أسباب شعور الأمهات بالذنب والتقصير وكيف تتعاملين معه
تعاني معظم الأمهات من الشعور بالذنب وتأنيب الضمير والتقصير بحقّ أبنائهن، حتى وإن لم يكن هناك سبب معقول لهذه المشاعر، وحتى إن لم تعبّر الأم عنها بشكل مباشر، بل ربما أنكرتها وكبتتها، فهي مشاعر طبيعية وموجودة ومتجذّرة في الوعي الإنساني.
شعور الأم بالذنب وتأنيب الضمير أو التقصير ليس شعوراً نادراً ويكاد يكون شعوراً مشتركاً بين جميع الأمهات الطبيعيات! وتعرف هذه الظاهرة باسم "ذَنْب الأم -Mom guilt " حيث تشعر الأمّ أنها ليست على المستوى المطلوب كأمّ ومربية لأبنائها، مهما بذلت من جهد ومهما كانت المؤشرات الحقيقة تخالف هذا الشعور.
يرتبط شعور الأمهات بالذنب وتأنيب الضمير تجاه أبنائهن بالمسؤولية الكبيرة التي يلقيها المجتمع على عاتقهن، حيث تعتبر الأم مسؤولة عن صحة طفلها وتربيته وتعليمه وكل تفاصيل حياتها، ما يجعلها تشعر أنّها مطالبة بفعل أكثر ممّا تفعله دائماً، وأنها عرضة للوم من الجميع -بما فيهم أبنائها- عند حدوث أي مشكلة وإن لم يكن لها أي دور بها!
يمكن القول أن شعور الأم بالتقصير بحق طفلها أو تأنيب الضمير تجاه أبنائها شعور طبيعي وشائع جداً، يرتبط بدور الأم الاجتماعي والتوقعات التي يبنيها الآخرون حول الأمومة والتي تبنيها الأم لنفسها، والمسؤوليات الثقيلة التي يتعامل معها الأبناء والأزواج والمحيط الاجتماعي كواجبات طبيعية وعادية وأحياناً يقللون من أهميتها وصعوبتها.
السبب الرئيسي لشعور الأم الدائم بالذنب نحو الأبناء والتقصير بحقهم لا يرتبط بالأم نفسها ولا بأبنائها بل يرتبط بالتوقعات الاجتماعية من الأم التي تحمّلها مسؤولية أبنائها الكاملة منفردةً، والجدير بالذكر أن شعور الأب بالذنب أصبح أكثر شيوعاً مع انخراط الآباء أكثر في تربية الأطفال في العصر الحديث، هذا لا ينفي وجود بعض العوامل والأسباب الشخصية التي تجعل الأم تشعر بالقلق حيال قيامها بواجبها:
- الشعور بالذنب تجاه الطفل الأول: أقوى مشاعر الذنب والتقصير التي تشعر بها الأم تتعلق بطفلها الأول، من جهة قد تشعر الأم أنها غير قادرة على تقبّل الطفل الأول بالشكل الدرامي الرومانسي الذي تراه في المسلسلات، ومن جهة أخرى قلة خبرتها بالتربية والعناية بالطفل الأول تجعلها تحمّل نفسها المسؤولية عن كل ما يحصل له بما في ذلك ألم التسنين!
- ذنب الرضاعة الطبيعية والفطام: معظم الأمهات يشعرن بمشاعر سلبية في مرحلة ما من الرضاعة الطبيعية، ويفكرن إن كان حليبهن غير كافٍ أو غير مشبع أو حتى ضار للرضيع، كما تشعر الأمهات بالذنب عند الاضطرار أو الاختيار للرضاعة الصناعية، وتشكل مرحلة فطام الطفل أولى تجارب الأم مع مجابهة رغبات طفلها، وهي أيضاً أول تجربة حرمان في حياة الإنسان بطلها والدته!
- التوقعات الكبيرة من الأم: التوقعات التي تتعلق بالأمهات حول عاطفتهن وواجباتهن الكثيرة والاهتمام الكبير بأطفالهن تضع الأم تحت ضغوط كبيرة لا يشعر بها أحد سواها، وتتحول هذه الضغوطات لشعور مسبق بالتقصير والذنب والعار أحياناً، فإذا ارتكب طفلها خطأ أمام الناس وكان عادياً وطبيعياً بالنسبة لعمره، ترى الأم نظرات اتهام لها بالتقصير وإن لم تكن حقيقية.
- كثرة اللوم والنقد الذي تتعرض له الأم: تشير الدراسات إلى أن معظم المرضى النفسيين يربطون مشاكلهم النفسية بأمهاتهم! والأمهات يعلمن أنهن سيتعرضن للوم والنقد دائماً من أبنائهن ومن المجتمع حتى وإن بذلن كل ما بوسهن، لذلك تعيش الأم تحت وطأة اللوم المستمر من الزوج والأبناء والأقارب والمجتمع.
- عدم تفهّم المشاعر الطبيعية في ظل الأمومة: الأمّ تشعر كغيرها من البشر بالحاجة للراحة والحاجة لوقت خاص، تشعر بالملل، بالتعب والإرهاق، بالرغبة بالاختفاء من حياة عائلتها ولو بشكلٍ مؤقت، تشعر أيضاً أنها مستنزفة من أبنائها وزوجها، أنها مسلوبة الإرادة والحرية، وجميع هذه المشاعر طبيعية ومشروعة، لكنها تسبب للأم شعوراً بالعار والذنب وكأن هذه المشاعر جريمة يجب أن تعاقب نفسها عليها قبل أن يعاقبها الآخرون.
- أخطاء الحياة الطبيعية: قد تقع الأم خلال الحياة اليومية مع أبنائها ببعض الأخطاء الطبيعية التي تنتج عن عدم المعرفة أو عن النسيان أو التقديرات الخاطئة، وصحيح أن هذه الأخطاء قد تكون مضرة للطفل في بعض الأحيان، لكن الأم تتعامل مع هذه الأخطاء كذنوب يصعب غفرانها أو تجاوزها.
- شعور الذنب عند الأم العاملة: تتميز الأمهات العاملات بقدر أكبر من مشاعر الذنب بسبب غيابهن عن البيت لفترة أطول وانشغالهن بالعمل، خصوصاً عندما لا تستطيع الأم الموازنة بين عملها وتربية الأطفال، ما يجعلها دائماً غارقة بمشاعر الذنب، لكن في العصر الحديث أصبحت الأمهات غير العاملات يشعرن بالذنب أيضاً لأنهن يحرمن أطفالهن من مستوى اجتماعي أفضل!
- فقدان السيطرة: قد تفقد الأم السيطرة على أعصابها عدة مرات في اليوم، على اختلاف أسلوب الأمهات بالتعبير عن الغضب في التربية، لكن المشترك أن فقدان السيطرة الطبيعي هذا من الأسباب الرئيسية لشعور الأم بالذنب، وكلما بالغت الأم بالعصبية والغضب، ازدادت مشاعر الذنب والعار قوّة وحدّة، وهنا نقصد الأمهات السويّات اللواتي ينفعلن ضمن الحدود الطبيعية!
- تفهّمي الشعور بالذنب: أولى خطوات علاج مشاعر الذنب وتأنيب الضمير عند الأمّهات أن يتفهمن طبيعة هذه المشاعر وأن تعلم كلّ أمّ أنها ليست حالةً فريدة من حيث شعورها المؤلم بالذنب، يساعد تفهّم هذه المشاعر في سياقها الطبيعي في تخفيف الضغط عن الأمَ.
- توقفي عن السعي للكمال: السعي المستمر لتكوني "سوبر ماما" لن يقودكِ إلّا للمزيد من الشعور بالذنب والتقصير وتأنيب الضمير، حاولي التوقف عن التفكير بالوصول للمثالية والكمال، وتقبّلي أنّكِ من الطبيعي أن تخطئي وتصيبي، ولست مطالبةً بالتفوّق على طبيعتكِ البشرية.
- اتبعي مبدأ أنانية الأم الإيجابية: الأنانية الإيجابية عند الأمهات تعني أن تحصل الأم على وقتٍ خاص مستقطع بشكل دوري ومنتظم، يشبه الإجازة التي يحصل عليها الموظفون! هذا الوقت المستقطع اليومي أو الأسبوعي والذي يجب أن تقضيه بالعناية بنفسك وممارسة حياتك الخاصة سينعكس بشكل إيجابي على تربية أبنائك وحياتك العائلية وسيساعد على علاج مشاعرك السلبية تجاه دورك كأمّ.
- أعيدي تقييم أداءك كأمّ: يجب أن تقومي بإعادة النظر إلى أدائكِ كأمّ بشكل عقلاني وموضوعي بعيداً عن المشاعر السلبية والأوهام المرتبطة بتأنيب الضمير عند الأمّهات، ذلك لن يساعدك فقط على تجاوز مشاعر الذنب، بل على اكتشاف التقصير الحقيقي وتعويضه.
- احصلي على المعلومات التربوية من مصادر موثوقة: لتتخلصي من شعور التقصير والذنب تجاه أطفالكِ عليك أن تتعرفي أكثر إلى معلومات وحقائق عن التربية والأمومة من مصادر موثوقة لا تعتمد على تصوير الأم بالأبيض والأسود، إما بطلاً خارقاً أو مجرماً مهملاً!
- اطلبي المساعدة من متخصص: يمكن أن يساعدك المعالج النفسي أو المستشار الأسري في إدارة مشاعرك السلبية وخصوصاً مشاعر الذنب وتأنيب الضمير وشعور التقصير بحق الأبناء، لا تترددي بطلب المساعدة النفسية من المتخصصين.
- فقدان الثقة بالنفس: مشاعر الذنب عند الأم غالباً ما تتحول إلى نقص باحترام الذات وشعور بعدم الاستحقاق، وهذه النظرة السلبية للذات تجعل الأم تدخل في حلقةٍ مفرغة من لوم الذات واحتقار الذات الذي يقود أحدهما للآخر.
- اكتئاب الأمومة ومشاعر الإحباط: من ناحية فإن مشاعر الذنب والتقصير لدى الأم تجعلها تعتقد بأنها فشلت في الأمومة، ومن ناحية أخرى هي تشعر بأنها تؤذي طفلها أحب وأقرب الأشخاص إلى قلبها، وهذه المشاعر تسبب حالة من الإحباط والكآبة للأم.
- المبالغة برعاية الطفل وحمايته: الأم التي تشعر بالذنب والتقصير تجاه ابنها قد ترغب بتعويض هذا التقصير بأي طريقة ممكنة، ما قد يجعلها تبالغ بالعناية بابنها إلى حد كبير، قد يصبح فعلاً سبباً لأذى الطفل عاطفياً أو نفسياً، مثل الدلال الزائد وتكوين شخصية اتكالية أو تعلم الطفل العناد والتعلق الشديد بأمه.
- إهمال الذات: شعور الأم بالذنب والتقصير بحق أبنائها قد يجعلها تهمل نفسها وتبالغ بالتضحية برغباتها وحقوقها في سبيل إرضاء أبنائها وتعويضهم عن التقصير الذي تشعر به، لكن الحقيقة أن إهمال الأم لنفسها يضاعف من المشاعر السلبية المرتبطة بالأمومة.
- الابتزاز العاطفي من الأبناء والزوج: شعور الأم المستمر بالذنب والتقصير غالباً ما يجعلها قابلة للابتزاز العاطفي والاستغلال بسهولة من المحيطين به، والغريب أن أول من يلجأ لهذا الأسلوب المؤذي هم الأبناء والزوج!
- تطور الوساوس والأفكار السلبية: مثل تكون الهواجس والمخاوف بأن طفلها سوف يمرض أو سوف يفشل أو سوف يكون لديه شخصية ضعيفة أو مشاكل نفسية، وغيرها من الأفكار السلبية التي ترى الأم بأن تصرفاتها الخاطئة سوف تسببها.