبية قد يصبح هذا الأمر صعباً جداً خاصةً إذا أصبح بالغاً يريد الحفاظ على هويته الخاصة، فلا تستثمر عواطفك الثمينة في الحفاظ على علاقة لن تكون أبداً.
- تعزيز نقاط القوة في النفس: بعد أن تم تقويض نقاط القوة التي يتمتع بها الابن بسبب أبوه النرجسي سيفتقر لثقته بنقاط قوته ومواهبه، لذا من المهم تعويد الطفل من قبل الأم أو غيرها من المشرفين على تقييم ما يقوم به بشكل جيد، وهذا سيجعل أمامه سجل خبراته يمكنه التفكير به بشكل متكرر لتذكير نفسه بأن لديه الكثير مما يقدمه ولا يعترف بها أبوه النرجسي.
- ممارسة التأمل واليقظة الذهنية: تساعد جلسات التأمل في تحسين حياة البالغين من أبناء الأب النرجسي بشكل عام، كما يحسن من قدرتهم على التواصل مع والدهم، حيث يكون لهم توقعات وتصورات مختلفة عن غيرهم فهم يميلون للتفكير بنفسهم بشكل سلبي، وباليقظة الذهنية والتأمل يمكنهم ملاحظة مشاعرهم وأفكارهم بعيداً عن الطاقة السلبية الناتجة عن البيئة المنزلية.
بسبب صعوبة التعامل مع الأب النرجسي وتلقي الكثير من الإساءة والإهمال منه في كثير من الأحيان، قد تنمو لدى الابن مشاعر الحقد والكره أحياناً وخصاصة في مرحلة المراهقة، حيث يجد المراهق أن هذا الأب لا يستحق الاحترام أو البر من قبله.
ولكن من الناحية الدينية برُّ الوالدين وطاعتهما من الواجبات التي أمرنا بها الله إلا في الحالات التي فيها كفر أو معصية لله تعالى، وعلى هذا الأساس فطبعاً يجب البر بالأب دائماً حتى لو كان نرجسياً، ويجب احتمال هذه الصفة والعمل على علاجها دون التقليل من احترام الأب أو التوقف عن بره.
ومن الناحية الأخلاقية فاتصاف الأب بالنرجسية هي مشكلة نفسية سلوكية لديه، وأحياناً تكون خارجة عن إرادته حتى لو تسبب الأذى النفسي والعاطفي لابنه، ولكن مكانة الأب تفرض على الابن احترامه وتقديره، وبدلاً من كرهه أو الحقد عليه والرغبة من الانتقام منه، من الأفضل التركيز على منع تأثير نرجسيته على شخصية الابن، ومحاولة علاج هذه المشكلة وإيقافها لدى الأب إذا أمكن ذلك.